رشا عامر لم تعد الدولة الإسلامية فى العراق والشام دولة إرهابية فحسب، وإنما دولة سارقة للبترول، بل ربما ستشكل جانبا من القوى النفطية العالمية قريبا خصوصاً عندما نعلم أن عائداتها من النفط مليارا دولار مقابل 500 مليون فقط لتنظيم القاعدة.. والسؤال الآن: من أولئك الذين يشترون البترول منهم؟ مجلة "أتلانتيك" الفرنسية ردا على هذا السؤال، قالت إن الدولة الإسلامية سيطرت مبدئيا على الأراضى الغنية بالنفط، فالمساحات التى تسيطر عليها أكبر من مساحة بريطانيا نفسها، وبالتالى فهذه المساحة تحتوى على العديد من الآبار النفطية التى تعطى 80 ألف برميل يوميا، وإذا أضفنا لهذا الاستيلاء على الضرائب والتهريب فإن الدخل اليومى لهذه الدولة يصبح مليونى دولار يوميا. وفى ظل هذا النموذج الذى أخذ سيطرة على الأراضى والمنشآت والمصافى النفطية تغير بالطبع وبشكل جذرى نموذج تمويله، فلقد انتقلنا من نموذج التمويل الخارجى الذى تعيش عليه القاعدة والذى يعتمد إلى حد كبير على التبرعات والدعم من المنظمات غير الحكومية، وهذا يعتبر نموذج تمويل ذاتياً قائماً على أساس المعاملات التجارية بشكل خاص وهو ليس بجديد حيث استخدم فيه تنظيم القاعدة فى الماضى شركات وهمية لا سيما فى السودان وإسبانيا للقيام بهذا الدور، ولكن لأن هذه الأموال كانت هامشية، فبالتالى لم تخضع للتحقيقات من لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة ولا أجهزة الاستخبارات. أما بالنسبة للدولة الإسلامية فهى تسيطر على الأراضى وبالتالى البنية التحتية، وكذلك كل الموارد، وتشير التقديرات إلى أنهم الآن يسيطرون على أكبر ستة حقول نفط فى سوريا يقع أهمها فى محافظة دير الزور، بالإضافة إلى ثلاثة عشر آخرين فى شمال وشرق العراق، فضلا عن اثنتين من المصافى ثالثهما مصفاة بيجى التى تدور المعارك حولها للسيطرة عليها أيضا وهى المصفاة التى تنتج ثلث نفط العراق. إذا نظرنا إلى كل ذلك سنجد أن الدولة الإسلامية تسيطر على نصف الطاقة الإنتاجية المحلية فى السوق أى ما يتراوح ما بين 2 و4 ملايين دولار يوميا. وقد استفادت الدولة الإسلامية فى بداياتها من مساندة رجال الأعمال وكبار المسئولين ببعض الدول والذين ينفون نهائيا تعاملهم مع الدولة الإسلامية والحركات الإرهابية، لكن يمكن القول إن الحركة تتلقى التمويل منهم بطريقة غير مباشرة. هذا بالإضافة إلى الدعم الرسمى لبعض الدول مثل المملكة العربية السعودية، وقطر، والخليج العربى، والإمارات المتحدة، والكويت، على حد تعبير المحلل السياسى الفرنسى جون شارل بريسارد. ويبقى السؤال هل تكون هذه الدول هى التى تشترى النفط من الدولة الإسلامية وإذا لم تكن هى، فما هى الدول التى على استعداد للفعل ذلك؟ الواقع يقول إن بيع النفط والمنتجات المشتقة منه والذى يتم على يد الدولة الإسلامية يتم بالطبع فى السوق السوداء لكل من العراقوسوريا، حيث يتم بيعه بتخفيض يكاد يصل إلى 75% حيث يتراوح سعر البرميل فى السوق السوداء ما بين 25 إلى 50 دولارا للبرميل الواحد فى حين أن سعره الرسمى فى السوق العالمى يصل إلى أكثر من 100 دولار للبرميل! ومبدئيا فإن الدولة الإسلامية تستخدم مشتقات البترول لأغراضها الخاصة أولا، كما أنها تتحكم أيضا فى طرق تهريب وعبور النفط إلى كل من الأردن وتركيا وإيران، وذلك عبر كردستان. لكن نظرا لوجود مشكلات دائما فى شبكات التوزيع، فإن هذه الدول يمكن أن تصبح