كم سجل عيار 21 الآن؟ أسعار الذهب اليوم في بداية تعاملات الاثنين 18 أغسطس 2025    بكم العدس والفاصوليا؟.. أسعار البقوليات في أسواق الشرقية اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025    وظائف شاغرة ب«الكهرباء».. التخصصات المطلوبة وآخر موعد للتقديم    القافلة 17 ل«زاد العزة».. تحرك شاحنات المساعدات لمعبر كرم أبو سالم تمهيدا لدخولها غزة    ترامب: لا يمكن استعادة القرم.. وأوكرانيا لن تكون جزءا من الناتو    بينهم 22 من طالبي المساعدات.. شهداء وجرحى في قصف للاحتلال على قطاع غزة    يسرا عن رحيل «تيمور تيمور»: صعب تلاقي حد بالصفات دي في حياتك    حكيم يشعل أجواء الساحل الشمالي الجمعة المقبلة بأجمل أغانيه    منها الشاي والقهوة.. مشروبات شائعة تحتوي على جزيئات بلاستيكية دقيقة    عيار 21 الآن بالمصنعية.. سعر الذهب اليوم في مصر الإثنين 18-8-2025 بعد هبوطه عالميًا    نيكو ويليامز.. شوكة في قلب إشبيلية    اتحاد الكرة يعلن حكام مباريات الجولة.. بسيوني يقود قمة المصري وبيراميدز    كل ما تريد معرفته عن مسابقة توظيف بريد الجزائر 2025.. الموعد والشروط وطريقة التسجيل    قرارات صارمة من وزارة التربية والتعليم استعدادًا للعام الدراسي الجديد 20262025 (تعرف عليها)    دعه ينفذ دعه يمر فالمنصب لحظة سوف تمر    مصرع سيدة في حادث سير ب شمال سيناء    أرتفاع الحديد.. أسعار مواد البناء اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025    ترامب يهاجم وسائل الإعلام الكاذبة بشأن اختيار مكان انعقاد قمته مع بوتين    إساءات للذات الإلهية.. جامعة الأزهر فرع أسيوط ترد على شكوى أستاذة عن توقف راتبها    تامر عبدالمنعم: «سينما الشعب» تتيح الفن للجميع وتدعم مواجهة التطرف    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الاثنين 18 أغسطس    "أي حكم يغلط يتحاسب".. خبير تحكيمي يعلق على طرد محمد هاني بمباراة الأهلي وفاركو    وصفة مغذية وسهلة التحضير، طريقة عمل كبد الفراخ    أسفار الحج 13.. من أضاء المسجد النبوى "مصرى"    قد يكون مؤشر على مشكلة صحية.. أبرز أسباب تورم القدمين    أحمد شوبير يكشف موعد عودة إمام عاشور للمشاركة في المباريات مع الأهلي    رئيس "حماية المستهلك": وفرة السلع في الأسواق الضامن لتنظيم الأسعار تلقائيًا    وزارة التربية والتعليم تصدر 24 توجيهًا قبل بدء العام الدراسي الجديد.. تشديدات بشأن الحضور والضرب في المدراس    مصرع طفل أسفل عجلات القطار في أسيوط    التحقيق في مقتل لاعبة جودو برصاص زوجها داخل شقتهما بالإسكندرية    إيران تؤكد احترام سيادة لبنان وتعلن دعمها في مواجهة إسرائيل    احتجاجات غاضبة أمام مقر نتنياهو تتحول إلى مواجهات عنيفة    الأمم المتحدة: نصف مليون فلسطيني في غزة مهددون بالمجاعة    سامح حسين يعلن وفاة الطفل حمزة ابن شقيقه عن عمر يناهز ال 4 سنوات    هاجر الشرنوبي تدعو ل أنغام: «ربنا يعفي عنها»    أبرز تصريحات رئيس الوزراء خلال لقائه نظيره الفلسطيني الدكتور محمد مصطفى    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025 في القاهرة والمحافظات    سامح حسين يعلن وفاة نجل شقيقه عن عمر 4 سنوات    أوسيم تضيء