لا يزال النظام القطري – بعد مرور عامين على المقاطعة الخليجية العربية له –يتمسك بأساليب المكابرة والتسويف والمناورات القديمة والدوران فى حلقة مفرغة، ويصر على ضرب الإجماع العربي، عبر ممارسة أساليبه المرفوضة، والإصرار على مسببات الخلاف، رغم إدراك العالم أجمع لخطأ موقفه. وليس غريبا عليه هذا العناد الذى ظل يمارسه طيلة هذه الفترة، بالنظرإلى طبيعة ذلك النظام التى تقوم على مبدأ خالف تُعرف، وتقديمه المصالح الحزبية والأيديولوجية الضيقة على مصالح شعبه والأمتين العربية والإسلامية. ومع أن دول المقاطعة مدّت له أياديها مرات متعددة، وسعت كثيرا لإيجاد حلول لذلك الخلاف، وحاولت إعادة اللحمة الخليجية إلى ما كانت عليه، لكن نظام الدوحة الذى رهن قراره لغيره كان يزداد عنادا ومكابرة، كلما توالت تلك المساعى والمبادرات الخيِّرة. ويعلم القاصى والدانى أن أسباب الخلاف الرئيسية تعود إلى أن ذلك النظام ظل طيلة الفترة التى تلت تولى الشيخ حمد بن خليفة لمقاليد الحكم فى قطر عام 1995، يعمل على تأجيج الخلافات بين الدول العربية، وحاول جاهدا إضعاف الصف العربى وشقه عبر الطعن فى شرعية مجلس التعاون لدول الخليج وكذلك الجامعة العربية، بتسريب محاضر اجتماعاتهما ونقل ما يدور فيهما للنظام الإيراني. كما حاول افتعال العديد من المشكلات، وسعى إلى إشعال بؤر التوتر فى دول الجوار، لاسيما السعودية والبحرين، وقام بتغذية نعرات عنصرية ومذهبية بغيضة، إضافة إلى دعم الجماعات الإرهابية، وإقامة علاقات مع معظم التيارات التى تتبنى العنف، ليس فى العالم العربى وحده، بل فى جميع أنحاء العالم، ولا أدلّ على ذلك من صلاته القوية بحركة طالبان الأفغانية، صنيعة تنظيم القاعدة، وإيواء عناصرها وقادتها الذين كانوا محتجزين فى معتقل جوانتانامو، بل بلغ الأمر مرحلة افتتاح مكتب للحركة فى الدوحة، والسماح لها بممارسة عملها بكل حرية. ومع أن القضية الفلسطينية هى قضية المسلمين والعرب الأولى، وتؤكد جميع الدول على ضرورة توحيد الصف الفلسطيني، واتفاق كلمته، واجتماع عناصر قوته لينال الشعب العربى المسلم حقوقه التى يعترف بها العالم أجمع، فإن الدوحة كعادتها فى اتخاذ مواقف أحادية سعت إلى تعميق خلافات أبناء الوطن الواحد، وتفريق كلمتهم، عبر دعمها لحركة حماس، وتشجيعها على الانفراد بحكم قطاع غزة، وتحريضها على رفض جميع محاولات تحقيق الوحدة الوطنية، بل وزعمت الدوحة أن حماس هى الممثل الشرعى الوحيد للفلسطينيين فى خطوة نشاز خالفت بها جميع دول العالم التى تعترف بمنظمة التحرير وحركة فتح، وكأنها امتلكت الحق الذى تمنح به الشرعية من تشاء وتنزعه ممن ترفضه. وعند مجيء ما سمى ب الربيع العربي لم يجد قادة جماعة الإخوان المسلمين – لا سيما بعد طردهم من مصر – مكانا أنسب وأكثر ملاءمة من الدوحة التى احتضنت قادتها وأمدت عناصرها بالمال والسلاح، لتأجيج الأوضاع فى مصر، والقيام بعملياتها الإرهابية التى لا تزال تعانى منها شبه جزيرة سيناء