نصيحة من محمد فضل للزمالك: لا تفرّطوا في هذا اللاعب    يصيب الإنسان ب«لدغة» وليس له لقاح.. تفاصيل اكتشاف فيروس غرب النيل في دولة أوروبية    مجلس الشيوخ الأمريكي يعتزم التحقيق في هوية الشخص الذي أدار البلاد بدلا من بايدن    رابط الحصول على أرقام جلوس الثانوية الأزهرية 2025.. موعد وجدول الامتحانات رسميًا    قبل ساعات من محاكمته.. إصابة إمام عاشور بوعكة صحية ونقله للمستشفى    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 22-5-2025    نماذج امتحانات أولى ثانوي 2025 بالنظام الجديد.. رابط مباشر    القيمة المضافة.. الصناعات الزراعية أنموذجا    الدولار ب49.8 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الخميس 22-5-2025    الفيلم الوثائقي الأردني "أسفلت" يفوز بجائزة في مهرجان كان السينمائي 2025    إمام عاشور من داخل أحد المستشفيات: الحمد لله على كل شىء (صورة)    زيلينسكي يتحدث عن هجمات روسية مكثفة في شرق أوكرانيا    بعد استهداف الوفد الدبلوماسي، كندا تستدعي السفير الإسرائيلي وتطالب بالمحاسبة    وزارة المالية تعلن عن وظائف جديدة (تعرف عليها)    هذا أنا مذكرات صلاح دياب: حكاية جورنال اسمه «المصرى اليوم» (الحلقة الثالثة)    أموريم: كنا أفضل من توتنهام.. وسأرحل إذا أراد مانشستر يونايتد إقالتي    زيادة كبيرة ب920 للجنيه.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة بعد الارتفاع التاريخي    تباين في أسعار الخضروات بأسواق مطروح.. والبامية والليمون تكسران حاجز ال 80 جنيهًا    أرباح إيسترن كومبانى تنمو 36% خلال 9 أشهر.. بدعم 27 مليار جنيه إيرادات    السيطرة على حريق 4 منازل بالفيوم و إصابة 6 أشخاص باختناق    «استمرار الأول في الحفر حتى خبط خط الغاز».. النيابة تكشف مسؤولية المتهم الثاني في حادث الواحات    ضبط 7 عمال أثناء التنقيب عن الآثار بمنزل في سوهاج    تويوتا RAV4 موديل 2026 تعتمد على نظام السيارة الهجينة القابلة للشحن    سامر المصري: غياب الدراما التاريخية أثَّر على أفكار الأجيال الجديدة    كريم محمود عبدالعزيز: «قعدت يوم واحد مع أبويا وأحمد زكي.. ومش قادر أنسى اللحظة دي»    المستشار عبد الرزاق شعيب يفتتح صرحا جديدا لقضايا الدولة بمدينة بورسعيد    5 شهداء جراء استهداف الاحتلال منزلا في حي الصفطاوي شمالي غزة    محافظ الدقهلية: 1522 مواطن استفادوا من القافلة الطبية المجانية بقرية ابو ماضي مركز بلقاس    إجراء طبي يحدث لأول مرة.. مستشفى إدكو بالبحيرة ينجح في استئصال رحم بالمنظار الجراحي    كندا تطالب إسرائيل بتحقيق معمّق في واقعة إطلاق النار على دبلوماسيين بالضفة الغربية    اليوم.. انطلاق امتحانات نهاية العام لصفوف النقل بالمحافظات    توقعات حالة الطقس اليوم الخميس    بأجر كامل.. تفاصيل إجازة امتحانات العاملين في قانون العمل الجديد    السفارة التركية بالقاهرة تحتفل بأسبوع المطبخ التركي    الهلال يتمم المقاعد.. الأندية السعودية المتأهلة إلى دوري أبطال آسيا للنخبة    مسلم ينشر صورًا جديدة من حفل زفافه على يارا تامر    حماس تطالب بمحاسبة نتنياهو بعد تصريحاته