التيار الصوفى طالب بتغليب مصلحة الوطن مع ضرورة الحفاظ على كرامة الرئيس القوى المدنية لا تثق فى تحركات الإسلاميين وتصفها بالانتهازية
اختلفت الأحزاب الإسلامية الجزائرية سواء المرخص منها أم المحظور، بالإضافة إلى التيارات الدينية غير الرسمية فى موقفها من مطالب الحراك الشعبى المستمر منذ 22 فبراير الماضي، فمنهم من دعمه، ومنهم من أخذ موقفا مناهضا للمظاهرت من منطلق ديني.
إذا كانت الأحزاب المنشقة عن حركتى مجتمع السلم (حمس) والنهضة الإسلاميتين ترفع نفس مطالب الشارع، وأهمها خروج رموز نظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من المشهد السياسي، إلا أن القوى الرئيسية التى تدعم الحراك (حركة مواطنة، الحركة الأمازيغية، أحزاب اليسار، وبعض النقابات المهنية والمستقلة، بالإضافة إلى طلبة الجزائر ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي) تحاول إبعادها عن المشهد، خوفاً من تصدير طابع أيديولوجى عن المظاهرات، ومحاولات استغلال التنازلات التى تحققت بالضغط الشعبى على نظام بوتفليقة، والمؤسسات الصلبة فى الدولة، التى بدأت من إلغاء العهدة الخامسة إلى إعلان رئيس أركان الجيش الجزائرى أحمد قايد صالح عن تطبيق المادة 102 من الدستور، التى تقر بعزل الرئيس بسبب مرضه.
تطرح المواقف المتباينة التى ظهرت على قوى الإسلام السياسى الجزائرية قبل اندلاع التظاهرات فى 22 فبراير الماضي، وأهمها التوافق مع قوى المعارضة حول مرشح رئاسى واحد ثم التراجع، وإعلانها عن مرشحها الخاص عبدالرزاق مقرى رئيس حركة مجتمع السلم، بالإضافة إلى استدعائها للجيش لهندسة العملية السياسية ثم رفض تدخله تطرح عدة تساؤلات، أهمها: أين يقف الإسلاميون بين قوى الحراك الرئيسية، وفيم يفكر هؤلاء، وهل يمكن أن تكون الأحزاب الإسلامية فاعلا رئيسيا فى ترتيبات ما بعد انتهاء التظاهرات أم أنها تظل فى نفس المربع الذى كانت عليه منذ ثورات 2011 حتى قبيل إعلان ترشح بوتفليقة للعدة الخامسة؟
مواقف متباينة يتطلب توضيح مواقف التيارات الإسلامية الجزائرية من مطالب الحراك الشعبى ونظام بوتفليقة، التطرق إلى خريطتها الأخيرة التى تتنوع بين أحزاب الإسلام السياسي، المتمثلة فى ثمانية أحزاب سمح لها قانونا بممارسة العمل السياسي، تأسست ثلاثة منها قبل إصلاحات بوتفليقة فى 2011، وهى: حزب مجتمع السلم (حمس) والنهضة، والإصلاح الوطني، والباقى كان نتيجة انشقاقات تعرضت لها تلك الأحزاب منذ 2012، وهى، أحزاب جبهة التغيير الوطنى، والعدالة والتنمية، والحرية والعدالة، وتجمع أمل الجزائر، والبناء الوطنى. وإلى جانب قوى الإسلام السياسى التى حسبت نفسها على المعارضة بعد أن