رشا عامر «ليس هناك أسوأ من طاغية كان يعمل برعى الغنم فأصبح سلطانا!» جملة قاسية جدا وردت فى رواية موريتورى للأديب الجزائرى المعروف ياسمينا خضرا المعروف بمعارضته الدائمة للنظام الجزائرى. وفى حوار أجرته معه مجلة لو جورنال دو ديمانش الفرنسية، تحدث فيه الكاتب الكبير عن رأيه فى النظام الجزائرى وفكرة إعادة ترشح عبد العزيز بوتفليقه لفترة ولاية رابع إذ يعتبر الكاتب الجزائرى محمد مولسهول، والمعروف فى الأوساط الأدبية بلسم ياسمينا خضرا، واحدا من أبرز الكتَّاب الجزائريين المعاصرين المقيمين فى فرنسا وقد بدأت شهرته فى بداية التسعينيات مع أول عمل روائي له حيث ظل يكتب باسم زوجته ولم يكشف عن اسمه الحقيقي إلا في العام 2001، أثناء مقابلة أجراها مع صحيفة (لوموند) الفرنسية، وفيها كشف الضابط السابق في صفوف الجيش الجزائري، أن زوجته واسمها ياسمينا خضرا هي التي نصحته باتخاذ اسم مستعار وقالت له "أعطيتني اسمك مدى الحياة، فأنا أعطيك اسمي للخلود!". فاز ياسمينا خضرا فى معرض فرانكفورت للكتاب عام 2013، بعدما حصل فيلم "الهجوم" المقتبس عن روايته والتي تحمل نفس الاسم على الجائزة الدولية لأفضل فيلم يتم إخراجه عن رواية، كما تعد رواية "موريتوري" علامة فارقة في تاريخ المسيرة الأدبية والإبداعية لمحمد مولسهول، الذي بدأ الكتابة في الثمانينيات وهو ضابط برتبة رائد في الجيش الجزائري، لكنه لم يعرف على نطاق واسع إلا في 1997، بصدور ثلاثيته السياسية: "موريتوري" و" الأبيض المزدوج" و"خريف الحالمين"، وهو العام الذي فتحت له من بعده أبواب الشهرة بعد توقيعه نصوصا أدبية نالت الجوائز الدولية، من أهمها "الشياه" (1998) و"بماذا تحلم الذئاب" (1999) و"الكاتب" (2001) و"سنونو كابول" (2002). وكانت روايته الأخيرة الاعتداء (2005) الصادرة عن دار نشر جوليار التي طبعت منها ( 59 ألف نسخة) أملا في الحصول على جوائز جونكور، ورينودو من بين أكثر رواياته إثارة للجدل السياسي داخل الجزائر وخارجها لتناولها مسألة تفجير الفلسطينيين لأنفسهم ، وقد اتهم محمد مولسهول، بتعاطفه مع الإسرائيليين وهو ما سعى إلى تفنيده في الصالون الدولي للكتاب الذي احتضنته الجزائر فيما بعد.. بعد ذلك أصبح "خضرا" أكثر الكتاب شهرة بعدما أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية الجزائرية، ثم عدل عن هذا الترشح مكتفيا بصدور روايته الجديدة "ماذا تنتظر القردة؟" ليصب فيها جام غضبه ويصفى كل حساباته كضابط سابق لمكافحة الإرهاب مع نظام عنصرى أسود طالما "مقته"! فى الدور السابع بالمركز الثقافى الجزائرى فى باريس، يقبع مكتبه بوصفه مديرا للمركز منذ خمس سنوات، بقرار من الرئيس الجزائرى عبد العزيز بوتفليقة. وأمام جهاز الكمبيوتر الخاص به انهمك خضرا فى كتابة مؤلفه الجديد عن الأيام الأخيرة للديكتاتور القذافى، ولكنه لم يمانع فى الإدلاء بحديث للمجلة الفرنسية بوصفه رجلا حرا يحلم بدولة عظيمة، ومن منطلق هذه الحرية التى يتمسك بها وعظمة الدولة التى يحلم بها رأى "خضرا" فى ترشح عبد العزيز بوتفليقة، لولاية رابعة كارثة، بل رأى أنه سخف ويشبه محاولات الهروب من المصائب عن طريق الانتحار! فبوتفليقة من وجهة نظر "خضرا" لا يدرك أن حاشيته المحيطة به تريد توريطه، فلو كان عاقلا ويملك قرارته لرحل من تلقاء نفسه، فليس هناك رئيس دولة يرغب فى أن تكون نهايته بهذه الطريقة المراوغة التى تجعل منه أضحوكة غير مقبولة. فقصة الترشح لولاية رابعة ما هى إلا خديعة تكشف عن تضارب نظام بدد جميع نقاط قوته، ويسعى حاليا لتمديد الوقت بعمل مسرحية هزلية. فالنظام الجزائرى ليس إلا شبحا يسعى