عن وقف إطلاق النار    السعودية تدين وتستنكر تعرض وفد دبلوماسي لإطلاق نار إسرائيلي في مخيم جنين    رئيس جنوب أفريقيا: نرحب بالاستثمارات الأمريكية ونتوقع زيارة من ترامب    مراسم تتويج توتنهام بلقب الدوري الأوروبي للمرة الثالثة فى تاريخه.. فيديو وصور    محافظ الغربية يُشيد بابنة المحافظة «حبيبة» ويهنئها لمشاركتها في احتفالية «أسرتي.. قوتي».. صور    وزير الزراعة يرد على جدل نفوق 30% من الثروة الداجنة في مصر    وزير الزراعة يحسم الجدل حول انتشار وباء الدواجن في مصر    لحظة وصول بعثة بيراميدز إلى جوهانسبرج استعدادا لمواجهة صن داونز (صور)    كيف تغلبت ياسمين صبري على التصميم الجريء لفستانها في مهرجان كان؟ (صور)    حاكم الشارقة يتسلم تكريما خاصا من اليونسكو لإنجاز المعجم التاريخى للغة العربية    28 يونيو.. ماجدة الرومي تحيي حفلا غنائيا في مهرجان موازين بالمغرب    اليوم.. العرض المسرحي "العملية 007" على مسرح قصر ثقافة بورسعيد    كيف كان مسجد أهل الكهف وهل المساجد موجودة قبل الإسلام؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    هل به شبهة ربا؟.. أمين الفتوى يحسم حكم البيع بالتقسيط وزيادة السعر (فيديو)    الهلال ينجو من خسارة جديدة في الدوري السعودي    "من أجل المنتخبات".. ورش عمل لتطوير مسابقات الناشئين 24 و25 مايو    تحديد موعد مشاركة محمود جهاد في مباريات الزمالك    بعد مطاردة بوليسية.. ضبط سيارة تهرب 8 آلاف لتر بنزين قبل بيعها في السوق السوداء بدمياط    وزير الصحة يستجيب لاستغاثة أب يعاني طفله من عيوب خلقية في القلب    وزارة الأوقاف تنشر نص خطبة الجمعة بعنوان "فتتراحموا"    رئيس إذاعة القرآن الكريم الأسبق: أيام الحج فرصة عظيمة لتجديد أرواح المسلمين.. فيديو    موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سماسرة الموت يجذبون الحالمين بالحياة لبحر الظلمات.. «الأهرام العربي» تكشف الحكايات المأساوية لضحايا الهجرة غير الشرعية
نشر في الأهرام العربي يوم 18 - 10 - 2014

قبل سنوات قليلة، ظهر وحش جديد يخطف أرواح المصريين، الذين يحلمون بالعيش الكريم، والرزق الوفير، بعدما ضاقت بهم أرض النيل، وأغلقت في وجوههم أبواب الرزق، فباتوا يحلمون بفرص العمل في الخارج، حتى ولو كان الطريق للسفر عبر بحر الظلمات، في مغامرة محفوفة بالمخاطر، في ظل جشع سماسرة الموت.
«الأهرام العربي» تفتح ملف الهجرة غير الشرعية، التي حصدت أرواح الكثير من المصريين، قبل أن تنضم لهم أيضا جنسيات عربية هربت من بلادها في ظل الفوضى والقتال والمذابح، باحثين عن فرصة للعمل من أجل الحياة الكريمة.
وفي السطور التالية، نعرض لنماذج من حكايات ومآسي من ابتلعهم البحر، خلال مغامرات الهجرة غير الشرعية
في البداية تقول السيدة «أم هشام» كما عرفتنا بنفسها «هشام ابني كان يبحث عن فرصة عمل في أي وظيفة، فكان يطلب من الجيران ومن الأصدقاء وجميع الأقارب وكل من يعرفه أن يدله علي عمل، حتي ولو كان بسيطا، كي يساعده على كسب الرزق وقوت يومنا، وكان يقول لي دائما: السفر إلي الخارج هو الحل»، وكنت أرد عليه بغضب قائلة:»ربنا حيفرجها من عنده».
