تعتبر المصلحة القومية الأمريكية من أولويات السياسة الخارجية لجميع الإدارات الأمريكية حتي لو كانت علي حساب قواعد ومبادئ المجتمع الدولي، وتطمع دائما أن تحل محل النظام الدولي نفسه وتختلف آليات تنفيذ هذه السياسة طبقا للمتغيرات السياسية للمنظومة الداخلية للولايات المتحدةالأمريكية، وتستند تنفيذ هذه السياسة علي مبدأين أساسيين هما القوة والعمل دائما أن تحذو دول العالم قيم ومبادئ الولاياتالمتحدةالأمريكية. إن حماية ودعم إسرائيل والمحافظة علي أمنها القومي من ثوابت السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وفي المقابل، فإن إسرائيل تطرح نفسها كحليف إستراتيجي للولايات المتحدةالأمريكية القادر علي تحقيق أهداف السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط ويعزز اللوبي اليهودي الأمريكي الموقف الإسرائيلي، ويلعب دورا رئيسيا في توجيه سياسة أمريكا الداخلية والخارجية لخدمة المصالح الإسرائيلية نظرا لدوره الأساسي في تشكيل المنظومة السياسية الأمريكية وبالرغم من أن اليهود يمثلون 3% من تعداد السكان في الولاياتالمتحدةالأمريكية فإنهم يلعبون دورا رئيسيا في السيطرة علي الأوضاع الاقتصادية والثقافية والمالية ويسيطرون علي أهم ثلاث شبكات تليفزيونية، وأربعة من أهم استديوهات السينما العالمية وجريدة النيويورك تايمز ويشكلون 25 % من العاملين في الصحافة و17 % من العاملين في منظمات المجتمع المدني و15 % من المناصب المهمة السياسية في الولاياتالمتحدةالأمريكية. بالإضافة إلي ماسبق فلقد استفادت المنظمات اليهودية في الولاياتالمتحدةالأمريكية وأهمها «إيباك» من الآثار السلبية التي ترتبت علي هجمات الحادي من سبتمبر عام 2001 لتروج الخطر الدائم علي الولاياتالمتحدةالأمريكية وبالتالي إسرائيل من الإرهاب الإسلامي والعربي. وإذا ما انتقلنا إلي نقاط الالتقاء بين سياسة كل من الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل في الشرق الأوسط فإننا نشير إلي التالي: 1 تجاهل كلتا الدولتين مبادئ وأحكام القانون الدولي وخصوصا أمريكا بعد أحداث سبتمبر 2001 برفض جميع الاتفاقيات والمعاهدات التي تحد من قوتها للقيام بالحرب الوقائية ومقاومة الإرهاب وتصرفها كقوة أحادية في العالم، أما بالنسبة لإسرائيل لقد انتهكت جميع المعايير والقواعد الأساسية للقانون الدولي منذ نشأتها سنة 1948 بالإضافة إلي قرارات الأممالمتحدة الخاصة بالقضية الفلسطينية وخصوصا عودة اللاجئين الفلسطينيين. 2 تفعيل إستراتيجية الهجمات الوقائية والتي تبنتها أمريكا في الشرق الأوسط منذ سبتمبر 2002 للتصرف منفردة للدفاع عن نفسها، ولقد وضعت أمريكا هذه الإستراتيجية موضع التنفيذ في كل من العراق وأفغانستان للتخلص من نظام حكم صدام حسين بالعراق وحكم طالبان في أفغانستان باعتبارهما مصدر التهديد المضاد للولايات المتحدةالأمريكية ومصادر لتصدير الإرهاب لها والدول الغربية، أما بالنسبة لإسرائيل لقد مارست نظرية قوة الردع ضد الدول العربية والفلسطينية منذ نشأتها سنة 1948 وقبل إعلان الدولة ومازالت تمارسه ضد مصر برغم توقيع اتفاقية السلام «كامب ديفيد» منذ سنة 1979 بالإضافة إلي دعوة قادة إسرائيل حاليا إلي بناء نظرية أمن جديدة لتقوية القدرة علي الردع والتي تآكلت نسبيا في ظل تقدم وسائل الإنذار المبكر وانتشار الصواريخ أرض أرض والأسلحة غير التقليدية في بعض دول المواجهة العربية مع إسرائيل «حزب الله في لبنان - سوريا» والتي حصلت عليها من إيران وفي هذا المجال لقد أمدت الولاياتالمتحدةالأمريكية إسرائيل بنظام مواجهة هذه الصواريخ «القبة الحديدية» ودعم الصناعات الحربية الإسرائيلية لزيادة قدرة إسرائيل الصاروخية والإنذار المبكر لاستمرار احتفاظها بالمبادرة والمفاجأة التكتيكية والإستراتيجية. 