ريم عزمى اختلف المفكرون حول ماهية السخرية، فيرى القدامى مثل هربرت جورج ويلز الأديب الانجليزى أن «السخرية فكاهة مريضة»، فى حين يميل أوسكار وايلد إلى الفكاهة تسهل توصيل الفكرة فيقول «إذا أردت أن تقول الحقيقة للناس فاجعلهم يضحكون وإلا سوف يقتلونك»! ويمكننا التوصل إلى أن الأهواء تتدخل فى الأمر، وما تراه مضحكا ربما يكون جارحا للطرف الآخر. ولا شك أننا تعرضنا لحملات ساخرة لم يسبق لها مثيل حتى بشهادة نجوم الكوميديا ذاتهم، والسبب يرجع لمواقع التواصل الاجتماعى التى تشتمل على أشياء جديدة كل يوم منها ما له تأثير إيجابي أو سلبي! شهدنا أحدث النكات والسخرية المريرة وربما يتطور الأمر للشتائم والفضائح! وهذا الأمر لا يستطيع أن يحتمله البعض وبالذات من هم من أجيال متقدمة فى العمر ولا يقدرون على مجاراة التغييرات السريعة ولا يجيدون التعامل مع الكمبيوتر، لذا يطمئنهم وجود سلطة الداخلية التى تراقب هذه المبتكرات حتى يشعروا أكثر بالأمن والآمان وينصحون أبناءهم بالكف عن التجاوزات حماية لهم. اللعبة الخطرة وفى ظل شبكات التواصل الاجتماعى التى تثير جدلا حاليا خصوصا مع اندلاع ثورة الياسمين فى تونس وتوالى ثورات «الربيع العربى» لاسيما ثورة «25 يناير» فى مصر، تزامن وقتها عرض فيلم حظى بشهرة كبيرة عن مارك زوكربرج مؤسس «فيسبوك»، وهو من نوعية الدراما بعنوان «شبكة التواصل الاجتماعى» Social Network ويتناول الفيلم السيرة الذاتية للشاب العبقرى الذى زاحم الأثرياء مبكرا منذ إطلاق الموقع فى عام 2004 ، وكانت بدايته داخل إطار الجامعة ليتعرف الشباب إلى زميلاتهم من الفتيات، حيث لا يجرؤون على التقرب منهن بشكل مباشر فى الحقيقة! وكان زوكربرج، أصغر ملياردير فى العالم وهو فى ال23 من عمره، وحافظ على لقبه الذى منحته إياه مجلة «فوربس» المتخصصة فى المال حيث بلغت6.9 مليار دولار فى عام 2010. وأفيش الفيلم يحمل عنوانا غريبا وفى نفس الوضع يلخص فكرة مهمة، وهى أنه عندما زاد عدد أصدقاء مبتكر هذه الشبكة زاد أعداؤه! وبالفعل فقد وصل عدد المشتركين آنذاك لنصف مليار.ولا شك أنها قفزة كبيرة بعد قفزة الإنترنت ذاته، عندما ظهر فى حياتنا عالم مواز اسمه الإنترنت، هذا النظام العالمى لتبادل المعلومات الذى طرأت عليه تطورات بشكل مدهش، وفى عام 1989 اخترع العالم الإنجليزى تيم بيرنرز لى هذه الصورة التى نعرفها عليه حاليا، وحدث نمو هائل للإنترنت فى عام 1996، بالإضافة لاستخداماته التى تشمل كل المجالات الإعلامية والتجارية والأكاديمية والسياسية والعلمية..إلخ. ونجد أن هناك مجتمعات افتراضية ظهرت لتقارب بين أفكار الناس ودعم التبادل الثقافى ووطدت الصلات بين الشعوب أيضا! فتم الانتقال لمرحلة جديدة أخرى، فبعد نشره بشكل ديمقراطى عن طريق المدونات والمنتديات ومواقع الدردشة، ظهر الاحتكاك اليومى من خلال مواقع اجتماعية مثل فيسبوك و«ماى سبيس» و«تويتر»، وهى محاولة لخلق نموذج مصغر لحياتنا الحقيقية، عن طريق مجموعات تضم زملاء الدارسة أو أصحاب الهوايات أو أفراد العائلة. ويمكنهم من خلاله تبادل التعليقات والهدايا