وتمضي أم هشام قائلة:»طالت سنوات بطالته، فكان يقضي اليوم بوتيرة واحدة، ينام طول النهار، ويخرج آخر اليوم ليقف مع أصدقائه أسفل المنزل، إلي أن أتي يوما وقال لي إنه تعرف علي شاب يسافر إلى الخارج، وأن ذلك الشاب يستطيع أن يساعده على السفر للخارج لأي بلد في أوروبا أو إيطاليا، وعندما سألته: وكيف ستبحث عن عمل هناك وأنت لا تتحدث إلا اللغة العربية فقط ولا تتحدث أي لغة أجنبية؟ رد قائلا: إنه يعرف أصدقاء له سافروا من قبل وربنا كرمهم ورزقهم براتب شهري حوالي 6 آلاف جنيه في الشهر، وأنه بمجرد وصوله للبلد التي سيافر إليه سيرسل لي راتبه بأكمله".
وتسرد أم هشام حكاية ابنها قائلة: «في البداية رحبت لأنني مريضة، ولا أعمل، وزوجي والد هشام متوف، ولديه أختان؛ واحدة متزوجة وزوجها رزقه بسيط لا يكفيه هو وابنتي، والثانية تعمل خادمة في البيوت بشكل غير مستقر، حيث تعمل يوما وعشرة أيام بدون عمل».
لكن قلب الأم كان يشعر بقرب الفاجعة، حيث تقول أم هشام: «بعد ذلك حلمت أن ابني سافر لكنه لم يعد ثانية، فذهبت إليه وقلت له: اصبر يمكن ربنا يرزقك بوظيفة هنا في مصر لأني متشائمة من سفرك».. لكنه رفض وقال إن لديه صديقا سيكون معه ولن يتركه ومطلوب منه أن يوفر 10 آلاف جنيه، فحمدت الله لأن ذلك قد تكون وسيلة تمنعه من السفر لأننا لا نملك هذا المبلغ، وبالتالي فسيدفعه ذلك للتراجع عن السفر، لكنه حضر بعد أسبوع وقال إن صديقاً له جمع له 7 آلاف جنيه مقابل أن يوقع علي شيك بهذا المبلغ، وبعدها اضطرت شقيقته لبيع قرطها الذهبي، ووصل المبلغ الذي جمعه إلى 9 آلاف ونصف فقط، أي يتبقى له 500 جنيه على المبلغ المطلوب للسفر، فذهب إلي الرجل الذي سيساعده علي السفر حتي يعطي له المبلغ لكن الأخير رفض مشددا إلى أن المبلغ المطلوب 10 آلاف كاملة دون أي نقص، وعندما قال لي ذلك قلت له من أين ستأتي بباقي المبلغ وتوقعت أنه سيتراجع، ولكن بعد يومين وجدته يقول لي إن زوج أخته أعطي له الخمسمائة جنيه وأنه سوف يسافر بعد أسبوع".
وعبثا حاولت أم هشام إثناء ابنها عن السفر، بعدما ظلت تراودها الأحلام بأنه لن يعود، وتمضي قائلة:"ظللت طوال الأسبوع أبكي ليل نهار، وأقنعه أن كل البلدان حاليا بها صراعات وحروب ومشاكل، وإن هذا السفر غير مضمون، فإنه ظل متمسكا برأيه ولا يفكر سوي في السفر".
وعن اللحظات المحفورة في قلبها قبل عقلها، وهي لحظات الوداع قبل السفر تقول أم هشام "قبل سفره بيوم ودع أصدقاءه، وقال لي إنه سيرسل لي أول راتب يحصل عليه، وسافر دون أن يودعني لأنني أصريت قبل سفره بيوم علي ألا يسافر وإلا سأغضب عليه، لكنه أصر علي رأيه".
وعن تلقيها صدمة الخبر الحزين تقول أم هشام "بعد سفره بفترة فوجئت بصديقه وهو جارنا يقول لي إن نجلي لم يسافر بالطائرة كما قال لي، وإنما سافر مستقلا قاربا كبيرا إلي إيطاليا، لكن هناك أخبارا أن هذا القارب قد غرق، ولا يعرف أحد إذا كان هشام علي قيد الحياة أم توفي".