جاهدا للبقاء على قيد الحياة بلا فائدة فهو يحاول باستماتة إعادة الروح لأنقاضه والعيش عليها. ولكن الأزمنة تتغير ويجب الاعتراف بأن هذه الانتخابات المعروف نتيجتها مسبقا ما هى إلا نوع من الهروب والاستسلام وقد حث "خضرا" الشعب الجزائرى على تعلم التعبير عن نفسه والذهاب للتصويت والسعى لضمان شفافية الانتخابات لأنه لو أعيد انتخاب بوتفليقة، سيحدث تمرد إن لم يكن قد بدأ التمرد بالفعل فى العقول والمشاعر، وبالتالى لا يجب ترك المسائل حتى تتفاقم كى لا تنزلق الجزائر إلى هاوية العنف لأنه لن ينجو منه أحد هذه المرة لذا حث "خضرا" الجزائريين على أن يحافظوا على رباطة جأشهم وطرد النظام من خلال صناديق الاقتراع..تطرق الأديب الجزائرى أيضا إلى قضية ترشحه للرئاسة وانسحابه منها لعدم استطاعته استكمال جمع التوقيعات اللازمة لذلك، مؤكدا أن السبب فى هذا الفشل هو أن الوقت لعب ضده، وكذلك قانون الانتخابات، فالمرشحون لا يحق لهم عقد اجتماعات. فكيف يتم رفع مستوى الوعى دون مفاوضات واجتماعات؟ واتهم "خضرا" المسئولين الجزائريين بأنهم وضعوا له العراقيل فى طريقه معترفا فى الوقت ذاته بفشله فى التغلب على هذه العراقيل، فقد تم اختراق اللجان التى كانت تدعمه من جانب، أما باقى الجوانب فقد تكفلت بها البيروقراطية على حد تعبيره، فعلى أرض الواقع كان هناك ترحيب شديد بترشحه للرئاسة، ولكن سريعا تغير موقف كل من كانوا مولعين به لاقتناعهم بأن المعركة كانت محسومة قبلا، واصفين إياه بأنه كان واهيا لتصوره إمكانية الوقوف أمام ديناصورات الحكومة..يذكرنا هذا الوصف بأحد الحوارات التى جاءت فى رواية خضرا الأخيرة عندما قال أحد أبطال الرواية لإحدى الشخصيات: - "ولكن فى النهاية ذهبت الستالينية الجزائرية أخيرا!". فردت عليه قائلة: " لا ..لقد أصبحت أكثر توحشا". والمعنى أنها أصبحت ستالينية وهمية وغريبة، فرغم أنها لا تقم على التطهير أو الاغتيالات، ولكنها أكثر رعبا لأنها مراوغة وتغتال العقول لا الأجساد. فالحرب الأهلية التى شهدتها الجزائر ما هى إلا باطل أريد به حق فهى شيطان جاء بحجة وعظ الناس وتثقيفهم فى وقت امتنع فيه أهل الحق عن رد الشعب إلى رشدنا. لذا فالجزائر تبدو اليوم وقد تم تسليمها إلى المراوغين بتحالف من الجميع باستثناء قلة قليلة. فكلٌ شخص على حد تعبير "خضرا" يأكل "عظمته" على حدة وهو سعيد لمجرد أن فى فمه "عظمة" فالمواطن الجزائرى يفتقد الوضوح والتضامن الفعال والطموح الوطنى..وكل ذلك بسبب النظام الذى أفسد العقول وأصابها بالعطب ودهس بحذائه على المعارضين والإعلاميين وكل راغبى التغيير. ويرى "خضرا" أن محمد بوضياف، أحد آباء الاستقلال والذى سعى إليه الجنرالات فيما بعد لكى يحكم البلاد، بأنه كان بطلا ورجلا وطنيا بحق جاء لإنقاذ البقية الباقية من الحطام. أما من ذهبوا للاستنجاد به فقد تصوروا أنهم عثروا على دمية يستطيعون تحريكها كيفما يشاءون، ولكن بوضياف لم يكن كذلك وبالتالى لم يكن أمامهم إلا الدم ..فمن له المصلحة فى القضاء على هذا الشخص الذى لم يكن يريد أى مقابل أو امتيازات؟.يعمد "خضرا" فى رواياته الواقعية إلى ذم الناس جميعا رغم أنه يؤكد أن الشعب الجزائرى شعب جميل وصبور وحمول، وأن هناك الكثيرين منهم يستحقون الحياة بشكل أفضل، ولكنه عندما يصف بلاده بالظلامية فلأنه يريد كشف الذين يشوهون بلاده فقط، وهو يشير إلى الجناة الحقيقيين فشخصيات "خضرا" الروائية هى شخصيات إيجابية لأنهم يقاتلون ضد الشر من أجل خير الجميع. أما الجزائريون فإنهم من سوء حظهم الوقوع فى براثن هذا الحكم الذى يمارس الفساد والظلم وكأنه عقيدة راسخة لا تقبل التغيير.