ما بين أربعة وستة تريليون دولار هذا هو ما يتحمله المواطنون الأمريكيون جراء حروب واشنطن علي أفغانستان والعراق، مما يجعلهما أعلى الصراعات المسلحة كُلفة في تاريخ الولاياتالمتحدة، وفقا لتقرير جديد صادر عن باحثة بارزة بجامعة هارفارد الأمريكية. فقد أفاد تقرير أعدته الباحثة المعروفة "ليندا بيلمز" -التي عملت مع إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون- أن واشنطن أنفقت بالفعل حوالي تريليوني دولار علي صورة تكاليف مباشرة متعلقة بحملاتها العسكرية في البلدين المذكورين، لكن هذا الإجمالي "لا يمثل سوى جزء بسيط من التكاليف الكلية لهاتين الحربين". وأضافت في تقريرها المكون من 21 صفحة بعنوان "الإرث المالي للعراق وأفغانستان: كيف ستقيد قرارات الإنفاق في زمن الحرب الميزانيات المستقبلية للأمن القومي"، أن الأرقام الكبيرة الوحيدة المعروفة فعلا فيما يخص حربي العراق وأفغانستان هي تكلفة توفير الرعاية الطبية وإعانة العجز قدامى المحاربين". وأشار ت بيلمز -وهي التي شاركت منذ عام 2008 في إعداد سلسلة من التحليلات بشأن تكاليف الحرب، بالإشتراك مع كبير الخبراء الاقتصاديين السابق في البنك الدولي، جوزيف ستيجليتز- إلي أن أكثر من نصف القوات -التي تجاوز عددها 1.5 مليون جندي وخرجوا من الخدمة الفعلية منذ هجمات 9/11 - قد تلقوا العلاج الطبي في مستشفيات قدامى المحاربين، وتمنح لهم فوائد علي مدي حياتهم. وكمثال، عانى أكثر من 253 ألف جندي من إصابات في الدماغ. كما أن هناك تكاليف إضافية تشمل إستبدال المعدات وإصلاحها -وهي التي تبلي بمعدل ست مرات مقارنة بأوقات السلام- ناهيك عن تراكم فوائد الأموال التي تقترضها وزارة الخزانة لتمويل الحروب، حيث أن ما يقرب من تريليونين من الدولارات من تكاليف الحرب لم تتخذ مسار الميزانية العادية. وحتى الآن، دفعت واشنطن نحو 260 مليار دولار علي ذمة الفوائد على القروض المرتبطة بالحرب، لكن "تكلفة الفائدة المحتملة لديون الحروب الامريكية تبلغ تريليونات"، وفقا للتقرير. هذا ويأتي تقرير الباحثة في لحظة حاسمة، يتزايد فيها الانقسام في صفوف الجمهوريين في الكونجرس، بين "الصقور" المتشددين الذين يريدون الحفاظ على إنفاق وزارة الدفاع الأمريكية أو زيادتها ويضغطون من اجل دور أمريكي أكثر عدوانية في الحرب الأهلية السورية من بين النقاط الساخنة الأخرى، هذا من جهة. ومن جهة أخري، يتمسك "صقور" عجز الميزانية بأن الولاياتالمتحدة لا تستطيع تحمل ميزانية عسكرية أكبر، ناهيك عن مغامرات عسكرية خارجية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط. أما "صقور الدفاع" -الذين يتألفون أساسا من المحافظين الجدد والقوميين المتشددين الذين قادوا المسيرة إلى الحرب في العراق قبل 10 سنوات- فيشعرون بالقلق من تأثير عجز الميزانية علي الإنفاق العسكري بتخفيض ميزانية وزارة الدفاع بمبلغ 500 مليون دولار على مدى 10 سنوات، وذلك للمساعدة علي تقليص العجز. لكن التقرير -وكذلك تقرير آخر لجامعة براون بمناسبة الذكرى العاشرة لغزو العراق، يقدر التكاليف الكلية للحرب بثلاثة تريليون دولار- من المرجح أن يعزز صفوف "صقور العجز" بين الجمهوريين، إضافة إلي الشخصيات البارزة الواقعية في مجال السياسة الخارجية والذين يرتبطون بشكل وثيق مع إدارة الرئيس السابق جورج بوش، وبالطبع معظم الديمقراطيين، بمن فيهم الرئيس باراك أوباما ومساعديه المقربين. هذا وينص التقرير علي أن الزيادة الهائلة في الإنفاق علي كلفة الحروب تعني أن المواطنين دافعي الضرائب لن يحصلوا علي "تعويض السلام" ومنافعه التي حصلوا عليها بعد حروب أخري في الماضي، بما فيها الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة في مرحلة ما بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي. في هذا الشأن، خلص التقرير إلي أن شعب الولاياتالمتحدة -والتي تنظر إدارتها الآن في تحسين وضع الميزانية- كان يأمل أن تدر نهاية هذه الحروب "تعويض السلام" ومنافعه، كتلك التي تحققت تحت إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون والتي ساعدت المواطنين الأمريكيين علي الإستثمار في الغذاء أكثر منهم في السلاح. وبالتالي، لن يجني المواطنون الأمريكيون أي تعويض أو منفعة من سلام ما بعد الحرب، وستبقي تداعيات كلفة حربي أفغانستان والعراق قائمة مستمرة لعقود طويلة، وفقا للتقرير.