حوار : هانى بدر الدين الاتفاق الغربى مع إيران حول برنامجها النووي، كيف تراه المقاومة الإيرانية؟ وما الأسباب التي دفعت كل من طهران وواشنطن إلى الاتفاق بينهما في الوقت الحالي، برغم أن نذر المواجهة كانت تلوح في الأفق؟ وهل سيلتزم به نظام الملالى؟ .. أسئلة كثيرة يجيب عنها محمد محدثين، رئيس لجنة الشئون الخارجية الإيرانية للمجلس الوطنى للمقاومة فى حواره مع مجلة «الأهرام العربى»، معتبرا ميسور اتفاق 24 نوفمبر بين مجموعة دول 5 + 1 وبين النظام الإيرانى، سواء التزم نظام طهران به أم قام بانتهاكه، فإنه يفتح فصلا مهما فيما يتعلق بوضع النظام. كيف ترى الوضع الحالي للنظام الإيرانى بعد الاتفاق النووى؟ النظام الإيراني انتهى إلى مفترق الموت، فيما لو التزم باتفاقية جنيف والخطوات الأخرى اللاحقة لها، يجب أن يتجرع السم وأن يستسلم خطوة خطوة للعواقب المميتة لها في داخل إيران، وإذا نقض الاتفاقية واستمر في برنامجه النووي الذي سيجر إلى عواقب خطيرة على أصعدة الداخل والمنطقة والعالم ويواجه على إثرها أزمة أكبر. من المنتصر في هذا الاتفاق الغربى الإيرانى؟ كل من النظام الإيراني والدول الغربية وخصوصا أمريكا يحاول الظهور أنه هو الذي حقق انتصارا ليتمكن عبر ذلك من تصفية حساباته مع معارضيه في الداخل، فمن جهة يحاول الرئيس أوباما والإدارة الأمريكية، إقناع الكونجرس ومجلس الشيوخ، والمعارضين على المستوى الدولي الذين يعارضون بشدة هذا الاتفاق ويعتبرون أنه يفتقد إلى الحد الأدنى. أما نظام الملالي، خصوصاً روحاني وظريف، فيدعون أولا أن هذا الاتفاق هو أفضل ما يمكن الحصول عليه، وأنهم قد اضطروا للقبول به، وثانيا يريدون أن يقولوا إنهم لم يتراجعوا عن مواقفهم ولم يتجاوزوا الخطوط الحمراء للنظام، وحافظوا على قدراته النووية دون المساس بها، فالاتفاق أعطى للنظام الإيراني امتيازات الكثير منها يشكل انتهاكا صارخا لقرارات مجلس الأمن الدولي، فالقبول بالتخصيب حتى 5 ٪، وعدم إغلاق مواقع "فوردو"، و "آراك"، وعدم قبول البروتوكول الإضافي وعمليات التفتيش المفاجئة، وعدم قبول تفتيش موقع "بارجين"، وعدم إخراج اليورانيوم المخصب لدرجة 20 ٪ إلى خارج إيران والاكتفاء بتحويله إلى قضبان أو أكسدته وغيرها، هي من جملة المكاسب والامتيازات التي ارتكبت أمريكا والاتحاد الأوروبي خطأ فادحا بالقبول بها، وبالتالي فإن النظام يقول الصحيح إنه لم يكن ممكنا الحصول على أكثر مما حصل عليه، لأن أي شيء أكثر من ذلك معناه القبول بالقنبلة للنظام، وبعبارة أخرى فإن مجموعة 5+1 كانت على الطاولة وكان النظام يراهن على فرضية تمكنه من توظيف هذه الامتيازات وعن طريق التحايل والخديعة والعمل في الخفاء من أجل مواصلة مشروع القنبلة النووية. برأيك .. هل صحيح ما يروج له النظام الإيراني بأن شروط الاتفاق كانت في صالحه؟ هذا الادعاء زائف جملة وتفصيلا، وكذب محض، لقد تراجع النظام بدعم من خامنئي وبتوصية شخصية من جانبه، بعد أن ظل طيلة السنوات الثماني الماضية معارضا لذلك بشدة، ووفقا لهذا الاتفاق يتوقف التخصيب لأكثر من 5 ٪، ويتم احتواء اليورانيوم المخصب لدرجة 20 ٪، ولا يجري تركيب أجهزة طرد مركزي جديدة، ويتوقف عمل قسم من أجهزة الطرد المركزي التي ركبت في وقت سابق وخصوصا المتقدمة منها، ولا يجري رفع درجة تخصيب احتياطيات اليورانيوم المتوفرة بدرجة ما دون 5 ٪، ويتوقف التقدم في مجال البلوتونيوم وضمان تمكين المفتشين من تفقد موقعي نطنز وفوردو يوميا وزيادة تفقد موقع أراك وغيرها. لكن النظام الإيراني حصل على مكاسب مادية كبيرة؟ ما حصل عليه النظام في حده الأقصى يقل كثيرا عن الثمن الذي دفعه، الإفراج عن 7 أو 10 أو حتى 20 مليار دولار من الأموال المجمدة، إثر فرض العقوبات المصرفية والمالية، وإطلاق حرية التعامل بالذهب والمعادن الثمينة وصناعة السيارات والبتروكيماويات وغيرها. والسؤال المطروح الآن هو ما الذي أرغم النظام على قبول هذا الاتفاق؟ برأيك من؟ الرد على هذا الموضوع يقدمه هاشمي رفسنجاني، مؤسس مشاريع التسلح النووي لهذا النظام والذي كان دائما خلال السنوات ال 34 الماضية، سواء في عهد خوميني أم بعده الرجل الثاني لهذا النظام بلا منازع، وتظهر الحقيقة من خلال المقارنة بين أوضاع البلاد عشية القبول بهذا الاتفاق، مع الأوضاع التي كانت سائدة في نهاية الحرب الإيرانية - العراقية عام 1988، وقبول قرار وقف إطلاق النار (قرار مجلس الأمن الدولي رقم 598)، حيث يؤكد رفسنجاني أن البلاد في ضائقة، وقد خرجنا منها بقبول الاتفاق. كان للمقاومة الإيرانية دور في الكشف عن أسرار عديدة في البرنامج النووي الإيراني ..فما موقفكم الآن؟ القضية النووية تبدو مواجهة بين نظام الملالي والمجتمع الدولي وبخاصة الدول الغربية، لكن حقيقة الأمر أنها مواجهة بين ديكتاتورية دينية من جهة، والشعب والمقاومة الإيرانية من جهة أخرى، منذ يونيو / حزيران 1991، حيث كشف أول مشروع نووي للنظام من قبل المقاومة الإيرانية، وحتى إعلان المقاومة في أوائل إبريل / نيسان 1993، أن نظام الملالي اشترى أربعة رءوس نووية من كازاخستان وأنه بصدد نقلها إلى إيران، وخصوصا الكشف قبل 11 سنة في أغسطس / آب 2002، عن موقعين سريين مهمين للغاية في «نطنز»، و «أراك» اندلعت مواجهة واسعة النطاق بين المقاومة الإيرانية ونظام الملالي حول هذا الموضوع. وهناك خطأ شائع على المستوى الدولي لدى تقييم القضايا المتعلقة بإيران مثل الحرب الإيرانية - العراقية أو المشروع النووي، فهم ينسون الطرف الرئيسي؛ وهو الشعب والمقاومة اللذان لهما التأثير الأكبر في المعادلات المتعلقة بإيران ولهذا السبب يتوصلون لاستنتاجات خاطئة وخطيرة للغاية. ففي المشروع النووي للنظام أعلن مجاهدو خلق والمجلس الوطني للمقاومة منذ اليوم الأول وبنظرة متعمقة للموضوع أن المشروعات النووية للنظام هي مضادة للوطنية، وأن إحباطها هو واجبهم الوطني، ولم يبق لأي إيراني أدنى شك بأن القنبلة النووية للنظام الإيراني هي الضمانة الإستراتيجية لبقائه، وأن الملالي يريدون بتغيير موازين القوى توسيع هيمنتهم على المنطقة وإزالة العقبات على طريق تصدير الأصولية الإسلامية المنطقة، مثلما لا يوجد أدنى غموض بالنسبة لنا بأن ما يزعمه النظام حول الطاقة النووية «محض أكاذيب»، وإيران بمواردها من الغاز والنفط ليست بحاجة أساسا إلى الطاقة النووية والتي هي أكثر كلفة من الطاقة الأحفورية أضعافا مضاعفة، ويمكن لأي طالب جامعي في الاقتصاد أن يدرك بسهولة أن هذا المشروع يجر الاقتصاد الإيراني الى الدمار. وحاولت الدول الغربية - بسبب مصالحها السياسية والاقتصادية مع الفاشية الدينية الحاكمة في إيران - تجاهل ما كشفته المقاومة حتى فرضت عليها حقيقة ذلك فرضا، وبعبارة أخرى فإنه في المواجهة التي خاضتها المقاومة الإيرانية طيلة 22 عاما، مع النظام الإيراني بشأن القضية النووية، كان المجتمع الدولي ولاسيما الدول الغربية في كثير من الأحيان تفضل غض طرفها ولو أنها لم تكن تساعد النظام. هل لديك أدلة على ذلك؟ ثمة مثال حي ومعبر بما فيه الكفاية؛ في مؤتمرنا الصحفي في شهر ديسمبر في باريس عام 2005، أزحنا الستار عن موقع «قم» الذي أصبح اليوم أحد المراكز النووية الرئيسية للنظام، ولكن وكالعادة، فإن الأطراف الدولية لاعتباراتها وحساباتها بدت وكأنها لم تسمع ما قلناه، حتى إنه بعد أربع سنوات في ديسمبر / كانون الأول 2009، أعلن الرئيس الأمريكي، والرئيس الفرنسي، ورئيس الوزراء البريطاني، في مؤتمر صحفي ثلاثي عن وجود مثل هذا الموقع. هل تغاضي الغرب عن أحلام طهران النووية ساعدها في المضي قدما في الطريق النووي؟ سياسة الاسترضاء أدت إلى قيام الغرب من خلال المفاوضات وتقديم التنازلات لهذا النظام إلى تشجيعه على مواصلة المسار لإنتاج القنبلة النووية، أما العقوبات التي كنا نطالب بها منذ التسعينيات فقد لجأوا إليها في وقت متأخر جدا، وطبقوها بأقل قدر ممكن، ولكن هذا القدر من العقوبات التي طبقت أساسا في السنتين أو الثلاث الماضية، تركت تأثيرات عميقة ومدمرة على اقتصاد النظام. كيف ترى إمكانية تطبيق الاتفاق؟ الاتفاق يبقي على العقوبات النفطية والمصرفية والعسكرية خصوصاً العقوبات المنصوص عليها في قرارات مجلس الأمن الدولي نافذة بكل تفاصيلها، لكن هذه التنازلات ستحدث لا محالة فجوة كبيرة في جدار العقوبات تعطي النظام الإيراني فرصة لتجاوز العديد من العقوبات الأخرى، وتخفيف العقوبات بدأ للتو وذلك لأسباب تتعلق بالمصالح الاقتصادية لدول مجموعة 5 + 1. وهل ستلتزم طهران حرفيا بالاتفاق؟ الاتفاق لا يلزم النظام لقبول دخول المفتشين إلى المواقع السرية التي أنشئت في السنوات الأخيرة، والتي كشفت المقاومة اثنتين منها في الأشهر الأخيرة، ويجب التذكير بأن الغش والخداع والتضليل كان أسلوب نظام الملالي طيلة السنوات العشرين الماضية، و من قبيل المصادفة ليست ميسوراً حبر التوقيع علي الاتفاقية لم يكن قد جف بعد، ومسئولو النظام يهيئون الأرضية لنقضها، حيث إن صالحي مساعد روحاني، ورئيس وكالة الطاقة الذرية للنظام، قال يوم الأول من ديسمبر "إيران لن تتخلى أبدا عن مفاعل الماء الثقيل في "أراك"، وهذا خطنا الأحمر في محادثاتنا مع القوى الدولية، وروسيا ستنشئ مفاعلا نوويا آخراينتج سنويا أربعة آلاف ميجاوات كهرباء "، هذا في حالة يعلم فيه الجميع أن بوشهر تقع على خط الزلزال ووجود مفاعل نووي هناك من الممكن أن يجر إلى فجائع إنسانية كبيرة وتسفر عن "تشيرنوبلات" كبيرة لشعب إيران ودول المنطقة. أما عباس عراقجي، معاون وزير خارجية الملالي أيضا في نفس اليوم وفي إشارة واضحة لاستمرار المشروع التسليحي للنظام فقال: "نحن قبلنا ألا نطور برنامجنا من حيث الكم، لكن من حيث النوعية سيكون لها تطورها وتتم المحافظة على البنية كاملة، وكل الإجراءات تتم بصورة تحافظ على بنيان البرنامج النووي لإيران بصورة كاملة ولا يوجد أي تراجع في ذلك .. لدينا 19 ألف جهاز طرد مركزي من الجيل الأول وفي الوقت الحاضر نعمل على أجهزة الطرد المرزي من أجيال أكثر تطورا.