لم تكن الرحلة مجرد "استعراض" لوصول رئيس جديد إلى السلطة بعد ثورة شعبية أمام العالم من باب الوجاهة السياسية، وما بدا كذلك فى اليوم الأول انقلب إلى هواجس بشأن ملفات عديدة أهمها العلاقة مع الولاياتالمتحدة والموقف الدولى من القضية السورية والموقف المصرى من القضية الفلسطينية، والتباين فى مفاهيم حرية الرأى والتعبير بين آراء التيارات الإسلامية فى العالم العربى والمجتمعات الغربية. برغم محاولات طى صفحة الخلافات بين القاهرةوواشنطن بعد قضية الفيلم المسىء للنبى محمد والخلاف على رد الفعل فى دول الربيع العربي، فإن عدم استقبال الرئيس أوباما للرئيس مرسى فى نيويورك قد ترك مساحة من عدم الود وفجوة ربما لم تنجح هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية فى سدها، برغم اجتماعها مع الرئيس مرسى فى فندق «وودروف أستوريا» بعد وصوله بست ساعات. يوم الإثنين الماضي، وصل الرئيس مرسى إلى الفندق برفقة مساعديه وعلى رأسهم عصام الحداد مستشاره للعلاقات الخارجية وطاقم السفارة المصرية فى واشنطن وبعثة مصر الدائمة فى نيويورك وبعد ساعات، قال المتحدث الدكتور ياسر علي: إن الرئيس سوف يلتقى هيلارى كلينتون «بناء على طلبها».. اللافت للنظر أن الرئيس أوباما كان فى الفندق نفسه قبل دقائق من اللقاء بين هيلارى ومرسى لحضور حفل استقبال البعثة الأمريكية السنوى بمناسبة افتتاح أعمال الجمعية العامة، ولم يحضر الرئيس المصرى حفل الاستقبال.. لقاء هيلارى كما قيل على لسان مسئولين أمريكيين طمأن الرئيس مرسى بشأن بقاء المساعدات الأمريكية لمصر، واستمرار التعاون الإستراتيجى بين البلدين على مستويات عدة.. قبل لقاء كلينتون ومرسى أيضا سأل المذيع الشهير شارلى روز - صاحب الرقم القياسى فى إجراء مقابلات مع الرئيس السابق حسنى مبارك أكثر من 13 مقابلة - الرئيس المصرى فى مقابلة لمدة ساعة كاملة عما قاله الرئيس باراك أوباما: إن مصر «ليست حليفا .. وليست عدوا» .. فرد مرسى أن « الرئيس أوباما قال إن مصر وأمريكا بلدان صديقان» وإن الصداقة تعنى للطرفين علاقة شراكة والتزامات.. فعاد تشارلى روز ليسأل ملحا، و«لكنك لستما بحليفين؟» فعاد الرئيس مرسى مجددا ليقول «هذا يعتمد على تعريف كلمة حليف!». تلك هى المساحة الغائمة اليوم فى العلاقات بين مصر والولاياتالمتحدة فى نهاية الفترة الأولى لرئيس ينافس على فترة ثانية فى البيت الأبيض، ويطارده اليمين الأمريكى بتهمة التواصل مع جماعة الإخوان المسلمين فى مصر، خصوصا حملة المرشح الجمهورى ميت رومنى والأخير استخدم «مبادرة كلينتون» التى تحدث أمامها مرسى فى الختام كمنصة للدعاية السلبية ضد أوباما مشيرا بالاسم فى كلمته إلى مثال وصول رئيس من جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة فى مصر، وما يمثله وصوله من تهديد للمصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط.. وقد تحدثت «الأهرام العربي» إلى محلل خبير فى الشئون الأمريكية يرتبط بعلاقات قوية مع القاهرة عن الجدل الدائر حول العلاقات قبل زيارة مرسى لنيويورك، فقال: إن التوتر بين البلدين مرشح للتصاعد على خلفية تجاهل الرئيس الأمريكى لمرسى فى نيويورك، وهو تحليل ثبت صدقيته فى ظل ما حدث فى الأيام الثلاثة للزيارة.. حوارات مرسى مع الصحافة الأمريكية كشفت تباينات أيضا حول القضية الفلسطينية والوضع فى قطاع غزة وموقف الرئاسة الجديدة من «أسس» معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل والتى نصت فى مقدمتها- وفقا لما قاله الرئيس فى مقابلة مع الزعامات الدينية فى أمريكا بمقر البعثة المصرية تنص على حق الشعب الفلسطينى فى تقرير المصير، وهو ما تجاهلته كل الاتفاقيات التالية بين إسرائيل والعرب وكل الترتيبات بين إسرائيل والفلسطينيين، وبالقطع لا تبنى الإدارة الأمريكية الديمقراطية الحالية أو الجمهوريون مواقفهم على العودة إلى أسس «كامب ديفيد» ولكنها اليوم تتفق على وجود أساس وضعه الرئيس بوش وهو «حل دولتين متجاورتين تعيشان معا فى سلام» ويجرى التفاوض على قضايا الوضع النهائى بما فيها القدس واللاجئون. كما كان مرسى واضحا فى أكثر من مناسبة عندما أكد أن مصر لا يمكنها غلق معابر قطاع غزة وتترك الفلسطينيين دون أدوية أو مواد غذائية، وقال إن «المعابر سوف تفتح على مصراعيها» من أجل رفع المعاناة عن الشعب الفلسطينى فى القطاع. ووفقا لمؤسسة «ستراتفور» الشهيرة فى مجال التحليل الجيو إستراتيجي، فإن ما يجرى حاليا يضع «على المحك ليس فقط العلاقات المصرية الأمريكية ولكن أيضا الأمن القومى الإسرائيلي، وربما تحولات جيوسياسية من شأنها أن تؤثر على الشرق الأوسط». ويضيف خبراء ستراتفور «لا القاهرة.. ولا واشنطن تريدان أن تصلا إلى انقطاع فى العلاقات، لكن ثقة واشنطن اهتزت فى القاهرة من حيث ارتباطها بمصالح أمريكا فى المنطقة والتزامها بالسلام مع إسرائيل.