كانت جزءا من السلطة، وفاعلا رئيسيا فى حكوماتها، ظهرت مؤخرا على الساحة بعض قيادات جبهة الإنقاذ، المحظورة والمحرومة من ممارسة العمل السياسي، والدعوة السلفية التى تبنت موقفا مضادا لقوى الشارع، فضلا عن التيار الصوفي، الذى يمثل العدد الأكبر من قوى التيار الديني، بواقع 160 زاوية صوفية. تفاصيل الخريطة الإسلامية الجزائرية، التى تم ذكر بعض ملامحها، تعكس مواقف متباينة بين أطرافها حول الحراك الشعبى والموقف من السلطة، وإن كانت المواقف متعددة حتى داخل التيار الواحد، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي: أحزاب الإسلام السياسي: شهدت منذ دعوة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للناخبين فى 18 يناير الماضى، تحولات فى موقفها من الحراك الشعبي، ومن الترشح فى الانتخابات الرئاسية، باستثناء حزبى الإصلاح الوطنى الذى دعم ترشح بوتفليقة لعهدة خامسة، وتجمع أمل الجزائر المنشق عن حركة مجتمع السلم فى 2013، الذى رفض المظاهرات، واصفاً إياها بالمغامرة والانزلاق فى المجهول. وقد تبلورت مواقف باقى الأحزاب السياسية الإسلامية، فيما أعلنته حركتا مجتمع السلم والعدالة والتنمية، ومطالبتهما بتعطيل الدستور، وتشكيل حكومة وطنية بعيدة عن رموز نظام بوتفليقة، وإبعاد الجيش عن السياسة، تماشياً مع طموحها الجامح، ورغبتهما فى لعب دور فى المشهد الجزائرى المقبل، فمنذ اندلاع الحراك حرص عبدالرزاق مقرى رئيس حزب مجتمع السلم وعبد الله جاب الله رئيس حزب العدالة والتنمية على قيادة أحزاب المعارضة، وقد تمثلت أهم مطالبهما التى اتفقا عليها مع بعض رموز قوى المعارضة المدنية والإسلامية، مثل "على بن فليس رئيس حزب طلائع الحريات، وعبد المجيد مناصرة رئيس حزب جبهة التغيير الإسلامى، وحركة البناء الوطنى الإسلامية"- فى ضرورة استجابة السلطة لمطالب الشعب، ورفض تطبيق المادة 102 من الدستور، وهو ما أكده رئيس حركة مجتمع السلم فى رده على تصريح رئيس الأركان قايد صالح، بخصوص اقتراح تطبيق نص المادة 102، قائلا إن" الاكتفاء بالمادة 102 لا يتيح تحقيق الإصلاحات، ولا يسمح بالانتقال الديمقراطى والانتخابات الحرة والنزيهة". بقايا جبهة الإنقاذ المحظورة: يحاول قيادات الجبهة الإسلامية للإنقاذ اغتنام الفرصة للعودة إلى المشهد السياسى مرة ثانية، وقد أعلنوا عن دعمهم الكامل للحراك الشعبي، وطالبوا بالخروج الكامل لنظام بوتفليقة من الترتيبات السياسية الجديدة. ولم يكتف قيادات جبهة الإنقاذ بالنزول إلى الشارع، بل حضر بعضهم (كمال قمازى، وعلى جدى) اجتماعات قادة أحزاب المعارضة بمقر حزب جاب الله الإسلامي، كما طالب أنور هدام الرئيس الأسبق للكتلة