بذكراه، الكنيسة تحيي ذكرى نياحة القديس مويسيس الأسقف الزاهد    بدء اختبارات كشف الهيئة لطلاب مدارس التمريض بالإسكندرية    "لا يصلح"... رضا عبدالعال يوجه انتقادات قوية ليانيك فيريرا    حضريها في المنزل بمكونات اقتصادية، الوافل حلوى لذيذة تباع بأسعار عالية    متحدث الصحة يفجر مفاجأة بشأن خطف الأطفال وسرقة الأعضاء البشرية (فيديو)    السكة الحديد: تشغيل القطار الخامس لتيسير العودة الطوعية للأشقاء السودانيين    أشرف صبحي يجتمع باللجنة الأولمبية لبحث الاستعدادات لأولمبياد لوس أنجلوس    أمسية دينية بلمسة ياسين التهامى فى حفل مهرجان القلعة    وزير الثقافة ومحافظ الإسماعيلية يفتتحان الملتقى القومي الثالث للسمسمية    ننشر أقوال السائق في واقعة مطاردة فتيات طريق الواحات    بداية متواضعة.. ماذا قدم مصطفى محمد في مباراة نانت ضد باريس سان جيرمان؟    رضا عبد العال: فيريرا لا يصلح للزمالك.. وعلامة استفهام حول استبعاد شيكو بانزا    مواجهة مع شخص متعالي.. حظ برج القوس اليوم 18 أغسطس    «الصيف يُلملم أوراقه».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم: منخفض جوى قادم    اليوم.. أولى جلسات محاكمة المتهمين في واقعة مطاردة طريق الواحات    تنسيق الثانوية العامة 2025 المرحلة الثالثة.. كليات التربية ب أنواعها المتاحة علمي علوم ورياضة وأدبي    حماية المستهلك: نلمس استجابة سريعة من معظم التجار تجاه مبادرة خفض الأسعار    هل يجوز ارتداء الملابس على الموضة؟.. أمين الفتوى يوضح    وزير قطاع الأعمال يشهد حفل تخرج دفعة جديدة من كلية الدراسات العليا في الإدارة بالأكاديمية العربية    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دراسة حديثة طالبت بالحوار بينهما لمنع مخاطر التفتيت.. "السّودان وجنوب السّودان.. إلى أيّ مدًى ينجح الاتّفاق الأخير؟"
نشر في الأهرام العربي يوم 13 - 03 - 2013

نشرت وحدة تحليل السياسات في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، دراسة تشمل تقدير موقف حول الوضع بين السودان، وجنوب السودان، بعد التفاق الأخير بينهما، انتهت إلى أنه لا مخرجَ للسودان من مخاطر التفتيت المحدقة به من غير اعترافٍ صريحٍ بأنّ البلاد تعيش أزمةً طاحنة، وأنّها في حاجةٍ أكثر من أيّ وقتٍ مضى، إلى حوارٍ وطنيٍّ صريحٍ وشفّاف بين الحكومة وسائر فصائل المعارضة؛ المدنيّ منها والمسلّح. هذا الحوار الوطني هو صمام الأمان من الاختراقات، وبغيره تبقى فرص التفتيت قائمةً، بل ومتنامية.
وفيما يلي نص الدراسة:
شهدت العاصمة الإثيوبيّة أديس أبابا يوم الجمعة 8 آذار/ مارس الجاري توقيع اتّفاقٍ بين جمهوريّتَي السودان وجنوب السودان لحلّ القضايا الأمنيّة العالقة. جاء اللقاء الذي جمع وزيرَي دفاع الدولتين نتيجةً لجولةٍ قام بها المبعوث الأممي السفير هيلي منكريوس الذي زار كلًّا من السودان وجنوب السودان، والتقى برئيس جمهوريّة السودان عمر البشير، ورئيس جمهورية جنوب السودان سلفا كير. سلّم السفير منكريوس رئيسَي البلدين رسالةً خطيةً من الوسيط الأفريقيّ ثابو مبيكي تتضمّن مقترحاتٍ لتجاوز نقاط الخلاف بشأن المسائل العالقة بين الطرفين، خاصّةً تلك المتعلّقة بملفّ الترتيبات الأمنيّة.
