تعاون بين القومي للإعاقة والقومي للطفولة لدعم الأطفال ذوي الإعاقة ورفع وعي المجتمع    محافظ كفر الشيخ: برامج للنشء والشباب وقوافل دعوية للتوعية الدينية وتعزيز الفكر الوسطي المستنير    "حافظوا على الحوائط".. رسالة مدير تعليم القاهرة للطلاب قبل العام الجديد    صندوق التنمية الحضرية "500 ألف وحدة سكنية سيتم طرحها خلال المرحلة المقبلة"    السعودية تضخ حزمة استثمارات فى مصر بمجالات السياحة والصناعة والعقارات    اعتمادات مالية جديدة لاستكمال أعمال رصف عدة شوارع في مطروح    مصر والإمارات توقعان 5 مذكرات تفاهم لتعزيز التعاون بقطاع الطيران المدني    وزير الخارجية يبحث مع نظيره السعودي تعزيز التعاون الأمنى و الاقتصادى بين البلدين    مجلس الأمن الدولي يصوت على قرار وقف إطلاق النار في غزة    أمريكا: كشف هوية المشتبه به في حادث مقتل 3 رجال الشرطة في بنسلفانيا    التشكيل الرسمي لمواجهة نيوكاسل يونايتد ضد برشلونة في دوري أبطال أوروبا    بيراميدز يهزم زد برأسية زيكو ويصعد ثالثًا في جدول ترتيب الدوري    الشوط الأول.. تعادل سلبي بين الاتحاد السكندري وكهرباء الإسماعيلية في الدوري    راشفورد وليفاندوسكي في المقدمة.. تشكيل برشلونة لمواجهة نيوكاسل    النيران الصديقة تنقذ ليفركوزن من الخسارة في دوري أبطال أوروبا    منتخب مصر للميني فوتبول يكتسح باكستان بثلاثين هدفًا في مونديال السيدات    المقاولون العرب يرفض استقالة محمد مكي ويتمسك ببقائه على رأس الجهاز الفني    خروج قطار عن القضبان بشبين القناطر دون وقوع إصابات    محافظة الإسكندرية تحذر المواطنين وترفع الرايات الحمراء على شواطئها غدًا الجمعة    أزمة جديدة تلاحق شيرين عبدالوهاب أمام المحكمة.. ما الاتهامات الموجهة لها؟    كبير الأثريين يُطالب بإجراءات صارمة بعد سرقة إسورة ذهبية من المتحف المصري وصهرها    نجوم الفن يتوافدون على افتتاح مهرجان بورسعيد السينمائي (فيديو وصور)    عودة إلى الجذور    مصدر بالآثار: مشروع إضاءة معبد حتشبسوت يفتح آفاقا سياحية غير مسبوقة للأقصر    مواقيت الصلاه في المنيا اليوم كل ما تحتاج معرفته    الإعلام وتنمية الأسرة المصرية.. ورشة عمل لتعزيز الوعي بالصحة الإنجابية ورؤية مصر 2030    من أسرة واحدة.. إصابة 4 أشخاص في انقلاب سيارة ملاكي بالإسماعيلية    أحلام الكلب وربيع اليمامة    التمثيل العمالي بجدة يبحث مطالب 250 عاملًا مصريًا بشركة مقاولات    رئيس «العربية للتصنيع» يبحث مع وزير دفاع جامبيا أوجه التعاون المقترحة    الهولندي أرت لانجيلير مديرًا فنيًّا لقطاع الناشئين في الأهلي    ما حكم تبديل سلعة بسلعة؟.. أمين الفتوى يجيب    الرئيس الكازاخي لوفد أزهري: تجمعني علاقات ود وصداقة بالرئيس السيسي    الكابينة الفردي ب850 جنيهًا.. مواعيد وأسعار قطارات النوم اليوم الخميس    ليس صلاح.. كيليان مبابي يتوقع الفائز بجائزة الكرة الذهبية    ضبط 280 كيلو لحوم فاسدة بأختام مزوّرة في حملة للطب