البرلمانية للجبهة الإسلامية للإنقاذ، من منفاه بواشنطن بحق قادة جبهة الإنقاذ فى المشاركة باجتماعات أحزاب المعارضة، فقد قال "هدام" فى حديثه ل "إندبندنت عربية" نشرته بعض وسائل الإعلام، إنه "من حق قادة الحزب المشاركة فى اجتماعات المعارضة التى تسعى لمرافقة الحراك الشعبى للبحث عن حل سلس لإشكالية غياب شرعية الحكم فى الجزائر، وأضاف أننا نرفض جملة وتفصيلاً مبادرة المجموعة التى تستولى على رئاسة الجمهورية، وأن الدعوة للمشاركة فى اجتماعات المعارضة موجهة إلى جميع الأحزاب والشخصيات السياسية الداعمة للحراك الشعبى والراغبة فى المساهمة بالبحث عن الحل السلس لاستعادة السيادة للشعب". التيار السلفي: أخذ التيار السلفى الجزائري، موقفين متعارضين تماما من الحراك الشعبى ضد بوتفليقة، الأول، تمثل فى دعم المظاهرات، ورفض العهدة الخامسة، وهذا الموقف تبنته جبهة الصحوة السلفية بقيادة عبدالفتاح حمدواش، الذى رفضت الحكومة الجزائرية السماح لحزبه (جبهة الصحوة) بممارسة العمل السياسى فى 2013، وتدعو تلك الجبهة إلى إقامة دولة إسلامية، وتسعى إلى تحقيق حلم رئيس إسلامى للجزائر. أما الموقف السلفى الآخر، فقد تبنته السلفية المدخلية برئاسة محمد على فركوس، وكان هذا الموقف على النقيض تماماً من مواقف كافة القوى المدنية والإسلامية، حيث طالبت "فركوس" فى 21 مارس الماضي، بتوقف المظاهرات من منطلق ديني، باعتبار أن التظاهر ولو بطريقة سلمية يمثل خروجا على الحاكم المسلم. كما قامت تلك الجبهة فى 18 فبراير الماضي، أى قبل اندلاع الحراك، بحملة على صفحات التواصل الاجتماعي، حذرت وحرمت دعوات التظاهر ضد العهدة الخامسة لبوتفليقة، وصدرت للشارع خطاباً يتضمن تحريم التغيير السياسى بالمظاهرات والاحتجاجات، أو الخروج على الحاكم بالوسائل العنيفة، مستندين فى ذلك إلى ما يرونه أحكاما شرعية أقرها فقهاء وقادة كبار، على رأسهم محمد على فركوس. التيار الصوفي: اتخذ التيار الصوفى موقفا محسوبا، لكنه يمثل خروجا مبكراً من سفينة النظام الذى ظل يدعم الصوفية طوال الوقت ضد قوى التيار السلفي، وغيره من تيارات الإسلام السياسى المعادية، فقد طالب الصوفية بدعم الحراك الشعبي، وتغليب مصلحة الوطن مع ضرورة الحفاظ على كرامة الرئيس بوتفليقة. وقد طالب بيان تداولته صفحات صوفية جزائرية عن شيوخ الزوايا الصوفية، نشره وزير الشئون الدينية الأسبق الشيخ محمد عيسى، ب" تغليب مصلحة الوطن والدخول فى أقرب الآجال فى حوار بناء" ودعا البيان السلطات والشعب إلى الحرص على أن "يكون الانتقال إلى النظام السياسى الذى يرتضيه الجزائريون انتقالا مؤسساتيا وليس فوضويا، حتى تتجنب مخاطر الفوضى".