ولقد ظلّ هذا الملفّ سببًا رئيسًا في عرقلة تنفيذ اتفاقيّة التعاون التي وقّعها رئيسا البلدين في أيلول / سبتمبر من العام الماضي. وكان مُؤمّلًا أن يُحدث ذلك الاتّفاق انفراجًا أمنيًّا على الحدود المتّسمة بالتوتّر، يسمح باستئناف ضخّ نفط جمهورية جنوب السودان عبر أراضي جمهوريّة السودان وموانئها، وإخراج البلدين من حالة المعاناة الاقتصاديّة والمعيشيّة التي يرزحان تحتها.
ظلّت حكومة السودان تصرّ على أن تسبق الترتيبات الأمنيّة كلّ الترتيباتِ الأخرى، سواء كانت تلك التي تتعلّق باستئناف تصدير النفط أو بترسيم الحدود، أو باستئناف التجارة الحدودية بين البلدين، وغير ذلك من الأمور العالقة المتفرّعة. وقد ظلّت حكومة السودان تخوض حربًا مع الحركة الشعبيّة لتحرير السودان قطاع الشمال في ولايتَي جنوب كردفان، منذ 6 حزيران / يونيو 2011، والنيل الأزرق منذ الأوّل من أيلول / سبتمبر 2011، واللتين لهما حدودٌ مشتركة مع دولة جنوب السودان.
وترى حكومة السودان في الحركة الشعبيّة قطاع الشمال طابورًا خامسًا وأداةً للضغط، تستخدمها حكومة الجنوب داخل أراضي الشمال. وفي الوقت نفسه، تتّهم حكومة جنوب السودان حكومة السودان بأنّها تسلّح وتموّل ميليشياتٍ جنوبيّة ظلّت ناشطةً ضدّ الحكومة المركزيّة في جنوب السودان.
اشتعلت الحرب في ولايتَي جنوب كردفان والنيل الأزرق، إثر انهيار اتّفاق الشراكة بين الحكومة السودانيّة والحركة الشعبيّة قطاع الشمال. وهي شراكة أقرّتها اتفاقيّة نيفاشا، ووضعت لها بروتوكولًا خاصًّا قضى بإجراء مشورةٍ شعبيّةٍ في الولايتين لتأكيد الوضعية التي حصلتا عليها في اتفاقيّة السلام الشامل، أو تحسينها. غير أنّ حكومة السودان التفّت على ذلك البروتوكول وأجهضته. فبعد انفصال الجنوب مباشرةً، أعلنت الحكومة السودانيّة أنّها لا تقرّ بوجود شيءٍ اسمه الحركة الشعبيّة قطاع الشمال، دع عنك امتلاكها آلة عسكريّة مستقلّة عن الجيش السودانيّ. غير أنّ تلك الآلة العسكريّة المستقلّة كانت جزءًا من الترتيبات التي وقّعتها الحكومة السودانيّة في اتفاقيّة نيفاشا. وكان من المفترض أن يجري تسريحها وإعادة دمجها أثناء الفترة الانتقاليّة، غير أنّ ذاك لم يتمّ حينها. عقب انفصال الجنوب قامت الحكومة السودانية، في حزيران / يونيو 2011، بمحاولةٍ لتجريد الحركة الشعبيّة من سلاحها في ولايتَي جنوب كردفان والنيل الأزرق. وحدثت جرّاء ذلك اشتباكاتٌ داميةٌ في الولايتين، اضطرّت معها الحركة الشعبيّة قطاع الشمال إلى الخروج من عاصمتَي الولايتين، والارتداد مرّةً أخرى إلى الأدغال، والشروع في حرب عصاباتٍ جديدةٍ مع الحكومة السودانيّة، لا تزال رحاها دائرةً حتّى الآن.
كان الطرفان وقّعا اتّفاقَ شراكة سياسيّة جديدًا في 28 حزيران / يونيو 2011 عُرف باتّفاق "نافع /عقار" قضى ذلك الاتّفاق بمعالجة أوضاع العسكريّين من المنطقتين الذين كانوا جزءًا من الجيش الشعبيّ، وتحويل الحركة الشعبيّة قطاع الشمال إلى حزبٍ سياسيّ معترفٍ به، إلّا أنّ الرئيس السودانيّ عمر البشير ألغى الاتّفاق من طرفٍ واحد.