البيطري بسوهاج    قصة مدينة عملاقة تحت الأرض.. يبلغ عدد سكانها 20 ألف نسمة    «هربانة منهم».. نساء هذه الأبراج الأكثر جنونًا    سحب 961 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكتروني خلال 24 ساعة    محافظ سوهاج.. يفتتح الكورنيش الغربي بعد التجديد    الإمام الأكبر يكرِّم الطلاب الأوائل في حفظ «الخريدة البهية»    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 18-9-2025 في بني سويف    هل تواجد امرأة في بلكونة المسجد وقت العذر الشرعي يُعتبر جلوسا داخله؟.. أمين الفتوى يوضح    جامعة أسيوط تجدد تعاونها مع الجامعة المصرية للتعلم الإلكتروني الأهلية في المجالات الأكاديمية والبحثية    فيديو.. وزير الصحة: جامعة الجلالة أنشئت في وقت قياسي وبتكليف رئاسي مباشر    سرقتها أخصائية ترميم.. الداخلية تتمكن من ضبط مرتكبى واقعة سرقة أسورة ذهبية من المتحف المصرى    211 مليون دولار إيراد سنوي لرسوم عملهم في مصر 2023 بزيادة 753% عن عام 2014.. تحرير 3676 محضراً خلال 5 أيام لمنشآت لديها أجانب دون تراخيص    سرداب دشنا.. صور جديدة من مكان التنقيب عن الآثار داخل مكتب صحة بقنا    التأمين الصحي الشامل: 495 جهة حاصلة على الاعتماد متعاقدة مع المنظومة حتى أغسطس 2025    دافعو الضرائب البريطانيون يخسرون 400 مليون جنيه في صندوق إنقاذ للشركات الناشئة خلال كورونا    «أنتي بليوشن» تعتزم إنشاء مشروع لمعالجة المخلفات البحرية بإستثمارات 150 مليون دولار    مصر وروسيا تبحثان سبل التعاون بمجالات التعليم الطبي والسياحة العلاجية    الهلال الأحمر يدفع بأكثر من 80 ألف سلة غذائية للأشقاء الفلسطينيين عبر قافلة «زاد العزة» ال 40    ملك إسبانيا: المتحف الكبير أيقونة مصر السياحية والثقافية الجديدة    مهرجان "VS-FILM" يكرم أشرف عبد الباقي في حفل افتتاح دورته الثانية    نائب وزير الصحة تتفقد وحدة طب الأسرة ومركز تنمية الأسرة بقرية بخانس بقنا    اليوم.. صدور اللوائح الأولية لأعضاء الهيئات الناخبة لمجلس الشعب السوري    أخبار مصر: اعترافات مثيرة لداهس المسن بسيارة دبلوماسية، سيناريو تنازل الخطيب عن صلاحياته، الذهب يتهاوى وارتفاع سعر الجبن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أهو قدرٌ ... أم هى جريمة؟
نشر في الأهرام العربي يوم 11 - 12 - 2018

عندما تَجُول عيناك على المئات من العيادات و المستشفيات فى كل أنحاء المحروسة، وعندما تُدرك بالإحصائيات هذا الكم الضخم من المنشآت الطبية الحكومية و الخاصة، والتى تَرصَّعت بها خارطةُ مصرِ، فإنك تَعى فوراً حجم منظومتنا الطبية والتى بثقت من أعماقِ التاريخ. فأطباء مصر اليوم هم أحفاد عمالقة، بدأوا فنونَ الطبِ فى مصر القديمة عندما كانت أوروبا تلتحف جلودَ الحيوانات دون دِباغةٍ ، بينما كنا نحن نلبس أثواباً من حريرٍ وكتان، وكان الكهنة يُجرون جراحات أشبه ما تكون بتلك المعروفة حديثاً، ناهيك عن فنون التحنيط التى ما زالت سراً دفيناً.
