شاهيناز العقباوى أثار طرح وزارة الإسكان وحدات سكنية لمتوسطى الدخل لغطا شديدا وغضبا بين المواطنين، لاسيما أن أسعارها لا تتناسب بأى حال من الأحوال مع دخول المصريين، هذا فضلا عن أنها ترسخ لعدد من القوانين والتى تؤثر بشكل مباشر على نظرة الدولة لتوفير إسكان ملائم للمواطنين طبقا لما هو معروف عالميا، حيث إنها بذلك ترفع أسعار الوحدات السكنية فى السوق هذا فضلا عن رفعها لأسعار الأراضى، خصوصا أن تاريخ توفير الدولة للإسكان طويل وكان ينظر إليه قديما بشىء من التقدير والاحترام لآدامية المواطن المصرى، لذا من الضرورى أن تراجع الدولة أوراقها وتعيد النظر مرة أخرى لما هى مقبلة عليه، وتحاول أن توفر إسكانا للمواطنين يتناسب مع دخلهم واحتياجاتهم، لاسيما أن مشكلة الإسكان تظل أكبر مشكلة يواجهها المصريون، وفقا لبيانات البنك الدولى أن 75% من متوسطى ومنخفضى الدخل فى مصر لا يستطيعون امتلاك منزل دون مساعدة، لذا عقب ثورة 52 كان تعداد السكان 20 مليون نسمة، وكان هناك عجز فى الوحدات السكنية لكن الدولة أخذت على عاتقها حل الأزمة بالتعاون مع المجالس المحلية والتعاونيات الإسكانية ببناء الوحدات السكنية وتأجيرها. ووضع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تخطيطا للمدن الجديدة التى بدأ تنفيذها فى عهد السادات ومبارك، وعلى سبيل المثال كمدن مراقيا، ومايو، وغيرها لكن كل هذه المدن كانت بسياسة الإيجار ولبناء (إسكان شعبى) حتى إن معظم الشركات والمصانع كانت تقوم ببناء وحدات سكنية للعاملين فيها، واستمر هذا الوضع إلى أن جاء "عثمان أحمد عثمان" وزيرا للإسكان وكانت النقطة المفصلية فى سياسات الإسكان فى مصر بعد عودته من مؤتمر "بانكوبر"، حيث تجاهل تماماً البيان الختامى للمؤتمر الذى وضع فيه جميع الحلول المثالية لمشاكل الإسكان فى العالم ، وقام بتنفيذ سياسات مخالفة لما جاء بتوصيات المؤتمر فوضع حجر الأساس لنظام التمليك فى مصر، وهو الذى كان بداية لأزمة الطبقات محدودة الدخل مع الإسكان حيث تحكمت الطبقات الرأسمالية والبرجوازية فى الإسكان بمصر وتحول الإسكان من خدمة مستحقة لكل المواطنين إلى سلعة تباع لمن يملك، فكانت سياسة الإسكان التى بدأها "عثمان" السبب الرئيسى فى مشكلة العشوائيات التى بدأت مع عدم وجود إمكانات للطبقات الفقيرة فى توفير مسكن بعد أن رفعت سياسة التمليك من أسعار الوحدات السكنية، وأصبح السكن مقتصراً على القادرين على تملك الوحدات، فاتجهوا للبناء بالمناطق الشعبية دون تخطيط هندسى مما أدى لتفشى العشوائيات. حتى وصل الأمر فى عام 80 إلى وجود مليون و800 ألف وحدة بلا سكان، حيث تحكمت الطبقات الرأسمالية والبرجوازية المهاجرة إلى دول الخليج فى الوحدات واشترت غالبية الوحدات وأغلقتها لحين عودتها مما جعل الإسكان فى مصر سكانا بلا مساكن، "ومساكن بلا سكان، وبشكل عام يؤكد خبراء الإسكان على أن حالة الإسكان فى مصر مرت بثلاث مراحل مرتبطة بشكل كبير مع الوضع الاقتصادى والتخطيط الاستثمارى فى البلاد، حيث إن المرحلة الأولى بدأت عقب 1952 وشهدت المرحلة الأولى حركة اقتصادية نشطة خصوصاً على مستوى الصناعة. فأنشئت مئات المصانع وهو ما انعكس على الوضع السكانى، فتم بناء عدد كبير من "المساكن العمالية لاستيعاب أسر العاملين بالقرب من المصانع، وتبنت الدولة مشاريع إسكان للفقراء "الإسكان الشعبى" لتلبية نسبة كبيرة من الطلب على هذا النوع من السكن.. والظاهرة الملحوظة فى تلك المرحلة هى الافتقاد للمقاييس الجمالية للبناء والاعتماد على قوالب أقرب للنموذج الصينى، لكن من الملاحظ أنه لم تكن هناك شكوى من عجز العمال عن توفير مساكن لهم أو حتى شكوى من عجز الدولة عن توفير وسائل مواصلات لنقل العمال من أماكن وجودهم إلى مصانعهم ومحال أعمالهم وحتى من ارتفاع أسعار الوحدات أو عجز البعض عن وجود سكن يأويهم ..