عقب وصول حالة التوتّر بين الدولتين على الحدود إلى حدٍّ أنذر باحتمال وقوع حربٍ شاملةٍ، في نيسان / أبريل 2012، وقّع رئيسا البلدين في أديس أبابا، بعد مفاوضاتٍ مباشرة بينهما للمرّة الأولى، في 27 أيلول / سبتمبر من العام نفسه اتّفاقًا لحسم القضايا الرئيسة التي ظلّت عالقةً منذ انفصال الجنوب في عام 2011. اتّفق رئيسا البلدين على إنشاء منطقةٍ منزوعة السّلاح على طول الحدود بين البلدين التي يبلغ طولها ألفَي كيلومتر، كما اتّفقا على استئناف ضخّ النفط والتجارة الحدوديّة. غير أنّ ذلك الاتّفاق بقي حبرًا على ورق، وظلّت حالة التوتّر قائمةً كما هي. فجمهوريّة السودان ظلّت تدعو جمهوريّة جنوب السودان للعمل على تجريد الحركة الشعبيّة قطاع الشمال من سلاحها، كما ظلّت تصرّ على أنّها لن تفاوض بشأن أيّ ترتيباتٍ أخرى، ما لم تضع هذه الحركة السّلاح.
واللّقاء الذي جرى في 8 آذار / مارس 2013 في أديس أبابا، كان الأوّل الذي يجري بين البلدين، منذ فشل اجتماع الرئيسيْن عمر البشير وسلفا كير في أديس أبابا، في كانون الثاني / يناير الماضي. وهو لقاءٌ كان من المؤمّل أن يسهم في تخطّي حالة الجمود في المفاوضات التي ظلّت قائمةً بخصوص كلّ تلك القضايا العالقة. وإثر فشل قيام جولةٍ أخرى من المفاوضات كان مقرّرًا لها أن تجريَ في شهر شباط / فبراير الماضي، تبادلت الدولتان اتّهاماتٍ بارتكاب خروقاتٍ أمنيّة والقيام بعمليات عسكريّة عبر الحدود. واتّهم كلّ واحدٍ من الطرفين الطرف الآخر بدعم متمرّدين ناشطين داخل دولته.
تداعيات إيقاف ضخّ النفط عبر السّودان
في كانون الثاني / يناير 2012 أغلقت دولة جنوب السودان الأنبوب الذي ينقل نفطها، عبر أراضي جمهوريّة السودان إلى ميناء التصدير على ساحل البحر الأحمر. ويبلغ حجم النفط المنتج في دولة جنوب السودان 350 ألف برميل يوميًّا، ويمثّل نحو 98% من عائدات التصدير بالنسبة إلى دولة جنوب السودان. أوقفت جمهورية جنوب السودان ضخّ النفط، بعد تزايد التوتّرات والاتّهامات المتبادلة، وفشل المفاوضات بين الدولتين في الوصول إلى اتّفاقٍ يرضي الطرفين بشأن رسوم عبور البرميل. وهي رسوم تتضمّن إضافةً إلى العبور، تكلفة المعالجة التي تجري في منشآت جمهوريّة السودان، والتحميل في موانئها. ولقد أدّى توقّف ضخّ النفط المنتج في جنوب السودان إلى حرمان جمهوريّة السودان من عائدات رسوم العبور التي كانت الحكومة السودانيّة تؤمّل في أن تسدّ لديها جزءًا معتبرًا من الفجوة الكبيرة في ميزانيّتها، تُقدّر بنحو أربعة مليارات دولار، والتي أحدثها فقدانها ثلثَي النفط المنتج في السودان الموحّد قبل انفصال الجنوب.
