قد يندهش البعض من الربط بين علم النفس السياسى وطائفة الشيعة فى الإسلام، ولكننا لا نستطيع أن نخفى انعزالهم عقائدياً ووجدانياً عن سائر المسلمين بشكل يأخذ منحنى سياسيا أكثر منه عقائديا، بالإضافة إلى اللعنة التى وصمت بها تلك الطائفة تاريخياً جراء تحالفهم مع القوة الخارجية لإثارة الفتن فى الشرق الأوسط، ومحاولتهم السيطرة السياسية والدخول عبر تطويع الدين. ولا نستطيع أن نتناسى أو نغفل اللعب بالدين ومزجه بالسياسة فى العلاقات الدولية وكنوع من الاستبصار المستقبلى لما يحدث فى المنطقة العربية، دعونا نعود لنقطة الصراع التاريخية وتلك اللحظة الفارقة لنفهم كيف قامت فى البدء، وجزيئات سلوكها الظاهرة والمتناثرة ولربما تبدو للكثيرين أنها هوجاء أو غير مبررة أو حتى غير مترابطة، ولكن فى الحقيقة هى ليست كذلك. «الركن السادس» وهو ركن أضيف لأركان الإسلام الخمسة المتعارف عليها، أضافه الشيعة وهو الاعتقاد بالإمامة لحد جعلهم فى درجة أعلى من الأنبياء واعتقادهم فى الخلافة وأحقية على كرم الله وجهه، لن أخوض كثيراً فى تاريخهم الجدلى الدينى، ولكن ما يعنينى هنا هو سر ومكمن سلوكهم.
خرج الحسين رضى الله عنه وعدد من آل البيت وأهل بيته وأصحابه لملاقاة جيش «يزيد بن معاوية» فى معركة «كربلاء» وهى أشد المعارك جدلاً وتأثيراً فى التاريخ الإسلامى كله، قامت من أجل الخلافة وأحقية على بن أبى طالب فى خلافة الرسول صلى الله عليه وسلم. وكان جيش يزيد يفوق جيش الحسين عددا وعدة، ولكن الحسين بالرغم من علمه بذلك كان يحمل فى قلبه معانى كثيرة ومُثلا، يريد أن ينشرها بين الناس حول العدل والعدالة. فى تلك اللحظة الفارقة والفاصلة غدر أهل الكوفة الذين وعدوه بالنصرة، وتخلوا عنه وتركوه هو ومن معه يواجهون الموت فى الصحراء عطشى وجوعى على أيدى جنود يزيد، ووصل الأمر إلى حد ذبح الحسين وفصل رأسه عن جسده. تلك اللحظة التاريخية التى ستلقى بظلالها السوداء على تاريخ الأمة الإسلامية فى السابق واللاحق بكل رمزيتها عند الشيعة فيما بعد.
تلك اللحظة هى التى ولدت الشعور بالذنب الذى رسخ فى وجدان الشيعة، بأن الحسين واجه بكل شجاعة نيابة عنهم وقتل وحيداً بعد تخليهم عنه ودفعتهم إلى المزيد من الحزن، ولعل قول «زين العابدين» حينما سأله الناس عن سر حزنه « إن يعقوب عليه السلام بكى حتى ابيضت عيناه على يوسف ولم يعلم أنه مات، وإننى رأيت بضعة عشر من أهل بيتى يذبحون فى غداة يوم واحد، أفترون حزنهم يذهب من قلبي» ومن قلب إحساسهم العميق بمشاعر الذنب والظلم والغدر ورغبتهم الشديدة فى الثأر، اندفعت سلوكياتهم الخاصة المحملة بالخوف والشك فى الآخرين، ولعل هذا ما أفرز لنا مبدأ «التقية» الشهير «فالتقية هى أن يُظهر الإنسان خلاف ما يُبطن» وهى عقيدة فاسدة بعيدة كل البعد عن أصل الإسلام القائم على الصدق، فتعاملوا مع العالم كله حتى السنة بهذا المبدأ.
