الطيب الصادق لم يعد أمام حكومة المهندس إبراهيم محلب غير خيارين أحلاهما مر لتلبية مطالب العمال وإرضائهم بتطبيق الحد الأدنى للأجور، لكن هذه الحلول وقتية لفترة معينة وما هي إلا مسكنات استهلكتها الحكومات السابقة ولم يعد أمام الحكومة الجديدة سوي حل حاسم وجذري لهذا الميراث الثقيل الذي أطاح بحكومات سابقة، لذلك يبقي الإنتاج هو الحل الأمثل لهذه الأزمة المزمنة والحادة والتي هوت بالاقتصاد المصري إلي مستويات متدنية خلال الثلاثة أعوام السابقة . خبراء الاقتصاد أوضحوا أنه لم يعد أمام حكومة محلب غير خيارين فقط للحصول علي تمويل للحد الأدنى للأجور وهما الاقتراض من البنوك الداخلية أو من الخارج كما تم في الفترة الماضية، أو طبع أوراق بنكنوت، ولكل واحد من الخيارين السابقين أضراره علي الاقتصاد فالاقتراض سيزيد المديونية علي الحكومة خصوصاً أن الدين المحلي تخطي حاجز التريليون و300 مليار جنيه والخارجي تخطي حدود 52 مليار دولار لتتحمله الأجيال المقبلة، كما أن الحكومة طرحت نحو 45 مليار جنيه سندات وأذون خزانة خلال الثلاثة أشهر الماضية، لذلك ستزيد المديونية من أعباء فوائد الديون وبالتالي زيادة الضغط علي الموازنة العامة للدولة المتوقع أن يصل إلي 240 مليار جنيه بنهاية العام المالي الحالي، كما أن طبع أوراق بنكنوت سيضر بالعملة المحلية وتصبح بلا قيمة، حيث كشف تقرير البنك المركزي المصري أن قيمة النقد المصدر خلال السنة المالية الماضية ارتفعت بنحو 56.7 مليار جنيه هو مجموع الأموال التي قام البنك المركزي المصري بطباعتها. وأكد الخبراء أن الحل الأمثل هو الإنتاج والعمل بشكل سريع من أجل دوران عجلة الإنتاج وإعادة تشكيل المصانع المتوقفة وتسوية مديونيات الشركات المتعثرة وإعادة النظر في عدد من القوانين التي تسهم في التشغيل وامتصاص البطالة التي تتفاقم وتزداد والتي وصلت أخيرا إلي 13.4 % . هاني أبو الفتوح، الخبير المصرفي، يؤكد أن حكومة محلب تواجه تحديات ضخمة نتيجة انخفاض النشاط الاقتصادي بشكل كبير مع استمرار الإضرابات الفئوية والاجتماعية، حيث ارتفع عجز الموازنة لمستويات قياسية بلغت نحو 13.7 % من الناتج المحلي و ارتفع الدين العام ليمثل 94 % من الناتج المحلي الإجمالي، مشيرا إلي أن الحكومة الجديدة ليس أمامها حاليا مفر من الاقتراض المحلى بطرح سندات وأذون خزانة لتلبية احتياجاتها المالية وتغطية عجز الموازنة، رغم أن وصول حجم الدين الداخلي إلى هذا الرقم مؤشر غير مطمئن، ولذلك قد تلجأ الحكومة أيضا لطبع البنكنوت، لكن ستؤدي هذه الأساليب إلى زيادة التضخم ورفع الأسعار لخفض الدخل الحقيقي للمواطن خصوصاً أن عجز الموازنة الناتج عن الديون لا يقابله إنتاج ولكن يقابله استهلاك فقط. ودعا أبوالفتوح الحكومة الجديدة إلي سرعة اتخاذ التدابير اللازمة بدلا من الاعتماد علي الفكر التقليدي للموازنة العامة، والفشل في ترشيد الإنفاق الحكومي، لذلك يجب أن تتبني خريطة طريق اقتصادية تشمل عدة محاور بدلا من تصدير المشكلة للأجيال القادمة، فلابد من بدء تشغيل جميع المصانع المغلقة وضرورة إعادة هيكلة