وبطاقات التهنئة، وإضافة ألبومات صور وتصوير فيديو ووضع إعلانات وغالبيتها مشاركات مجانية. وهناك 3 أمور مهمة تميز الشبكة الاجتماعية، أولها عندما يقوم المشارك بإضافة الطرف الآخر لقائمته بصفته «صديقا». الأمر الثانى أن يقوم كل مشارك بتعريف نفسه فى صفحته باسمه الحقيقى، وليس اسما مستعارا ويضع صورته الشخصية، وربما يضيف بيانات عن دراسته وعمله ووضعه الاجتماعى أيضا خاصة وان كان يرغب فى استخدام صفحته بشكل مهنى وبدأ الكثيرون ربط اشتراكاتهم ببعضها بعضا لتسهيل التدوين مثلما يحدث مع تويتر وفيسبوك.الأمر الثالث أن هذا الموقع لا يعتمد بالضرورة على إقامة تعارف جديد بقدر ما هو يسعى لتوطيد العلاقات الموجودة بالفعل. والبعض واجه صعوبة فى التعامل معه والبعض الآخر نجح فى عقد صداقات مع أشخاص من دول أخرى.والبعض اتخذه وسيلة لتكوين دائرة كبيرة من المعارف ودعوتهم للحفلات التى يقيمها.ومنهم أيضا من يسعى لمد جسور الود مع أقاربه الذى فقد الاتصال بهم. وتثير البعض فكرة التعرف على الحالة المزاجية للآخر أو أنشطته من خلال خاصية «ستاتيس» أى الحالة.فكل يبدع فى وضع قول مأثور أعجبه أو تعبير مضحك أو أعماله خلال الأسبوع فى هذه الخانة، فتظهر للجميع. ولا ينسى الخبراء أن يقدموا التحذيرات لمستخدمى فيس بوك أو مواقع مشابهة، مثلا ألا يكتبوا أنهم فى إجازة سفر خوفا أن يسطو أحد اللصوص على المنزل فى غيابهم! وألا يضعوا كل تفاصيلهم الشخصية مثل تاريخ الميلاد بالكامل، حتى لا يجربه القراصنة كلكمة سر فى تدمير حياته خاصة سرقة حسابه البنكى! والبعض بدا متحفظا ويخشى وضع أى بيانات تفصيلية لأنه يفتقد الثقة فى كل هذه المواقع ويرى أنها تستغل هذه المعلومات، والبعض الآخر يتعمد استخدام بيانات غير حقيقية للتضليل من أجل نيات سيئة، والبعض الآخر آثر الابتعاد عن كل ذلك معتبرا أن شبكات التواصل ما هى إلا نوع من استعراض الحياة الشخصية وإعطاء فرصة لتلصص الآخرين على الخصوصيات! الحرية السياسية أمر نسبى آخر طرأ على حياتنا ألا وهى مسألة الحرية، البعض وجد متنفسا للتعبير عن آرائه السياسية وكأنها وسيلة إعلامية موازية، ربما يكون تويتر الأخف تحميلا والأكثر عملية للتعامل لكن لفيسبوك سحر خاص، وكانت أبرز الصفحات عليه «كلنا خالد سعيد» التى حفزت الشباب على التظاهر بشكل مكثف يوم 25 يناير 2011، وبعد تنحى الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك ظلت تحظى بتقدير نسبة كبيرة من الناس لولا أن أحد مؤسسيها وائل غنيم قرر الابتعاد عن المشهد السياسى بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسى يوم 3 يوليو 2013، ورغم عدم وجود تفاعل منذ ذلك الوقت فقد اقترب عدد المعجبين للصفحة من 4 ملايين مشترك! وربما ظهر المشهد متناغما بين أطياف الشعب المصرى فى بداية ثورة يناير، لكن بمرور الوقت ظهرت الانقسامات خاصة وقت استفتاء مارس، وأصبحت مواقع التواصل الاجتماعى بيئة خصبة لمهاجمة المجلس العسكري، وتحول الكاريكاتير السياسى للفنان كارلوس لطوف إلى أيقونة ثورية جديدة، عندئد لم يحتمل البعض أن يكون الجيش المصرى فى