3 سيطرة مفهوم الآن علي مفاهيم السياسيين الإسرائيليين والذي يأتي علي قمة سلم الأولويات الإسرائيلية لكل المجتمع الإسرائيلي والذي يتطلب تحقيقه المحافظة علي نظرية الأمن الإسرائيلية وتطويرها بصفة مستمرة والتي تعتمد علي الاحتفاظ بالأراضي لتحقيق العمق الإستراتيجي للدفاع عن الدولة والعمل بصفة مستمرة علي نقل المعركة خارج العمق الإستراتيجي واستمرار التفوق النوعي علي كل الدول العربية مجتمعة، والمحافظة علي المبادرة والتعامل مع الفعل دون انتظار رده ولقد مارست أمريكا هذا المنهج أيضا في منطقة الشرق الأوسط في العراق والذي يتمشي مع سيطرة مفهوم الأمن علي عقلية الإدارات الأمريكية والمنظومة السياسية فيها. وتأتي المصالح الأمريكية الإسرائيلية علي قمة أولويات أمريكا في منطقة الشرق الأوسط للمحافظة بصفة مستمرة علي الأمن الإسرائيلي ودعم الموقف الإسرائيلي في الأممالمتحدة ومنظماتها حتي ولو خالف ذلك مبادئ القانون الدولي والذي تمثل في الموقف الحقيقي الأمريكي من القضية الفلسطينية، بالإضافة إلي مقاومة الملف النووي الإيراني بالعقوبات الاقتصادية والسياسية والتهديد بالتدخل العسكري والتي تصب جميعها في مصلحة إسرائيل وأمنها القومي والمحافظة علي تفوقها عسكريا كقوة ردع في المنطقة دون أى شريك آخر وعدم الإخلال بالتوازن الإستراتيجي لإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط. وإطلاق أمريكا حملة دعائية أيضاً بأن ذلك يهدد المصالح الأمريكية في منطقة الخليج العربي وتشاركها إسرائيل في هذا المجال يدعم من اللوبي اليهودي الأمريكي لحث أمريكا علي التدخل عسكريا لتدمير المنشآت النووية الإيرانية، وعدم جدوي سياسة الاحتواء الأمريكي لإيران وإطلاق أن استمرار إيران في تطوير ملفها النووي يهدد أمن الدول القريبة أيضا ويشجع التطرف الفلسطيني والإرهابي ضد إسرائيل من المنظمات الممانعة علي حساب الدول المعتدلة في المنطقة والتي وقعت اتفاقيات السلام مع إسرائيل «مصر - الأردن». وبالرغم من تبني الولاياتالمتحدةالأمريكية للأهداف والمطامع الإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط بدون حدود فإن إسرائيل تعمل بصفة مستمرة علي دفع الولاياتالمتحدةالأمريكية لاتخاذ مواقف داعمة للموقف الإسرائيلي في قضايا تضر بإستراتيجية ومصالح الولاياتالمتحدةالأمريكية في الشرق الأوسط. وبالإضافة إلي ما سبق فإن نقاط الخلاف بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل مازالت تدور في فراغ زمني غير محدود وبدون مرجعية موضوعية وأهمها التالي: الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة الفلسطينية والذي تعتبره إسرائيل مكملا لأمنها القومي وضروريا لها في المدي القريب والبعيد وترفض أمريكا إطلاق هذا المطلب بدون حدود. إقامة الدولة الفلسطينية والتي تري فيها إسرائيل أن ذلك يمثل تهديدا مستمرا علي يهودية الدولة وكل ما يمكن عمله في هذا المجال حاليا هو بناء القدرات الاقتصادية والأمنية الفلسطينية وضرورة استيعاب منظمة التحرير الفلسطينية للمنظمات الممانعة للاعتراف بإسرائيل والذي يأتي مكملا لنظرية الأمن الإسرائيلي وضروريا لها