هناك (حاجة غلط) فى ملف المعونات العسكرية الأمريكية لمصر! صحيح أن هذه المعونات يتم تخصيصها من أموال دافعى الضرائب فى الولاياتالمتحدة . وصحيح بالتالى أن تخضع هذه الأموال لرقابة الكونجرس ، وبالذات فيما يتعلق بأين تنفق؟ ولماذا تخصص؟ وكيف تخدم هذه الأموال مصالح أمريكا فى ضمان الأمن والسلم فى الشرق الأوسط. لكن إصرار وزارة الدفاع الأمريكية على توريد معدات لا تعين الجيش المصرى على تحقيق أهدافه فى صيانة الأمن القومى المصرى وفقا لاحتياجاته واعتباراته، معناه أن الأمريكيين إما غير معنيين بضمان الأمن والسلم فى المنطقة وإما أنهم يرون أن مصر لا علاقة لها بمنظومة الأمن فى الشرق الأوسط ! الأخطر: تعتبر أمريكا أن مكافحة الإرهاب جزء أساسى من مهمة القوات المسلحة المصرية . وفى زيارة وزير الدفاع الأمريكى شاك هيجل الأخيرة لمصر، كان ملف مكافحة الإرهاب والتهريب فى سيناء جزءاً أصيلاً من مناقشاته مع نظيره المصرى الفريق أول عبد الفتاح السيسى. ومع ذلك ما ظل مخصصا لمصر من أموال فى سياق المعونة الأمريكية (العسكرية ) للتدريب على مكافحة الإرهاب، تم إلغاؤه تماما فى 2013، وهو ذات العام الذى برزت فيه المخاوف الأمريكية من تنامى الإرهاب فى سيناء واعتباره خطرا كبيرا على إسرائيل ! المثير، أن المعونة الأمريكية لمصر التى تم إقرارها بعد اتفاق السلام هى جزء من اتفاق يشمل مصر وإسرائيل، وتتعهد أمريكا بموجبه بالدعم العسكرى للطرفين بنسبة 3 إلى 2 (الرقم الأعلى طبعا لإسرائيل). ومع ذلك هناك مذكرة تفاهم بين الإدارة الأمريكية وتل أبيب منذ 2007 على زيادة هذه المعونات لإسرائيل لتصل إلى 3 مليارات دولار سنويا ، مع التزام أمريكى لإسرائيل بتثبيت قيمتها لمصر عند 1.3 مليار دولار (إن لم يكن بتخفيضها مستقبلا ) مع التعهد بألا توقع الإدارة الأمريكية أى مذكرة تفاهم مع الحكومة المصرية بشأن هذه المعونات ! وبالمقابل، غير منطقى بالمرة أن يكون الجيش المصرى الذى لا يتلقى دولارا واحدا نقدا من المعونات العسكرية الأمريكية التى تذهب بكاملها للشركات الأمريكية الخاصة هو صاحب اليد الدنيا . وأن يكون العبور المجانى للأساطيل الأمريكية فى قناة السويس وعبور طائرات سلاح الجيش الأمريكى للأجواء المصرية حقا مكتسبا لا يمكن مناقشة تكاليفه. والأدهى: أن يتصور الأمريكيون أن معوناتهم (لشركاتهم لا للجيش المصرى) البالغة 1.3 مليار دولار تمثل 80 بالمائة من الإنفاق العسكرى لمصر على التسليح. هذا الإنفاق الذى يعترفون أنهم لا يستطيعون رصد قيمته الحقيقية من الأساس ! اعترافات رسمية بالتناقض فى التقرير الصادر عن خدمة أبحاث الكونجرس فى 26 فبراير الماضى بعنوان «مصر: الخلفية والعلاقات مع الولاياتالمتحدة» كتب الباحث جيرمى شارب المتخصص فى شئون الشرق الأوسط، أنه ما بين 1948 و2011 أمدت الولاياتالمتحدة مصر بما قيمته 71.6 مليار دولار من المساعدات متعددة الأوجه، بما فى ذلك 1.3 مليار دولار كمعونات عسكرية منذ 1987 لليوم، وأنه منذ ذلك التاريخ ومصر تعتبر ثانى متلق – بعد إسرائيل- للمساعدات الأمريكية متعددة الأوجه. وأنه فى يوليو 2007 وقعت إدارة الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش مذكرة تفاهم مدتها 10 سنوات مع إسرائيل لزيادة المعونات العسكرية لإسرائيل من 2.4 مليار دولار فى العام المالى 2008 إلى 3 مليارات حتى 2018، ولم تخصص لمصر زيادات متوازية وعوضا عن ذلك تعهد الرئيس بوش بمواصلة إمداد مصر بمعونة سنوية، مقدارها 1.3 مليار دولار وهو ذات الرقم المخصص لها منذ 1987 وبخلاف الأمر مع إسرائيل – وبشكل أحادى مع الأردن – تعهدت إدارة الرئيس بوش بألا توقع مذكرة تفاهم مع الحكومة المصرية . ويمضى التقرير بالتأكيد على الحقائق التالية : تتلقى مصر معظم تمويلات المعونة العسكرية الأمريكية من 3 حسابات: الأول صندوق التمويل العسكرى الأجنبى المعروف اختصارا FMF وصناديق الدعم الاقتصادى ESF والمشروع الدولى للتعليم والتدريب العسكرى IMET، وبخلاف ذلك تحصل مصر وبصورة غير منتظمة على بعض المخصصات الصغيرة من صندوق مكافحة الإرهاب المعروف اختصارا NADR وصندوق مكافحة المخدرات INCLA. ومن المعروف أن صندوق مكافحة الإرهاب يدعم أعمال التدريب على مكافحة الإرهاب من خلال برنامج مساعدات مكافحة الإرهاب ، بينما يمول صندوق مكافحة المخدرات أعمال التدريب واحترام حقوق الإنسان أثناء تنفيذ القانون . ويكشف التقرير من خلال جداول إحصائية عن مفاجآت مثيرة ، من بينها أن مصر تلقت تمويلا من صندوق الدعم الاقتصادى ESF قيمته 250 مليون دولار من 2010 وحتى 2013 ولم يطرأ عليه تغيير سوى خصم نصف مليون دولار عام 2011 لا يوجد له تفسير، وهذه الأموال ليست مخصصة للجيش المصرى إنما هى مخصصة لتمويل برامج خاصة بمنظمات المجتمع المدنى ومنها - طبعا - تمويل المنظمات الحقوقية وبعض الكيانات السياسية وبعض الهيئات الاجتماعية الخاصة ، فى سياق برامج أطلق عليها التقرير ( دعم الديمقراطية) ولكن تم رصد هذه المبالغ فى الجداول لإظهار قيمة الدعم الكلى الممنوح لمصر. لكن عسكريا: تلقت مصر من صندوق التمويل العسكرى FMF مبلغ 1.3 مليار دولار فى 2010 وتم تخفيض المبلغ قى عام الثورة 2011 إلى 1.297.4 مليار دولار أى بقيمة 2.6 مليون دولار (لا تفسير لها كذلك)، ثم عاد المبلغ كما كان 1.3 مليار دولار فى ميزانية 2012 وكذلك 2013 .. كما تلقت مصر من مخصصات التدريب العسكرى IMET فى عام 2010 ما قيمته 1.9 مليون دولار لا غير وتم تخفيض المبلغ فى 2011 عام الثورة إلى 1.4 مليون دولار وفى 2012 تم تثبيت الرقم ليعاود الارتفاع فى ميزانية 2013 إلى 1.8 مليون دولار .. ونلاحظ هنا ضآلة قيمة ما تحصل عليه مصر من مخصصات صندوق التعليم والتدريب للضباط والأفراد برغم أن واشنطن تزعم أن ثلث المعونة تذهب للتدريب .. لكن عندما ننظر لما تحصلت عليه مصر من صندوق مكافحة المخدراتINCLA نجد أن مصر خصص لها فى 2010 و2011 مبلغ مليون دولار واحد لاغير وفى 2012 انخفض المبلغ بشكل لافت للنظر إلى ربع مليون دولار لا غير ليرتفع فى ميزانية العام الحالى 2013 إلى 7.9 مليون دولار .. أما مخصصات مكافحة الإرهاب فقد كانت فى 2010 مبلغ 2.8 مليون دولار ارتفعت بشكل لافت للنظر فى عام اندلاع الثورة إلى 4.6 مليون دولار وارتفعت مرة أخرى فى 2012 إلى 5.6 مليون دولار، لتختفى تماما قى 2013، ولا سنتا واحدا لمكافحة الإرهاب