محاولات أنقرة المستمرة لنفى الإبادة الجماعية لشعبنا هو تكرار للجريمة حذرنا منذ زمن من مخاطر ممارسات تركيا بالمنطقة ولا نثق بها
العثمانيون أبادوا من الأرمن 1,5 مليون شهيد منذ 103 سنوات
ما يحدث فى أرمينيا فى هذه الأيام يشير إلى وصول مجتمعنا إلى مستوى عال من الديموقراطية، وعلى الرغم من عمق الأزمة السياسية ودرجة التوتر العالية فإن المظاهرات كانت سلمية تماماً خالية من أى نوع من العنف، سواء من قبل المعارضة والسلطات على حد سواء. هكذا وصف الدكتور أرمين ميلكونيان سفير جمهورية أرمينيا فى مصر ل«الأهرام العربى» طبيعة الأزمة السياسية فى أرمينيا، وقال إنه برغم كل شىء، فقد تمت الموافقة بين الحكومة والمعارضة الشعبية لوقف جميع المظاهرات والاحتجاجات احتراما لذكرى الشهداء. وقد اشترك عشرات الآلاف فى مسيرة إلى النصب التذكارى للإبادة التى قام بها العثمانيون ضد الأرمن فى وسط يريفان، عاصمة أرمينيا. مؤكدا أن العلاقات الأرمينية المصرية العالية المستوى مبنية على أساس الروابط التاريخية والحضارية القوية بين الشعبين الصديقين.
إن ما يحدث فى أرمينيا فى هذه الأيام، يشير إلى توصل مجتمعنا إلى مستوى عال من الديمقراطية. ففى 9 إبريل الماضى، اكتملت المرحلة الانتقالية فى أرمينيا من النظام الرئاسى إلى النظام البرلمانى، وانتخب المجلس القومى سيرج ساركسيان، رئيس الجمهورية السابق، رئيسا للوزراء. ولقد آثار ذلك موجة كبيرة من الاحتجاجات فى جميع أنحاء البلد. وبدأت مظاهرات سلمية مستمرة، وترأس هذه المظاهرات نائب المجلس المعارض نيكول باشينيان بمطالبة استقالة ساركسيان. ومن أجل تخفيف حدة التوتر، قدم ساركسيان استقالته من منصبه يوم 23 إبريل الماضى وهذا كان غير متوقع تماماً. وعلاوة على ذلك استمرت المظاهرات بمطالبات أخرى كإسقاط الحزب "الجمهوري" الحاكم وانتخاب النائب المعارض باشينيان رئيس الوزراء الجديد، وتحدد فى مايو الجارى يوماً لانتخاب رئيس الوزراء الجديد من جانب المجلس القومى تليه تشكيل الحكومة الجديدة. والجدير بالذكر، بأن رغم عمق الأزمة السياسية ودرجة التوتر العالية كانت المظاهرات سلمية تماماً خالية من أى نوع من العنف سواء من قبل المعارضة أم السلطات على حد سواء.
أرمينيا بلد غير ساحلي، لها حدود برية مع أربع دول: جورجيا، إيران، تركياوأذربيجان. وعلاقات أرمينيا مع جورجياوإيران ممتازة. وهناك تعاون متبادل نافع فى مختلف المجالات خصوصًا فى الاقتصاد والزراعة والطاقة والنقل والسياحة والثقافة وتبادل تجارى نشيط وغيرها، أما تركيا فليست هناك علاقات دبلوماسية بين البلدين بسبب سياسة تركيا غير البناءة. والحدود بين البلدين مغلقة من قبل تركيا منذ عام 1993. وأما على مستوى أرمينيا، ففى عام 2008 قامت بمبادرة لتطبيع العلاقات. ولكن فى نهاية المطاف، فشلت تلك المبادرة وذلك لأن أنقرة لم تتخل عن سياسة فرض الشروط المسبقة وهذا بالطبع أمر غير مقبول بالنسبة لنا.