مرمى الانتقادات، وأصبح يرى أن الحرية تحولت إلى فوضى، وظلت عملية الاستقطاب تزداد حدة، فإما أن يكون الشخص مؤيد للرأى الآخر، وإما أن يكون هناك شك فى وطنيته! بالإضافة إلى شهوة الصراع التى تضفى اثارة على الجدل، وربما يرجع ذلك لأن البعض بدأ يأخذها على محمل شخصى، وتحول الاختلاف السياسى إلى خلاف على على مستوى الأسرة والأصدقاء والجيران وزملاء العمل! حتى إن نشطت عملية استخدام خاصية الحذف والمنع، وأصبح هناك شخصيات مستهدفة للسخرية مثل الفريق أحمد شفيق والدكتور محمد البرادعى أو قيادات جماعة الإخوان المسلمين وعدد لا بأس به من المذيعين والمذيعات، وعكس ذلك توترات ومخاوف وتعصب بدا يغزو مجتمعنا الذى كان يعيش فى روتين محبب، ويبدو أن فى الغالب هى مشاكل أخرى تضغط على الشخص لكن يتهرب من مواجهة مشاكله الشخصية ويسقطها على الوضع السياسي، أو عندما يفشل فى دوره الأساسى يتجه للعب أدوار أخرى. ولم تعد هناك مساحة من التسامح لتفهم وجهة النظر الأخرى أو النظر من زاوية مختلفة حتى يتم الالتقاء على أرضية مشتركة، وتحولت الساحات الافتراضية إلى معارك يومية يتم فيها تفريغ فيها شحنة عنف لفظى وهى لا شك ناتجة عن احباطات متنوعة.وخشى البعض ولا سيما المسئولين أن يتحول هذا الكلام إلى فعل عنيف فى الحياة العادية! لذا وجدنا أخبار سابقة عن رصد صور تحمل شعار «رابعة» التى تحولت لرمز الصمود أو حتى نوع من التعاطف الانسانى على الصفحات الشخصية، وأخذها الناشطون على محمل غير جدى وبدأوا يتلاعبون بكلمة رابعة وتفنن البعض فى الرموز فوضعوا صورة النجمة نبيلة عبيد التى قامت بدور رابعة العدوية أو مسألة حسابية يكون ناتجها رقم أربعة!هدأت الموجة ثم عادت مرة أخرى بعد انتشار «الهاشتاج المسىء» وتبادل الشتائم والاتهامات.وغالبا ما يقولون أن أمام الخطر توجد ثلاثة ردود أفعال للبشر إما التقدم نحو الخطر أو الثبات فى المكان أو الهروب، لذا وجدنا من يصمم على التحدى لأنه ضد أى سلطة تسعى لحجب رأيه، ومنهم من لجأ كالعادة إلى الرمزية وإلى التحايل، وأصبح يستخدم كلمات خاصة به ويُفهم منها قصده دون أن يصدم المحيطين، ووجدنا أيضا من يتراجع أو يهدئ من حدة نبرته بعدما عبر عن رأيه بما يكفى أو وجد أنه لابد أن يكون واقعيا أكثر ويتعامل بشكل أكثر مرونة مع تطور الأحداث، أو ربما وجد فى المرشح الرئاسى حمدين صباحى مثارا للسخرية أكثر لأنه غالبا مرفوض من مؤيدى الرئيس الجديد عبد الفتاح السيسى وفى ذات الوقت من مؤيدى الشرعية الذين لا يعترفون بالانتخابات. وحتى لا يأخذ موضوع المراقبة أكبر من حجمه، بدأ المتخصصون يشرحون أن ذلك لن يمس الرسائل الخاصة وهو يركز على متابعة الصفحات والمجموعات، ورأى البعض أن حتى ذلك يصعب التحكم فيه من النواحى التقنية. وتحدث البعض بمنطق آخر مرحبا بالتشبه بالدول الغربية فى الحفاظ على الأمن والنظام والانضباط، وطالب بمميزات حياة الرفاهية أيضا.ولم تغب الفكاهة عن المشهد فرأينا رسوم الجرافيك تتبارى فى تخفيف المخاوف، مثل خروج رأس شرطى من تحت أزرار لوحة المفاتيح لمراقبة مستخدم الكمبيوتر ونكات أخرى!