فى العام الحالى .. وهو ذات العام الذى شهد زيارة وزير الدفاع الأمريكى هيجل للقاهرة لعرض مخاوف واشنطن من تنامى الإرهاب فى سيناء، وبالذات بعد قصف إيلات بالصواريخ مجهولة المصدر واتهام مصر بأن هذه الصواريخ إنما أطلقت من أراضيها! وبالعودة لنص التقرير الذى يؤكد تحت عنوان (المعونات العسكرية) أنه فى العام المالى 2011 وهو عام الثورة المصرية، حصلت مصر على نحو ربع كل المخصصات التمويلية لصندوق الدعم العسكرى FMFبينما حصلت إسرائيل على قرابة 60 بالمائة من اموال هذا الصندوق ، ويذكر التقرير بالنص : أن المعونة العسكرية لمصر مقسمة إلى ثلاث فئات كبرى: الإمداد بالمعدات وتحديث المعدات الموجودة أصلا وعمليات الصيانة والدعم المستمر من خلال التعاقدات .. وفيما يخص التعاون المصرى - الأمريكى فى إنتاج الدبابات القتالية طراز ابرامز M1A1 وهو التعاون الذى بدأ فى 1988 فيعد حجر الزاوية فى المساعدة العسكرية الأمريكية لمصر. إذ تخطط مصر لأن يكون لديها 1200 دبابة .. ووفقا لشروط البرنامج، فإن نسبة من مكونات هذه الدبابة يتم تصنيعها فى مصر فى منشأة بضواحى القاهرة، أما باقى المكونات فتنتج فى الولاياتالمتحدة، ويتم شحنها لمصر للتجميع، وتعتبر شركة جنرال داينامكس هى المتعاقد الرئيسى لهذا البرنامج. لكن المثير هو ماجاء فى الحواشى. إذ يقول التقرير : تم إخطار الكونجرس فى يوليو 2011 باتفاقية محتملة بشأن الدبابة M1A1 ولم يعترض الكونجرس على الصفقة التى يتم بموجبها إمداد المصريين بمكونات مجمعة من شركة جنرال داينامكس التى تلقت 395 مليون دولار ( فى 2011) لإمداد المصريين بعدد 125 وحدة مجمعة لتزويد الدبابة بها ما يرفع عدد الدبابات المنتجة مع مصر إلى 1130 دبابة، على أن يتم التوريد فى يوليو 2013 لينتهى فى يناير 2016 .. انتهت الملحوظة ! لكن اللافت للانتباه فعلا ما ينص عليه التقرير المقدم للكونجرس وبالحرف : “برغم أنه لا توجد أرقام يمكن التحقق منها بشأن الإنفاق العسكرى الكلى للجيش المصرى، فإنه أنه من المرجح أن المعونة الأمريكية العسكرية لمصر تغطى 80 بالمائة من تكاليف (التسليح) التى تنفقها وزارة الدفاع المصرية، بينما تقدر مصادر أخرى أن المعونة العسكرية الأمريكية تدفع نحو ثلث ميزانية الدفاع المصرية الإجمالية سنويا. والعجيب هنا فى هذه المعلومة الأخيرة أن معد التقرير استند فيها لمقال صحفى نشر على موقع بلومبيرج فى 2 فبراير 2011 كان عنوانه :ثلاثة عقود من التسليح والتدريب الأمريكى لمصر ! لكن تظل الحقيقة الأبرز التى كشف عنها هذا التقرير، أن مصر لم تعد ثانى أكبر متلقى للمعونات الأمريكية فى العالم على نحو ما تروج وسائل الإعلام الأمريكية وحتى بعض الدبلوماسيين الأمريكيين .. فقد جاء ترتيب مصر خامسا فى ميزانية المعونات الخارجية الأمريكية لعام 2012 بعد إسرائيل المتلقى الأول بمبلغ 3.075 مليار دولار، ثم أفغانستان بمبلغ 2.327 مليار دولار ثم باكستان بمبلغ 2.102 مليار دولار ثم العراق بمبلغ 1.683 مليار دولار ثم مصر بمبلغ 1.557 مليار دولا، وقد تكرر الأمر ذاته فى 2013 حيث حلت إسرائيل فى المرتبة الأولى بمبلغ 3.100 مليار دولار، تليها أفغانستان 2.505 مليار