وعبر التاريخ ظلت المحاولات الحثيثة فى رأب ذلك الصدع ما بين السنة والشيعة بشكل عقائدى أو سياسى، ولكن ذلك المبدأ الذى حمله الشيعة بداخلهم والنسيج الصلب الذى نسجه خيالهم حال دون ذلك، حتى صارت توجهات حكامهم المحملة بتلك العقيدة الثأرية هى من تقود الشعوب.
وسرعان ما التقطت أمريكا أطراف الخيط لتلعب على إثارة وتأجيج ذلك الصراع الطائفى، ولم يعد خافياً على أحد النوايا بغية السيطرة الكاملة على منطقة الشرق الأوسط والنفط ودوام سياسة مبدأ فرق تسد. ومن تلك القوة استثمرت إيران السلاح النووى والقدرة النفسية الهائلة للبقاء عبر توالى العصور، ومحاولاتها للتمدد فى لبنان والعراق ودول الخليج. ومن ذلك الشعور بالذنب تجاه الحسين فرضت حالة من الاستقطاب الوجدانى الشديد على مجتمعاتها لدرجة اتخاذهم شكل المجتمع الأبوي!! وهو نمط من التفكير يتبعه سلوك تعبوى فى احترام الأئمة وتقديسهم، واعتبارهم معصومين من الأخطاء ولا يُسألون عما يفعلون مثل «الحسن العسكري» ومحاولة ترسيخ وهم فى عقول تلك الطائفة بانتظار الإمام الغائب الذى سيخرج من السرداب يوما ما، بل ووصل الأمر أن جعلوا أحد أئمتهم نائباً له يمتثلون لكل أوامره بطاعة عمياء كاملة !! هذه العقيدة الأبوية لإحساسهم بالأقلية حصنتهم على مدى التاريخ وزادت من تماسكهم وتغلغلت تلك السلطة الدينية والتأثير الروحى مجتمعياً وسياسياً واقتصادياً للحد الذى أصبح عليه الوضع الآن كدولة ذات مرجعية وأيدولوجية دينية.
ومن تلك السيكولوجية الفاقدة لأى إحساس بالأمان انغلقوا واتحدوا واتجهوا إلى العمل الجاد، وامتلاك نواحى القوة والعلم والمال حتى فى انتشارهم فى كل بلدان العالم يعيشون فى ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة نسبياً فرضوها على أنفسهم. وظلت تلك الحرب السرية ما بين السنة والشيعة وأمريكا تدور فى الخفاء لصالح ابتزازات القوى الكبرى التى تسعى إلى تحقيق مصالحها إلى أن دفعوا بالخومينى وأطاحوا بشاه إيران الذى كان أيضاً مواليا لهم، ولكن جاء الوقت لنزع فتيل الشيعة وزرعه جيداً فى المنطقة! وتلا الخومينى عمليات عديدة من التمدد الشيعى لدرجة تكريس مفهوم جديد مسمى بحزب الله فى لبنان، قدم للعالم صورة بطل حر يملك الوعى والذكاء ويحيى ويشعل مشاعر الكرامة والشجاعة أمام غطرسة أمريكا وإسرائيل! من منا قد ينسى أنه فى يوم ما كانت تعلق صور «حسن نصر الله» على الجدران فى معظم الأماكن والدول! كبطل شعبى! ويبقى السؤال... هل هناك احتمال للتعايش وإنهاء الصراع ؟ إن أى محاولة لإنهاء ذلك الصراع سيقابلها رفض شديد ودسائس، ستشعلها القوى الغربية بأكملها وعلى رأسها إسرائيل.
لعلنا فهمنا الآن ما هو الصراع ولمن. العالم الغربى كله بلا استثناء يحيا فى حالة من التعايش على اختلاف مذاهبه ومعتقداته وسلوكياته ومصالحه إلا منطقة الشرق الأوسط!