ومن بين العلوم الإكلينيكية، نجد بعضها تُعنى بحقوق المريض، وتؤسس للأصول الأخلاقية فى التعامل بين المريض وذويه من جهة، ومقدمى الخدمة الطبية من جهةٍ أخرى. وكلها تقع تحت عنوان "أخلاقيات المهنة" أو “Medical Ethics” ويندرج تحتها ما يُسمى (علاقة الطبيب بالمريض) أو (Doctor-Patient Relationship)، وفيها تتضح أسس العلاقة بين الطرفين وواجبات كل طرف، وكيف لها أن تبدأ؟ وكيف يمكن إنهاؤها؟ بما يضمن حقوق و واجبات الطرفين .
وطالما كانت حالة المريض تسير على ما يرام وفى طريق الشفاء، فإن العلاقة بين الطبيب والمريض أو ذويه لن تشوبها شائبة. ولكن الرياح لا تأتى دائماً بما تشتهيه السفن، فبعضُ الأمراضِ عضالٌ لَيس لها من شفاء وبعضها عُرضة للمضاعفات المحتومة، وكذلك الجراحات بمختلف أنواعها، سواء كانت بسيطة أم معقدة، فلها نسبة من المضاعفات المعروفة والمذكورة فى كل المراجع العلمية. وكثيرٌ من الجراحات يعتمد فى نجاحه، ليس فقط على مهارة الجراح، ولكن على جهوزية جسم المريض عضوياً وفسيولوجياً لتَحَمُّل تلك الجراحة. فمن الممكن أن تختلف نتيجة الجراحة الواحدة فى مريضين مختلفين، أحدُهما شابٌ يافع والآخر كهلٌ مُحَمَّل بالأمراض.
وكما يقال: "لا حلاوة بلا نار"، فكذلك هى الجراحات، تتم بدرجات من المعاناة للمريض من أجل تحقيق هدف أكبر وهو القضاء على المرض ، وأبسط مَثَل على ذلك أنه لا يمكن إجراء أية جراحة بدون إحداث جرح فى الجسد، يترك أثراً على شكل نَدبة ولو كانت صغيرة، وهذه تُعَد مُضاعفات من وِجهة النظر الطبية وإن كانت بسيطة ومقبولة.
ومن المؤسف أننا فى مصر وفى السنوات الأخيرة، فوجئنا بظاهرة الهجوم المستمر على الأطباء ومُقدمى الخدمة الطبية بحقٍ وبدون حق، وانبرت المنابر الإعلامية الرخيصة لتتلقف الحالات الطبية التى تعرضت لمضاعفات أو وفيات لعرضها على الشاشات، مع إصدار الفتاوى والأحكام فى حق الأطباء من أشخاصٍ ليس لديهم أية خلفية علمية تؤهلهم للحكم على الأمور الطبية المعقدة.
وأصبحنا نرى إعلاميين يستضيفون مرضى أو أهاليهم ليصفوا معاناتهم الطبية مصحوبة بموسيقى تصويرية حزينة، طمعاً فى جذب أكبر عدد من المشاهدين وتحسين دخل الإعلانات. كل هذا على حساب سُمعة الطب المصرى، ولا عزاء للطبيب أو المستشفى المعنى بالمشكلة، فقد تم الحكم عليهم بالإهمال الطبى ومن ثم بالإعدام المهني.
والذى أصدر الحكم هنا جهلاء لا يفقهون شيئاً من أمور الطب، أما قاعة المحكمة فكانت كواليس الاستديوهات الفضائية، ولا عزاء للمنطق.
وهناك بعض المرضى ممن يتعرضون لتجارب طبية سيئة، يلجأون إلى صفحات التواصل الاجتماعى للتشهير بالطبيب أو المستشفى دون وجود لأى سند طبى أو قانونى بالإدانة، مما يعرضهم للمساءلة القانونية بتهم التشهير والسب والقذف، فى ظاهرة قميئة دمرت العلاقة الطيبة بين المريض المصرى وطبيبه، وأحرقت سُمعة الطب المصرى فى العالم ودمرت الأمل فى عودة السياحة العلاجية، كما أن هذا الأمر سيجعلنا نتحول مع الوقت إلى ممارسة ما يسمى ب (الطب الجبان) أو (الطب الانتقائى) ًً، والمنتشر فى بعض الدول المحيطة بِنَا، والتى تُمارس نظاما تعسفيا فى محاسبة الأطباء يكون عادةً فى أيدى لجان غير طبية.