دولار، تليها باكستان بمبلغ 2.228 مليار دولار، ثم العراق 2.045 مليار دولار ثم مصر بمبلغ 1.563 مليار دولار. تهديدات بمذكرات رسمية أما ما يخص المساعدات العسكرية الأمريكية (الأخرى) للجيش المصرى، يقول التقرير: إن مصر تتلقى مئات الملايين من الدولارات سنويا من خلال برامج التدريب IMET (وهو تناقض غريب بالنظر لأرقام التدريب الهذيلة التى تم رصدها من 2010 حتى هذا العام ومن خلال التقرير ذاته)، والتى تستهدف – وفقا لما ورد بالحرف: تدريب الضباط المصريين لتسهيل التعاون العسكرى بين البلدين على المدى الطويل ويؤهل هذا البرنامج مصر من أن تشترى التدريب بأسعار مخفضة، ومنذ عام 2000 والأموال المخصصة لمصر من صندوق الدعم العسكرى موضوعة فى حساب بنكى بالفوائد فى بنك الاحتياط الفيدرالى فى نيويورك، وسيظل هذا الحساب مودعا بالبنك حتى يتم التصرف فيها وأنه وفقا للقانون رقم (P.L. 106-280) فإنه لابد من إخطار الكونجرس بأى تصرف فى فوائد هذا الحساب ولا يحق لمصر أن تجنب لنفسها أى مبالغ من حساب هذه الفوائد إلا لتغطية نفقات العام المالى الجارى، ولا تسمح التدفقات النقدية لمصر من هذا الحساب إلا بمجرد التفاوض على صفقات السلاح الكبرى مع موردى السلاح للولايات المتحدة . وفيما يتعلق بقضايا مبيعات الأسلحة فيذكر التقرير بالنص: مع صعود رئيس مصرى من الإخوان المسلمين، فإن بعض المشرعين والمواطنين الأمريكيين أظهروا قلقا من أن تستخدم المعدات الأمريكية والمعونات العسكرية لمصر ذات يوم من حكومة وجيش تسيطر عليهما قوى إسلامية كارهة للولايات المتحدة ومصالح أمنها القومى وللسلام مع إسرائيل .. وقد ركزت بعض وسائل الإعلام على تسليم أمريكا (المشروط) لأربع طائرات إف 16 لمصر فى يناير الماضى فى سياق صفقة تشمل 20 طائرة من هذا الطراز وافق عليها الكونجرس فى 2009. وطبعا لم يعترض الكونجرس على الصفقة بعد إخطاره الذى حدث قبل تغيير القيادة فى مصر، وفى 2010 كانت مصر قد توصلت لاتفاق مع شركة لوكهيد مارتن على شراء 20 طائرة إف 16 تقدر قيمتها الإجمالية بنحو 2.5 مليار دولار ( وفى الحواشى يركز كاتب التقرير على أن مصر لديها 250 طائرة من طراز إف 16 تجعلها رابع مشغل لهذا النوع من الطائرات بعد أمريكا وإسرائيل وتركيا. الاعتراف الخطير يأتى فى سياق استطراد التقرير للقول: إن بعض المعارضين للمعونات العسكرية الأمريكية لمصر قد يظهرون المزيد من العداء خلال الأشهر المقبلة من مبيعات الأسلحة المقترحة لمصر التى يتم تمويلها بأموال دافعى الضرائب، وأن أحد مصادر قلق المشرعين الأمريكيين هو الأمن فى شبه جزيرة سيناء. فوفقا للقانون رقم (P.L.112-74) الصادر فى 2012 تحدد لغة القانون أن مبلغ 1.3 مليار دولار ينبغى أن يكون متاحا لمنح تعطى لمصر تشمل برامج أمن الحدود والأنشطة فى سيناء . ولقد دعت الإدارة الأمريكية الجيش المصرى لاستخدام تمويل صندوق الدعم العسكرى FMF فى شراء معدات لأمن الحدود لكن لم يتم التوصل لأى قرار بهذا الشأن، وعليه فإن بعض المشرعين الأمريكيين قد يبحثون إعادة هيكلة الطريقة التى تستخدم بها مصر منح صندوق التمويل العسكرى .. برغم أن وزارة الدفاع الأمريكية قد حاولت على مدار