فمنذ انفصال الجنوب وتراجع عائدات النفط تفاقم الغلاء في جمهوريّة السودان، وارتفعت معدّلات التضخّم، وفقد الجنيه السودانيّ في فترةٍ وجيزة ما يقارب نصف قيمته. يضاف إلى كلّ تلك الضغوط الماليّة أنّ حكومة السودان أصبحت مواجهة بنفقات حرب عصاباتٍ في ولايتَي جنوب كردفان والنيل الأزرق، علاوةً على الاضطرابات المستمرّة أصلًا في إقليم دارفور. أمّا جمهوريّة جنوب السودان، فقد بقيت بلا عائداتٍ ماليّة تقريبًا، ما انعكس على حياة المواطنين الذين هم أصلًا في حاجةٍ إلى كلّ شيءٍ تقريبًا. كما أنّ توقّف التجارة الحدوديّة، حرَم الجنوبيّين من كثيرٍ من السّلع الغذائيّة الأساسيّة التي كانت تزوّدهم بها جمهوريّة السودان. في تلك الفترة، احتلّت حكومة جنوب السودان حقل هجليج النفطي التابع لجمهوريّة السودان، فاستردّته حكومة السودان بالقوّة، ولقي ذلك الاعتداء إداناتٍ دوليةً وإقليميّةً كبيرة.
حدت المخاطر الكبيرة التي أصبحت تحيط بالدولتين وبمواطنيهما، نتيجةً لسياسة الكيد والضغط المتبادلة بين الحكومتين، بالمجتمع الدوليّ لممارسة ضغوطٍ كبيرةٍ عليهما، بلغت حدّ التهديد باتّخاذ إجراءاتٍ ضدّهما، إن لم توقّعا اتّفاقًا جديدًا يسمح بتطبيق ما تم الاتفاق عليه من قبل. عن هذا الاتّفاق الأخير، يقول رئيس جنوب أفريقيا السابق ثابو مبيكي الذي يرأس لجنة الوساطة التابعة للاتّحاد الأفريقيّ: "إنّ البلدين وافقَا على إصدار الأوامر لقوّاتهما بالانسحاب من المنطقة منزوعة السّلاح بحلول 14 آذار / مارس الجاري". كما ذكر أنّ البلدين سينهيان انسحابهما من المنطقة المعنيّة بحلول الخامس من نيسان / أبريل المقبل، وفق جدولٍ زمنيٍّ محدّد. ويقضي الاتّفاق كذلك بتكليف آليّةٍ محايدةٍ لمراقبة المنطقة العازلة بين البلدين. واتّفق وفدَا البلدين في المداولات التي أعقبت توقيع الاتّفاق على استئناف ضخّ النفط في غضون أسبوعٍ أو أسبوعين.
فرص الاتّفاق في النجاح
رحّب كلٌّ من الاتّحاد الأفريقيّ والمجموعة الأوروبيّة والخارجيّة الأميركيّة بالاتّفاق، ولكن كانت ردود الفعل الداخلية تجاهه كانت باهتةً بعض الشيء. ويبدو أنّ تكرار تنصّل الدولتين من الالتزام بالاتّفاقات السابقة أدّى إلى هذه الحالة من الفتور التي قوبل بها هذا الاتّفاق الجديد.
ما يلفت النظر في هذا الاتّفاق أنه لم يرد فيه ذكرٌ للحركة الشعبيّة قطاع الشمال. وكانت الأنباء تشير، قبل الاتّفاق بأيّامٍ، إلى أنّ وفدًا من الحركة الشعبيّة قطاع الشمال سيكون مشاركًا في هذه المفاوضات. ثمّ صدر بيانٌ من الحركة الشعبيّة، في اليوم التالي لتوقيع الاتّفاق، يقول إنّ الحركة تلقّت دعوةً من لجنة الوساطة ورئيسها ثابو مبيكي في 14 شباط / فبراير الماضي، لحضور هذه الجولة من المفاوضات التي انعقدت في العاصمة الإثيوبيّة أديس أبابا، في الثامن من آذار / مارس الجاري. وتلبيةً للدعوة، وصل وفد الحركة إلى أديس أبابا، غير أنّه تلقّى عقب وصوله إشعارًا من نفس اللجنة الداعية بتأجيل المفاوضات إلى العاشر من آذار / مارس.
