لا يستطيع أحد أن ينكر أن الثورة المصرية بهرت العالم أجمع، لدرجة أن أول تصريحات الزعماء هناك جاءت على لسان برلسكونى الذى قال "لا جديد فالشعب المصرى يصنع الحضارة". كما قال أحد أبرز كتابها على الثورة إنها انتفاضة شعبية لم تحدث فى تاريخ مصر من قبل" خصوصا أنها "أطاحت بالفرعون. وبالطبع لا يستطيع أحد أن ينسى كلمات أوباما التى طالب فيها الشباب الأمريكى بالاقتداء بالشباب المصرى. وكما انبهر الزعماء انبهر أيضا الكتاب بما حدث على ضفاف النيل وكان نتيجة هذا الانبهار ثلاثة كتب أولها للكاتب روبير سوليه الذى لا يستطيع أحد أن يكتب عن مصر مثلما يكتب عنها هو، إنه الروائى الذى لم تفارق مصر صفحات رواياته أبدا، لتكتمل به منظومة الولع الفرنسى بمصر، ولم يكن ل" سوليه" أن يغيب عن المشهد الذى ولد فيه وقضى شطرا من حياته فى شوارعه وحاراته، من هنا جاء كتابه " سقوط الفرعون" على شكل استقصاء ميدانى حى لما وقع فى مصر طوال 18 يوما هى عمر الموجة الأولى من الثورة المصرية. على نحو آخر سعى كاتبان فرنسيان هما تانجى سالاوون وكلود جيبل لاستقراء المشهد بعد الثورة، من خلال شهادات المصريين عن الحدث الأكبر فى تاريخ مصر الحديثة، إنها خطوة للأمام، لا تتوقف أمام ما جرى، بقدر ما تحاول أن تقرأ المستقبل، وفى الاتجاه العكسى سار مجموعة من الباحثين الفرنسيين إلى الماضى القريب، لتكوين صورة عن المجتمع المصرى ما قبل الانفجار. سقوط الفرعون يعد روبير سوليه رئيس تحرير جريدة "لوموند ديبلوماتيك" أفضل من يكتب عن مصر خصوصا عن الثورة التى اندلعت فى يناير الماضى. فقد قضى شبابه فى القاهرة وكتب عنها معظم رواياته إضافة إلى إجادته اللغة العربية. وفى أحدث كتبه الصادر تحت عنوان "سقوط الفرعون... 18 يوما غيرت وجه مصر" يسرد سوليه أحداث الثورة بشكل أدبى اعتمادا على وجوده عشية الأحداث فى ميدان التحرير إضافة إلى ما تناقلته الصحف ووكالات الأنباء هنا وهناك. يشرح سوليه بالتفصيل ما حدث طوال 18 يوما ليأخذنا فى جولة من المشاعر والأحلام والقلق والألم الذى انتاب شعبا أراد أن يثور من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية "وليس من أجل الأصولية الدينية كما يتصور البعض". هكذا يؤكد الكاتب. وعندما عاد المؤلف إلى القاهرة فى مارس 2011 التقى أصدقاءه ومعارفه وعددا كبيرا من الثوار المصريين الذين أثروا مؤلفه بالمزيد من الانطباعات والتحليلات والرؤى العميقة لما يحمله المستقبل ليكتمل الكتاب ب 31 صورة حية من قلب ميدان التحرير. يركز سوليه على الثمانية عشر يوما التى استغرقتها الثورة...صحيح أن هذه الأيام لم تكن سوى البداية، لكنها أهم 18 يوما فى تاريخ مصر والعالم أيضا، لذلك يصف سوليه هذه الأيام بشكل مفصل. يصف الكتاب الثورة بأنها "انتفاضة شعبية لم تحدث فى تاريخ مصر من قبل" خصوصا أنها "أطاحت بالفرعون" –على حد وصف الكاتب- بشكل أذهل العالم كله حتى المؤلف نفسه ، حتى إنه يشير إلى أن ما حدث أذهل أيضا المخابرات الإسرائيلية والأمريكية وكل المحللين السياسيين! الغريب أن الجميع وفق أحداث الكتاب كان يعلن أن الربيع التونسى لابد وأن يكون له تأثير على كل الدول العربية، ومن ضمنها مصر ولكن لم يتوقع أحد على الإطلاق أن يكون التأثير بهذا الشكل المذهل وأن يخرج الشعب كله للإطاحة بالفرعون الذى جثم على أنفاسه طيلة 30 عاما. يورد الكتاب الحديث الذى دار بين المؤلف وبين الكاتب المصرى صنع الله إبراهيم - أحد مؤسسى حركة "كفاية" - الذى قال له: "ولا حتى فى الأحلام كان يمكننا توقع ذلك" يستعرض الكتاب أسباب قيام الثورة فيصف مصر بأنها "كانت واقعة بين تناقضات مختلفة خصوصا عندما انفتحت على العالم الخارجى من خلال التليفزيون والهواتف النقالة والإنترنت، وهذا الانفتاح لم يكن مسموحا به أيام عبد الناصر حيث كانت الرقابة على كل شىء بدءا من البريد وحتى الإذاعات الأجنبية". هذا الانفتاح على العالم جعل الجميع يتابعون الثورة على الهواء مباشرة عبر شاشات التليفزيون من كل مكان فى العالم.، لذلك كان حق الجميع الاندهاش لأن الشعب قرر النزول إلى الشارع ومواجهة آلة القمع البوليسية جسديا. إنه التعطش للحرية التى فاضت مع ارتفاع الأسعار والبطالة، ولا ينسى الكاتب أن يذكر أن مصور صورة غلاف كتابه هو الصحفى كريس هندروس الذى التقطها فى ميدان التحرير آخر شهر يناير قبل أن يلقى مصرعه فى مدينة مصراتة الليبية. مصر فى ميدان التحرير "تانجى سالاوون" و "كلود جيبال" صحفيان فرنسيان و زوجان يعيشان فى مصر منذ قرابة 14 عاما ويعملان مراسلين لكبريات الصحف الفرنسية مثل ليبراسيون ولوفيجارو..