سنوات أن تقنع وبالتدريج العسكريين المصريين بالتركيز أكثر على معدات مكافحة الإرهاب ومكافحة التمرد والتدريب عليها بأكثر من تركيزهم على المعدات القتالية التقليدية، ولقد أعاد غياب الأمن والنظام فى مصر الحيوية لهذه القضية. وقد يبحث بعض المشرعين فى توجيه إنفاق المساعدات العسكرية فى المستقبل فى إعادة تشكيل قوى الشرطة المصرية ومكافحة خطر الإرهاب فى شبه جزيرة سيناء (وهو ما نشر تفاصيله فى فصلية الكونجرس بتاريخ 12 فبراير 2013 الماضى بشأن مناشدات جماعية من الحزبين بإعادة هيكلة المساعدات لمصر) . فما الذى يعنيه هذا الكلام ؟ هذا اعتراف واضح بأن اتجاه الكونجرس الأمريكى فى منح مصر مساعدات عسكرية هو فى صالح أن يتحول الجيش المصرى عن مواجهة التحديات الإستراتيجية ليتحول للعمل الشرطى وإلا تتوجه المساعدات العسكرية لوزارة الداخلية المصرية ! والأخطر الإقرار بأن واشنطن حاولت وعلى مدار سنوات إقناع المصريين (بالتدريج) بأن يتحولوا عن المهام القتالية التقليدية، لمكافحة أعمال الإرهاب وأعمال المقاومة والتمرد counter-insurgency، وهذه الأخيرة تثير الكثير من علامات الاستفهام والتعجب !! المواجهة فى ويكيليكس يبدو أن قصة محاولات واشنطن تحويل الجيش المصرى لمهام تصرفه عن الاستعداد لأعمال القتال التقليدى لم تكن وليدة 2013، ولكنها قصة قديمة بدأت مع عصر مبارك ولا تزال تدور فصولها لليوم .. فما تحتفظ به ذاكرة الأحداث تؤكد أن المظاهرات اندلعت فى 25 يناير 2011 وأهم قادة الجيش المصرى، فى واشنطن الفريق سامى عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة آنذاك كان فى واشنطن يناقش المعونة العسكرية الأمريكية لمصر .. ومن قبله سافر اللواء محمد العصار مسئول التسليح بالجيش المصرى آنذاك وبصحبته مستشار مدير المخابرات الحربية آنذاك اللواء فؤاد عرفة، واستغرقا فى لقاء عاصف بشأن العبث الأمريكى فى إمداد مصر بمعدات لا شأن للجيش المصرى بها .. كانت الأمور قد بلغت حد أن منح الجيش الأمريكى شركة كرايسلر جروب للسيارات من مدينة أوبرون هيلز بمريلاند عقدا بقيمة 25 مليونا و929 الفا و600 دولار فى 22 ديسمبر 2010 لتوريد 750 قطعة غيار لعربات الجيب و750 موتور ديزل لزوم العمرات و375 صندوق تروس وكان رقم العقد W56HZV-11-C-0123و تم توقيعه فى مقر قيادة تعاقدات الجيش الأمريكى فى مدينة وارن بمقاطعة ميريلاند ! لكن الأكثر وقعا كان ذلك التعاقد الذى منح لشركة كاتربيلار من مدينة موسفيل بقيمة 6 ملايين و711 ألفا و854 دولارا لتوريد 21 لودرا و5 أوناش لرصف الطرق و4 رافعات هيدروليكية وقطع غيار للجيش المصرى وكان رقم العقدW912ER-11-C-0007 وتم توقيعه فى سلاح المهندسين بالجيش الأمريكى قطاع الشرق الأوسط فى ونشستر بولاية فرجينيا !! وتنقل وثائق ويكيليكس المسربة عن الجيش الأمريكى برقية برقم 10CAIRO257 تم تسريبها فى 8 فبراير 2011 عن لقاء تم ما بين مساعد وزير الدفاع الأمريكى لشئون الشرق الأوسط كولن كاهل، واللواء محمد العصار مساعد وزير الدفاع لشئون التسليح واللواء أحمد معتز، رئيس فرع العلاقات الأمريكية واللواء فؤاد عرفة، مستشار إدارة المخابرات الحربية .. وخلال اللقاء