حوار: عزمى عبد الوهاب هو شاعر بالأساس، لكن ممارسته للنقد جاءت فيما بعد، فأصدر عدة دراسات نقدية منها: «شعرية الكتابة والجسد – القصيدة وتحولات مفهوم الكتابة – الحجر والظلال – ضد الطمأنينة» إضافة إلى دواوينه:» رجل يشبهنى – أخف من الريش أعمق من الألم – أسمال لا تتذكر دم الفريسة – سياج أقصر من الرغبات» نحن نتحدث عن الشاعر والناقد السعودى «محمد الحرز». وهو على هذا النحو كما يقول: «ظللت أترصد النص الشعرى، أقلبه تارة على كف النقد، وتارة أخرى على كف المخيلة، وفى كلتا الحالتين كنت أحاول القيام بعمل وشائج وروابط، تعيد وصل الواحدة بالأخرى». هنا حوار مع «محمد الحرز» فإلى التفاصيل. كيف غيرت الوسائط المتعددة للعالم الافتراضى شكل العمل الإبداعى بالنسبة لك؟ الوسائط الجديدة لم تدخل الشكل الإبداعى فى دائرة التغيير، بل حتى المعنى أدخلته فى ذات الدائرة أيضا، أصبحنا أمام ما يسمى بالنصوص الإلكترونية، وهى نصوص أميز ما تمتاز به أنها تستخدم شبكة من التقنيات والوسائط التى يتصف به الفضاء الإلكترونى أو الشبكة العنكبوتية، نحن أمام نصوص تلغى ثنائية الشكل والمضمون أو اللغة والمعنى، وهناك تجارب على مستوى العالم أو حتى على مستوى الوطن العربى تميزت بنصوصها سواء كانت الروائية أم الشعرية، حيث هى تجارب استفادت كثيرا من تلك الوسائط وعمقت خصوصيتها وفرادتها باتجاه النص الحديث. فى المجتمعات التى تغلب عليها الثقافة التقليدية دائما ما يشار إلى صعوبة التجديد الإبداعى، فكيف ترى ذلك تطبيقا على الحالة السعودية؟ لا أرى الثقافة التقليدية عائقا، هذا إذا سلمنا بالمفهوم الذى تقصده عن الثقافة التقليدية، هناك محفزات للإبداع وهذا مسلم به، لا يوجد إلا على مستوى الظواهر التى ترتبط بالمجتمع ككل وترتبط بثقافتها اليومية، وهذه المحفزات بالتأكيد تتحكم من قريب أو بعيد فى تسريع وتيرة التجديد أو بطئه، لكن فى النهاية التجديد الإبداعى وخصوصا فى الشعر لا يكون إلا فرديا. لماذا يبدو النقد فى السعودية هو الأعلى صوتا والعابر للحدود القطرية دون الشعر والرواية؟ فى العقد الأخير، الأمور تغيرت، فى مشهدنا الأدبى أصبحت الرواية تخرج من المحلية إلى الإقليمية، بل وتلفت لها النقاد من جميع الأقطار العربية، لقد جرف تيار صعود الرواية بكثافة، سواء على مستوى الإنتاج أو الاهتمام، كل ما يتعلق ببقية الأجناس الإبداعية الأخرى، قبل ذلك الصعود كان الخطاب النقدى مهيمنا على المشهد، بحكم وجود نقاد كان لهم حضورهم فى المشهد العربى، لكن ذلك لم يكن يعكس ظاهر الحال من الداخل،كان خطابا نقديا أشبه ما يكون بالخطاب النخبوى لا يلمس الظواهر التى تعيق المجتمع السعودى عن تطوير ذاته، وهكذا جاء الجنس الروائى ليحقق ما عجز عنه الخطاب النقدي. من خلال قراءاتك النقدية فى أعمال مبدعين سعوديين كيف يتجلى الآخر بكل مستوياته فى إبداعهم؟ كان هناك حس إبداعى بدأ يتنامى فى أذهان المبدعين، خصوصا الروائيين منهم، تحت وطأة التحولات السياسية والاجتماعية والفكرية، التى طالت المنطقة العربية والخليجية بشكل خاص، هذا الحس كان هاجسه الأكبر هو التعرف إلى كل ما هو مختلف ومفارق فى وضعه الاجتماعى والدينى والمذهبى والقبائلى، وكانت هناك مقاربات مختلفة، البعض جاء برؤية إيديولوجية واختزالية فى بعضها الآخر، إلا أن هذا الهاجس ظل يغذى أغلب الإصدارات الروائية فى فترة الألفين وما بعدها، لكن حسب تقديرى كانت أغلب المقاربات، وفق اطلاعي، كان الآخر فيها ملتبسا، لا يحمل ملامح اختلافه بالكامل، حتى يمكن أن ندرك التصورات عنه فى أذهان من قاربه من المبدعين. فى كتابك «الحجر والظلال» قدمت قراءة نقدية فى تجارب كتاب سعوديين هل كان ضمن أهدافك من الكتاب أن تتخلص من صرامة المناهج النقدية؟ مقارباتى النقدية لتلك التجارب كان دافعها بالأساس الحب والرغبة فى إظهار جمالياته وكذلك سر الانجذاب الذى حركنى للكتابة عنهم من العمق، لم أفكر بالصرامة المنهجية باعتبارها صراعا ينبغى الوقوف ضده، ولا كتابى جاء نتيجة ذلك، كنت أدعو فيه إلى التخفف كثيرا من تلك المقولات والنظريات النقدية التى تحجب النص الإبداعى بقدر ما تحاول أن تزيح عنه السواتر والأتربة، كنت أحاول أن أفعل طاقة الحب بين القارئ من جهة والنص من جهة أخرى بأقل جهد من الأدوات النقدية المعقدة، كنت أحاول، لكنى لا أعلم هل نجحت فى ذلك أم لا؟ الأمر فى النهاية متروك للقارئ. بالاشتراك مع «عبدالله السفر» أصدرت أنطولوجيا الشعر السعودى بعنوان «يصرون على البحر» عن وزارة الثقافة الجزائرية هل غطت الانطولوجيا المشهد الشعرى السعودي؟ لا توجد أنطولوجيا، حسبما أظن، يمكنها أن تغطى المشهد كاملا، خصوصا المشهد السعودى بتشعباته وتفرعاته الجغرافية، لكن كانت المحاولة تتسع للأغلب على ما أظن، رغم الاعتراضات من هنا وهناك، وهذا أمر طبيعي. ما معايير الاختيار الذى على أساسه تم إقصاء هذا الاسم من عدمه؟ كل التجارب التى كانت توجد فى داخلها بذرت التجديد وتحمل بين جنابتها روح التجاوز، سواء بشكلها التفعيلى أو النثري، كان المعيار، ولا أحب تسميته معيارا لأن الصرامة فى الاختيار لم تكن هى السائدة. ترى أن «حياتنا العربية السياسية والاجتماعية والثقافية أساءت إلى الشعر وجعلت منه رهينة للوظيفة الأيديولوجية».. كيف كانت الإساءة؟ الإساءة جاءت بسبب أن المثقفين العرب أصحاب المشاريع الكبرى فى السياسة والفكر منذ مطالع القرن المنصرم، لم يكن الشعر يمثل مركز ثقل فى خارطتهم الثقافية، ضمور هذا الحس جعل من الممارسة الثقافية والفكرية مشوهة، أى أن الاهتمام بالفكر لم يوازه اهتمام بالشعر، لا تنظيرا ولا تربية ولا حوارا، بل ظل الشعر عرضة بوضعه الموروث للأدلجة السياسية والتوظيف، وقد انزلق الشعر إلى هذه الهاوية باعتباره تقليدا عريقا فى موروثنا الشعري. ألم تكن هناك اختراقات لهذه المقولة طوال تاريخنا الإبداعي؟ هناك اختراقات بلا شك، لا يعقل أن يظل الشعر دون حراك ودون تجديد فى روحه، أنا هنا أصعد بكلامى من الفردى إلى الاجتماعي، ودائما ما يكون الاجتماعى هو ما أعنيه بخصوص ظاهرة الإساءة، ولو لم تكن هذه الظاهرة لرأينا الشعر مزدهرا فى الحياة العربية اليومية، ولكان الاحتفاء به يشبه الاحتفاء بالطقوس الدينية، لكن للأسف لم يحدث ذلك، أما على مستوى الفرد فهناك درجات عالية من الاختراقات التى تحققت. «من أجل كتابة حرة لا بد من تفكيك السلطات المختبئة فى ثقافتنا» هكذا تقول.. فماذا تعنى بتلك السلطات المختبئة؟ ظاهرة الاستبداد جلية للعيان فى تاريخنا العربي، فى السياسة والدين وجل مظاهر الاجتماع والإبداع، لكن بخصوص السياسة والدين هى لا تحتاج إلى إظهار، أما بخصوص الثقافة التى ترفع شعار التحديث والحداثة، فإن ممارستها لا تخرج عن التقليد السلطوى الموروث، حدث ذلك مع تيارات فى السياسة والأدب والفكر تعتبر نفسها تواكب العصرنة والحداثة، لكن ممارسات أفرادها والمنتمين على الأقل فى حياتها اليومية لا تمت إلى شعاراتها بصلة، هذا ما كنت أعنيه بالمختبئة التى لا تظهر للعيان كمقولات وشعارات، بل تجدها بين ثنايا سلوكها وما ينفلت من لاوعيها فى حياتها اليومية. ترى أن كل رواياتنا المحلية لا ترقى إلى مستوى رواية واحدة من روايات ماريو فارغاسيوسا.. ما السبب فى ذلك؟ لم يكن هذا حكما قاطعا، قلت هذا الكلام وفق ما اطلعت عليه من روايات،وما توفر لدى من تجاربنا المحلية، وأنت تعلم أن فى العقدين الأخيرين صار الإنتاج الروائى بالكثرة التى لا تستطيع أن تتابع ما تصدره دور النشر من روايات، الآن اختلف الوضع، أعتقد أن وقت الفرز والتمايز قد جاء، والبعد عن النمطية والاستنساخ ومعالجة القضايا بسطحية أيضا، جاء الوقت للحديث عن روايات لها ثقلها المحلى والعربي. كيف تفسر النجاح المدوى لرواية « بنات الرياض» رغم حديث البعض عن هشاشتها اللغوية وضعف البناء الروائى بها؟ فترة ظهور الرواية كان إعصار تسونامى الرواية كما يسميها بعض الكتاب قد بدأ يضرب أطناب المشهد، لا شيء غير الرواية، ولا شيء غير الروائي، ولا حديث بين المثقفين والإعلام غيرهما، وقد بدا وكأن هناك توجها قصديا فى ترسيخ مثل هذا التوجه، وأن هناك أيدى خفية تحرك اللعبة من الخلف، انطلاقا من هذه الأجواء ظهرت «بنات الرياض» وما زاد الطين بلة الاحتفاء الذى لقيته من نجوم ثقافية فى النقد عندنا حيث أعطاها مبرر تجاوزها من الساحة المحلية إلى ما وراءها من ساحات. لماذا انتشرت فى الفترة الأخيرة روايات لكاتبات سعوديات مقارنة بالندرة الشديدة لهن فى عقود سابقة؟ الإعصار الروائى الذى بدأ منذ مطالع التسعينيات من القرن الماضي، كان ينتشر بين فئات عمرية شبابية متحمسة للتغيير والتعبير عن نفسها وعن قضاياها على شكل أعمال روائية، وكانت النساء الأكثر استحواذا وإقبالا على هذا النوع من الإبداع كتابة وقراءة واهتماما، لذا كان من الطبيعى أن تكون الكاتبات السعوديات هن من أخذ زمام المبادرة، بالتأكيد هناك أسباب عديدة لهذا الحماس، جميعها تتعلق بوضع المرأة فى مجتمعنا الثقافي. إلى متى يظل المبدع السعودى ينشر أعماله خارج البلاد؟ هناك إقبال كبير من الكتاب والشعراء والمبدعين السعوديين على الطباعة والنشر فى الداخل سواء عن طريق وزارة الثقافة أو الأندية الأدبية أو دور النشر الخاصة التى بدأت تستجيب لشروط النشر الحديثة والمعاصرة التى تواكب كل جديد فى النشر والطباعة. هل تقوم أندية الأدب فى السعودية بالدور المنوط بها؟ من وجهة نظر المثقف المؤسساتي، وما أكثرهم يشبهون الفطر فى تكاثرهم، لا هم لهم سوى الظهور والبروز والمصلحة، سيقول لك مثل هؤلاء: نعم الأندية تقوم بدورها على أكمل وجه، لا يوجد أدب ينمو داخل أى مؤسسة، إذا لم تترك له حرية النمو الداخلى والذاتي، وهذا غالبا لا يحدث، الأدب ينمو بين الناس وحياتهم العفوية. فى ظل مركزية القاهرة التى يعانى منها المبدعون المصريون خارج العاصمة هل تمثل الرياض بالنسبة لكم وضعا شبيها؟ تماما يا صديقى لقد أصبت الهدف، كل عاصمة لها تجاذباتها مع الأطراف، وعلى الرغم من أننى لا أميل إلى ثنائية المركز والأطراف، وقد سقطت مع بدء بروز عصر الفضاء الإلكترونى، فإن هناك أسبابا أخرى تستدعى مثل هذا التجاذب.