فعليا وبطريق غير مباشر العملاء الفعليين للدولة الإسلامية، هذا إن لم يكونوا بالفعل كذلك. فلا يمكن استبعاد أن هذا الوقود المباع من وسطاء الدولة الإسلامية قد تم تسويقه فى كل من الولاياتالمتحدة وأوروبا. وبناء على ذلك فإن القدرة المالية للدولة الإسلامية كما سبق وذكرنا، تبلغ نحو مليارى دولار وهى قدرة مالية لم يسبق لها مثيل، فالأرباح تبلغ يوميا أكثر من 3 ملايين دولار، وهى تعادل الميزانية السنوية لتنظيم القاعدة منذ 11 سبتمبر 2001، مقابل 30 مليون دولار قبل عام 2001، لأنها كانت أيضا تعتمد على فدى خطف الرهائن والذى وصل إلى أكثر من 15 مليون دولار سنويا فى المتوسط منذ عام 2008، أى أنها برغم كل ذلك لم تصل إلى مستوى تمويل الدولة الإسلامية. وكانت شبكة سى إن إن الإخبارية الأمريكية، قد نشرت على مدى الأسابيع القليلة الماضية تقارير تكشف مصادر تمويل وثروة الدولة الإسلامية جاءت على رأسها الابتزاز النقدى ودفع ضريبة لصالحها من جانب الشركات المحلية ومع فرض مزيد من الضرائب على كل المدن زادت نسبة الأموال المتدفقة عليها بسيطرتها على المزيد من هذه المدن. ثم جاءت المخدرات والخطف وغسل الأموال فى المرتبة الثانية على حد قول القناة الأمريكية مؤكدة أنها تتعامل مع منظمات المافيا العالمية مشيرة أنها تتفوق فى أنشطتها الإرهابية حيث امتدت للخطف والسرقة والقتل والتهديدات، فضلا عن تجارة المخدرات ومخططات غسيل الأموال. الوقود جاء فى المرتبة الرابعة بعد الكهرباء التى كشفت تقارير صحيفة نيويورك تايمز أن الدولة الإسلامية تبيع الكهرباء من محطات توليد الطاقة بالمدن التى استولت عليها بشمال سوريا لصالح حكومة الأسد. كما سيطرت الحركة على محطات إنتاج الكهرباء بالعراق وبيع الطاقة التى تنتجها لصالح جماعات تابعة لها. وبالإضافة إلى الجهات المانحة التى سبق وذكرناها، فإن مناجم الذهب دخلت أيضا فى موارد التمويل حيث استولت الدولة الإسلامية على مناجم الذهب فور دخولهم الموصل، حيث استولوا على البنك المركزى بالمدينة والمؤسسات المالية واستولوا على سبائك ذهبية تقدر ب 430 مليون دولار. إلى هنا والمسألة واضحة ومتوقعة، أما الغريب فهو ما أعلنته مجلة سلات الفرنسية من أنه فى بعض المناطق التى تسيطر عليها الدولة الإسلامية بدأت فى فتح المستشفيات وبناء الطرق الجديدة وإطلاق خدمات الحافلات وإعادة تأهيل المدارس وإطلاق برامج المشاريع الصغيرة والمتوسطة من أجل تحفيز الاقتصاد المحلى ليس فقط بهدف إقامة دولة، ولكن لضمان وصول مزيد من المساعدات والأموال لتجعل منها قوة عظمى. بالطبع كان من المفترض أن تساعد عقوبات الأممالمتحدة واللوائح المفروضة على البنوك بعد عام 2001، على إثناء الجهات المانحة والمنظمات غير الحكومية فى مواصلة دعمهم لهذه المنظمات، لكن فى ظل وجود وسطاء وناقلين وبائعين ومشترين ومستفيدين أولا وأخيرا، فإن المسألة تدخل فى سلسلة تعقيدات لا أول لها ولا آخر ليصبح حلها بفرض حظر عالمى على تجارة جميع الموارد المرجح أنها تأتى من الأراضى التى تسيطر عليها الدولة الإسلامية وتحديد الوسطاء والمستفيدين من هذه المعاملات. فالنفط ليس المورد الوحيد لأرباح الدولة الإسلامية، وفى نفس الوقت فإن الخيار العسكرى من شأنه أن يعرقل أو يقيد هذه الأرباح المنهمرة عليها عن طريق السيطرة على الطرق وشبكات التوريد الخاصة بها، لأننا اليوم نتعامل مع أغنى مجموعة متطرفة فى العالم.