لاتزال وثائق حرب67 تكشف عن جوانب لم تكن محل تركيز كبير, عند رصدها الأسباب الحقيقية وراء سعي اسرائيل لإيجاد التوترات الكفيلة بإشعال الحرب, وهي أسباب تمثل أركان المشروع الصهيوني الذي يرمي إلي: الإستيلاء علي الأرض والتوسع فيها ونهب الموارد الاقتصادية في الأرض التي يتم احتلالها والاستيلاء علي مصادر المياه فيها. يقول ديفيد بول خبير الوثائق بجامعة هارفارد الأمريكية في دراسة بعنوان مشاكل المياه في النزاع العربي الإسرائيلي في يوم11 ديسمبر1955, هاجمت وحدة عسكرية اسرائيلية, بقيادة أرييل شارون, مواقع عسكرية سورية, وإحدي القري خارج المنطقة المنزوعة السلاح, قرب الشاطئ الشمالي الشرقي لبحيرة طبرية. وكان الهدف من الهجوم هو استفزاز مصر, بعمل يدفعها الي الرد علي إسرائيل, التزاما باتفاقية الدفاع المشترك مع سوريا. وبذلك تشعل حربا كانت إسرائيل تريدها مع مصر, لكن مصر لم تبتلع الطعم. وكان علي اسرائيل الانتظار لمدة سنة قبل حرب السويس في عام1956. والي جانب هدف استفزاز مصر, كانت لاسرائيل, سياسة طويلة الأجل تهدف الي السيطرة علي مياه بحيرة طبرية, وهو نفس السيناريو الذي حدث قبل حرب67, والذي بدأ بتحرش عسكري مع سوريا بدءا من أبريل1966 بسلسلة من أعمال العنف علي الحدود السورية. والتي تتابعث مع أحداث أخري مع مصر لتصل النهاية إلي اشتعال حرب67. وهذا السلوك الإسرائيلي كشفت عنه المفكرة الخاصة لموشي ديان والتي نشرت أجزاء منها بعد وفاته صحف إسرائيل.. وأوضح فيها ديان, أنهم كانوا يستفزون الجانب السوري بإطلاق رصاص عليه فيضطر للرد بطلقات المدفعية, وتسارع اسرائيل بهجوم أكبر كانت تريده, وذلك بعد ان تظهر للعالم بهذه الواقعة أننا نرد علي عدوان عربي. ودائما كانت أطماع اسرائيل في مصادر المياه العربية جزءا من دوافعها للحرب. ويقول المحلل العسكري الإسرائيلي زئيف تشيف, في دراسة بعنوان مصالح اسرائيل المائية في الارض المحتلة: إن تاريخ الحروب العربية الاسرائيلية, يكشف عن ان المياه كانت أحد دوافع اسرائيل الرئيسية من هذه الحروب. وفي السنوات الأخيرة, خاصة من بعد غزو اسرائيل للبنان عام1982, تردد في الدوائر الأكاديمية والصحفية الاسرائيلية تعبير نظرية الحاجة الاستراتيجية الملحة للمياه, والتي تتناول السعي وراء مصادر المياه, كحافز للأعمال العسكرية والحروب في لبنان عامي1979, و1982, وفي الجولان, والضفة الغربية عام1967. لقد قدر خبراء المياه الاسرائيليون في عام1979, ان مصادر المياه التي أتيحت لاسرئيل في نطاق حدود قيام الدولة عام1948, لم تعد تكفي وقدروا في أوائل الثمانينيات ان إسرائيل تحصل علي نصف إمداداتها من المياه من مصادر عربية خارج حدودها, تقع في الأراضي التي احتلت عام1967. وفي هذا الصدد اعلنت وزارة الزراعة الاسرائيلية ان التنازل عن السيطرة علي الضفة الغربية, سيكون له تأثير ضار وعاجل, علي امدادات اسرائيل من المياه. وهو أمر أكده زئيف تشيف في دراسته من المياه كانت دائما مصدر اهتمام مستمر في خطط العسكريين الاسرائيليين قبيل حرب67, ولذلك قامت اسرائيل بمجرد استيلائها علي الجولان, بالسيطرة علي منابع المياه التي تغذي نهر الأردن, وبعد ذلك سيطرة علي الجزء الأخير من مجري نهر الأردن بغزوها لبنان عام1982 واعتبرته جزءا من الحزام الأمني, وحيث تتدفق المياه من نهري الحصباني والوزان الي نهر الأردن. وتنكشف هذه الأطماع فيما جاء في مذكرات موشي شاريت رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق, والتي نشرت في الخمسينيات, وقال فيها: ان موشي ديان وضع خطة للسيطرة علي نهر الليطاني, تتم بدخول لبنان, واحتلال جزء من أراضيه جنوب نهر الليطاني وضمها لاسرائيل. وكان شارون وهو وزير للدفاع عام1985, قد دعا لتوسيع منطقة الحزام الأمني جنوب لبنان, لضم المنطقة التي يقع فيها النهر الفرعي شمال الليطاني. وتواصل الوثائق كشف بقية أبعاد الصورة, من ذلك شهادة البروفيسور الأمريكي توماس نافا, أمام مجلس النواب عام1990, وقال فيها; ان اسرائيل تنفذ عملية واسعة النطاق لنقل المياه بالناقلات من الليطاني إلي اسرائيل. وأنها قامت بغزو جنوب لبنان, والهجوم علي الجولان عام1967, بحجة أسباب استراتيجية, لكن أسبابها الحقيقية كانت السيطرة علي مصادر المياه في هذه المناطق. إن أوراق حرب67 التي راحت تتكشف في السنوات الأخيرة, في كل من إسرائيل والولايات المتحدة, قد أظهرت ان خطط حرب67, قد أعدت من قبل وقوعها بسنوات, وبالتحديد من عام1957, وان أهدافها كانت متنوعة منها ما يخص مصر, وأطماع في سيناء, وفي الجولان, والضفة الغربية, والقدس الشرقية, وكلها أهداف توسعية استعمارية, تتم وفق مخططات المشروع الصهيوني, وضمنها هدف جوهري طويل المدي لدي اسرائيل, وهو الاستيلاء علي مصادر المياه العربية, وكان ذلك ضمن مجموعة أسباب متعددة لإشعالهم الحرب.