محمد شمروخ لأنه ليس على تلك الصورة الساذجة التقليدية لتاجر المخدرات التى نراها فى أفلام السينما الكلاسيكية، ولأنه أكمل تعليمه الجامعى، ويسعى لاستكمال مشوار الماجستير بل والدكتوراة، فقد كتب فى أجندته كأى مواطن له رؤية يدون ما يعن له من أفكار فى مجال عمله، ليعرض رؤيته التى لا تخلو من إشارات معينة فقال: أية أرقام يمكن تقال على لسان أى مصدر، رسمى أو غير رسمي، عن حجم تجارة المخدرات فى مصر، لا يمكن تصديقها أو الوقوف على حقيقتها، لأن الطبيعة السرية الملازمة والضرورية لممارسة أى نشاط فى المخدرات، لا تسمح بذلك، بل حتى الاتجار المشروع فى المواد المخدرة لأغراض طبية وعلاجية أو بحثية، لا يمكن الوثوق بها، لأن هذا الباب المشروع نفسه يتم من خلاله عمليات تجعله هو نفسه محاطاً بالشك، فما يتم بيعه عن طريق بعض الصيدليات المشبوهة من أدوية مخدرة، يتم التلاعب فى مستندات توريدها وبيعها. من أجندة تاجر مخدرات مصرى لكن المؤكد هو أن مصر تستهلك من المخدرات ما يجعلها فى مقدمة الدول المستهلكة للمخدرات فى العالم، لكنها دولة مستهلكة فقط وليست منتجة كما هو معهود فى غالب الأشياء، فنحن نستورد مخدراتنا مثلما نستورد غذاءنا، وهذا عبء كبير على الاقتصاد القومى لأن تكاليف استيراد المخدرات بالإضافة إلى تكاليف النقل والتوزيع تزيد على تكاليف استيراد الغذاء. ومصر ليست من الدول المنتجة والمصنعة للمخدرات باستثناء مساحات متناثرة عشوائية من القنب الهندى (البانجو والحشيش) أو الخشخاش (الأفيون)، لكنها سوق عملاقة يعتمد عليها كبار مهربى المخدرات فى العالم لتصريف المخدرات. الأفيون يتم استيراده من دول وسط آسيا. والحشيش من دول المغرب العربي. والمخدرات التخليقية كالكوكايين والهيرويين، يتم استيرادها من دول أمريكا الجنوبية. أما الحبوب المخدرة فتعتمد على تنويع "مصادر التخدير" فستورد تهريبا من عدة دول مختلفة حول العالم. والمخدر الوحيد الذى يمكن أن نقول إن مصر تنتج ما يكفيها منه، هو البانجو الذى يعتبر هو والأفيون أقدم أنواع المخدرات. أما البانجو والذى كان حتى السبعينيات والثمانينيات فى القرن العشرين، مخدر يقتصر تعاطيه على الطبقات الشعبية الدنيا فى المجتمع، وكان يعرف فى الصعيد والسودان ب"الكمنجة"، فقد بدأت منذ التسعينيات تزيد زراعته بكثافة، وكان قبل ذلك مقصورا على زراعات قليلة ومحدودة جدا، كما كان أحيانا يتم إحضار كميات منه عن طريق التهريب من السودان. ومع ارتفاع سعر الحشيش الذى كان حتى الثمانينيات يتصدر المخدرات فى مصر، يليه الأفيون، بدأ الناس يتجهون للبانجو لسهولة الحصول عليه مباشرة من الطبيعة، فلا يتكلف سوى جنى المزروعات دون الدخول فى عمليات تصنيع، كعملية تحويل النبات إلى حشيش وهى عملية تعتبر بسيطة، لكنها لابد أن تعتمد على الخبرة وهى ليست موجودة بشكل كاف فى مصر، وكان الحشيش المصنع فى مصر دون المستوى العالمي، فلم تستطع مصر الدخول كمنافس بسبب رداءة صناعة الحشيش داخليا، بل حتى كان الحشيش البلدى لا يقوم كمنافس للحشيش المستورد، بسبب عمليات الغش المشهورة كما شاهدنا فى فيلم "الكيف" الفيلم الوحيد الذى يمكن القول عنه إنه لمس العالم الحقيقى للمخدرات فى مصر، فالغش هو سمة المخدر المصرى سواء أكان حشيشا أم أفيونا. أما زراعة الأفيون فلا تكفى للاستهلاك المحلي، لأن عملية جنى الأفيون بعد تشريط ثمار