مقهى القاهرة.. فى الأردن أسسه فلسطينى 1952 والمأكولات والعمالة مصرية
زياد خلف: «ليالى الحلمية» سر عشق الأردنيين للمقاهى المصرية
الممبار والعكاوى والسمك المشوى اختصاص المصريين فى أبو ظبى
طارق إبراهيم: ملتقى للتعارف وحل المشكلات فى السعودية
من روايات نجيب محفوظ، وحلقات مسلسل “ليالى الحلمية” عرف العالم العربى المقهى كجزء أصيل من التراث المصرى، نقله أبناء المحروسة معهم إلى العواصم العربية.. لتصبح بها نسخ من مقاهى مصر الشهيرة الفيشاوى والسكرية وغيرها. ولم يكتف بعضها بتقديم المشروبات المصرية بل تطور الأمر إلى تقديم الأكلات المصرية المميزة.. وتحولت تلك المقاهى إلى قبلة للمصريين يتنفسون فيها رائحة مصر العطرة. فى مدينة أبوظبى يتوافد المصريون من جميع مدن الإمارات بحثا عن الخبز المصرى والرقاق وكثير من الوجبات المصرية مثل الحواوشى، فضلا عن الكعك والبسكويت فى العيد وغيرها من المخبوزات. لكنها دائما ترفع شعار “بالحجز”، وذلك بسبب الزحام الشديد الذى تشهده خصوصا بالنسبة للكعك والبسكويت. المسئول عن المخبز محمد مسعود، شاب مصرى يعيش فى دولة الإمارات منذ عشر سنوات، يتحدث قائلا: جئت إلى أبوظبى بمساعدة أحد الأصدقاء الذى كان يبحث عن شاب يتسلم منه مسئولية العمل فى المخبز، والحمد لله هناك إقبال كبير على “المخبزة” التى يأتى إليها المصريون لشراء الخبز المصرى، الذى لا يختلف كثيرا عن الخبز الذى كنت أشتريه من مخابزنا فى مصر، وبالمواصفات والجودة ونخبزه يوميا. هذا بخلاف أن لدينا متاجر نبيع لها الخبز من أصحاب محلات البقالة المنتشرة فى أبوظبى وللراغبين فى شرائه ويسكنون بعيدا عن المخبزة. وبالقرب من ميناء أبو ظبى، هناك سوق اللحم الطازج الذى يديره المصريون، ويبيعون فيه أكلات مصرية صميمة، مثل الممبار والعكاوى والكوارع والطرب. ويتحدث مصطفى عبده، أحد بائعى اللحم قائلا: أعمل هنا مع والدى المسئول عن أحد محلات بيع اللحم، أو بلهجتنا المصرية جزار، منذ أن كنت صغيرا فأبى يعيش هنا منذ أكثر من عشرين عاما. السوق يتردد عليه المصريون وغير المصريين، لكن بشكل كبير أغلب العاملين والمترددين هنا على السوق هم مصريون، خصوصا أنهم يأتون هنا للبحث عن الممبار غير المتوافر فى أى متجر آخر. ونحن هنا لا نشعر بالغربة، لأننا كلنا مصريون ونعيش مع بعضنا بعضا فى البيت نفسه، لكن هذا لا يعنى أننا لا نفتقد عاداتنا المصرية وأصحابنا فى الغربة بعيدا عن بلدنا الحبيبة، لكن ماذا نفعل (أكل العيش مر). وبالجانب الآخر من الميناء، يوجد بائعو السمك وهم ليسوا بالكامل مصريين، ولكن المسئولين عن شى وطهو السمك جميعهم مصريون، يعملون فى الإمارات ويتنقلون بين مدنها منذ سنوات عديدة، ومنذ فترة قرروا الاستقرار بميناء أبوظبى. ويتحدث سمير الإسكندرانى، أحد العاملين فى منافذ تسوية السمك قائلا: أعمل هنا فى ميناء أبوظبى منذ خمس سنوات، وذلك بعد أن ضللت الطريق سنوات فى مصر بحثا عن فرصة عمل، إلى أن أرسلت لجارى الذى يعمل هنا فى الإمارات مستفسرا عن فرصة عمل، كان آنذاك يعمل فى مدينة عجمان إلى أن وجد فرصة أفضل بأبوظبى، وبالفعل انتقل إلى هنا واستقر وبعدها أرسل لى الورق المطلوب وحضرت، بينما تعيش زوجتى فى مصر وأسافر إليها مرة كل عام، فنظرا لغلاء السكن والمعيشة هنا فى الإمارات، لم أتمكن من إحضار أسرتى إلى هنا فى أبو ظبي. ويتحدث الأسيوطى محمد، المسئول عن أحد المقاهى بمدينة عجمان قائلا: برغم أن المقهى جزء أساسى من حياة المصريين فى مصر، ويعد محطة دائمة للالتقاء بالأصدقاء، فإن حياة الغربة تختلف تماما، فأغلب المقيمين والعاملين هنا يزدحم يومهم بالعمل، وفى نهاية اليوم يهرولون للبحث عن سرير للنوم فى بيوتهم بعد يوم شاق