وبعدما أسقط في يد أم هشام لتقف الأم حائرة تبحث عن مصير نجلها قائلة: «أنا لا أعرف أين ابني وهو ما زال على قيد الحياة أم توفى.. وكنت متشائمة منذ البداية من هذه الرحلة لكنه أصر، فماذا أفعل؟ وأنا لا أعرف من هو صديقه الذي ساعده علي السفر أو حتي من سافر معه وليس لدي سوي دعاء الله أن يرده إلي ردا جميلا، وألا يخيب ظني في وجوده علي قيد الحياة».
وتعيش أم هشام على أمل أن يكون نجلها على قيد الحياة، متعلقة بآمال ضعيفة وواهية، ولكنها تدرك في قرارة نفسها أن شيئا ما حرمها من نجلها، وربما لا تراه مجددا أبدا، وأنه قد كتب عليها أن تعيش بقية عمرها مع لوعة فراقه.
وقائع الحزن والألم والفراق لا تختلف من رواية إلى أخرى باستثناء الأسماء وبعض التفاصيل، حكايات من ذهبوا ضحية الأحلام والأمل بعيدا بعدما ضاقت بهم أرض الوطن، ولفظتهم أرض النيل فراحوا يتعلقون بحبال الأمل الممزوجة بالمخاطرة والموت.
السيدة هدي عبد الحي هي الأخرى تروي قصة زوجها شريف إبراهيم المعاق في قدمه بشلل الأطفال وهو ما اضطره للسفر بأي وسيلة للخارج بحثا عن الرزق والحياة الكريمة، وتقول ل«الأهرام العربي»: زوجي "أرزقي"، ويعمل "عتال" أحيانا ونجارا أحياناً أخرى، وأنا مريضة بمرض "الذئبة الحمراء" بخلاف الضغط، ولدينا ثلاثة أطفال، مرضت عقب إنجابي طفلي الأخير، ومشكلتنا الأساسية أنني في كثير من الأحيان كانت تهاجمني "الذئبة" بشكل يجعلني أرقد في السرير أيام ولا أستطيع التوجه لعملي كعاملة نظافة في أحد النوادي، وزوجي أيضا ضاقت به الحال وأصبح لا يجد عملا، وعندما ذهبنا للحصول علي شقة وكشك ووظيفة، أطاح الروتين بأحلامنا، وجاء الرد أنه غير مصرح بإقامة بأكشاك في القطامية حيث نسكن، وبالنسبة للحصول على شقة، فقد رفض طلبنا الحصول على شقة، لأنه عندما تقدم في البداية للحصول عليها كان أعزباً، وبالتالي رفض طلبه، وبعد زواجنا كررنا المحاولة تقدمنا ومعنا قسيمة الزواج وشهادة ميلاد ابني وأخبرنا العاملون في الوزارة بالموافقة على طلبنا، وقالوا "استنوا تليفون نخبركم بمنحكم الشقة".. ومرت السنون ونحن ننتظر بلا جدوى.
لكن أين تسكن السيدة هدى؟ تجيب قائلة:"نسكن في شقة في وضع أشبه بوضع اليد، حصلنا عليها بعد الثورة، وكل يوم نسمع تهديات بطردنا منها".
السيدة هدى مرت بمعاناة وأزمات أخرى مع المعاشات، وتروي تجربتها المريرة قائلة: «ذهبت إلي المعاشات للمطالبة بحقنا في الحصول علي معاش، وطلبت مني الموظفة ترك عملي في النادي كشرط للحصول على المعاش، وبالفعل استجبت لطلبها وتركت العمل، وعندما عدت إليها لأخبرها بذلك فوجئت بها تقول لي: لن تحصلوا علي معاش إلا في حالة وفاة أحدكما أو طلاقكما!!».
تجربة المعاناة مع المعاشات لم تقف عند ذلك الحد، حيث تمضي السيدة هدى تجربتها المريرة قائلة "احتدت علي موظفة المعاشات وأقسمت أنها لن توقع لي علي أي ورقة، وذلك لأنها عندما سألتني عن شهادة زوجي الدراسية فأجبتها بأنني لا أعرف، لأفاجأ منها بأقذر الشتائم".