حتى لحظة كتابة هذه السطور، وكان ثمن ذلك إزهاق العديد من الأرواح البريئة. وعلى صعيد الساحة الخليجية سعى النظام الذى يهوى التغريد خارج السرب إلى استغلال بعض الأقليات ودعاة الطائفية فى السعودية والبحرين للقيام بأعمال ضد أوطانهم وحكومات بلادهم، ويعلم الجميع أن القيادة السعودية غضَّت الطرف عن كثير من تلك التصرفات الطائشة، وتجاوزت عن العديد منها، أملا فى أن تدرك الجارة الصغيرة خطأها، وتعود إلى رشدها، وتحضر فى هذا الصدد مساعى الملك عبد الله بن عبد العزيز – رحمه الله – لإقناع الدوحة بتعديل سلوكها المريب، والعودة إلى جادة الطريق، وموافقة أمير قطر السابق حمد بن خليفة على توقيع إقرار بتصحيح سياسات بلاده، لكنه سرعان ما عاد إلى ذات الممارسات المرفوضة. كذلك عانت المنامة من محاولات الدوحة تصدير المشكلات إليها، ودعم الجماعات التى تتبنى العنف، والسعى إلى إحداث خلل فى بنيتها السكانية. أما الإمارات فقد تضررت كثيرا من سلوك نظام الحمدين ، عبر محاولات زرع وتكوين شبكات إخوانية تكون نواة للقيام بعمليات إرهابية، كما تعرضت لحرب تجارية غير شريفة. وبرغم ذلك كله فقد تحلت دول الخليج بسياسة النفس الطويل، ومارست فضيلة الصبر الجميل، وانتظرت أن تعود جارتها المزعجة إلى رشدها، لكن من اعتاد أن يكور مصدر إزعاج يصعب عليه الكف عن ذلك، وهنا كان لا بد من موقف موحَّد للتصدى لتلك الانتهاكات المتواصلة، فكان قرار قطع العلاقات الدبلوماسية معها، ووقف جميع أشكال التعاون التجارى والسياسي، وهو القرار الذى أوجع حكام الدوحة برغم محاولات الإنكار الواهنة والمكابرة ومغالطة الواقع. بعد أن وقف النظام وحيدا فى مواجهة الكل، يبدو أنه بصدد اتخاذ خطوة تقوده نحو الانتحار السياسي، عبر التقارب مع إيران، وتقوية علاقات البلدين، فى تحد لجميع دول المنطقة التى عانت كثيرا من نظام الملالى بعد تدخلاته السلبية فى اليمن وسوريا والعراق ولبنان، وهى الخطوة التى ستؤلب عليه الجميع، خصوصا بعد أن اتحدت جميع دول العالم ضد طهران، وباتت تقف وحيدة فى مواجهة أقسى العقوبات الاقتصادية. ومن الأخطاء الجسيمة لذلك النظام منع المعتمرين والحجاج من القطريين والمقيمين من الوصول إلى الأراضى المقدسة، وربط السماح لهم برفع المقاطعة وإعادة العلاقات مع الدول الأربع، وهو ما رفضته تلك الدول، نأيا بالشعائر الدينية عن المساومات السياسية. أما آخر ما تفتقت عنه ذهنية حكام الدوحة فهو سقطة التراجع عن مقررات القمتين الخليجية والعربية الأخيرتين فى مكةالمكرمة الشهر الجاري، رغم أن رئيس الوزراء القطرى كان حاضرا ووافق على مخرجاتهما ووقع عليهما. نعيد التذكير – فربما يسمع من فى أذنه صمم – بأن الطريق أمام حكام الدوحة ذو اتجاه واحد، ليس فيه منعطفات ولا مخارج، فعليهم إذا أرادوا العودة إلى سربهم العربى والخليجى الكف الفورى عن تلك المواقف المعادية، حتى يظلوا فاعلين داخل محيطهم وأمتهم، وبخلاف ذلك عليهم تحمّل الفاتورة الباهظة للمقاطعة.