بينما تري الولاياتالمتحدةالأمريكية أن حل القضية الفلسطينية يكمن في إقامة دولتين إسرائيلية وفلسطينية تتعايشان في المنطقة داخل حدود معترف بها. التعامل مع إيران: حيث تري إسرائيل أن السلام لن يتحقق في المنطقة بدون الحد من القدرات النووية الإيرانية وأن سياسة الولاياتالمتحدةالأمريكية لاحتواء إيران سياسيا غير مجدية ويتطلب الأمر تدمير جميع المنشآت النووية الإيرانية بينما تري الولاياتالمتحدةالأمريكية أن التوجيه العسكري لإيران سوف يؤدي إلي زعزعة استقرار المنطقة، بما ينعكس سلبا علي المصالح الأمريكية في المنطقة وفي نفس الوقت فإن خيار المفاوضات مع إيران لن يظل مفتوحا بدون تحديد سقف زمني للوصول مع إيران إلي التأكد من عدم تنمية قدراتها النووية عسكريا. ومن خلال نظرة تقييمية علي سياسة للولايات المتحدةالأمريكية تجاه دول الربيع العربي فإن محورها الرئيسي يتركز علي الموقف في مصر ومتابعته بصفة مستمرة انطلاقا من ثقل مصر في المنطقة ومحور الاستقرار فيها بما يتفق مع سياسة وإستراتيجية الولاياتالمتحدة في منطقة الشرق الأوسط ويمكن إلقاء الضوء علي تطور علاقاتها مع مصر في التالي: إن الولاياتالمتحدةالأمريكية لم تكن ترغب في الإطاحة بنظام مبارك وأقصي ما كانت تتمناه هو قيامه ببعض الإصلاحات السياسية التي تؤدي إلي التحول الديمقراطي، استجابة للمطلب الأمريكي من الأنظمة العربية في المنطقة إلا أن تطور الأحداث في مصر فرضت علي الولاياتالمتحدةالأمريكية التمشي مع سقف مطالب الثورة المصرية والذي انقلب منذ 28 يناير إلي ثورة شعبية شارك فيها جميع طوائف الشعب المصري. وعلي ضوء ما سبق فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية إيمانا منها بأهمية وحتمية الموقف المصري ودوره في الاستقرار في المنطقة فإنها تبدل قصاري جهدها لاحتواء الموقف المصري مهما كلفها ذلك من تكلفة مادية ومعاناة سياسية حفاظا بالدرجة الأولي أيضا علي الأمن الإسرائيلي في المدي القريب والبعيد ومحاولة دعم النفوذ الأمريكي في المنطقة. وبالرغم مما سبق فلقد شهدت فترة ما بعد ثورة 25 يناير عام 2011 توتراً في العلاقات المصرية - الأمريكية احتجاجا من مصر علي التمويل الأمريكي لمنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان، مما أدي إلي تصدع هذه العلاقة وبدء الصحافة الأمريكية في شن حملة دعائية ضد مصر متهمة إياها بأنه لولا مساعداتها لمنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان لما قامت ثورة 25 يناير عام 2011، وما تلاها من إصلاحات سياسية وللتدليل علي ذلك فلقد أفردت الصحافة الأمريكية تفاصيل هذه المساعدات بدون تسمية هذه المنظمات تفصيلا مما حدا بالمتابعين لهذه التصريحات أن معظم القوي والتيارات السياسية الحالية كانوا يدورون في فلك السياسة الأمريكية التي أنقذت مصر من مستنقع الفساد واستغلال النفوذ، الأمر الذي أدي إلي قيام المسئولين عن هذه العلاقة برفض سياسة أمريكا تجاه منظمات المجتمع المدني غير المسجلة وتمويلها بعيدا عن إشراف السلطة المصرية حتي لو أدي الأمر إلي الاستغناء عن المعونات الأمريكية لمصر احتجاجا منها علي سياسة تمويل أمريكا لهذه المنظمات. انطلاقا مما سبق فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية ستستمر في مناطحة الموقف المصري مع الاحتفاظ بالحد الأدني من العلاقة وصولا إلي احتواء الموقف في مصر لأهميتها في سياسة الولاياتالمتحدةالأمريكية ودعم الاستقرار في المنطقة..