معاناة السيدة هدى وزوجها شريف مع الروتين الذي أجهض أحلامهم، تصاعدت بعد ذلك، حيث تمضى قائلة: «كان زوجي كل يوم يتابع خطواتي وما وصلت إليه، وكان صدره يضيق يوما بعد يوم، ولكنه يكتم بداخله ولا يخبرني، فإن واقعة موظفة المعاشات جعلته يخرج عن صمته وصبره، ويقول لي: لا تخرجي أو تبحثي عن عمل لي مرة أخري.. أنا حتصرف».
ربما كانت تلك بداية النهاية، حيث توضح السيدة هدى قائلة "بعدها بأسبوعين وجدت زوجي يخبرني أن هناك جارا لنا سيساعده للسفر خارج البلاد، وإذا به يطلب من والدته بيع شقتها لأنه يريد 20 ألف جنيه حتي يتمكن من السفر لأوروبا، لأنه معروض عليه فرصة عمل جيدة هناك، وبالفعل استجابت له والدته، وباعت شقتها، وحصل على المبلغ، وذهب ليعطيه لمن سيسهل له السفر".
أيام عاشتها الأسرة في دنيا الأحلام، يحلمون بالعمل والمرتب الوفير الذي يحقق لهم أحلامهم التي طال انتظارها، وفي مقدمتها حياة كريمة، وتقول السيدة هدى "قبل سفر الزوج بيوم وجدته يقول إنه مسافر للعمل، وأنه لن يعود إلا بعدما يجمع من مال ما يمكننا من العيش الكريم".
ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، واتضح أن الأحلام ما إلا أوهام وسراب، وتواصل السيدة هدى عرض مأساتها قائلة: «سافر زوجي، ولم يتصل بي من بعدها أو ليخبرني بوصوله، وكنت أظن أنه ليس لديه وسيلة للاتصال بنا، إلى أن فوجئنا أنا ووالدته بإحدي جاراتنا تقول إن هناك أنباء عن غرق مجموعة من راغبي العمل الذين سافروا علي متن قارب كبير كان متوجها إلي إيطاليا».
وقع المفاجأة والصدمة جاء على السيدة هدى كالجبل، وشل تفكيرها إلى أن بدأت تستجمع عقلها من جديد وتحاول أن تفكر وتبحث عن طريق لمساعدتها لمعرفة مصير زوجها، وتقول:"عندما ذهبت إلي صديقه الذي ساعده على السفر رفض مقابلتي، ولكني تذللت إليه ورجوته أن يخبرني بأية تفاصيل عن زوجي، فما كان منه إلى أن طلب من زوجته طردي من بيته.. وبعد فترة فوجئت بشقيقة زوجته تقول لي إن زوجي سافر بصحبة آخرين وهم من لاقوا حتفهم وغرقوا في البحر أثناء السفر لإيطاليا".
وما بين أحلام الحياة الكريمة والعيش المستور، وما بين صدمة الفراق ولوعته، لحظات قليلة، لكنها تحيل حياة الإنسان إلى جحيم لا يحتمل، وهو ما تعيشه حاليا السيدة هدى التي فقدت زوجها شريف الذي كان سندا لها في الحياة، وتنظر لأطفالها ولا تعرف ماذا ستفعل لهم، وكيف ستربيهم؟ ومن أين ستنفق عليهم؟ وتنظر لصورة زوجة وتتساءل عن مصيره المجهول.
أشجان وأحزان الغارقين في البحر بعدما لفظتهم اليابسة، لم تقف فقد عند حد المصريين، بل انضمت لهم جنسيات عربية، في ظل حالة الانقسام والقتال الذي يمزق بعض الدول العربية، فضاقت سبل العيش بمواطنيها، فلجأوا إلى البحر طريقا للهجرة إلى دنيا الأحلام والحياة الكريمة، وفي مقدمة تلك الدول سوريا.