ثم جاءت الأنباء لتقول أن المفاوضات بين حكومة السودان والحركة الشعبية قطاع الشمال قد تم تعليقها. حمّلت بيان الحركة الشعبية قطاع الشمال في البيان الذي صدر في التاسع من آذار / مارس، الحكومة السودانيّة المسؤوليّة عن عرقلة التفاوض. وذكر البيان أنّ الحكومة السودانيّة منقسمةٌ على نفسها، وأنّ قادتها الكبار غير راغبين في تنفيذ القرار 2046، وهو قرارٌ يُلزم أحد بنوده كلًّا من الحكومة السودانيّة والحركة الشعبيّة قطاع الشمال بالتفاوض والوصول إلى حلٍّ سلميّ. وعلى الرّغم من استخدام الحركة الشعبيّة قطاع الشمال القرار 2046 مرجعيّةً تستند عليها لتقول إنّ الحكومة السودانيّة لم تلتزم بها، نجد أنّها قد خالفت بنودًا أخرى من هذا القرار تقول إنّه: "يدين أيّ إجراءات تتّخذها أيّ جماعة مسلّحة بهدف الإطاحة بالقوّة بحكومة السودان، أو جنوب السودان". فالحركة الشعبيّة قطاع الشمال وَقّعت في 6 كانون الثاني / يناير 2013 في العاصمة اليوغندية كمبالا، "ميثاق الفجر الجديد" الذي نصّ على أنّ الموقّعين متّفقون على إسقاط النظام في الخرطوم.
إلى جانب ضغط المجتمع الدوليّ وتهديده بإجراءاتٍ إضافيّة، بدَا أنّ كلًّا من الحكومة السودانيّة وحكومة جنوب السودان، قد وصلتا إلى نقطةٍ أصبحتا فيها مهيّأتين للاستجابة لمواصلة الحوار والتوصّل إلى اتّفاق. فالضائقة الاقتصاديّة والمعيشيّة أخذت بخناق البلدين، بعد مرور نحو عامٍ منذ أن توقّف تصدير نفط جنوب السودان. غير أنّ الحكومة السودانيّة - كما هو واضح - قد رفضت دعوة مبيكي للتفاوض مع الحركة الشعبيّة قطاع الشمال، في مساقٍ سياسيّ كان من المؤمّل أن يسير بصورةٍ موازيةٍ للمساق الأمنيّ.
وربّما يشير توقيع الاتّفاق بين البلدين إلى أنّ دولة جنوب السودان قد وافقت ضمنًا على نوعٍ من فكّ الارتباط بالحركة الشعبيّة قطاع الشمال. وقد تفلح آليّة مراقبة الحدود في الحدّ من الدعم اللوجستي الذي يمكن أن تجده الحركة الشعبيّة قطاع الشمال من دولة الجنوب، أو اتّخاذ أراضي الجنوب ملاذًا لقوّات الحركة الشعبيّة في كرّها وفرّها، وهي تقاتل الحكومة السودانيّة في هاتين الولايتين الحدوديّتين. ولكن، ربّما لا يعني هذا، وبالضرورة، أنّ الحركة الشعبيّة قطاع الشمال سوف تختنق تمامًا.
فقد سبق أن قاتلت الحركة الشعبيّة الأمّ في الشمال في منطقة جبال النوبة في وسط السودان قبل انفصال الجنوب تحت زعامة يوسف كوة، وكانت تجد، مع ذلك، الدعم اللوجستيّ الكافي. ويبدو من جملة الاتّفاق أنّ هناك قدرًا من المرونة لدى الطرفين المتنازعيْن ولدى الوساطة مكّن من توقيع هذا الاتّفاق الذي يُرجى له أن يسهم في تخفيف الضوائق الاقتصاديّة والمعيشيّة الطاحنة التي يعاني منها شعبا البلدين، وتعاني منها الحكومتان، وأن يهدّئ الأوضاع ويساعد على المضيّ في حلحلة بقيّة الأمور العالقة.
