أحمد أمين عرفات كانت الرقابة على الانتخابات هى بداية صدامه مع نظام مبارك، فبسببها أصبح متهما بالعمالة لصالح جهات خارجية، علاوة على قائمة عريضة من الاتهامات، ثم بسبب دراسة قدمها لمبارك عن الانتخابات أيضا، تصور المخلوع أنه فخ لإسقاطه، إنه الدكتور سعد الدين إبراهيم أستاذ علم الاجتماع السياسى ورئيس مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، الذى التقيناه بمناسبة أجواء الانتخابات الرئاسية التى نعيشها، وكيف كان أول من قام بمراقبتها، وإلى أى مدى هناك تطور فيها؟ وتفاصيل أخرى كثيرة نكشفها معه فى حوارنا التالى. الانتخابات الرئاسية على الأبواب.. كيف تراها؟ بعد ثورة يناير هناك أشياء استجدت على مصر، منها كسر حاجز الخوف إلى غير رجعة، كما أن الكل تسيس بعد أن كانت السياسة حكرا على شريحة صغيرة، وعلاوة على ذلك فالشعب أصبح مهيئا للمشاركة، ويشارك فى المليونيات المختلفة، مما جعله فى حالة تعبئة دائمة، لذلك من الصعب أن يأتى لنا مستبد آخر، لأن الشعب لن يسكت إذا حدث تزوير على نطاق واسع. كيف نخرج بانتخابات نزيهة؟ بالمراقبة الحقيقة وتكثيف وجود المراقبين فى اللجان الانتخابية، فنحن سنراقب وندعو لوجود مراقبين دوليين، وفى السنوات الماضية عندما كانت الحكومة تعترض على المراقبين الدوليين كنا نحضرهم نحن ونعطيهم كارنيهات ابن خلدون ونتحمل المسئولية، ولكن الوضع تغير حاليا، بدليل أن اللجنة العليا للانتخابات دعت الاتحاد الأوروبى وآخرين، وحتى تكون هناك شفافية. هل تتوقع أن يدخل الإخوان بمرشح خفي؟ أتوقع أنهم سيدعمون أحد المرشحين، وبالطبع لن يكون السيسى، فهم لن يتركوا له الساحة. هل نجاح الانتخابات الرئاسية سيجعل أوروبا تتعامل مع 30 يونيو على أنها ثورة وليست انقلابا؟ لقد كسرنا حدة عدم الاعتراف ب 30 يونيو كثورة، ولم تعد أوروبا تتعامل معها على أنها انقلاب، خصوصا بعد أن قمت وثلاثة من قيادات المجتمع المدنى وهم محمد سلماوى ونجيب ساويرس والمحامية منى ذو الفقار بالذهاب إلى بروكسل، والتقينا آشتون ثم عدداً من وزراء الخارجية فى الاتحاد الأوروبى، وشرحنا لهم ما حدث، وكان سيحدث مثل ذلك فى أمريكا، ولكن الإخوان لديهم كتائب إلكترونية متطورة جدا، ودائما تسبق ما يقوم به المسئولون المصريون بأسبوع أو أكثر، وهو ما يجعل تغيير الانطباع الذى يأتى فى الجولة الأولى صعبا، وبرغم ذلك لم يعد أحد يتكلم خارجيا عن الانقلاب وحل محله خريطة الطريق، وفى 3 يوليو الماضى أرسل الكونجرس وكيل الخارجية الأمريكية وهو صديقي، لكى يخبرهم بحقيقة ما حدث فى مصر خصوصا أن هناك قرارا أمريكيا منذ أيام الانقلاب فى تشيلى بأنها لا تقدم مساعدات لأى دولة حدث فيها انقلاب عسكرى على حكومة منتخبة ديمقراطيا، وقبل أن يقابل أحدا من المسئولين فى مصر، جاءنى ليسألنى النصيحة وماذا سيقول للكونجرس، وكان حريصا على عدم تكرار ما حدث فى 56 عندما قامت أمريكا بسحب تمويل السد العالي، فقلت له إن الجيش فى 1952 هو الذى بدأ بعملية الانقلاب، ولكن الشعب بدأ يلتف حوله بعد ما قام به من إصلاحات مثل قانون الإصلاح الزراعى وإلغاء الألقاب، وبعد أن كانت «الحركة المباركة» أصبحت «ثورة « أما ماحدث فى 30 يونيو فهو عكس ذلك، لأن الشعب كان الأسبق ، بينما الجيش كان يلهث وراءه ليلحق به حتى يجنب مصر حربا أهلية محتملة بين الإخوان والمحبطين من وجود الإخوان فى السلطة، علاوة على أن ذلك لم يحدث فجأة، بل كانت هناك إنذارات لم تجد من يسمعها من الإخوان، وبالتالى فما حدث ليس انقلابا وبالفعل عاد المبعوث الأمريكى واستطاع أن يجنبنا قرارا من الكونجرس بقطع المساعدات، وكل ما تم عمله هو تقنينها وإرسالها على دفعات بما يتفق ونجاح خارطة الطريق . قلت إن هناك 5 يصلحون لحكم مصر بجانب السيسي، فمن هم؟ عمرو موسى وأيمن نور والبرادعى وحمدين صباحى والرئيس الحالى عدلى منصور، وليس هؤلاء فحسب، لأن مصر ولادة وبها ما لا يقل عن 100 شخص يصلحون لحكمها. مراقبة الانتخابات بدأت فى مصر عام 1985 من خلال مركز ابن خلدون .. فكيف حدث هذا؟ لم تكن مراقبة الانتخابات من خلال مؤسسة أهلية أمرا معروفا فى مصر، ولا فى العالم العربي، أو إفريقيا، وكنا نحن بالفعل أول جهة تخوض هذه التجربة، فنحن كمركز للدراسات الإنمائية كان يقع على عاتقنا مهمة تعريف التنمية فى جميع المجالات، ولأننا عرفنا التنمية السياسية بأنها مشاركة المواطنين فى الشأن العام، فقد رأينا أن هذه المشاركة فى الانتخابات وحتى تكون حرة ونزيهة وشفافة، فلابد من مراقبتها، وشجعنا على ذلك أنه لم تكن هناك معايير لأى انتخابات تتم، فالحزب الوطنى دائما هو المكتسح، باعتباره حزب رئيس الجمهورية، والحق يقال إن المفكر السياسى عادل حسين رئيس تحرير جريدة الشعب الأسبق هو من اقترح علينا فكرة مراقبة الانتخابات. وهل كان تنفيذ الفكرة سهلا؟ لم يكن سهلا، فلم يكن لدينا أى كوادر أو خبرات حقيقية، فأرسلنا إلى هيئة فى السويد اسمها «ايديا « مهمتها تدريب الناس على مراقبة الانتخابات، فوافقت على تدريب 4 باحثين كانوا هم النواة، حيث تولوا بعد ذلك مهمة تدريب الآخرين حتى وصل عدد المتدربين حاليا إلى 10 آلاف متدرب. إلى أى مدى تقبل نظام مبارك فكرة مراقبة الانتخابات؟ بالطبع لم يتقبلها، لذلك لجأ إلى تشويه سمعتنا وسلط علينا أبواقه، وعندما بدأنا عملية المراقبة تم منعنا من دخول المراكز الانتخابية، ومن هنا بدأ اتهامنا بأننا عملاء ونعمل لأجندات خارجية تمولنا، ولكن تحملنا كل ذلك عملا بالمثل القائل «إذا لم تكن قادرا على تحمل الحرارة فاخرج من المطبخ» لذلك واصلنا عملية المراقبة برغم التضييق والمنع، وقدمنا التقارير ووثقنا المخالفات التى حدثت فى حوالى من 90 % . وظللنا نقوم بهذا العمل لسنوات، كنا خلالها عرضة للهجوم الإعلامى وخصوصا مع كل نشاط نقوم به مثل مؤتمر الأقليات، وغيره، إلى أن وصل الأمر للقبض على فى عام 2000 . وما الذى استجد فى الأمر لحدوث ذلك؟ لقد فوجئت بمستشار الرئيس الأسبق مبارك د. أسامة الباز يزورنى فى بيتي، ويخبرنى بأن مبارك يطلب مقابلتي، فذهبت معه، وكان ذلك فى ربيع 1999 ، وما إن رآنى مبارك حتى قال لى « أنت خاوتنا بموضوع الديمقراطية بتاعك ده» وعندما جلست معه وجدته يطلب منى عمل دراسة عن الانتخابات، فوعدته بأنها ستكون بين يديه خلال شهرين أو ثلاثة، بعد أن أقوم بجولة فى شرق أوروبا وأمريكا اللاتنية، باعتبارها صاحبة التجارب الحديثة، فوافق، ولكنه طلب أن أمده بالتقارير أولا بأول دون انتظار حتى نهاية هذه المدة، وبالفعل قمت بهذه الجولة، ووجدت أن أقرب بلد لنا عمليا هى المكسيك، وكان ذلك أيضا رأى الرئيس السابق كارتر الذى كنت قد التقيته باعتباره من المهتمين جدا بالتحول الديمقراطي، فالمكسيك كان بها الحزب المؤسسى الحر وهو يماثل الحزب الوطني، وقد ظل يسيطر ويحكم المكسيك نحو 40 سنة، فرأى كارتر أن بلادنا لن تنتقل للديمقراطية بين يوم وليلة، والأفضل أن تتم بشكل تدريجي، من خلال انتخاب مجلسين، الأول من خلال انتخابات حرة نزية تحت إشراف دولي، والثانى تجرى انتخاباته بالشكل المعتاد وحسبما يريد النظام الحاكم، وبالفعل كتبت ذلك فى دراسة وقدمتها لمبارك. وكيف كان رأيه؟ كان معجبا بها، ووعد بأن يعمل عليها، بل زاد على ذلك بأنه سيعطى للمعارضة مساحة أكبر للمشاركة فى السلطة. ألم تسأل نفسك لماذا طلب منك مبارك ذلك؟ لم يفارقنى هذه السؤال لأنى صوتى كان قد بح من المطالبة بذلك، ولكنى أدركت أنه طلب ذلك مضطرا بسبب التغيرات التى حدثت فى شرق أوروبا، وما حدث فيها من ثورات وانتفاضات، وهو ما سبب له قلقا، علاوة على أن الإعلام بدأ يطالب بالانتخابات والديمقراطية من كل الأنظمة الحاكمة، بجانب أنه كان قبلها قد وعد بذلك مرتين ولم يفعل. ولماذا لم تخرج هذه الدراسة لحيز التنفيذ برغم إعجاب مبارك بها؟ لقد كشف لى الراحل أسامة الباز أن زكريا عزمى عندما قرأ الدراسة، قال لمبارك «هل تعلم يا ريس ماذا حدث فى المكسيك» ، فسأله عما يقصد فقال له « إن الحزب الذى قام بهذه الإصلاحات خسر الانتخابات فى أول جولة انتخابية»، فما كان من مبارك إلا أن علق قائلا: إذن سعد الدين يريد أن يعمل لنا فخا « وبعدها ب 6 أشهر كان قد تم القبض على ودخلت السجن، بسبب ذلك وبسبب ما قلته أثناء تشييع جنازة حافظ الأسد ومقالى بعدها عن» الجملكية «. وكيف حدث ذلك؟ أثناء تشييع جنازة حافظ الأسد استضافنى عماد الدين أديب لتغطية هذا الحدث وكان على الهواء مباشرة، وأثناء ذلك جاءتنى عدة أسئلة من المشاهدين منها سؤال عمن سيخلف الأسد، وبرغم أنه لم تكن هناك أى مؤشرات عن التوريث وقتها، فإننى قلت إن ابنه بشار سوف يكون الوريث، فكان سؤال أديب: كيف هذا وهو ليس له موقع فى هيكل السلطة؟ فكان ردى بأن هذه المسائل سيتم ترتيبها بسرعة وأن العرب لديهم قدرات فائقة فى ترتيب الأمور حين الحاجة، فجاءنى سؤال آخر عن كيفية حدوث ذلك، فقلت: سوف تخرج مظاهرات بعد أسبوع فى الشوارع الرئيسية وتطالب ببشار خلفا لأبيه، وما إن قلت ذلك حتى جاءنى السؤال الذى كان بمثابة الكارثة لى وهو: هل خلافة بشار لأبيه ستكون استثناء أم سابقة يمكن تكرارها وفى أى الدول ممكن تكرارها؟ وكان ردى بأنها ستكون سابقة وأنه يمكن تكرارها فى العراق واليمن وليبيا، فالرئيس فى هذه الدول مستقر فى السلطة أكثر من عشر سنوات، وهذه المدة جعلته يرى أن البلد الذى يحكمه أصبح ضيعة أو عزبة له يورثها لأبنائه، فتمادى السائل بقوله، ولماذا لم تذكر مصر فهى ينطبق عليها ذلك، فعارضنى عندما أجبته بأن مصر دولة مؤسسات، قائلا إن كل البلاد التى ذكرتها بها مؤسسات، فوجدت نفسى مضطرا لأن أقول إن التوريث يمكن أن يحدث فى مصر، لينهى المشاهد مداخلته بسؤال: هذا النوع من الحكم الذى لا هو ملكى ولا هو جمهورى فماذا يمكن تسميته فقلت له: الحكم الجملكي، وفى اليوم الثانى جاءنى اتصال تليفونى من عبد الرحمن الراشد رئيس قناة العربية، يطلب منى أن أكتب له مقالا عن «الجملكية»، ليضعه فى العدد المقبل من مجلة» المجلة» التى يرأس تحريرها فى لندن، مؤكدا أن التوريث سيكون القضية التى ستشغل العرب لمدة ربع قرن قادم على الأقل، وبالفعل أرسلت له المقال وكان بعنوان « الجملكية.. مساهمة العرب فى علم السياسة فى القرن ال 21 " وصدرت المجلة وحمل غلافها صورة ضابط بالنجوم على كتفه وبدلا من البارية أو الكاب يرتدى تاجا وبجواره كلمة الجملكية واسمي، ولم تمض ساعات حتى كان أكثر من 30 من رجال الشرطة والنيابة يطرقون بابى فى منتصف الليل ويقبضون على بعد تفتيش بيتى وأخذوا معهم صندوقا به أوراق كانت لدى تتعلق بمراقبة الانتخابات، وكنت قد علمت بأنه قد تم مصادرة كل أعداد المجلة وجمعها من عند باعة الصحف، وما إن خرجت معهم حتى وجدت أكثر من عشر سيارات شرطة وجنود تملأ كل الميدان، وكأنها قوة غزو مدينة، وركبت معهم وإذ بى ونحن فى الطريق على الأوتوستراد، أتأمل السيارات التى يسير بعضها أمامى وبعضها خلفى، فوجدتنى أتذكر مشهد عربات الموت فى رواية» قصة مدينتين «وهم يأخذون البطل لإعدامه، والأغرب من ذلك أن الابتسامة منذ ذلك الوقت وحتى محاكمتى وسجنى لم تفارقني. وما سر هذه الابتسامة؟ وأنا فى السجن بدأت أبحث عن تفسير لها، فاكتشفت أن نظاما بهذا القلق وبهذا الخوف من مثقف فوق الستين، فهو فى طريقه للانهيار. قيل إن فى هذا لصندوق كانت بطاقات انتخابات مزورة؟ الانتخابات لم تكن قد أجريت، وهى لم تخرج عن استمارات لأناس لكى نستخرج لها بطاقات انتخابية، أو بطاقات رقم قومى لمن ليس لديه تميهد لاستخراج بطاقة انتخابية له. نحن بصدد انتخابات رئاسية كيف ترى الانتخابات فى عصر مبارك؟ لم تكن هناك انتخابات بل استفتاءات إلى أن ضغطنا وجعلناها انتخابات رئاسية، شارك فيها منافسون له كما حدث فى انتخابات 2005 والتى نافسه فيها نعمان جمعة وأيمن نور، وقد راقبنا هذه الانتخابات وشهدنا بها تزويرا كبيرا، وبعد الثورة بدأنا مرحلة جديدة من الانتخابات، وبرغم ما كان بها من تنافس لكنها شهدت أيضا تزويرا كما حدث فى المطابع الأميرية، علاوة على ما صاحبها من ضغط وابتزاز بحرق البلد من جانب الإخوان وأتباعهم. هل يعنى ذلك أنه كان هناك تزوير فى الانتخابات الرئاسية الماضية بصفتك مراقبا لها؟ نحن راقبنا فى 26 محافظة، ولاعتبارات أمنية لم نراقب فى شمال وجنوب سيناء، وطبقا لتقارير المراقبين لدينا، والذين بلغ عددهم 10 آلاف، كانت النتيجة النهائية تشير إلى تقدم شفيق على مرسى بفارق 300 ألف صوت، ولكن تهديدات الإخوان بنسف التحرير والمجمع والمتحف المصرى والجامعة العربية والجامعة الأمريكية، جعل أصحاب القرار وخوفا على البلد يخضعون لابتزاز الإخوان خصوصا أنهم وجدوا أن الفارق بين المرشحين ليس كبيرا. إذن فأنت تؤكد أن كلمة الرئيس الشرعى التى يصر عليها أنصار مرسى غير حقيقية؟ بالطبع، ولكنها شرعية شكلية نتيجة إعلانه فائزا، ولكنه فوز بالابتزاز والضغط والتزوير. ما حقيقة تدخل السفيرة الأمريكية ورفضها تأخر إعلان النتيجة ومطالبتها بأن تعلن لصالح الإخوان؟ كل ما حدث أن تقارير السفيرة الأمريكية كانت تقول إن جماعة الإخوان هى القوة المنظمة الوحيدة فى مصر، وبالتالى تخدم مصالح بلدها وعليهم الاستعداد للتعامل معهم، ولكن حينما تأخر إعلان النتيجة، أعلنت عن رفضها ذلك، دون أن تتدخل لحسم النتيجة لصالح الإخوان كما ردد البعض، فقط كانت تعبر عن قلق الدبلوماسيين الغربيين فى القاهرة، فما حدث أثناء أزمة العراق مع الكويت عندما قالت السفيرة الأمريكية لصدام إن أمريكا لن تتدخل إذا ما قرر غزو الكويت، وهو ما اعتبره صدام بأنه ضوء أخضر، فمنذ ذلك الوقت أصبح الدبلوماسيون الأمريكيون حذرين جدا فى التعامل مع الدول العربية ولا ينطقون بكلمة يمكن أن يتم تفسيرها بشكل مختلف. هل ستكون هناك منافسة حقيقية فى الانتخابات المقبلة فى ظل انحياز الشارع المصرى للسيسي؟ ستكون منافسة حقيقية ولكنها غير متكافئة، ويكفينا أنه لن يحصل الرئيس القادم على 90 % كما كان من قبل، فهذا النوع من أنواع» تقفيل» الانتخابات ذهب ولم يعد. هل مشاركة حمدين فى هذه الانتخابات سيفقده الكثير إذا ما خسر أمام السيسي؟ أراها شجاعة تحسب له، فرغم الشعبية الطاغية للسيسى فإنه تجرأ ورشح نفسه، وقد انتخبته فى الجولة الأولى من الانتخابات السابقة، ولكنى فى الإعادة كنت حائرا بالفعل بين انتخاب مرسى أو انتخاب شفيق. ولماذا هذه الحيرة؟ أنا أعرف مرسى جيدا، فقد كان سجينا معي، وأعلم جيدا أنه لا يصلح لحكم مصر، حيث كان رقم 4 فى السجن بين الإخوان، ولم يكن يستطيع التحدث فى وجودهم، وإذا تحدث كانت تظهر قدراته المتواضعة وفكره السياسى الذى لا يؤهله لكى يحكم، أما شفيق فقد كانت لى ملاحظات عديدة عليه، وقد نشرتها فى مقال لى بعنوان «رسائل التوفيق للفريق أحمد شفيق» فندت فيها سبعة مآخذ لى عليه، ولكنى اخترته فى النهاية بعد ما حدث بينى وبينه. وما الذى حدث؟ بعد نشر مقالى فوجئت به يتصل بى ولم أكن أعرفه من قبل، وطلب أن نشرب معاً فنجانا من الشاي، والتقينا فى بيته بالتجمع الخامس، وكان ذلك قبل الصمت الانتخابى بأربعة أيام، وناقشتى فى كل ما جاء فى مقالتي، وخصوصا فيما يتعلق بمقولته «مبارك مثلى الأعلى» والتى أثارت الناس حوله، فقال لي: هذه هى الحقيقة فلماذا أكذب، فأنا عندما التحقت بكلية الطيران كان مبارك هو أول معلم لي، وعندما تخرجت كان هو قائد سلاحي، ثم شاركت معه فى حربين 67 و73 ، وبعد النكسة رأيته يعمل 18 ساعة متواصلة لكى يعيد بناء السلاح، ولم نمسك عليه أنا وزملائى أى ذرة فساد واحدة، لذلك كان هو مثلنا الأعلى، وبعد أن وجدته يتحدث بمنطق ويتقبل النقد فوجئت به يطلب منى أن أكتب له الخطاب الذى سيلقيه قبل الصمت الانتخابى ثم خطابين آخرين فى حالة فوزه وفى حالة خسراته، وكان ملتزما معى ولم يخرج عما كتبته له.