وقد أصدرا كتاب " مصر فى ميدان التحرير" ليصفا من خلاله ما حدث فى مصر يوم 25 يناير بأنه امتداد لرياح الياسمين التونسية التى جاءت إلى مصر لتحرر أكبر دولة عربية فى العالم "احتجزها حسنى مبارك لمدة ثلاثين عاما جاعلا إياها تسير على حافة النار وبالتالى كان لابد من الانفجار". ومن خلال المقابلات والشهادات يحكى الكتاب عن حياة المصريين وهمومهم وتطلعاتهم وآمالهم، ويصف ما حدث بأنه جاء بعد أن طفح الكيل، فقرر الشعب أن يفصح عما كان بداخله "فى بلد محموم يرزح أكثر من أربعين بالمائة من سكانه تحت خط الفقر ويعانى أكثر من ثلثى شبابه من البطالة". تحررت الكلمات، ولكن بقيت الهموم كما هى فنظام مبارك أفرغ الساحة السياسية ولم يعد هناك سوى الإسلاميين الذين عانوا طويلا الاضطهاد. هكذا يؤكد مؤلفا الكتاب. يرجع الكتاب قيام الثورة إلى الانهيار الاقتصادى الذى جرى فى مصر وتفاقم الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا فى الآونة الأخيرة والتى كانت تنتهى فى كل مرة بكارثة غرق المهاجرين، إضافة إلى الفساد الذى استشرى فى ربوع مصر وتزايد التوترات الطائفية و الإحساس بالذل والمهانة جراء اتفاقية السلام الموقعة مع إسرائيل على حد قول المؤلفين. يصف الكتاب سقوط مبارك بأنه أدهش الجميع بمن فيهم المصريون أنفسهم لأن "مصر بلد التناقضات" وأكبر دليل على وجهة النظر هذه أنه فى الوقت الذى كان الجميع يظن فيه أن المصريين لا يثورون ولا يتحركون أبدا لأنهم يقدسون الحكام انفجرت الثورة لتؤكد أن المصريين يثورون عندما يعانون القمع والفساد والبطش". ويشير الكتاب إلى أن الجميع تخيل فى بداية الثورة أنها مجرد غضبة شعبية متوقعة، لكن أحدا لم يتصور أن هناك إصرارا عنيدا على مواجهة نظام فاسد لم يفعل شيئا فى الفترة الأخيرة إلا أن يجعل الأثرياء أكثر ثراء والفقراء أكثر فقرا. يحاول الكتاب استقراء المشهد فى مصر بعد شهر من قيام الثورة عن طريق استعراض أوضاع القوى السياسية المختلفة: القوى الليبرالية والدينية، سواء كانت معتدلة أم متشددة، إضافة إلى استعراض سير وبرامج المرشحين المحتملين للرئاسة. جرد لمجتمع ما قبل الثورة تحت إشراف فانسون باتستى وفرانسوا إيرتون، قام مجموعة من الباحثين الفرنسيين، بالكتابة عن مصر ما قبل الثورة، حيث كانت البلاد تخضع لنظام مستبد بدد مقدراتها ثلاثة عقود وجاءت الثورة لتعد الشعب بعهد جديد. "ولأنه لا توجد حتى الآن أية دراسات تتناول التغيير الجذرى الذى شهده المجتمع المصرى على كل الأصعدة سواء كانت سياسية أم اجتماعية أم اقتصادية" كان هذا الكتاب كما تشير المقدمة. ولسد هذه الفجوة عكف أربعون باحثا من خيرة الباحثين فى الشأن المصرى لوضع هذه الدراسة التى تعتمد على تحليل كل مظاهر الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية لهذا البلد ورسم مسارات للانعكاس بشكل يسمح باستعراض الأحداث الأخيرة فى إطارها الحقيقى بعيدا عن الأحكام المسبقة والصور النمطية. يتناول الكتاب بشكل جوهرى المشكلات الديموجرافية والقضايا المتغيرة للبيئة فى المناطق الحضرية والريفية والبيئة، ويتوقف بشكل خاص أمام الوضع السياسى الذى استمر طيلة 30 عاما هى فترة حكم مبارك. كما يناقش القضايا الداخلية والخارجية مع إعطاء لمحة عامة عن سياسة عبد الناصر ومبارك فى هذا السياق. وكذلك الإصلاحات التى جرت فى ظل التحرر الاقتصادى أو ما يسمى بالليبرالية الجديدة التى أسهمت فى أشياء أخرى لا علاقة لها بما جاءت من أجله فقد وسعت الفجوة بين الأغنياء والفقراء بشكل أحدث قطيعة وعدم مساواة فى المجتمع. يحلل الكتاب أيضا مبادرات القطاعين العام والخاص والنقابات والجمعيات والمنظمات غير الحكومية كما يتعرض للمشكلات الصناعية والزراعية والمالية والتجارية والسياحية، فضلا عن التطورات التى شملت سوق العمل. يتناول الكتاب أيضا الحياة الاجتماعية اليومية مثل الصحة والتعليم والتوظيف وطرق الاستهلاك ووضع المرأة والشباب والقضاء. وأيضا مكانة الدين فى الحياة الاجتماعية ووضع المسلمين والأقباط والإعلام القديم والحديث وأخيرا الثقافة وتأثيرها على الحياة والخلافات الفكرية.