مخرج الحوار الوطنيّ الشامل
يمثّل هذا الاتّفاق حالةً من حالات توازن الضعف. وهو توازنٌ أصبح يحكم الصراع بين شطرَي السودان، بما في ذلك ما يجري في داخل كلٍّ من الدولتين من صراعٍ جنوبيّ - جنوبيّ، وصراع شماليّ - شماليّ. فالوصول إلى اتّفاقٍ يخرج الأمور من نفق الانغلاق، ويخفّف الأزمة الماليّة والضائقة الاقتصاديّة والمعيشيّة في البلدين، أمرٌ مُرَحَّبٌ به في كلّ الأحوال. وينطبق ذلك الترحيب أيضًا على التفاوض من أجل إيجاد مخرجٍ سلميّ.
وما كان يجب منذ البداية التعويل على المواقف المتصلّبة والعمد إلى لَيِّ ذراع الطرف الآخر، وهو أمرٌ مارسته الحكومتان. غير أنّ رفض الحكومة السودانيّة التفاوض مع الحركة الشعبيّة قطاع الشمال، في هذا اللقاء الأخير، وهي التي نسفت منذ البدء استحقاقات الحركة الشعبية قطاع الشمال من اتفاقيّة نيفاشا، ودفعت بها إلى الأدغال بمحاولتها نزع سلاحها بالقوّة، بعد أن مارست عليها سلسلة من الالتفافات غير الضروريّة، يقلّص مقدار التفاؤل إزاء هذا الاتّفاق. فالصراع في السودان منذ الاستقلال وإلى اليوم لم يكن صراعًا جنوبيًّا شماليًّا صرفًا. كما لم يكن صراعًا مطلبيًّا صرفًا بين هامش الدولة السودانيّة ومركزها، وحسب. وإنّما كان، على الدوام، صراعًا ظلّت للأيدي الإقليمية والأجنبية فيه يدٌ ظاهرة.
فالحرب الدائرة الآن في ولايتَي النيل الأزرق وجنوب كردفان، والكارثة الإنسانيّة الماثلة الناتجة منها، إضافةً إلى الاضطرابات في إقليم دارفور، ثمّ التهميش المزمن للمعارضة الحزبيّة الشماليّة التي ظلّت مُقصاةً من كلّ حوارٍ بخصوص الشأن الوطنيّ، وكلّ إسهام في ما يُبرم من اتفاقيّات لها علاقة بمستقبل البلاد، تجعل كلّ الأبواب مشرعةً للتدخّلات الأجنبيّة. وربما تعَّين على الحكومة السودانيّة أن تتذكّر أنّها عبر قرابة ربع القرن الذي أمضته في الحكم، لم تتمكّن من حسم أيٍّ من النزاعات - وما أكثرها! - عن طريق القوّة العسكرية. فتصوُّر أنّ فكّ الارتباط الظاهريّ بين دولة جنوب السودان والحركة الشعبيّة قطاع الشمال، سوف يضعف الحركة الشعبية عسكريًّا ويهيّئ المناخ للحكومة السودانيّة لتستفرد بها وتجبرها على الركوع لشروطها، تصوُّرٌ ربّما لا يكون صحيحًا تمامًا.
لا يزال هناك مجالٌ لحوارٍ سودانيّ - سودانيّ يجمع الأطراف كلّها؛ التي تحمل السلاح، والتي تعارض بالأساليب السلميّة، من أجل الوصول إلى صيغةٍ للحكم يرتضيها الجميع. نعني، صيغةً تقرّ بالتنوّع، وبالحرّيات، وبالديمقراطيّة، وبالشفافيّة، وباللامركزيّة التي تعطي الأقاليم ذات الخصوصيّة إداراتٍ ذاتيّةً تملك استقلاليّةً نسبيّةً حقيقيةً في إطار الدولة المركزيّة.
فلا مخرجَ للسودان من مخاطر التفتيت المحدقة به من غير اعترافٍ صريحٍ بأنّ البلاد تعيش أزمةً طاحنة، وأنّها في حاجةٍ أكثر من أيّ وقتٍ مضى، إلى حوارٍ وطنيٍّ صريحٍ وشفّاف بين الحكومة وسائر فصائل المعارضة؛ المدنيّ منها والمسلّح. هذا الحوار الوطني هو صمام الأمان من الاختراقات، وبغيره تبقى فرص التفتيت قائمةً، بل ومتنامية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.