الخشخاش، تحتاج إلى زيادة الأيدى العاملة المدربة وهو ما يدخل فى نطاق المستحيل لأسباب عديدة. وبسبب تجريم زراعة المخدرات فى مصر فى مقتبل القرن العشرين، ومع العقوبات التى تصل إلى الإعدام ومصادرة الأراضى المزروعة، زادت تكاليف الزراعة، فارتفعت الأسعار وصار المخدر المنتج من الطبيعة مباشرة، كالبانجو والحشيش والأفيون مكلفا. وفى هذه الأيام ظهر الترامادول الذى غطى على كل المخدرات فى السوق المصرية. فقد حل الترامادول وأشباهه، محل المخدرات التقليدية، وبما أن مصر ليست من الدول المصنعة للأدوية المخدرة، فقد نشطت تجارة الترامادول بعد أن تمكنت عصابات التهريب من إدخال كميات هائلة تفوق أية توقعات من هذا المخدر إلى درجة أنه كان يتم تهريب "كونترات" عملاقة فى سفن عبر البحر، واستغل المهربون فترة ما حدث بعد ثورة يناير من انفلات أمنى، فأدخلوا كميات تستعصى على الحصر، إلى درجة أنه كان يتم تهريب كميات هائلة من الأكياس الكبيرة من البودرة للمواد المكونة للترامادول ليتم تحويلها إلى حبوب عن طريق ماكينات كبس صغيرة فى منازل تجار المخدرات. وهى عملية بسيطة لا تحتاج لخبرة كبيرة، وهى لا تعتبر صناعة مخدرات بل هى أشبه بتجميع مكونات الأجهزة المستوردة بعد استرادها على هيئة قطع غيار. وفى مجال تصنيع المخدرات، فنحن دولة متخلفة صناعيا أيضا حتى فى مجال المخدرات، فالمخدرات التى يتم تصنيعها فى مصر مقتصرة على عمليات كبس الحشيش وهى رديئة وكذلك صناعة الماكس وهى بسيطة جدا ولا تزيد على إحداث تفاعل لمواد معينة كيمائية مع مواد عطارة عادية يمكن أن تجدها فى أى مطبخ شرقى كتوابل عادية ليس فى وجودها أى ريبة. ومن الجدير بالذكر أن عملية تحضير الماكس تشترط أن يتم غلى السائل المحتوى على المواد تلك، فى وعاء صديء لإتمام عملية التفاعل ولضمان جودة المنتج، حيث يظل يغلى لساعات على الموقد، وجدير بالذكر هو أن الماكس يؤخذ عن طريق الحقن وهو مخدر للمدمنين المحترفين فى الأوساط الشعبية. وكشأن أى مجتمع إنساني، فهناك مخدرات للطبقات الشعبية ومخدرات للطبقات الراقية وهناك مخدرات "ديمقراطية" لا تفرق بين الطبقات لعل أشهرها الحشيش. والخطر الذى يهدد الاقتصاد المصرى ليس بسبب أن سوق العمل يتأثر بسبب انتشار المخدرات فى أوساط العاملين، لكن لأن عمليات التهريب تؤثر تأثيرا مدمرا على الجنيه المصري، خصوصاً أنها تتم فى سرية وعشوائية، ولا تخضع – بالطبع – لأى رقابة وبالتأكيد فإن مهربى المخدرات لا يهتمون على الإطلاق بمثل هذا التأثير، لأن أى ارتفاع فى العملات فى مواجهة الجنيه المصري، يتم تعويضه برفع سعر المخدر الذى يرتبط به المدمن ارتباطا يجعله يسعى لشرائه بأى ثمن لأن "زبون" تاجر المخدرات ليس مخيرا فى أمره ولن يستطيع الجهر بشكواه، فلا يوجد من يدافع عن حقوق المدمن كمستهلك وليس هناك أى جهة تستمع له لتتدخل بينه وبين التاجر. وبالطبع لن يستطيع المدمنون التهديد بمقاطعة المخدرات أو عمل وقفات احتجاجية أو مظاهرات ضد استغلال تجار المحدرات، لأن التاجر يعرف جيدا مدى حاجتهم إليها والجهة الوحيدة التى يمكن أن توقف تاجر المخدرات هى الشرطة، ولكن المدمن أحرص ما يكون على إبعادها عن دائرة العلاقة بينه وبين التاجر، فهى عدوهما المشترك اللدود الذى يهدد وجودهما معا ولا عدو سواه فى مواجهة عناصر تجارة المخدرات من منتجين ومهربين وتجار ومدمنين.. وللأبد.