عزمى عبد الوهاب بينى وبين «الجزيرة» أسباب ذاتية للغضب، وأخرى موضوعية، سأنحى الموضوعى جانبا، لأن القناة منذ تأسيسها على خصام مع الحيادية، ولأنها تلعب دورا أكبر من كونها مجرد نافذة إعلامية، فقد كانت أداة وصول الأمريكيين إلى اثنين من أهم الفاعلين فى تفجيرات 11 سبتمبر، وهما خالد بن شيخ ورمزى بن الشيبة، حيث قبض عليهما فور الانتهاء من حوارين أجرتهما القناة معهما، سأكتفى بالمتابعة، معذبا نفسى بسماع ورؤية ما هو مضاد لقناعاتي، فقط هى محاولة لأن أضع رأسى بين كتفى صديق لي، استلبته القناة، وبات ما تبثه هو الحقيقة المطلقة لديه. حاولت أن أتعايش مع حالة التعبئة التى يكون عليها صديقي، فور الانتهاء من ساعات التلقى، وراقبت نفسي، ضابطا ردود أفعالى على إيقاع ما أراه وأسمعه، اكتشفت أن ما أراه يخص شخصا آخر، يرفض أن يرى وسائل إعلامية أخرى، حتى لا يصاب بغسيل مخ، مفضلا أن يكون مستنقعا لكل الأوحال التى تخرج مباشرة من الشاشة إلى رأسه. فى جلسات التعذيب أمام "الجزيرة" أعود خائبا بالسؤال: كيف ارتضى صديقى أن يكون على هذه الحالة المزرية من التلقي، دون أن يقوم بفرز ما يراه ويسمعه، مثلما يفعل جامعو القمامة؟ هنا ينبغى أن أوجه التحية لجامعى القمامة القادرين على فرز ما يقع بين أيديهم، فى حين يستحق صديقي، جائزة التفوق فى التبعية والاستلاب، وهى عبارة عن حذاء، يمكنه أن يضعه بين كتفيه، بعد أن أسترد رأسى منه طبعا، حتى أتابع القنوات التى تجرى لى عمليات غسيل المخ يوميا. طيب يا صديقي، حينما كنت تتابع "الجزيرة" فى يوم من أيام الله، ألم يأتك نبأ المسيرة التى خرجت فى حلوان، وقوامها 25 مليون متظاهر (يرفضون الانقلاب) طبقا لرواية مراسل القناة؟ يبدو أن أهالى حلوان يتكاثرون بطريقة المتواليات الهندسية، لدرجة أن تعدادهم فاق سكان القاهرة جميعا. دعك من هذا يا صديقي، حينما كنت تتابع "الجزيرة" أثناء زعمها بأن قوات الأمن تحاصر مسجدا فى دمياط، يبعد عن قسم الشرطة بنحو مائة متر، دعك من كذب شاهد العيان الذى قال إن (المتظاهرين السلميين) لم يكن فى نيتهم التوجه إلى قسم الشرطة، لكن ألم يكن من حقنا أن نعرف: هل كان الشاهد العيَّان يتحدث إلينا من الدنيا أم من الآخرة؟ فالرجل قال بملء فيه: "إن قوات الشرطة والجيش تلقى علينا غازات سامة" لم أغضب من الشاهد، فهو فى النهاية عيَّان، لكن ألم يكن واجبا على المذيع أن يسأله : هل تتحدث من داخل المسجد أم أن جرعة الغاز السام أودت بأهلك إلى الآخرة؟ ينبغى أن أشير إلى أن جانبا من أسباب غضبى من مذيعى "الجزيرة" (مباشر مصر هذه المرة) يعود إلى أنهم وضيوفهم يمتلكون بلادة حس فائقة، أحد المذيعين، أثناء تغطية وقائع جمعة الهجوم على قسم الأزبكية، التى انتهت باعتصام (المتظاهرين السلميين) بمسجد الفتح، اتصلت به سيدة مصرية، تدعوه أن يذهب بكاميرا، ليرى أن باب المسجد مفتوح، وأن (السلميين) يقذفون قوات الأمن بالكراسى من داخل المسجد، ويرفضون الاستجابة لنداءات الشرطة بالخروج الآمن. المذيع الصغير هدد السيدة بقطع المكالمة قبل أن يتهكم عليها:" طيب قولى لى يا وطنية يا مخلصة فيه أمن خارج المسجد ولا لأ ؟ والمعتصمون أغلقوا الشبابيك خوفا من البلطجية ولا لأ؟"، طبعا تخلى المذيع عن لغته الفصحى اللزجة، التى لا يعرف منها سوى تعطيش الجيم. كانت الجزيرة مباشر مصر تبث لقطات من داخل المسجد، وكان المذيع (الوطنى المخلص) يتحدث بأسى عن انتهاك المقدس بأربع قنابل غاز، وبينما كانت وساخاته تطيش عن رأسى، كانت قناة مصرية – فى اللحظة ذاتها – تبث مشهدا من أمام باب المسجد المفتوح، وكان أحد (السلميين) يمسك ب "طفاية الحريق" ليصنع جوا تأثيريا، للإيهام بأن الغاز يملأ المسجد، وما دام هناك مذيع ينتظر لقطات مضللة، يصنع منها حقيقة، فلا لوم على من استخدم "الطفاية". صديقى الذى وضعت رأسى بين كتفيه، لأرى ما ترى، وأسمع ما تسمع، من فضلك أعد لى رأسي، بعد أن امتلأت بالأكاذيب، فقد صرت "مخطوفا ذهنيا" على أفضل ما يرام، ربما تستعين بى "الجزيرة" فى الاستديو التحليلى، أسوة بأصدقائى (ولاد المحظوظة) الذين انتفخت جيوبهم بالدولارات، وربما تعود إليك دهشتك بآرائى الجديدة، التى تشبعت بها، طوال شهور من متابعة القناة الخرائية.