فى عام 1957فكر صحفى هندى يملك مجلة “بليتز”، الهندية لم يكن يعرفه أحد، وقد لا يعلم عنه حتى الآن إلا قليلون، ومنهم المهتمون بالشئون السياسية والأوضاع العربية “كارانجيا رستم خورشيدجي”، وكما يعرفر.ك. كارانجيا، وذهب لمقابلة وزير الحرب الإسرائيلى “موشى ديان” ليجرى معه حوارا حول الأوضاع والمشاريع الصهيونية والأهداف الإستراتيجية لتلك المنطقة، وصاغ تلك المقابلة المهمة والكاشفة الخطيرة ليسجلها للتاريخ فى كتاب لعل وعسى قد يتنبه لها العرب، ويقرأون ويفهمون ما قيل، والأهم يدركونها، ولعل تعقيب “موشى ديان”، على كارانجيا، حينما كشف له مخططهم الاستعمارى بدقة، يوضح كثيراً كيف غامر وتحدث بمنتهى الشفافية عن تلك الخطة وقال “لا عليك العرب لا يقرأون وحتى إذا قرأوا لا يفهمون”. ولخطورة وضمير الكاتب وثق كل ما دار فى الحوار فى كتاب يحمل اسم “خنجر إسرائيل”، وتمت ترجمته للغة العربية، وتضمن الكتاب وثائق مهمة لم يتنبه لها العرب جيداً حتى وقعت نكسة 1967، ومما أثار دهشتى حينما أعدت القراءة، فأحياناً قد لا تنتبه جيداً لبعض التفاصيل من هول المعلومات التى تمر أمامنا، هو مقدمة موقعة من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إثر لقاء جمع كارانجيا به وتحدث فيها عن أسوأ مخاوفه، حينما قال إن إسرائيل لم تعد تتدلى كخنجر مسدد إلى رقابنا، بل إنها خنجر مرشوق فى صميم لحومنا فى سيناء وغزة والعقبة وغيرها، وأن لهم أهدافا استعمارية توسعية وصلت لحد استبدال أسماء الأماكن والجزر التى اغتصبوها لتتغير، وتثبيت هويتهم الخاصة عليها. ولن تقف أطماعهم إلا بضم المنطقة الواقعة ما بين النيل والفرات التى يطلقون عليها أماكنهم المقدسة، سيدمرون كل ما بطريقهم وسيستأصلون العمران وسيزيلون المزارع والمصانع، حتى الطرق، سيغتصبون مصر والأردنوسوريا، ويخرجون السكان العرب من ديارهم كاللاجئين مشردين فى كل بقاع الأرض!!! فرضوا علينا الحرب والعنف والإرهاب لابد من الاتحاد العربى والمواجهة. عندما أجرى كارانجيا هذا اللقاء مع الزعيم الوطنى جمال عبد الناصر لم يكن قد علم بخطة العدوان والغزو التى قررتها كل من إسرائيل وبريطانيا وأمريكا وفرنسا بالحرب تارة، والاحتيال تارة ليصلوا لمرادهم فى ضم المناطق العربية من السويس إلى نهر الليطانى إلى الخليج العربي. فى مشهد قد يتراءى للقارئ أنه خيالى أو فانتازيا مظلمة غير مألوفة أومقبولة لخيالات أى مؤلف! فى غرفة الاجتماعات لموشى ديان أفرد وثائقه السرية، والتى كانت باللغة العبرية أمام كارانجيا، التى أرفقها بالكتاب بعد ترجمتها للغة العربية معنونة بالخطة الإستراتيجية للجيش الإسرائيلى لعام 1956/1967”، وبدأ حواره مع الصحفى بقواعد أساسية وحالة لابد أن تشيعها إسرائيل فى المنطقة العربية، لتكون على الأرجح هى الحالة السياسية التى ستتيح لها شن حربها بنجاح، وأولى تلك الخطوات كان محققا فعلياً منذ زمن ومخططا له ومدروسا بل منفذ، وكانت رغبة الدول الغربية فى وجود إسرائيل لتكون حليفهم الدفاعى الإقليمى فى المنطقة، ولا نحتاج بعد إلى شرح أهمية تلك المنطقة كمصدر طاقة ومنجم رحب يعم بالخيرات!! والعنصر الآخر هو حالة الرفض والحيادية المتفق عليها مع الغرب إزاء التدخل إذا ما نشبت تلك الحرب فى الشرق الأوسط. وكل من ذلك العنصرين نحن نعلمهما تماما. ونصل لأهم العناصر، وهو تقوية الصراعات الداخلية ما بين الدول العربية بعضها ببعض وزرع الفتن والأحقاد والمؤامرات.. ليصلوا إلى تلاشى الثقة فيما بينهم، ومن هنا تضمن كبح جماح أى تعاطف يصل للاتحاد ما بين الهوية واللغة والدين. أولى خططهم الموثقة كانت مصر، وكما قال موشى ديان:«إن مصر هى أقوى خصومنا”، فإذا استطاعوا تعطيلها وهزيمتها ستنهار وتنصاع بقية الدول العربية، وكانت خططهم احتلال شبه جزيرة سيناء حتى قناة السويس، مما سيساعدهم على عزل الأسطول البحرى المصرى ويفتح بوابة البحر الأحمر، ثم الاستيلاء على تلال الخليل، مما سيصعب الأمر على الجيش المصرى والأردنى فى التصدى ويفتح لإسرائيل طريقها للنقب، لذا تجب إعاقة الجيش العراقى من الجو، وتكون أهدافهم هى الجسور من أنهار الأردن والليطانى والحصبانى وقناة السويس والسكك الحديدية ومستودعات الوقود. ومن خلال حصرهم، طبقاً لجداولهم، وجدوا أن التفوق العددى للعرب سيكون بنسبة ( 1-3). فتشكيل الحرس الوطنى فى الأردن 40 كتيبة وهى معضلة أمامهم لا يستهان بها. العرب متفوقون فى القوات المدرعة والمدفعية، لذا لابد من مواجهتهم فى الظلام وتطويقهم بشكل مفاجئ، العرب متفوقون عددياً وتقنياً فى الجو (2ونصف إلى 3 إلى 1) لكن يمكننا هزيمتهم بتفوقنا النوعى خلال شهور الحرب، ووحدوا أنفسهم أمام معضلة أخرى لا تقل عما سبق، فالجيوش العربية تدرب جنودها تدريبا كثيف قويا تحت أسوأ الظروف، أما الجيش الإسرائيلى فلا يملك مدرسة بهذه القوة. متوسط أعمار الجنود العرب صغيرة يملؤها عنفوان الشباب والحماسة الوطنية أما الجندى الإسرائيلى فمعظمهم متقدمون فى السن. لذا كان يجب عليهم الهروب من المواجهات مع الجيوش العربية حتى لا يقوضون معنويات جيوشهم وجعلوها هجومية فردية سيستخدمون فيها سلاح الجو الإسرائيلى على جبهتين: – القاعدة الجنوبية (مصر وشبه جزيرة سيناء والقسم الشرقى من خليج العقبة)، والقاعدة الشمالية (سورياوالأردن). وأولى قنابلهم ستقذف على المواصلات بين القاعدتين لتدميرهما وفصلهما كل عن الآخر وإضعافهما. وإلى أسرار قديمة، لكننا نعيش فصول قصتها المفزعة يوما بعد يوم. «قصة اللصوصية الدولية».