قاربت على الانتهاء المهلة الدستورية، المحددة لإيداع ملفات الترشح للانتخابات الرئاسية الجزائرية المقررة من قبل عبدالقادر بن صالح فى ال 25 من مايو الجاري. وإذا كانت الأزمة بين الأطراف الجزائرية حول موعد إجراء تلك الانتخابات، بل على الجهات التى تشرف على تنظيمها، لم تشهد انفراجة، برغم أن المدة المتبقية من موعد فتح صناديق الاقتراع لم تزد على 40 يوما، هذا بالإضافة إلى أن الأسماء التى تقدمت بطلبات للترشح لم تقنع الشارع المشتعل، بل قد لا تحقق النصاب القانونى من التوقيعات البالغة 60 ألف استمارة - فأى المسارات تشهدها الجزائر قبل 4 يوليو المقبل، وهو موعد خروج الرئيس المؤقت بن صالح من المشهد، وتكليف رئيس جديد؟ وماذا تريد أحزاب المعارضة من الشارع ومن المؤسسات الدستورية التى تدير البلاد فى تلك الفترة العصيبة من عمر الجزائر، وهل تقدم تنازلات أم أنها تظل تتحرك خلف قوى الحراك، وتدعم مطالبها التى ارتفعت إلى تأجيل الانتخابات، والمطالبة بفتح حوار مع المؤسسة العسكرية ورفض الحوار مع المؤسسات المدنية الدستورية التى شكلها تفعيل المادة 102 من دستور البلاد؟ واقع متأزم يبدو أن الوضع السياسى الجزائرى يتجه نحو طريق مسدود، تفاصيله وأدوات تحريكه، بالإضافة إلى مواقف الفاعلين فيه قد تجعله يعود إلى المنطقة صفر - أى الفترة التى تلت رحيل الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة عن الحكم، وقبل تفعيل المادة 102 من الدستور. وبرغم تمسك الفريق أحمد قايد صالح، نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطنى الشعبي، بإجراء الانتخابات الرئاسية فى موعدها، فإن هناك عراقيل قد تبدو غير محسوبة، وتؤثر على ما يصر عليه رئيس الأركان، فقد قال صالح خلال زيارته إلى الناحية العسكرية الرابعة بورقله فى 20 مايو الجارى إن “تمسكه بإجراء الانتخابات فى موعدها يضع حدًا لمن يحاول إطالة أمد الأزمة، وأضاف أن الخطوة الأساسية تتمثل فى ضرورة الإسراع فى تشكيل وتنصيب الهيئة المستقلة لتنظيم والإشراف على الانتخابات”. وتتمثل أهم المعوقات التى قد تربك مسار الجزائر حتى 4 يوليو المقبل، فى احتمال عدم ترشح شخصية مستقلة أو حزبية ترضى قوى الحراك، أو تستطيع تحقيق النصاب القانون للترشح، حيث أعلنت وزارة الداخلية الجزائرية فى 19 مايو الجارى عن تسلمها 74 طلباً لراغبين فى الترشح، بالإضافة إلى ثلاثة أحزاب سياسية غير مؤثرة فى الشارع الجزائري، هى التحالف الوطنى، وجبهة المستقبل، والجبهة الجزائرية للتنمية والحرية والعدالة. بالتالى عدم إعلان شخصيات قوية ومعروفة باستثناء اللواء المتقاعد على غديرى، قد يقف حائط صد أمام استكمال عملية الانتخابات الرئاسية، إن لم تتغير خريطة وأسماء المترشحين، خصوصا أنه من الصعب على هؤلاء جمع العدد القانونى من التوقيعات 60 ألف استمارة موقعة. ولم تقتصر المعوقات على الشق اللوجستى والقانونى المرتبط بالعملية الانتخابية، إنما امتدت إلى توقف آلية الحوار بين أطراف العملية السياسية المقبلة، المؤسسات الرسمية والقوى الحزبية وغير الحزبية المؤثرة فى مسار الحراك فى الشارع، حيث رفضت تلك القوى دعوة الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح للحوار مرتين، للتوافق حول الشروط الكفيلة بضمان نزاهة العملية الانتخابية، وطالبت أغلبها بفترة انتقالية قصيرة تقودها شخصيات توافقية. أحزاب متقاربة يبدو أن أحزاب المعارضة المدنية منها والإسلامية، بدأت تتقارب فى موقفها من الانتخابات الرئاسية، وتأخذ مسارا معلنا فى تفاصيله، وتتمثل لافتته العريضة فى “لا لإجراء الانتخابات الرئاسية لعدم توافر الظروف المناسبة”. وإن كانت الأحزاب المدنية المعارضة (حزب العمال والجبهة الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية) تأخذ موقفا أكثر صلابة من الأحزاب الإسلامية، إلا أن حزب العدالة والتنمية الإسلامى بقيادة الشيخ عبد الله جاب الله، فهو يرفض الحوار مع مؤسسة