الحاج فؤاد، رجل سوري كبير في السن، يروي مأساة نجله سالار.. وهو شاب في الخامسة والعشرين من عمره، جاء إلى بعدما ضاقت به الحال في سوريا بسبب القتال والدمار، وجاءت معه أسرته المكونة من الوالدين والأخوة، ونظرا لأنه الأخ الأكبر فإنه المسئول وفقا للعادات عن الإنفاق علي أسرته، خصوصا أن والده رجل كبير في السن ولا يقوي علي العمل، ولدى سالار شقيقتان صغيرتان، أما والدته فهي ربة منزل. وعندما حضرت الأسرة إلى مصر، حاول سالار العمل في التجارة لفترة، فاستأجر محلا وكان يبيع فيه بعض المنتجات السورية، وظل يعمل فترة تجاوزت العام، إلى أن وجد محله يخسر وتزايدت الخسارة فاضطر إلى إغلاق المحل.
لم ييأس سالار، خصوصا أنه لا مجال لليأس أمامه، فلا أحد في أسرته يستطيع العمل، وهو أملهم الوحيد في الحصول على الرزق البسيط الذي يبقيهم على قيد الحياة، فعمل سالار شركة في مجال الدعاية والإعلان، وسرعان ما ساءت الأمور واضطر صاحب الشركة لإغلاقها بعدما تفاقمت خسارتها، ووجد سالار نفسه مجددا بدون عمل.
ويستكمل الحاج فؤاد الحديث قائلا:"طرق ابني أبوابا عديدة لتوفير الرزق للأسرة، إلي أن وجد نفسه يخرج من مشروع خاسر إلي آخر، وفجاة سيطر عليه الإحباط، وقرر السفر إلي أوروبا، هكذا قال لي، مؤكدا أنه علي استعداد للعمل في أي مجال لانتشال أسرتنا من الفقر والجوع الذي نعيشه، خصوصا أننا نعيش في شقة إيجار، وعندما علم صاحب العقار الذي نسكن فيه بأننا سوريون بالغ في سعر الإيجار علينا، وهو ما تكرر مع أكثر من صاحب عقار، فبدلا من عقد الإيجار الذي يستأجره المصريون ب 500 جنيه في الشهر، كان يطالبنا هو ب 1500 جنيه شهريا، في الوقت الذي كان راتب ابني العاهل الوحيد للأسرة لا يزيد في اليوم على خمسين جنيها فقط إذا وجد عملاً، وهو ما لا يكفينا حتي لشراء طعام يوم واحد، بالإضافة لنفقات أخري كدفع فواتير الكهرباء والمياه وغيرها من مستلزمات ونفقات الحياة اليومية والتي كانت تشكل عبئا كبيرا على الأسرة، وفي كل مرة أطلب فيها منه نقودا، كان يذهب إلي أصدقاء سوريين تعرف عليهم هنا في مصر ليستدين منهم، لكنه لم يكن يستطيع أن يرد لهم الدين، وتكرر ذلك مرات ومرات، حتى لم يجد من يقدم له المساعدة المادية لأنه لا يسدد ديونه". ويمضي الأب ساردا تفاصيل مأساة نجله الأكبر قائلا:"فوجئت بسالار يطلب من أمه أن تبيع ذهبها، لأن سفره لأوروبا سيتطلب ما يزيد على 25 ألف جنيه، وبالفعل باعت زوجتي الذهب، وكان من المفترض أن يصطحبنا معه إلي الخارج، ولكني وجدته يقول إن الرجل المسئول عن السفر يطلب نقودا إضافية لتدبير سفرنا مع سالار، ونحن لا نملك أي أموال، فوجدته يقول لي إنه سيسافر في البداية ويرسل إلينا الأموال ويساعدنا في التواصل مع الشخص الذي سيساعده على السفر، كى نلحق به".
ويلتقط الأب أنفاسه، وتخرج الكلمات ثقيلة منه قائلا "ما إن سافر سالار حتى فوجئنا بأخبار عن غرق أحد القوارب، والتي كانت تحمل شبابا يطمحون في الهجرة إلى أوروبا بحثا عن العمل".
