أعرف بأني بهذه الموضوع سأثير اعتراضات كثيرة من أولئك الذين لا يرون الحقيقة في وضح النهار ، إلا بعد تغليفها بالدماء بعد أن تملأ الشوارع، فلقد أشبعنا بالإتهمات بالطائفية. عندما اعتبرنا أن النظام الأسدي هو نظام طائفي (بالإضافة لشموليته وأمنيته وعصبويته وفاشيته ومافيويته )، فقد كان علينا أن نتحمل الحملات، حتى بعد ذبح الشبيحة آلاف أطفالنا بالسكين ، ووسط مستنقعات دم الأطفال أجري دم بكارة العذارى اغتصابا وحشيا، وبعد تدمير مدننا وبيوتنا فوق رؤوس أهلنا بالمدافع والقاذفات والدبابات بل وبالصواريخ الباليستية. بدأ ت معارضتنا (العاقلة من علمانيين وإسلاميين ) يقبلون بوصف النظام بالطائفية حتى ولوعلى استحياء....حيث يغلفون حياءهم هذا بالحديث عن أن الحاكمين من كل الفئات والطوائف، وكذلك المعارضين وذلك للحفاظ على (الديباجة الوطنية ) بغض النظر عن واقع سرطان الطائفية الذي يتجنبون ذكره تعوذا من شيطانه، فلا يذكرون السرطان بل يسمونه (ذاك المرض)، حيث العصابات الأسدية تمارس منذ أربعين عاما الطائفيىة وتبني جيشها وأمنها ومؤسساتها التسلطية التنفيذية الرئيسية على أساس هذا المعيار الطائفي ، ويحبسون الآخرين إن تلفظوا بكلمة الطائفية (كخطيئة تكفيرية). منذ عشرين عاما عاد صديق لنا من الإمارات التي كان يعمل مدرسا بها، وذلك لقضاء إجازته السنوية بعد سنوات من قلقه من العودة الوطن خوفا من مجهول يتربص بك دائما.. دون أن تحدد ماهيته من أين سينقض عليك ، قام صديقنا فور وصوله بحجز بطاقة العودة ...لكن لم يتمكن من الحصول على الموافقة الأمنية للمغادرة من قبل المخابرات الجوية، باعتبار أن خدمته الإلزامية القديمة كان (ملازما) في القوى الجوية. وبدأت حملة الوساطات وعروض الدفع ، وفي كل يوم يرتفع المبلغ المطلوب أكبر، وراح صديقنا يقضي إجازته الشئيمة بحثاعن مخرج سيما وقد اقتربت فترة العودة ، وإن لم يعد في الوقت المحدد يخسر وظيفته وإقامته وبيته في الخارج والداخل الذي كان يدفع أقساطه. سافرت من حلب إلى دمشق تضامنا مع صديقي للبحث عن الحل، وبعد لف ودوران كثير اضطررت للقاء المرحوم يوسف فيصل الأمين العام للحزب الشيوعي الجبهوي، وكان أكثر القيادات الشيوعية انفتاحا ، سيما بعد أن دعيت كضيف إلى مؤتمر حزبه ، ودعوت في مداخلة من على منصة المؤتمر إلى حل الحزب الشيوعي بشقيه، والتوحد تحت صيغة (حزب اشتراكي ديموقراطي ) على طريقة الحزب الاشتراكي الفرنسي أو حزب العمال البريطاني ، وذلك ( بعد الانهيار الكبير ) للحلف السوفيتي. قام الرجل فورا –وأمامي- واتصل بممثل حزبهم في الجبهة الوطنية والتقدمية المرحوم الأستاذ دانيال نعمة، شارحا له الموضوع ليطرحه باسم الجبهة مع رئيس فرع المخابرات الجوية وهو لواء من بيت (حويجة) ، فرد عليه المرحوم دانيال، إنه لا يستطيع أن يتحدث مع هذا الرجل السفيه، فقد سبق له أن طرح معه موضوعا مشابها ، فأغلق الهاتف في وجهه، فاتصل المرحوم الأستاذ يوسف (أبو خلدون) ، بوزيره القوي حينها، فرد عليه ذات رد الأستاذ دانيال واعتذر بأنه لا يستطيع محادثة هذا اللواء (الحويجة المرعب). قمت فورا لكي لا أحرجه ، سيما وأني من الناقدين الأشداء لهم ولجبهتهم، فلحقني يودعني عند الباب وهو يقول خجلا ومحرجا: أنه برأيه من المفضل أن أطرح هذا الموضوع مع أحد أصدقائي المثقفين (العلويين)، هززت برأسي موافقا ومتأسفا على تاريخه الشخصي والتاريخ السياسي الوطني لسوريا، واتصلت فورا بصديق معاناة الغربة في جامعة (عدن)، الراحل (الدكتور حامد خليل ). مساء ونحن عنده على العشاء، حدثته بكل ما جرى بيني وبين يوسف فيصل، حيث صداقة الغربة لسنوات وفي عمارة واحدة كانت تتيح لي أن أحدثه بصراحة شديدة –حتى ضد سلطة نظامه البعثية والأمنية- حتى ولو من باب الدعابة الحادة. غضبت (السيدة أم لؤي حرمه بالطريقة النزقة النظيفة النزيهة لأخيها الراحل الجميل ممدوح عدوان)، قائلة: لو أن عبد الرزاق ليس صديقك، فهل كان على صديقه أن يضيع عمله ويخرب بيته وتدمر عائلته.. بعد سنتين سيتوفي الصديق حامد خليل، وسأنعاه بكلمتي في أربعينيته بالمركز الثقافي بمصياف مع عدد من الأصدقاء المثقفين، واصفا إياه بكلمتي بأنه آخر البعثيين الشرفاء.. لكني ترددت أن أقول: أتمنى أن لا يكون "آخر الأصدقاء المثقفين العلويين غير الطائفيين". د.عبد الرازق عيد سياسي سوري معارض