وساعات عمل مرهقة، سواء فى هذا اليوم أم حتى فى اليوم التالى، لذلك فربما تكون العطل الرسمية هى أفضل الأوقات لتوجههم للمقهى، وحتى هذه الأيام فهى قليلة لأن دولة الإمارات تعد من أقل الدول فى العالم التى تمنح عطلات رسمية للمقيمين على أرضها. وعن الصور والملصقات التى يعلقها الأسيوطى على حائط القهوة، وهى لمشاهير السينما المصرية لأفلام الأبيض والأسود يقول: هؤلاء النجوم الراحلون هم أشهر ما يميزنا نحن كمصريين، كما أن هذه الصورة تضيف أصالة للمكان وربما يعشقها ويولع بها الأجانب، لأنها جزء أساسى من تراثنا، وبالنسبة للمصريين فهى تأجج مشاعرهم وحنينهم لمصر. ويستكمل الحديث الحاج محمود الجوهرى، المسئول عن أحد المقاهى بمدينة الشارقة، الجالية المصرية تعد من أكبر الجاليات الوافدة على الإمارات، لذلك كان التفكير فى تأسيس مقهى ليكون مصدر دخل فكرة جيدة، خصوصا والكل يعرف أهمية المقهى ولعبة الطاولة والشيشة والدخان فى حياة المصريين، وما توفره كل هذه الأشياء السابق ذكرها من التسلية والترفيه فى حياة يعمل بها الإنسان أكثر من خمس عشرة ساعة كاملة فى اليوم، هذا بخلاف أن أغلب المقيمين يعيشون بدون أسرهم، لكننا حريصون هنا على أن نكون عونا لبعضنا فى الغربة، لكن هنا فى الإمارات لا تعد غربة بالمعنى، وذلك لأن المصريين هنا عددهم كبير جدا، واللهجة المصرية هى أكثر اللهجات المتداولة والمنتشرة بشكل عام.
السعودية فى المملكة العربية السعودية، العديد من المطاعم المصرية الشهيرة، منها المطعم المصرى للمشويات ومطاعم الدوار، والشرقاوى، وجاد، وكشرى التحرير، ورمسيس وحكاية مصرية والعمدة والفيشاوى ونعمة وأبو السيد وحدوتة مصرية. ويتحدث خليل عادل، وهو مصرى يعيش فى السعودية منذ خمسة عشر عاما، قائلا: أسست هذا المطعم الذى يتوافد عليه المصريون دائما وربما يبحثون عنه بالاسم منذ أكثر من عشر سنوات، وحاولت من خلاله نقل الروح والطقوس المصرية للسعودية والتى أرغمت للسفر إليها بعد أن ضاقت بى الحال فى القاهرة وازدحمت حياتى بالمشكلات الأسرية والمادية الكبيرة، ومن هنا قررت السفر لأى دولة أبدأ بها من جديد، لكن عشقى لتراب بلدى كان السبب وراء نقل المقهى المصرية للسعودية، وبالفعل ساعدت كثيرا من المصريين للعمل بها لتحسين ظروفهم المادية، وأصبح المقهى علامة مميزة لكل من يبحث عن مكان قريب من مقهى المصريين، وأصبح ملجأ المصريين المغتربين من كل أنحاء السعودية. كان المقهى فى بادئ الأمر يكتفى بتقديم المشروبات المصرية كالعناب والسحلب والشاى الأحمر بالنعناع وشاى الخمسينة والقهوة التركى، لكن مع الوقت قررت تقديم وجبات وأطباق للمصريين المغتربين، والذين لا يجيدون إعداد الطعام، إلى أن قررت توسيع المشرع واستئجار مكان أكبر، وأصبح مقهى ومطعما فى الوقت نفسه، والحمد لله حققت أطعمتنا نجاحا كبيرا ورواجا فى السعودية من مشرقها لمغربها، وساعدنى الربح المادى على الاستعانة بشباب مصريين جدد، وبعد فترة أصبح للمطعم أكثر من فرع فى أكثر من مكان فى المملكة، مما ساعد على توفير فرص عمل للكثيرين ممن ضاق بهم الحال فى مصر. أما طارق إبراهيم، وهو مهندس مصرى يعيش فى جدة ويعمل فى مجال المعمار فيتحدث قائلا: من أهم المطاعم والمقاهى التى أتردد عليها أنا وأصدقائى المصريون وغير المصريين، هى المقاهى المصرية، ففيها لا نشعر بالغربة، والجلوس بها يتيح فرصة التعارف بيننا كمصريين مغتربين ومن الممكن فى حال وجود مشكلة فى عمل أو إقامة أو غيرها أن تجد من يساعدك، وأيضا هناك من يلجأ إليها من غير المصريين، وذلك لفرط حب الجنسيات الأخرى للشعب المصرى وشغفهم الدائم للمأكولات والمشروبات التى سبق لهم التعرف عليها من خلال المسلسلات والأفلام المصرية.
