علاء الخضيرى تحتفل مصر هذه الأيام بذكرى خالدة فى التاريخ المصرى الحديث، وهى الذكرى الأربعون لانتصار الجيش المصرى فى السادس من أكتوبر عام 1973، على جيش الاحتلال الإسرائيلى الذى خاض حربا دعائية بأنه الجيش الذى لا يقهر. الذكرى هذا العام مختلفة، حيث الجيش المصرى بقيادة الفريق عبدالفتاح السيسى، يخوض معركة شرسة أيضا على أرض سيناء التى زرعها نظام الإخوان برئاسة المعزول محمد مرسى، بميليشيات الإرهاب. اللواء أركان حرب محسن النعمانى، شاهد عيان على تلك المرحلة البطولية للجيش المصرى حربا وسلما، شغل العديد من المناصب العسكرية، حيث كان من أهم قيادات المخابرات المصرية وكان ضمن فريق التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفى الجانب المدنى عمل كمحافظ لسوهاج، ثم وزيرا للتنمية المحلية فى عهد المجلس العسكرى. لفت النعمانى النظر فى حواره الخاص لنا إلى شعوره بالأسى والألم عندما شاهد احتفالية أكتوبر العام الماضى، والتى نظمها الدكتور مرسى فى ستاد القاهرة واحتفى بقتلة السادات، قائد ملحمة العبور فى إشارة لا تخطئها العين عن عبثهم حتى بتاريخ مصر. وامتدادا لسلوكهم المشين، فقد دعوا إلى الخروج هذا العام فى 6 أكتوبر ضد الجيش المصرى، مما يضعهم مع الإسرائيليين فى خندق واحد، وليس غريبا أن يكون هذا فكرهم، فقد خططوا للتخلى عن سيناء التى حررها الجيش المصرى بدماء آلاف الجنود من أجل توطين إخوانهم فى غزة وتحقيقا لإستراتيجية جيش الاحتلال الإسرائيلى فى ترحيل القضية الفلسطينية إلى مصر بإقامة وطن بديل لهم فى سيناء. وإلى نص الحوار. فى ذكرى نصر أكتوبر كيف ترى تلك الحرب العظيمة التى خاضتها مصر بعد 40 عاما مضت؟ أولا كل سنة ومصر وشعبها وقواته المسلحة بخير، وبقوة وبعزة تحميها رعاية الله عز وجل، الذى كأان أكبر عون لنا فى تلك الحرب «وكانت الله أكبر مفتاح النصر». وستظل تلك الملحمة الرائعة تعبر عن عظمة الشعب المصرى وقواته المسلحة التى انتقلت فى فترة وجيزة من الهزيمة المفاجئة إلى النصر الباهر، والتى أنهت أسطورة الجيش الإسرائيلى الذى أشاع عن نفسه أنه لا يقهر، فلم يصمد أمام الإرادة المصرية فى استرداد حقها فى عودة أرضها كاملة غير منقوصة. ويشاء الله بعد أربعين سنة أن تعود سيناء مسرحا لعمليات القوات المسلحة، فالمرة الأولى كانت أمام الجيش الإسرائيلى، وهذه المرة أمام منظمات الإرهاب الدولى «وهذا له مغزى ومعنى» فالعدو الآن يرتدى قناعا آخر، لكنه نفس العدو»هذا الإرهاب مدعوما بتآمرية من أعداء مصر حيث يستهدف تحقيق عدم الاستقرار أو الأمن فى مصر لتبقى الأرض المصرية لينة لزراعة مخططاتهم الدنيئة، فهم يعلمون أن مصر هى القوة القاهرة فى المنطقة كلها، فأرادوا كسرها، فمصر الحارس الأمين على أمن المنطقة واستقرارها. كيف كانت مشاركتك فى معركة أكتوبر المجيدة؟ فى حرب أكتوبر كنت ضمن قوات الفرقة 19، قوات الجيش الثالث الميدانى ضمن القوة المعروفة إعلاميا «بقوات بدر» والتى تصدت بعد نجاحها فى العبور للعملية المعروفة باسم «الغزال» بقيادة شارون، لفتح الثغرة وتدمير الجيش المصرى عن طريق دخول السويس، واستطاعت قوات الجيش الثالث تكبيده خسائر كبيرة وصمدت تلك القوات حتى تحقق النصر بالكامل، وتلك كانت الروح فى كل الجيش المصرى «الوطن أغلى من كل الدماء». كيف ترى دور القوات المسلحة حربا وسلما؟ دور القوات المسلحة انعكاس لعطاء الجيش المصرى، فتكوين الجيش المصرى يعتمد أساسا على التجنيد بقوة تصل إلى 80% من القوات المسلحة وهو سر قوة هذا الجيش الوطنى. وقد كان لهذه العناصر دورها الحاسم فى الحرب عندما تم التجنيد على مستوى عريض من المؤهلات العليا والمتوسطة والتى شكلت مجموعة متكاملة فى الأداء واستخدام أحدث الأسلحة واستيعاب الحرب الحديثة. ما الفضل فى نجاح القوات المسلحة فى معركة العبور؟ نجاح القوات المسلحة كان يرجع إلى أدائها المتكامل فى سيمفونية رائعة سواء القوات البرية أو البحرية أوالجوية أو الدفاع الجوى تلك الملحمة التى مازالت تدرس فى أعرق المعاهد العسكرية، حيث كانت حربا غير متكافئة فى التسليح لصالح إسرائيل المجهزة بدفاعات حصينة وحسابات معقدة فى العلم العسكرى حيث أكبر مانع مائى عرفه التاريخ وهو قناة السسويس، وكان للمقاتل فى الجيش المصرى الفضل فى ترجيح الكفة بسبب كفاءته القتالية. وكيف ترى دورها فى السلم؟ القوات المسلحة تضع جميع إمكاناتها لخدمة الشعب المصرى سواء من خلال إقامة الطرق بسلاح المهندسين وكذلك الجسور والمصانع واستصلاح الأراضى والمستشفيات، فهى قوة للشعب فى السلم والحرب وهذه دلالة على عبقرية الجيش المصرى الذى يمثل القلب النابض لهذا الوطن. هل الحرب انتهت بعد 1973، واتفاقية السلام أم أننا نواجه حروبا بشكل ووجه آخرين؟ بعد انتصار مصر فى حرب أكتوبر واتفاقية السلام، لاشك أننا أنهينا معركة ومرحلة، لكن علينا أن نكون دائما جاهزين لخوض معارك أخرى ربما لا تستخدم الدبابات أو الطائرات، ولكنها تستخدم أدوات أخرى لا تقل خطورة، بل إنها تتم من خلال عناصر للأسف تقول إنها مصرية، لكنها قبلت الوكالة للأعداء، فالحروب الآن لا تقتصر على الميدان العسكرى حيث تشمل كل عناصر الأمن القومى اقتصاديا واجتماعيا قبل أن تكون عسكريا حيث التكلفة الباهظة للأخيرة، والحقيقة أن ذلك النوع من الحروب يحتاج إلى تعامل مختلف لتتعدد قوى المجابهة، حيث الشعب والإعلام والأجهزة الأمنية لابد أن تتكاتل فى المواجهة والدليل أن 30 يونيو، كان مثالا لتلك الحرب وأشكالها الجديدة التى خاضتها مصر، وعبرت فيها أيضا بنصر تاريخى على القوى الظلامية التى تآمرت مع قوى دولية للسيطرة على مصر. هنا أود الإشارة إلى شىء وهو أن الجيش المصرى لديه أكبر احتياطى فى العالم وهو الشعب المصرى الذى استوعب بذكائه الحضارى تلك المعركة، وخرج فى 30 يونيو، ثم فى 26 يوليو، لدعم القوات المسلحة والداخلية فى حربها ضد الإرهاب ليعلن هزيمة «الاستعمار الجديد». ما أهم مفردات الأمن القومى المصرى؟ الأمن القومى المصرى يحمل العديد من المفردات المهمة والتى يجب أن تتكامل كمنظومة واحدة، وأهم تلك المفردات هو الشعب المصرى الذى أدرك بذكائه وتاريخه الحضارى أن الأمن القومى المصرى تعرض خلال العام الأخير للعبث الشديد، وتعرض الوطن المصرى للخطر فى وحدته، فقام بخروج تاريخى لم يسبق له مثيل فى العالم، وطلب من القوات المسلحة التصدى لهذا الخطر، فلبت النداء، أيضا هناك مفردات أخرى أهمها وحدة الشعب والأرض ووحدة الهدف إضافة إلى القدرة على التنمية. بخبرتك الكبيرة فى الأمن القومى كيف ترى ما تعرضت له مصر من مخاطر خلال حكم جماعة الإخوان؟ ما حدث هو محاولة لضرب مصر فى أمنها القومى وتحويلها إلى ما يعرف سياسيا بالدولة الفاشلة من خلال تشكيل حكومات ضعيفة غير قادرة على تنفيذ قراراتها وإضعاف القبضة الأمنية على الأراضى المصرية بتشتيت الجهود فى الداخل وعلى الأطراف فى سيناء، حيث السماح بتوطين الإرهابيين وضرب الأمن والتهريب عبر الأنفاق، إضافة إلى ضرب الاقتصاد بتعطيل حركة الإنتاج والتجارة الداخلية والسياحة وغيرها، مع زيادة الضغوط الخارجية وتيئيس المصريين، وهذا ما ينفذه الإخوان الآن بالعمليات الإرهابية فى سيناء والمظاهرات وشل الحركة وتعطيل الاقتصاد، وهى معركة لم يكن لنا خيار فيها سوى الانتصار، لأن البديل هو سقوط الوطن، وهنا ألفت النظر أن أهم عناصر الأمن القومى هو الرضا الشعبى وهو ما لم يكن موجودا خلال فترة حكم مرسى. ماذا تقول لمن هتف بسقوط حكم العسكر وما شعورك عندما تسمع هذا الشعار؟ هذا شعار غبى، لأنه لا يقرأ التاريخ، فكثير من القادة العظام الذين حققوا إنجازا لأوطانهم كانوا عسكريين، مثل ديجول فى فرنسا، وإيزنهاور فى أمريكا، وعبدالناصر فى مصر وآخرين، هذا حجة على من يردد الشعار، فهو يريد إقصاء من هو أكفأ ولدية ثقة من الشعب أكبر، فأرادوا إقصاء هذا الفريق لأنه أقوى منافسيهم، فالإخوان أول من مارس الإقصاء تحت هذا الشعار. الأمر الآخر أن التجربة المدنية فشلت على يديهم وتلك الهتافات كان مقصوداً بها العودة الذهنية والزمنية إلى الفترة التى كانت تحكم مصر فيها من خلال القوة العسكرية، وذلك قبل تشكيل جيش وطنى قوى. كما أن الكلام الذى يقال عن الحكم العسكرى والحكم المدنى غير صحيح، فالمقصود بحكم العسكر حكم المجالس العسكرية، وإدارة كل شئون الدولة من خلال الجنرالات، ومثاله الواضح فى أمريكا اللاتينية، أما الرئيس الذى له خلفية عسكرية، فشأنه مثل التخخصصات الأخرى المهم أن يكون كفئاً وقادراً على تحقيق آمال شعبه. هل كان هناك استهداف متعمد للجيش المصرى من قبل بعض الأطراف؟ بالطبع، فكان هناك استهداف واضح للقوات المسلحة المصرية باعتبارها أهم ركائز الوطن إضافة إلى الركائز الأخرى، كالداخلية والقضاء والإعلام والمخابرات لإسقاط الدولة وتشكيل دولة أخرى، من خلال تدمير تلك الركائز، لكن إرادة الله وقوة الجيش ووحدته وحب الشعب المصرى لقواته المسلحة أفسد ذلك المخطط، كذلك هناك دور مهم لعبه الإعلام فى كشف ذلك المخطط من خلال تسليط الضوء وتنوير الرأى العام، وهو ما أسهم فى الحشد الوطنى وتقوية الجبهة التى انتصرت للوطن على حساب الجماعة. ما رأيك فى ترشح الفريق أول عبد الفتاح السيسى لرئاسة الجمهورية؟ دعنى أقول لك نحن الآن بحاجة لمن نتفق عليه، وليس لمن نختلف عليه، وأرى أن يرشح الفريق السيسى نفسه كضرورة وطنية وإنقاذاَ لقرار الشعب المصرى الذى علق آماله فى رقبته للعبور بمصر من تلك المرحلة، وأرى أن دوره يجب أن يكتمل حتى نكون انتقلنا من مرحلة صد الأخطار ومنع الضرر إلى مرحلة تحقيق الأمل، فالمسألة ليست انحيازاًً لشخص بقدر ما هى انحياز لمصلحة الوطن، فنحن رأينا من ترك الوطن فى أول اختبار وسافر، بينما الفريق السيسى وضع رقبته على يده وطمأن المصريين أن لهم ظهرا، ولا أنسى مقولته «نروح نموت أحسن» إذا تعرض المصريون للخطر والإرهاب. كيف ترى التحديات التى تواجه مصر الآن؟ فى الحقيقة فإن فاتورة الثورة أضعاف فاتورة الحرب لأنها أثرت على الاقتصاد والأمن معاً والمعركة مع الإرهاب لم تنته بعد، وهناك تحديات داخلية فى تحقيق آمال الشعب فى الحرية والعدالة الاجتماعية وعودة الأمن وتعافى الاقتصاد وهناك تحديات خارجية تتمثل فى رغبة أطراف إقليمية ودولية فى إضعاف وتغييب مصر عن دورها، ولابد لذلك من مناخ تعود فيه مصر إلى سابق عهدها، وتتشارك القوى السياسية فى التفانى فى مصلحة الوطن قبل المصالح الحزبية. كيف تنظر إلى سيناء الآن بعد أربعين عاماً من التحرير؟ علينا أن ننظر إلى سيناء فهى خط الدفاع الأول عن مصر قديماً وحديثاً، فيجب النظر إليها ليس كساحة للحرب فقط، ولكن كساحة للتنمية يمكن أن تكون قاطرة لمستقبل الاقتصاد المصرى إذا ما أحسن استغلال مواردها، كما أن توطينها بكثافة سكانية أمن قومى بعد جريمة نظام مرسى فى رغبته فى التخلى عن أجزاء منها لصالح غزة، والدليل هو أن دستور الإخوان 2012، جعل من حق رئيس الجمهورية الحق فى تعديل الحدود الوطنية وتلك كانت كارثة حقيقية. ماذا بالنسبة لحماس وتأثيرها على أمن مصر؟ لا شك أن حماس كحركة مقاومة كان لها كثير من التقدير الذى يتلاشى شيئا فشيئا، فحماس الآن ليست حماس أحمد ياسين أو الرنتيسى، ومصر كانت ولاتزال تعتبر القضية الفلسطينية قضية الأمة العربية، وقمنا بجهود كبيرة للمصالحة الفلسطينية خدمة للشعب الفلسطينى، لكن الموضوع الآن خرج بمجموعة من حماس خلطت بين الكفاح الوطنى ومخطط التنظيم الدولى للإخوان والانصياع لبعض الدول الممولة لها كقطر وإيران، وهى بذلك تضرب المصالح الفلسطينية فى مقتل، فالقضية الفلسطينية لا يمكن أن تحل بعيدا عن القاهرة، لذا يجب أن تصلح قياداتها هذا الخلل العميق لتعود إلى مسارها الوطنى بعيداً عن المخططات الأجنبية والمنظمات الإرهابية. وماذا عن سوريا؟ الأمن القومى المصرى لا ينفصل بأى حال عن الأمن الإقليمى وما يدور فى المنطقة لا شك له تأثير خطير علينا، ويجب أن نكون مستعدين للتعامل معه، فمشكلة سوريا أنها أصبحت ساحة للصراع بين قوى دولية هى روسيا، التى تملك قاعدة بحرية للخدمات فى طرطوس، وبين الولاياتالمتحدة القطب الأكبر، كذلك هناك تداخل لقوى أخرى كإيران ودول الخليج. ونحن فى مصر يجب أن نعى أن سوريا دولة مهمة ومحورية، فنحن مع الشعب السورى فى اختيار حاكمه، لكن أيضا يهمنا ألا تنفلت الأوضاع فى المنطقة لحرب إقليمية إذا ما تم إسقاط بشار، فالمهم هو ما بعد سقوط النظام السورى. وما تقييمك لموقف الرئيس المعزول محمد مرسى للتدخل فى سوريا؟ فى فترة مرسى أجزم أن نظام الإخوان كان أهم الأطراف الخارجية لضرب سوريا، ومرسى قام بإعلان قطع العلاقات فى مؤتمر جماهيرى أشبه بإعلان الحرب، وكانت لديه رغبة كبيرة جدا فى التدخل العسكرى هناك، بل خطط لتوريط الجيش المصرى فى سوريا دون استشارة القوات المسلحة وهذا عبث بالأمن القومى ضمن مخطط التنظيم الدولى للإخوان وتفاهماتهم مع أمريكا لصالح إسرائيل. كيف ترى الفارق بين المشير طنطاوى والفريق السيسى؟ كلاهما من مدرسة الوطنية المصرية للقوات المسلحة، وكلاهما فعل ما أدرك أنه مصلحة الوطن وتحقيق إرادة الشعب، المشير سلم السلطة لرئيس من الإخوان تنفيذا لإرادة انتخابات الشعب، والفريق السيسى سحبها منه أيضا إنفاذا لإرادة الشعب.