طبق الفول المدمس المهروس بالزيت الحار.. وأقراص الطعمية الساخنة عشق لا يقاوم عند المصريين منذ قديم الزمن، بل وتنتقل عدوى ذلك العشق لغالبية من يأتون إلى مصر سياحا وزوارا. أكثر من ذلك انتقل هذا اللون من العادات مع الجاليات المصرية فى جميع دول العالم. فعشقت الدنيا طبق الفول وتغزلت فى أقراص الفلافل. أيضا هناك محصول آخر لا يقل عشقا لدين المصريين، خصوصا «المحبين»، وخاصة من يتنزهون على شواطئ النيل الخالد، وحدائق الحيوان، وربما المسارح والسينمات، وهو «الترمس»، وبرغم أن الترمس وجه آخر للمنفعة وهو شفاء كثير من الأمراض إلا أننا أيضا أهملناه. فعلى الرغم من أن الأصول الوراثية للترمس والفول البلدى مصرية المنشأ، فإنهما يتعرضا لحالة من الإهمال الشديد فى الآونة الأخيرة فى مصر، حيث يتم استبدال (الترمس المر) المصرى عظيم الفائدة بأنواع أخرى مستوردة، أسهل فى التحضير لكنها أقل فى الجودة والمنفعة، كما نجد تراجعا بشكل ملحوظ فى إنتاج الفول البلدى، على الرغم من أنه كان المحصول الأول فى مصر من حيث الإنتاج، والأهمية الغذائية بالنسبة للشعب المصرى، فما الذى أدى إلى تراجع إنتاج هذه المحاصيل المهمة، وهل تم الحفاظ على أصولها الوراثية المصرية؟ أم ضاعت كما ضاع غيرها من المحاصيل، كل هذا سنعرفه من خلال السطور المقبلة . يقول الدكتور أحمد حمدى إسماعيل، أستاذ متفرغ بمعهد بحوث المحاصيل الحقلية فى دراسته عن الأصول الوراثية للفول البلدى: تعتبرالأصول الوراثية هى الأساس الذى تبنى عليه برامج تحسين الأنواع النباتية المختلفة، وأوضح أن الفول البلدى نوع نباتى ثنائى الكروموسومات، ولم ينجح تهجينه مع أى نوع نباتى آخر، وبه نسبة من التلقيح الخلطي، والتلقيح الخلطى فى الفول البلدى، هو أحد العوامل المهمة التى يجب وضعها فى الاعتبار فى كل مراحل وخطوات إدارة الأصول الوراثية من عمليات تجميع، وتجديد البذور، والمحافظة على الأصول الوراثية، وعمليات تقييم واستخدام تلك الأصول . كما أكد حمدى، أن مصر تحتفظ فى الوقت الحالى بنحو 330 أصلا وراثىا للفول البلدى فى البنك القومى للجينات، وقد تم تكثيف عمليات جمع أصول وراثية للفول البلدى فى مصر ومنظمات دولية معنية بهذا المحصول، حيث تم جمع 95 أصلا وراثيا فى مصر عام1978، بواسطة المعهد الدولى للزراعة الاستوائية، و200 أصل من كل محافظات مصر فى العام 1982 بالبنك القومى للجينات، وأشار حمدى أنه بصفة عامة، فإن عدد الأصول الوراثية للفول البلدى التى تم تجميعها تعتبر قليلة مقارنة مع محاصيل أخرى مثل القمح والعدس وغيرها . وعن كيفية تخزين وحفظ الأصول الوراثية للفول البلدى يقول حمدى: إنه نظرا لأن أغلب الأصول الوراثية تحفظ فى صورة بذور ومنها الفول البلدي، ومن المعروف أنه لإطالة عمر بذور سلالات الأصول الوراثية للأنواع النباتية المختلفة، فإنه بعد عمليات الجمع يتم تقسيم عينة البذور إلى ثلاث أقسام لحفظها في درجات حرارة منخفضة، وهذه الأقسام هى ( مجموعة البذور الأساسية – مجموعة البذور الفعالة – مجموعة البذور المتداولة) وانتهى حمدى بالحديث عن وصف الأصول الوراثية للفول البلدى، فأكد أنه تم عمل العديد من الكتالوجات والعديد من البحوث المنشورة عن وصف صفات الأصول الوراثية للفول البلدي، ومنها ما تناول توصيف 22 تركيبا وراثىا مصرىا متضمنة بعض الأصناف التجارية المسجلة من أهمها (مصر3) (نوبارية 2)، وغيرها. ومن جانبه أكد الدكتور محمد سيد على رئيس بحوث بقسم المحاصيل الحقلية، أن الفول البلدى كان هو المحصول الأول فى مصر من حيث المساحة المنزرعة والإنتاج الكلى حيث، كان يتم استهلاك بذوره الخضراء والجافة فى تغذية الإنسان، نظرا لاحتواء بذوره على نسبة مرتفعة من البروتين النباتى تصل إلى نحو 28 %، والكيبوهيدرات، بالإضافة إلى الفيتامينات، والعناصر الغذائية الأخرى، هذا إلى جانب دوره فى تحسين خواص التربة وزيادة خصوبتها بتركه نحو 20 إلى 30 وحدة أزوتية للفدان بعد الحصاد، حيث يستفيد منها المحصول التالى لزراعته . وعلى الرغم من هذه الاستفادة القصوى من محصول الفول البلدى، فإنه قد تم إهماله بشكل كبير على مستوى الجمهورية، ويُرجع دكتور على أسباب هذا الإهمال، أو التراجع فى إنتاج الفول، إلى منافسة المحاصيل الأساسية، مثل القمح والبرسيم، وانتشار حشيشة الهالوك مما يعرقل إنتاجه بكثافة، كما أنه لا توجد سياسة سعرية تسويقية لمحصول الفول على حد قوله، أردف دكتور على قائلا: إن هذه الأسباب أدت لعدم إنتاج مصر من الاكتفاء الذاتى لمحصول الفول، حيث لا تتخطى نسبة الاكتفاء الذاتى لمصر من الفول سنويا سوى 30% من احتياجها . وأوضح دكتور أن الباحثين فى معهد المحاصيل الحقلية لا يدخرون جهدا للتوسع فى زراعة الفول البلدى، حيث كانت مصر تنتج صنفا وحيدا من الفول هو (فيشيا فابا)، أما فى الوقت الحالى فيتم إنتاج أصناف أخرى ذات أهمية، من خلال جهود الباحثين فى معهد المحاصيل الحقلية، فعلى سبيل المثال، ينتج المعهد أصنافا بلدية للتدميس مثل صنف (جيزة716)، و(مصر1)، وأصنافا مقاومة لحشيشة الهالوك، وأصناف مقاومة للأمراض الورقية مثل (سخا1) و(سخا2)، وإنتاج أصناف للاحتياجات المائية القريبة، مثل (نوبرية 2)، و(نوبرية3) . وأدلى دكتور على ببعض التوصيات، لزيادة إنتاجية الفول البلدى عن طريق التحميل على المحاصيل الأخرى، أو زيادة إنتاجية الأصناف، والتهجين للحصول على أنواع جديدة ذات إنتاجية عالية والتوسع فى الأراضى الجديدة حتى يتم تقليص الفجوة الغذائية .