الموازنة العامة باتخاذ خطوات وحلول غير تقليدية لخفض العجز عن طريق ترشيد الإنفاقات الحكومية، وضم الصناديق الخاصة وزيادة الموارد كما ينبغي بحث إمكانية التفاوض مع البنوك الحكومية الدائنة للحكومة لتسوية المديونية الحكومية وتخفيض قيمة الفوائد المحتسبة والتى بلغت ذروتها باحتساب نسبة 17 % يتحصل عليها البنك الدائن لتكون في حدود 13 % ومراجعة الخريطة الاستثمارية لمصر لكي تقدم بكل شفافية البيانات التى يحتاجها المستثمر مع مراجعة شاملة للإجراءات واللوائح من أجل تقليل البيروقراطية والموافقات . بينما يري أحمد سليم الخبير المصرفي أنه في ظل الأوضاع الحالية لم يتبق أمام حكومة محلب إلا طريقان لتوفير موارد مالية إما الاقتراض الخارجي، وهو أمر في غاية الصعوبة حاليا، خصوصاً مع تدنى التصنيف الائتماني للدولة والذى سيرفع تكلفة الاقتراض بشكل كبير، بالإضافة إلي الاقتراض الداخلي الذي تخطي الخطوط الحمراء مع ارتفاع أسعار الفائدة مما يزيد العبء علي الموازنة العامة للدولة . وأوضح سليم أن الطريق الآخر هو التوسع في طباعة النقود دون غطاء، وهو حل صعب جدا ولكنه الطريق الوحيد أمام الحكومة حاليا لمواجهة المشكلات المالية التي تعانى منها الدولة وتلبية مطالب العمال والموظفين في الفترة الحالية لحين استقرار الوضع السياسي في البلاد، لكن لجوء الحكومة إلى طبع نقود دون وجود غطاء سيؤدى إلى انخفاض القيمة الشرائية للجنيه بصورة كبيرة، وارتفاع مستويات التضخم رغم أن البنك المركزي أعلن في فترة سابقة أنه ملتزم بالمعايير القانونية في طباعة النقود، والتي تنص على أنه يجب أن يقابلها، وبقدر قيمتها، رصيد مكون من الذهب والنقد الأجنبي والصكوك الأجنبية وسندات وأذون حكومية لكن هناك حالات استثنائية. وتابع سليم قائلا: إن طباعة البنكنوت (الأوراق النقدية) تخضع لعدة اعتبارات من بينها الوضع الاقتصادي، فكلما كان الاقتصاد قويا قلت الحاجة إلى طباعة البنكنوت والعكس صحيح. كما أكد الدكتور حمدى عبد العظيم الخبير الاقتصادي، أن الحكومة الجديدة يجب عليها الاهتمام بدراسة المشاكل الأساسية ومعالجة الخطأ وترشيد النفقات وتنمية الموارد ووضع ضمانات وحوافز للمستثمرين وتشجيعهم لعلاج البطالة، مشيرا إلي أن الاقتراض سيزيد عجز الموازنة العامة للدولة . وطالب د. عبدالعظيم الحكومة بضرورة أن تستغل القروض والحزمات التحفيزية التي أطلقتها أخيرا وتحويلها إلى استثمار وعدم إنفاقها على الحوافز والعلاوات، وتوجيه هذه الأموال إلى شراء معدات الإنتاج وتشغيل الشباب واستغلال أموال المنح بشكل سليم، فلابد من ضخ الأموال فى استثمارات لتحريك عجلة الإنتاج وليس لدفع الأجور والمرتبات أو شراء السلع، مؤكدا أن الحل الأمثل كان يتمثل فى الاستفادة من الأموال والمنح العربية فى فتح قنوات استثمارية تساعد البلد على النهوض، وكذلك أخطأ النظام الماضى حين سخر كل الاحتياطي لتثبيت سعر صرف الجنيه، مما أدى إلى نفاد الاحتياطي بشكل سريع، وكان من المفترض جعل سعر الصرف يتحرك بعد الثورة حسب العرض والطلب فى السوق، وبعد هدوء الأوضاع تبدأ الحكومة بالتدخل