نعم للملوخية.. لا للشيشة وفى المغرب شغف المغاربة وولعهم بأكلات المصريين والناتج عن متابعتهم للأعمال الفنية المقدمة من خلال التلفاز، يجعلهم دائمى البحث عن البسبوسة والكشرى والفطير المشلتت والمحشى والملوخية وهو ما جعل هناك مطاعم تقام خصيصا لتقديم وجبات وأكلات مصرية يقبل عليها المغاربة، ويحقق القائمون عليها ربحا ماديا كبيرا. إلا أن هناك عددا كبيرا من المقاهى المصرية تم إغلاقه فى المغرب، لأنها تقدم الشيشة. بينما ظلت المطاعم المصرية تزاول نشاطها. منها مطعم “النجم الأزرق” المقام خصيصا لإعداد الأكلات المصرية فى حى النهضة فى مراكش، وهو مطعم يملكه رجل أعمال مصرى مستثمر فى مجال السياحة، وقد اختار هذه المنطقة لافتتاح مطعمه الجديد كونها لا توجد بها مطاعم من ذلك النوع، برغم أنها تشهد نسبة إقبال كبيرة من السياح الأجانب. فضلا عن كونها مكانا يختاره معظمهم للإقامة لما تتسم به من هدوء وراحة بال، بعيدا عن الضجيج الذى تشتهر به بعض المناطق السياحية الأخرى فى مراكش وأهمها مطعم المصريين الذى يقدم وجبات مصرية مميزة أهمها الكشرى، وهو أكثر الأكلات المصرية التى يعتبرها المغاربة مميزة للشعب المصرى، وغالبا سعره فى المطاعم ما بين 25 درهما أى ما يعادل 50 جنيها إلى 40 درهما، أى ما يعادل 80 جنيها مصريا. ويتحدث محمد إسماعيل، وهو مصرى متزوج من مغربية، قائلا: حضرت هنا إلى المغرب بصحبة زوجتى التى تعرفت إليها فى مصر، وارتبطت بها وقررت السفر معها إلى المغرب، التى عشقت جوها والعيش بها، وقد بحثت عن فرص للعمل لكن لم يحالفنى الحظ فى فرصة عمل جيدة، إلى أن عملت فى تجارة الملابس لكن بشكل بسيط، فقد كنت أشترى العباءات المصرية وبدل الرقص والشيشات من مصر لبيعها فى المغرب، وعند سفرى من المغرب إلى مصر كنت أبيع اللوف المغربى المميز والصابون والطمى، وباقى أدوات التنظيف المميزة للمغرب، والتى يبحث عنها المصريون بشغف مثل الزيوت الطبيعية وأهمها زيت أرجان. ظللت أعمل كذلك لسنوات إلى أن جمعت مبلغا جيدا من المال تمكنت من خلاله من إقامة مطعم للمأكولات المصرية التى يبحث عنها المغاربة ويتساءلون باستمرار عنها، وبالفعل حقق هذا المشروع نجاحا كبيرا والحمد لله يسير بمعدل جيد الآن. ويستكمل الحديث الرشيدى محمد، وهو مغربى تزوج من مصرية، وقد كانت مهنته الأساسية بائعا متجولا على الأرصفة المغربية، وبمرور الوقت وجد نفسه يمر بعثرات مادية كبيرة، وكانت زوجته تساعده فى إعداد وجبات وأكلات مصرية وتبيعها للمغاربة وللمصريين فى المناسبات المختلفة كالكعك فى العيد، وأيضا الفسيخ المنزلى والمحشى والكشرى والبسبوسة والفطير المشلتت. ويستكمل الحديث قائلا: وجدت زوجتى تكسب دراهم أكثر منى بكثير، ومن هنا قررت أن أبيع ذهبها لبدء مشروع مطعم مصرى يقدم للمغاربة والمصريين، وبالفعل حقق النجاح نفسه الذى حققته زوجتى، لكن بشكل أكبر، وكان الأساس الاستناد على ولع المغاربة بالأكل المصرى.
