إن العرب لا يقرأون, وإذا قرأوا لا يدركون, وإذا أدركوا لا يتذكرون.. وإذا تذكروا لا يعتبرون كان هذا هو رد وزير الحرب الاسرائيلي موشي ديان علي محاوره الكاتب الهندي ر. ك كارانجيا مؤلف كتاب خنجر اسرائيل في لقاء أجراه معه عام1957 سأله فيه عن وثيقة سرية أعدتها هيئة الأركان العامة الإسرائيلية جاء فيها: أنه يجب العمل علي ترسيخ الكيان الاسرائيلي في المنطقة من خلال العمل علي بث الفرقة و العصبية الدينية, ومن ثم يتسني لاسرائيل السيطرة علي كل ما تحتاجه من أراضي و موارد وثروات المنطقة بأكملها لتحقيق حلم الدولة الكبري. ووفقا لما جاء في الوثيقة, فإنه من أجل تنفيذ هذه الخطة يجب العمل علي عدة محاور أقل ما توصف به هو أنها اجرامية. وتجدر الاشارة إلي أن من أهم و أوائل محاور هذه الخطة كان تقسيم العراق, بوصفه حجر الزواية الذي إن ضمنت قوي التخريب العالمية تقسيمه و دماره لأصبح نموذجا تطمئن لأن تسير باقي دول المنطقة علي حذوه. وعملا بنصيحة ديان, تحاول السطور التالية تفسير شيء من الألغاز اليومية التي نراها علي الأراضي العراقية كخيوط عنكبوت متشابكة في ضوء وصية الوثيقة التي مر عليها اليوم ما يقرب من60 عاما. وما شددت عليه الوثيقة الاسرائيلية آنذاك هو ضرورة تقسيم العراق إلي ثلاث دويلات سنية وشيعية وكردية. وبالفعل كان ذلك هو المخطط الاستعماري الذي اتبعته انجلترا إبان احتلالها للعراق في عام1971 إلا أن العراقيين أدركوا الأمر مبكرا فقاموا بثورة العشرين(1920) ضد الاحتلال الانجليزي متأثرين في ذلك بثورة1919 في مصر وما تلاه من موجة احتجاجات عربية ضد الاحتلال الأجنبي في سوريا واليمن. فنظم العراقيون عصيانا مدنيا ودخلوا في اشتباكات مسلحة ضد القوات الأجنبية في بلادهم. وبنهاية الاحتلال البريطاني للدول العربية وانتهاء الحرب العالمية الثانية أصيب المخطط الصهيوني العالمي لتقسيم المنطقة بالجمود لحين اعادة ترتيب توازنات القوي في المنطقة و تعديل المخطط بما يتوافق مع الملابسات الجديدة. وتوالت السنون و أصبحت الولاياتالأمريكيةالمتحدة هي القوة العظمي في العالم, و أعلنت عن حربها ضد الارهاب بعد حادث تفجير برج التجارة العالمي في الحادي عشر من سبتمر و تطورت الأحداث إلي أن قرر الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش توجيه ما أطلق عليه آنذاك ضربة عسكرية استباقية ضد العراق الذي يأوي النظام الحاكم فيه أسلحة دمار شامل. وبالفعل شهد العالم مأساة تدمير دولة عربية تاريخية عريقية وبعثرة جيشها الذي كان يحتل مركزا مرموقا بين أقوي عشرة جيوش علي مستوي العالم. وعلي مدي السنوات العشر الماضية التي حكم فيها الأمريكيون العراق ظل التكريس لمفهوم الدولة الطائفية يعمل علي قدم و ساق, بل كان يتخذ هذه المرة شكل الطائفية المسلحة. و كانت النتيجة أن انهار شكل الدولة بالكامل و لم يعد يتبق منها سوي هياكل متصارعة علي حكم اللا دولة. إلا أن الأخطر من هذا كله أن العراق أصبحت اليوم هي الساحة الخلفية لصراعات دول الجوار, وباتت هي المستودع الذي يغذي الصراع في سوريا و يأوي جماعات مسلحة من كل الطوائف و الأشكال والألوان. فتجد مليشيات للقاعدة وأخري عراقية سنية وأخري سورية شيعية وأخري كردية وأخري مجاهدين أجانب من كل جنسيات العالم جاءوا إلي تلك الأرض التي لا صاحب لها لينتشروا منها إلي دول الجوار لتحقيق أهدافهم التي تستتر في غالبها بغطاء الدين. وبذلك أصبحت العراق بؤرة إفساد ونشر للطائفية في المنطقة تسعي الولاياتالمتحدة إلي أن تسير بسوريا علي نهجها. ووفقا للمخطط الاسرائيلي,لا يتبق من الدول المراد تدميرها سوي مصر و لبنان والسعودية. و قد أكدت العديد من التسريبات أن المراد في مصر هو تقسيمها إلي دولتين واحدة اسلامية وأخري قبطية. لكن العائق الوحيد الذي يقف في وجه المخطط الاستعماري الجديد هو قوة وصلابة الجيش المصري الذي أثبت في أحداث الثلاثين من يونيو أنه قادر علي توحيد الصف في بلاده والتصدي لأي أطماع قد تجر البلاد و المنطقة بأكملها إلي هوة سحيقة. بالنهاية, قد لا يعدو الحديث عن مخطط صهيوني عالمي لدي كثيرين مجرد تخاريف وليدة لنظرية المؤامرة التي تسيطر علي عقول أبناء العرب الذين لا يملكون دليلا علي شيء مما يحيط بهم من أحداث. لكن المنطق يقول إن اللجوء للحيطة والحذر والعمل علي توحيد الصفوف و نبذ العناصر العميلة التي تعمل ليل نهار علي خدمة المصالح الغربية هو فرض علي كل ذي عقل وليس مجرد إجراء احترازي عادي. ومثلما كانت بداية المخطط الاجرامي المزعوم من العراق يجب التصدي له من النقطة التي بدأ فيها لتجفيف منابع الارهاب بها التي باتت ألسنة لهبها تطال دول الجوار.. قبل أن تصل إلي داخل كل بيت عربي.