ناقش كاهل الحاجة لربط الإستراتيجية العسكرية المصرية بالأمريكية، بما فى ذلك توازن القوى فى المنطقة والجهود المصرية لمكافحة التهريب وبالذات تهريب الأسلحة إلى غزة .. وفى هذا السياق تطرق اللواء العصار إلى أن العقيدة العسكرية المصرية تقوم على أساس دفاعى يستند إلى بناء القدرات بأكثر مما يستند إلى رد الفعل على التهديدات وأن الأولوية الأولى هى للدفاع على الأراضى المصرية وقناة السويس وغيرها من الأهداف، مثل تحقيق الاستقرار الإقليمى والتصدى لأى شىء غير متوقع ومفاجئ كمواجهة الإرهاب والحفاظ على دول مصر القيادى وحقوق مصر المائية وعدد المسئول المصرى قائمة بالمشاكل المتعلقة بحوض النيل وكردفان وجنوب السودان وقال: إنه لا يمكن لأحد أن يتوقع ما يمكن أن تقوم به ليبيا وأن الأهم لمصر هو تحقيق توازن القوى فى الشمال الشرقى ( يقصد إسرائيل) ..وعلق على أن امتلاك إسرائيل أسلحة غير تقليدية ومتطورة لن يساعد على الاستقرار الاقليمى ويجب المحافظة على توزان القوى فى المنطقة. وشدد العصار على أن العقيدة المصرية لا تعتمد على أى إيذاء أحد أو دولة فى المنطقة.. وشكا اللواء العصار من أن الجيش المصرى يشعر أحيانا بأن هناك ضغوطا أمريكية لإعادة تشكيل العقيدة القتالية وإعادة تشكيل القدرات العسكرية المصرية لتتوائم مع الأهداف الأمريكية وأظهر أن التهديدات التى تواجه الولاياتالمتحدة تختلف عن تلك التى تواجهها مصر، وقال إن على مساعد وزير الدفاع الأمريكى أن يحيط الكونجرس الأمريكى باحتياجات مصر وألا تضع حدودا لتسليح مصر بالطائرات والدبابات وهنا قال بالنص: إن مصر تفضل السلاح الأمريكى لكن الأمن القومى المصرى خط أحمر وأننا يمكن أن نذهب إلى أى مكان آخر ( لشراء السلاح) إذا ما توجب علينا ذلك !! وهنا تدخل اللواء فؤاد عرفة مستشار إدارة المخابرات الحربية ليواجه المسئول الأمريكى بالحقائق المرة عندما قال: إن النسبة المقررة فى اتفاقية كامب ديفيد كانت نسبة 2:3 فى المساعدات العسكرية بين إسرائيل ومصر للمحافظة على التوزان فى المنطقة ، ولكن بعد 30 عاما أصبحت 5:2 لصالح إسرائيل وأن هذا انتهاك لاتفاق كامب ديفيد. وكان رد كاهل أن الجيش الأمريكى تعلم دروسا قاسية بشأن وعود وحدود التكنولوجيا فى السنوات الأولى من الحرب فى العراق وأنه لم تعد هناك فى العالم حروب تقليدية تماما وأن آخر الحروب التقليدية كانت حرب الخليج الأولى، وأن التحدى الذى يواجه الجيوش اليوم هو أن تخوض الحروب المعقدة وقال إن تكنولوجيا المعلومات فى الحرب الحديثة بذات قيمة وخطورة المعدات المتطورة من اجل السرعة فى التقييم والاتصال بالوحدات، وأن على الجيوش الحديثة أن تعتمد على النوعية بأكثر من الكمية فى التسليح. هذا الكلام كان معناه ألا تطلب مصر المزيد من الطائرات والدبابات وأن تعمل على تعديل خططها لتتوائم وطرق الجيش الأمريكى فى الحرب، وأن تطلب مصر عوضا عن المعدات التى تحتاجها أجهزة اتصال متطورة وأجهزة تحديد الاهداف بالليزر لتوجيه الضريات .. وقد وعد مساعد الوزير الأمريكى فى النهاية بالا تمس حصة مصر من صندوق الدعم العسكرى FMF . لقد كانت هذه هى آخر مواجهة تم تسريبها من خلال ويكيليكس بشأن موضوع