عشرة طاولة فى عمانالأردنية فى قلب عمان، العاصمة الأردنية وتحديدا فى شارع الملك طلال، يوجد مطعم ومقهى القاهرة.. صاحب المطعم فلسطينى الجنسية، لكنه عاشق لمصر والمصريين، ويرى أن اسم مصر فى حد ذاته وسيلة للربح المادى.. سمير الحجاوى أسس محلا كبيرا مكونا من 6 طوابق، نقش على حوائطه صور عديدة للمسجد الأقصى، تعانقها صور الأهرامات المصرية، تتصدر المحل صورة الجد الأكبر لصاحب المحل يرتدى الطربوش الأحمر الذى كان يرتديه المصريون فى فترة الملكية بجانبها صورة الملك عبد الله حاكم الأردن. كان الحجاوى حريصا على أن تكون العمالة فى المطعم من المصريين الذين أتوا من محافظات مختلفة سهل لهم صاحب المقهى فرص العمل والتصاريح اللازمة، وذلك حبا وولعا بالمصريين وبقدرتهم الكبيرة على التفانى فى العمل. وقد نال المطعم شهرة واسعة وذاع حيثه فى جميع أنحاء الأردن، والدليل على ذلك أن المحل قد بدأ بطابقين فقط منذ تأسيسه عام 1952، إلى أن أصبح 6 طوابق ليتجمع به المصريون ليستأنسوا فى غربتهم بصحبة مالكه الفلسطينى يدندنون الأغانى المصرية ويتناقشون فى أحوال بلادهم داعين لها بالسلامة. من بين المصريين الحريصين دائما على زيارة مطعم القاهرة مصطفى السيد مصرى يعيش بصحبة زوجته الأردنية ريم عادل، الذى تحدث قائلا: عرفنى صديق فلسطينى على هذا المطعم من خمس سنوات..فقد كان يجتمع هو وأصدقاؤه بشكل يومى على طاولته للاستماع إلى أغانى الست أم كلثوم، وتناول الوجبات المصرية المميزة وعندما تعرفت إليه لأول مرة قال ليه ما نتقابل اليوم على مقهى القاهرة وفوجئ أننى كنت لا أعرف مقهى القاهرة فكنت ما زلت حديثا فى الأردن. ومنذ الوهلة الولى عشقت المكان الذى لم يشعرنى بالغربة قط. بل كنت أشعر داخله، وكأننى فى أحد وسط القاهرة، وهو يعد كل وجباتنا المصرية مثل الفتة المصرية وفتة الكوارع والملوخية وصينية البطاطس والأرز وكثير من الوجبات الأردنية الشهيرة بنكهات مصرية. أما زياد خلف، وهو أردنى فلسطينى دائم التردد على مقاهى المصريين فيقول: نحن الأردنيين عاشقون للمصريين والفن المصرى والأكلات المصرية، ونأتى كل يوم أنا وأصدقائى نجلس هنا على مقهى المصريين نلعب الطاولة ونتناول البسبوسة المصرية، ونضحك على أحلى النكات المصرية، فنحن المتعارف لدينا عن المقاهى أنها مقاه مصرية فى الأساس كنا نشاهدها فى المسلسلات والأفلام المصرية مثل مسلسل ليالى الحلمية وغيرها، وأنا عاشق لهذا المسلسل بكل أجزائه، لذا فأنا مدمن للجلوس على هذه المقهى وأتردد عليها بشكل يومى وألتقى بأصدقائى فيها سواء أصدقاء مصريين أو غير مصريين.