أصبحنا مع الزمن نقتنى من الكتب ما هو أكثر من طاقتنا على القراءة كان للقراءات الأولى، الأثر البالغ فى فتح آفاق الخيال لدى الشاعر الكبير حسن طلب، فهو لا يزال يتذكر بحفاوة تلك القصص المثيرة التى قرأها فى مكتبة المدرسة الإعدادية، التى ظل يلاحقها إلى أن انتقل إلى كلية الآداب بجامعة القاهرة، لتبدأ مرحلة التكوين الثقافى الحقيقي، حيث الندوات خارج الجامعة، والحوارات مع الأصدقاء المهتمين بالاطلاع، حول الكتب الجديدة والمشاوير إلى الكتب القديمة، فى سور الأزبكية، والسيدة زينب..صدر ل “حسن طلب” عدة دواوين منها: “سيرة البنفسج، أزل النار فى أبد النور، لا نيل إلا النيل، بستان السنابل، مواقف أبى على وديوان رسائله وبعض أغانيه..”، حول مكتبته كان ل”الخليج” هذا الحوار معه. متى بدأت علاقتك بالمكتبة؟ فى مكتبة والدى الشيخ على طلب رحمه الله؛ كان أزهريا ويمتلك مكتبة حافلة بالنصوص القديمة، وكان الفضول يدفعنى إلى النظر فى محتوياتها، خصوصا ما يتعلق منها بالتراث الأدبي. وبعد أن أصبحت فى المرحلة الإعدادية كانت مكتبة المدرسة هى المكان المفضل الذى أقضى فيه أوقات (الفسحة). كيف كان لقاؤك بالكتاب الأول؟ فى مكتبة المدرسة الإعدادية اكتشفت سلسلة قصص مثيرة عنوانها (أولادنا)، فأقبلت عليها كتابا بعد كتاب حتى انتهيت من الأعداد الموجودة كلها، وأذكر أن أول كتاب قرأته فيها هو قصة (عمرون شاه) ثم (جزيرة الكنز) و(بينوكيو) وانتقلت بعدها إلى قصص منتخبة من ألف ليلة وليلة، ومنها (السندباد البحري)، وأذكر أن هذه القراءات الأولى كان لها أثر بالغ فى فتح آفاق الخيال بلا حدود؛ فضلا عن لغتها العربية الرفيعة والبسيطة فى آن. كيف كان طريقك إلى المكتبات العامة؟ لم تكن هناك مكتبات عامة خارج المدارس فى مدينة طهطا التى نشأت فى إحدى قراها، وتلقيت التعليم الإعدادى ثم الثانوى فى مدارسها، فكان اعتمادى كله على مكتبة المدرسة. كيف كونت مكتبتك الأولى؟ فى المرحلة الجامعية بعد أن أنهيت التعليم الثانوى وانتقلت من طهطا لألتحق بكلية الآداب جامعة القاهرة، فى هذه المرحلة بدأت صداقات جديدة مع الطلاب المهتمين بالاطلاع ومتابعة الحياة الثقافية؛ كنا نتبادل المعلومات حول الكتب الجديدة، ونحضر الندوات خارج الجامعة، وعرفنا الطريق إلى أماكن بيع الكتب القديمة خصوصا فى سور الأزبكية وسور السيدة زينب؛ ومن هنا بدأت نواة مكتبتى الخاصة؛ فكان أغلبها من الكتب النادرة القديمة التى كنت أصادفها فى سور الأزبكية. ما أهمية المكتبة فى حياتك...هل تطاردك الكتب؟ أطاردها.. وتطاردني، فمطاردتى إياها تبدأ بمحاولة اقتنائها، أو استعارتها إن تعذر الاقتناء، وحينئذ تبدأ هى دورها فى المطاردة حتى أقرأها؛ فقد أصبحنا مع الزمن نقتنى من الكتب ما هو أكثر من طاقتنا على القراءة؛ يحدث هذا تقريبا كل عام مع كل معرض للكتاب تقيمه الهيئة المصرية العامة للكتاب ويشارك فيه الناشرون العرب والأجانب، فلا ينتهى المعرض إلا وتكون عشرات الكتب الجديدة قد تراكمت تنتظر دورها فى القراءة؛ فهى تطاردنا وتنادينا ونحن فى قلب المشاغل والأولويات لا نجد الوقت! وأحيانا تطاردنا كتب ممتعة قرأناها، لكنها تحتاج إلى قراءة ثانية وربما ثالثة! ثمة ركن خاص فى مكتبة المبدع، لا يمل من الرجوع إليه.. صف لنا مكتبتك؟ مكتبتى متنوعة إلى أقصى حد؛ فمن الصعب أن تقولى عنها إنها مكتبة شاعر؛ وإن كان الشعر يحتل مكانة بارزة فيها! فاهتمامى بالفلسفة التى أقوم بتدريسها فى كلية الآداب جامعة حلوان، جعل للفلسفة حضورا لا يقل أهمية عن حضور الشعر فى مكتبتي، والفلسفة تستدعى جيرانها من العلوم الإنسانية الأخرى. وإلى جانب الشعر والفلسفة والعلوم الإنسانية، هناك النصوص الأدبية من روايات ومسرحيات مترجمة أو مؤلفة؛ وهناك ركن خاص لا يستغنى عنه الباحث يضم أهم الموسوعات والمعاجم بالعربية والإنجليزية. هل يستحوذ الشعر على الجزء الأكبر من مكتبتك؟ المسألة ليست فى الكم وحده، فالشعر يحتل جانبا ينافس الفلسفة والعلوم الإنسانية فى مكتبتي، ولكن أى شعر؟ أنا مهتم بالشعر القديم؛ فمعظم ما صدر قديما وحديثا من تحقيقات للدواوين القديمة والمختارات موجود بمكتبتي، ذلك أن لدى مشروعا طموحا لإعداد مختارات عصرية من الشعر الجاهلى إلى اليوم. كيف ترى الكتاب الإلكتروني؟ أنا من الجيل القديم الذى تعود على القراءة الورقية، فهو لا يجد متعة القراءة إلا بصحبة الكتاب. القراءة الإلكترونية قد تسعف القارئ المتعجل فى مطالعة بضع صفحات هنا أو هناك؛ شخصية الكتاب ستظل ماثلة عند الحاجة إلى القراءة المتعمقة بالذات.