التسليح فى سياق المعونات الأمريكية لمصر .. لكن يتبقى أن آخر تعاقدات منحها الجيش الأمريكى للشركات الأمريكية وتم رصدها كانت كلها بشأن الصيانة والإمداد بقطع غيار للسيارات الجيب ومعدات حفر الآبار ورصف الطرق .. وباستثناء الطائرات ال إف 16 التى وصلت مصر فى يناير الماضى تنفيذا لعقد أبرم فى 2009 .. فلا جديد فى ملف المعونات العسكرية الأمريكية لمصر سوى أن المزيد من الشركات الخاصة الأمريكية تتربح الملايين من الدولارات باسم المعونة العسكرية للجيش المصرى .. فهل هذه هى بالفعل رؤية الجيش الأمريكى لنا؟ البعد عن الإخوان المسلمين !! الإجابة نجدها فى دراسة صادرة عن مركز الدراسات الاستراتيجية التابع لكلية الحرب الأمريكية فى ابريل الماضى 2013 كتبها الباحث جريجورى أفتانديليان بعنوان (النظام الجديد فى مصر ومستقبل العلاقات الإستراتيجية المصرية الأمريكية) انتهى الباحث لتوصية وزارة الدفاع الأمريكية بضرورة مواصلة الاتصال ما بين الجيشين المصرى والأمريكى والعمل على تشجيع ضباط الجيش المصرى على الدراسة بالمعاهد العسكرية الأمريكية، لأن من شأن هذا التدريب أن يعطى الضباط المصريين إطلالة على الولاياتالمتحدة ( شعبا وثقافة وسياسات) وكذلك الاطلاع على العقيدة العسكرية الأمريكية ومنحهم الحرية الفكرية لخوض نقاشات مع نظرائهم الأمريكيين وغيرهم من الضباط الأجانب الحاضرين معهم فى نفس المعاهد العسكرية بشأن العديد من القضايا الإقليمية .. وقال الباحث إن من شأن هذه الفرص التعليمية أن تسمح لضباط الجيش الأمريكى بالتعلم أكثر بشأن الثقافة المصرية وعقيدة المصريين القتالية، ومن شأن هذا أن يكون مفيدا عندما تنشب الأزمات الإقليمية (!!) وأيضا أن ينخرط الجيش الأمريكى فى نقاشات على أعلى مستوى مع المسئولين العسكريين المصريين، بشأن طريقة تصور المصريين للتهديدات الإقليمية ( يعنى تصوراتهم عن العدو وعن التهديدات التى تواجه بلادهم ). وبرغم أن مثل هذه النقاشات كانت تدور كثيرا فى عصر مبارك فإنها لم تتواصل منذ ذلك الحين .. وإعادة إحياء مناورات النجم الساطع التى كانت أساسا للعلاقة ما بين الجيشين لأكثر من عقدين .. وضرورة مواصلة عرض إمداد الجيش المصرى بالمعلومات الاستخباراتية والمعدات المتطورة للتعامل مع التهديدات الإرهابية فى سيناء، وكذلك ضرورة أن تعمل الولاياتالمتحدة من وراء المشهد بنزع فتيل أى توترات قد تنشأ ما بين مصر وإسرائيل على خلفية ما يدور فى سيناء. إذن هو الإصرار على مواصلة إمداد الجيش المصرى بمعدات مكافحة الإرهاب .. لقد كانت هذه هى توصيات الباحث للجيش الأمريكى بما يتوجب عليه أن يفعله .. لكن ماذا عما يتوجب على الجيش الأمريكى (ألا يفعله) وهو الأهم .. هنا يقول الباحث إن على الجيش الأمريكى أن يتفادى أى نقاش بشأن السياسات الداخلية المصرية، وعن الإخوان المسلمين وتفادى إثارة غضب الضباط المصريين بسبب إقالة الرئيس مرسى للمجلس العسكرى برئاسة المشير طنطاوى، وعلى العسكريين الأمريكيين الالتزام فى نقاشهم مع المصريين بالكلام فقط عن الشئون الأمنية والعسكرية.. وعلى الجيش الأمريكى أن يتفادى أى نقاش بشأن تقليص حجم الجيش المصرى .. انتهت التوصيات !!