وتبدأ المرحلة الثانية من 1970 وحتى عام 1990 عندما بدأت التغيرات الاقتصادية فى البلاد متدرجة وهادئة إلى حد كبير ثم تسارعت بعد ذلك، حيث كانت البداية مع سياسة الانفتاح على الخارج ثم إنشاء المناطق الحرة، وقتها كانت الدولة تعد الخطوط العريضة للتحولات الكاملة مع تبنى النظام لمصالح الطبقة الرأسمالية التى كونت ثرواتها من إدارتها للقطاع العام، وقد انعكست تلك السياسات الاقتصادية التى تبنتها الدولة وقتها على وضع السكن فى عدد من الجوانب حيث بدأت الدولة فى التخلى التدريجى عن إسكان الفقراء بتخفيض عدد الوحدات التى كانت تقوم بإنشائها، وألقت بذلك الالتزام على عاتق المستثمرين العقاريين، وهو ما يتناقض مع رغبة الرأسماليين فى الربح السريع، وبالتالى ضعف توجه الدولة نحو مثل هذه المشروعات الداعمة والمحفزة للطبقة الفقيرة، بل إنه ومع بداية التسعينيات تمحورت المرحلة الثالثة عندما بدأت الدولة فى استكمال مشروعها الاقتصادى المبنى على "إعادة الهيكلة" والخضوع الكامل لقوانين العرض والطلب، فتسارعت عملية الخصخصة بشكل أشبه بالتهور الاقتصادى.. ويمكننا بسهولة سرد عشرات الحقائق عن الكوارث التى سببتها وتسببها تلك السياسات خصوصاً فى تحميل الفقراء ثمن تلك السياسات، ويكفى الانفلات المذهل للأسعار مع الانخفاض الحاد فى الدخول، وهو ما أدى إلى بلوغ نسبة الفقر فى مصر 33 %، وكذلك وجود أكثر من عشرة ملايين مصرى تحت خط الفقر.. ومازالت الدولة مستمرة فى اندفاعها المحموم نحو إطلاق آليات السوق المتوحشة والخروج تماماً من النشاط الاقتصادى والخدمى، وتخلت الدولة نهائيا عن إسكان الفقراء، وحتى النظافة ومياه الشرب تم خصخصتها أخيراً.. ومع بداية بدأت فكرة مشروع الشباب فى أكتوبر لتوفير مسكن عصرى للشباب بأسعار مناسبة، وقد تم عرض المشروع بمساحات تتراوح بين 100 – 70 – 63 مترا مربعا. فى كل من العاشر من رمضان، والشروق، والعبور، والقاهرة الجديدة، و15 مايو، و6 أكتوبر، والشيخ زايد، والسادات، ودمياط الجديدة، وبنى سويف الجديدة، والمنيا الجديدة، وأسيوط الجديدة طيبة. كما جاءت المرحلة الرابعة من المشروع الإسكان الاقتصادى المطور بمساحات تتراوح بين 50: 57 مترا مربعا، وكشفت دعوى أقامها أسعد هيكل، المحامى بعد اندلاع ثورة يناير ومنسق لجنة الحريات بالنقابة العامة للمحامين أمام محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة، ضد وزير الإسكان ورئيس هيئة المجتمعات العمرانية بصفتهما عن قيام الهيئة بالتعاقد مع 131 شركة استثمارية مصرية وأجنبية تعمل فى مجال الاستثمار العقارى لتنفيذ مشروع مبارك القومى للإسكان، الذى طرحه الرئيس المخلوع فى برنامجه الانتخابى عام 2005، والتى حصلت بمقتضى ذلك تلك الشركات على مساحات شاسعة من الأراضى الفضاء بالمدن الجديدة وذلك مجانا، ودون أى مقابل مالى لبناء مساكن للشباب ومحدودى الدخل بأسعار مخفضة لحل مشكلة الإسكان، لكن هذه الشركات لم تلتزم بتنفيذ أى من شروط ومواصفات والتزامات هذا المشروع، وفقا لما جاء بوعد الرئيس، وقامت بالبناء فى إطار مشروع مبارك القومى لإسكان الشباب على نصف المساحة المخصصة إليها فقط، بينما قامت بالبناء على النصف الآخر أبنية استثمارية وفيلات بأسعار خيالية لا يستطيع دفعها الشباب ومحدودى الدخل، وهو ما أدى إلى إهدار 15 مليار جنيه من خزينة الدولة قيمة إنشاء المشروع. ومساندة من البنك الدولى تدخل ليحل أزمة الشروط المجحفة التى تفرضها الشركات الاستثمارية على الوحدات السكنية والتى وصلت لأعلى مستوياتها فى الوقت الحالى، حيث يسهم البنك بميزانية تبلغ 300 مليون دولار أمريكى، من خلال دعم صندوق التمويل العقارى التابع لوزارة الاستثمار المصرية فيما يعرف ببرنامج "دعم إسكان محدودى الدخل". ويهدف هذا البرنامج إلى إصلاح الخلل الحالى فى الدعم المقدم لشركات المقاولة لإسكان محدودى ومتوسطى الدخل، إذ أنه سيوفر المساعدة المالية مباشرة للشارين عوضًا عن دعم المستثمرين فى مثل تلك المشاريع. هذه المقاربة ستضمن الاستفادة القصوى من الأموال المخصصة وستمنع أى تلاعب يمنع وصول الدعم لمستحقيه.