والطب الجبان يتصف بعزوف الأطباء عن التدخل فى الحالات الصعبة خوفاً من المساءلة وإنتقائهم الحالات السهلة فقط، مما يحرم المرضى من فرص العلاج.
والسؤال المُلِحّ هنا، كيف يمكن للمريض أو ذويه أن يدرك أن المضاعفات التى حدثت هى متوقعة ولا يمكن محاسبة الطبيب عليها؟ أو أنها أخطاء مهنية يتوجب على أساسها محاسبة الطبيب والاقتصاص منه؟
وإجابة هذا السؤال صعبة ولا تتم أبداً على مستوى المريض وأهله، وإن كانوا من الأطباء، فلا يحق للمريض أو غيره أن يُدين طبيباً بالإهمال الطبى دون اللجوء إلى القانون. ويتوجب عليهم بدلاً عن هذا، أن يلجأوا بشكواهم إلى الإدارة التى يتبعها الطبيب، فإن لم تكن الإجابات شافية فلا غُبار عليهم أن يحرروا محضر إهمالٍ طبى بالشرطة، أو أن يتجهوا إلى وزارة الصحة او النقابة العامة للأطباء، فكلاهما لديه لجان محايدة تستطيع أن تفرق بين المضاعفات المتوقعة والمذكورة فى المراجع العلمية و بين تلك الناتجة عن الإهمال و التى تستوجب المحاسبة. ومن الناحية الأخرى يجب على المريض وذويه أن يتجنبوا التشهير بالأطباء والمؤسسات الصحية على الفضائيات وصفحات التواصل الاجتماعى كى يتجنبوا المساءلة القانونية بتهمة التشهير.
نحن لا نستطيع إنكار وجود حالات من الإهمال الطبى، فهذا أمر موجود فى كل العالم، ففى أمريكا تُعد أخطاء الأطباء هى السبب الثالث فى الوفيات بعد أمراض القلب والسرطان، وتذكُر التقارير أرقاماً ما بين 250 إلى 400 ألف وفاة سنوياً. لكن هناك يخضع الكل للقانون، وتتم التحقيقات بواسطة الخبراء والمتخصصين وليس بواسطة الإعلاميين أو العامة، ولا تظهر فى الإعلام إلا بعد الإدانة، وتُصرف التعويضات من شركات التأمين حسب أحكام القضاء.
وعلى الجانب الآخر هناك من المرضى وذويهم من يَتجنى على الأطباء زوراً وبُهتاناً لأسبابٍ عَديدة، منها على سبيل المثال عدم الرغبة فى سداد الأتعاب، وهذه الأكثر شيوعاً فى القطاع الخاص، فيلجأ المريض أو ذووه إلى الشكوى والادعاء على مقدمى الخدمة الطبية طمعاً فى أن يتنازلوا عن حقوقهم المالية درءًا للتشهير وتشويه السمعة. أو أن يكون الأمر كله بسبب عدم فهم المريض وأهله لطبيعة المرض، وتوقعات المضاعفات والوفيات أو بسبب عدم قدرة الطبيب على الشرح الجيد المُبَسَّط، أو عدم قدرة المريض وذويه على استيعاب المصطلحات العلمية، وإن كانت مُبَسَّطة.
ويظل السؤال المُزمن :
المضاعفات الطبية.. أهى خطأ طبى؟
فنعتبرها جريمة! .. فنقتص للمريض من طبيبهِ!
أم هى مضاعفات مقبولة طبياً.. فهى قدر؟ ... فنرضى بقضاء الله!
... سؤال كبير، إجابته فى دولة القانون والمنطق والاحترام المتبادل وليست بين الرعاع والجُهلاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.