الرئاسة، ويرفض المسار الذى تمكنه المادة 102 من الدستور، باعتبارها تحافظ على المؤسسات البوتفليقية القائمة، وتعطى صلاحية تنظيم الانتخابات لرجال النظام السابق. لكن برغم رفض جاب الله وحزبه الحوار مع عبد القادر بن صالح، وعقد الانتخابات فى موعدها، فإنه يدعو إلى الحوار مع المؤسسة العسكرية من أجل أن تساعد الشعب على تحقيق مطالبه، وليس منحالمؤسسة العسكرية السلطة على حد تعبيره، فقد قال جاب الله فى حوار صحفى نشره موقع TSA) الجزائري، إننا “ندعو للحوار مع المؤسسة العسكرية وليس منح المؤسسة العسكرية السلطة”. كذلك يأتى موقف حزب حركة مجتمع السلم الإسلامى، متقاربا فى المعلن برغماحتمال جاهزيتها بمرشح فى كل المسارت المتوقعة، فقد حذر عبد الرزاق مقري، رئيس الحزب من تنظيم الانتخابات الرئاسية فى الموعد الذى حددته إجراءات المادة 102 من الدستور، فقد قال إن “الذين سيفرضون هذا التاريخ (4 يوليو) للانتخابات الرئاسية، هم يغامرون بالجزائر وسيجرونها إلى وضع خطير جدا”. كان من بين المواقف الرافضة لإجراء الانتخابات فى موعدها، ما تبناه حزب التجمع من الثقافة والديمقراطية، الذى اتهم قيادة هيئة أركان الجيش بالتطبيع ضدر إرداة الشعب المطالبة بالتغيير، وقال الحزب فى بيان صادر بتاريح 18 مايو 2019، إنه “ رافض لإجراء الانتخابات فى 4 يوليو من منطلق أنها تؤكد إستراتيجية متكاملة الأطراف لاسترجاع زمام الحكم من قبل جزء من النظام عبر أجندة خفية”. وقد يبدو الارتباط واضحا فى مواقف أحزاب اليسار الجزائرية من الانتخابات الرائاسية، فقد أعلن حزب جبهة القوى الاشتراكية، فى 18 مايو الجارى مقاطعته للانتخابات الرئاسية، كما دعا الحزب فى بيانه الصادر فى ذات التاريخ “الجزائريات والجزائريين إلى مواصلة حشدهم السلمي، حتى يحققوا مطالبهم بالكامل،وحذر مريدى السلطة من أى قمع يهدف إلى تحويل هذه الثورة الشعبية عن أهدافها”. سيناريو محتمل عدم توافق الأطراف الرئيسية فى الشارع على مخرج واضح للأزمة مع المؤسسات الرسمية، وعدم ترشح رموز تستطيع إقناع الرأى العام، ومقاطعة أحزاب المعارضة للانتخابات، مع قرب إغلاق باب الترشح من قبل المجلس الدستورى الأعلى فى الجزائر، قد يؤدى ذلك إلى احتمال كبير لتأجيل الانتخابات. فإذا أغلق باب الترشح وتمسك الجيش بتطبيق المادة 102، بالإضافة إلى عدم ترشح رمز يستطيع أن يحدث تحول فى المشهد ومتفق عليه من كل الأطراف، فإن الوضع سيؤدى إلى احتمال عدم إجراء الانتخابات فى 4 يوليو، خصوصا أن الشخصيات المرشحة الحزبية والمستقلة قد تفشل فى تنفيذ متطلبات قانون الانتخابات الرئاسية، حيث يشترط على المرشح أن يقدم قائمة تتضمن 600 توقيع على الأقل، لأعضاء منتخبين فى المجالس البلدية أو الولائية أو البرلمانية، وموزعة على 25 ولاية، أو قائمة تتضمن 60 ألف توقيع من الهيئة الناخبة الجزائرية من 25 ولاية على الأقل، ولا يقل الحد الأدنى من التوقيعات المطلوبة من كل ولاية عن 1500 توقيع. من السابق يبدو أن عدم إعلان شخصية سياسية ذات ثقل عن ترشحها حتى تاريخه، بالإضافة إلى صعوبة جمع التوقيعات على المرشحين المتقدمين، وعدم تقدم أى مرشح بالتوقيعات التى حددها القانون، يدعم احتمال التأجيل، الذى يتطلب إعلانه وفقا لخبراء جزائريين فتوى دستورية من المجلس الدستورى الأعلى، خصوصا أن دستور 2016 الجزائرى لم يتطرق من قريب أو بعيد لحدوث مثل هذا السيناريو. فى النهاية يمكن القول إن مبادرة الثلاثى طالب الإبراهيمى وعلى يحيى عبد النور ورشيد بن يلس، التى تطالب بحوار مفتوح مع الجيش، تظل محل دراسة طول الوقت حتى تاريخ الرابع من يوليو. فإذا حدث السيناريو السابق، وأصبح احتمال التأجيل للانتخابات الرئاسية مؤكداً،لم يبق إلا عقد جلسة حوار شاملة يديرها الجيش وتحضرها كل القوى السياسية والشعبية، خصوصا أنه لا يمكن تمديد فترة بقاء عبد القادر بن صالح فى السلطة أكثر من ال 90 يوما التى حددها الدستور، التى تنتهى فى ال 9 من يوليو المقبل.