وكمن يحاول أن يتعلق بأي أمل في بقاء نجله على قيد الحياة، حاول الأب الوصول لأي طريق يساعده في الوصول لنجله، ويقول "حاولت السفر إلى إيطاليا لمعرفة مصير ابني، لكني لم أنجح، كما أنني كلما ذهبت لصديقه الذي ساعده في السفر أسأله عن مصير نجلي أجده يراوغني ولا يقابلني، وكل ما عرفته منه أن سالار سافر عن طريق البحر فقط".
وبعيون تحجرت فيها الدموع يقول الأب «نحن السوريون نعيش حالة الترحال من بلد إلي أخرى بحثا عن الأمان والحياة، لكن كيف لي أن أعرف مصير نجلي الأكبر وسندي في الحياة، كيف ساتصل به أو أذهب إليه؟ وماذا أقول لوالدته المنهارة وتعيش حالة الضياع خوفا من سماع خبر وفاته؟!».
وتستمر مآسي من لفظتهم الأرض الطيبة، فغرقوا في بحور المغامرة بعدما سقطوا فريسة تجار الموت، ومن هؤلاء الضحايا إبراهيم محرم، وهو سوري الجنسية أيضا والذي يحكي مأساته شقيقه طلال.
ويقول طلال «سافر أخي إبراهيم ضمن عدد من الشباب الذين كانوا يبحثون عن الرزق، فهو رب أسرتنا، وأبي متوفي، وأمي وأخوتي ثلاث فتيات لا يملكن قوتهن، وحاولنا كثيرا البحث عن فرصة عمل في مصر، لكن دائما كان المعروض علينا رواتب ضئيلة جدا لا تتجاوز 300 جنيه في الشهر، لأننا كان المعروف عننا كسوريين القبول بأي ظروف مقابل العمل، وعند أي خطأ نرتكبه يتم الاستغناء عنا مباشرة».
ويروي طلال التفاصيل التي دفعت شقيقه لركوب المغامرة المحفوفة بخطر الموت قائلا: «كان أخي يعمل في محل إكسسوارات، وفي يوم تنازع مع صاحب المحل، وترك العمل فيه، وجلس طويلا بدون وظيفة، كنا نعيش في تلك الفترة على ما نتحصل عليه من بيع مقتنيات والدتي الذهبية، حتى باعت كل زينتها الذهبية».
ويمضي إبراهيم قائلا: «كانت مصاريف المعيشة باهظة الثمن، وقد عدمنا السبل لتوفير نفقات حياتنا ، وأغلقت في وجوهنا كل أبواب العمل، وعشنا في تقشف وتوقفنا عن التدخين وشراء المواد الغازية واللحم وغيرها من الأشياء التي تستنزف أموالنا القليلة، إلي أن وجدته يقول لي إنه سيسافر للعمل إلي إيطاليا ويتركنا في مصر، وأنه يعرف اكثر من صديق سافروا بهذه الطريقة وجمعوا نقودا كثيرة ولم يواجهوا أي صعاب من التي نعانيها في مصر من شظف العيش والحاجة».
ويمضي طلال قائلا: «بالفعل سافر أخي إبراهيم عن طريق شاب مصري كان لا يكشف أبدا عن أي بيانات خاصة به، فكان أخي دائما يقول لي إنه شخص غامض، وأخبرني أخي أنه أعطى ذلك الشخص الغامض 18 ألف جنيه مقابل السفر، وقد جمعنا له المبلغ بشق الأنفس».
وبنبرة حزينة يقول طلال "عقب سفر أخي انقطعت أخباره، ولم يتصل لإخبارنا بوصوله، وهو ما أثار الشك في نفسي، وبعدما سمعت من أكثر من صديق لهذا الشخص الغامض أن هناك قاربا غرق في البحر، كان يقل على متنه المسافرين إلى إيطاليا، وأن أغلب من كانوا على متنه قد غرقوا إن لم يكن جميعهم".
ويختتم طلال حكاية شقيقة قائلا: "ذهبت للإبلاغ عن هذا الشخص الغامض، لأفاجا أن كل بياناته التي كنا نعرفها بما فيها اسمه هي بيانات غير صحيحة، وسألت في السفارة فلم أتوصل إلي أي معلومات عن أخي والذي ما زال مصيره مجهولا وأدعو الله أن يعود إلينا".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.