براجماتية مضطربة حاول إخوان الجزائر، وعلى رأسهم حركة مجتمع السلم، الاستفادة من حالة مرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة منذ بداية عهدته الرابعة، وظلوا فى حالة اضطراب دائم كانت أهم ملامحه، الرغبة فى العودة للتحالف مع السلطة، والتى أدت إلى صراع دائم بين عبد الرزاق مقرى رئيس الحركة الحالى وسابقه أبوجرة سلطاني، والسعى إلى قيادة أحزاب المعارضة. كما أنهم طالبوا قبل بدء الحراك بتدخل الجيش فى السياسة لإنقاذ الجزائر، وذلك وفقا لما تضمنه بيان حركة مجتمع السلم الصادر فى سبتمبر 2017، لكن بعد تفوق الإرادة الشعبية وتجاوزها لقوى المعارضة، تراجعت قوى الإسلام السياسى عن دعوة الجيش لإنقاذ الموقف، وطالبوه بالابتعاد عن تدوير المشهد خوفاً من تحكم المؤسسة العسكرية فى العملية السياسية، وعودة الدولة العميقة، حيث قال عبدالرزاق مقرى فى 31 مارس الماضي، عبر صفحته الرسمية على الفيس بوك "نحن مع مرافقة المؤسسة العسكرية للوصول إلى الحل وتحقيق التوافق الوطنى والانتقال الديمقراطى السلس، واستكمل: «نرفض تحكم المؤسسة العسكرية فى الشأن السياسى والمعادلات الانتخابية». مضيفا:"نحن مع الانتقال الديمقراطى السلس المتفاوض عليه والهادئ والعادل، لصالح الجميع والبعيد عن الظلم والانتقام وتصفية الحسابات". التدرج فى موقف السلطة من الحراك فى الشارع، والتنازلات السريعة التى يقدمها النظام منذ إعلان حزب جبهة التحرير الوطنى عن ترشح بوتفليقة لعهدة خامسة، حتى تشكيل الحكومة الائتلافية بقيادة نور الدين بدوى فى 31 من مارس الماضي، أصابت حركة مجتمع السلم الحزب الإسلامى الأقوى فى الجزائر بارتباك واضح، وهذا جعلها تأخذ مواقف متغيرة بين الحين والآخر فى سبيل الاستفادة من سرعة تغيير شكل المشهد، ففى بداية يناير تنضم الحركة إلى مبادرة التوافق على مرشح رئاسى واحد لأحزاب المعارضة، وقبل نهاية الشهر تنسحب الحركة من التوافق، وتعلن عن ترشح زعيمها عبد الرزاق مقرى للانتخابات الرئاسية بموافقة أغلبية أعضاء مجلس الشورى الخاص بها. وإذا كانت حركة مجتمع السلم من أول القوى التى أعلنت عن مرشح رئاسى رسمى لها فى 20 فبراير الماضي، وطرحت برنامجها الانتخابي، بشعار "حلم الجزائر" فإنها من أول القوى التى خرجت ببيان بعد اندلاع المظاهرات بتسعة أيام تعلن فيه عن عدم المشاركة فى الانتخابات الرئاسية فى حالة ثبوت ترشح بوتفليقة. لقد ظلت قوى الإسلام السياسي، وعلى رأسها مجتمع السلم، والعدالة والتنمية، والبناء الوطنى براجماتية طول الوقت، وتعيد حساباتها بصفة مستمرة، فبعد نجاح الجمعة الثانية للحراك يحاول عبد الله جاب الله توحيد أحزاب المعارضة، بمقر حركته للتشاور حول تطورات المشهد، والدعوة لضرورة تحقيق مطالب الشباب، وفى ذات الأسبوع تصدر حركة مجتمع السلم بيانا لها، محاولة فيه الدخول على الإرداة الشعبية، ومهاجمة أحزاب المعارضة باعتبارها لم تتخذ موقفا واحدا، وتطالب السلطة بتعطيل الدستور وتشكيل حكومة ائتلافية لا تشمل رموز نظام بوتفليقة.
طموح مؤجل البيان الذى أصدرته حركة مجتمع السلم بعد اجتماع مكتبها التنفيذى فى 25 من مارس المنتهي، والذى حمل عنوان ورقة طريق الخروج من الأزمة الحالية التى تعيشها الجزائر، يشير إلى إصرار الحركة على أن تكون لاعبا رئيسيا فى ترتيبات المشهد المقبل، وينم ذلك أيضاً عن طموحات مؤجلة تسعى القوى الإسلامية إلى تحقيقها، حيث طالب البيان "باختيار رئيس حكومة توافقى بالتشاور مع الطبقة السياسية، وقيام نشطاء الحراك بتسيير الأعمال، وتنفيذ مراسيم الإصلاحات السياسية وتعيين شخصية توافقية لرئاسة الهيئة الوطنية المستقلة لتنظيم الانتخابات قبل العودة إلى المسار الانتخابي".