وكذلك مع أذربيجان ليست هناك أيضا علاقات بسبب قضية ناجورنوكاراباخ. وتستمر أرمينيا دائماً فى بذل جهودها لحل سلمى للقضية وهى ملتزمة بعملية السلام والمفاوضات تحت رعاية مجموعة مينسك لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبى المبنى على أساس مبادئ القانون الدولى مثل عدم استخدام القوة أو التهديد بها، ومساواة حق الشعوب، وحق تقرير المصير ووحدة الأراضي. أما أذربيجان فترفض بعناد الاعتراف بحق شعب ناجورنو كاراباخ بتقرير مصيره وكذلك جميع الاقتراحات لإزالة التوتر ومنع تصعيد الوضع فى المنطقة، واتخاذ تدابير بناء الثقة وتستمر فى انتهاكات نظام وقف إطلاق النار.
كيف ترى النفوذ التركى فى الشرق الأوسط؟
حذرنا منذ زمن من مخاطر الممارسات التصعيدية لتركيا فى الشرق الأوسط. وكررنا مرارا أن تركيا ليس شريكا موثوقا. كان الكثيرون يحاولون سابقا إقناعنا بأن الأمر ليس كذلك تماما. ولكن التطورات اللاحقة أثبتت أننا كنا على الحق.
كيف استعدت أرمينيا هذا العام لإحياء ذكرى الإبادة الأرمينية؟
فى 24 إبريل الماضى، تم إحياء ذكرى مليون ونصف المليون من الشهداء الأبرياء للإبادة الجماعية الأرمينية التى حدثت قبل 103 أعوام من جانب الإمبراطورية العثمانية. وبرغم الأزمة السياسية فى أرمينيا، تمت الموافقة بين الحكومة والمعارضة الشعبية لوقف جميع المظاهرات والاحتجاجات يوم 24 إبريل احتراما لذكرى الشهداء. وقد اشترك عشرات الآلاف فى مسيرة إلى النصب التذكارى للإبادة فى وسط يريفان، عاصمة أرمينيا. وبذلك عرضنا للعالم أجمع أنه على الرغم من أن الغرض من الإبادة كان القضاء التام على الشعب الأرمينى، فإننا مازلنا موجودين فى وطننا المجيد بعد مرور أكثر من قرن من الإبادة. ونحن متوحدون وأقوياء ومستعدون لمواجهة أى تحديات أو مخاطر. إن أرمينيا والشعب الأرمينى يسعيان إلى الاعتراف الدولى بالإبادة الجماعية الأرمينية وكذلك إدانتها والقضاء على عواقبها. أما المحاولات المستمرة لتركيا لنفى الإبادة الأرمينية فهى نوع من تكرار لتلك الجريمة ضد الإنسانية. وجدير بالذكر أن حوالى ثلاثين دولة ومنظمات دولية مختلفة قد اعترفت بالإبادة الأرمينية.
كيف ترى بلادكم تطور الأوضاع فى مصر؟
منذ عام 2009، توليت منصبى كسفير لجمهورية أرمينيا فى مصر وشهدت شخصيا جميع فترات الصعود والهبوط، ويمكننى الآن أن أقول بصراحة تامة إننى معجب بقدرة المصريين حكومة وشعبا للتصدى والتغلب على التحديات والأزمات وخصوصا الإنجازات التى تمت فى الفترة الأخيرة فى السياسة الإقليمية والاقتصاد والإصلاحات والمشاريع الضخمة والأمن ومحاربة الإرهاب وغيرها.
ماذا عن العلاقات الأرمينية المصرية؟
العلاقات الأرمينية المصرية العالية المستوى مبنية على أساس الروابط التاريخية والحضارية القوية بين الشعبين الصديقين. وتطورت تلك العلاقات بشكل ديناميكى على أساس الثقة المتبادلة وفى جو من التفاهم حول القضايا ذات الأهمية المشتركة. ويوجد هناك حوار سياسى نشيط بين الجانبين على الصعيد الثنائى وكذلك تعاون مثمر فى إطار المنظمات الدولية.
فيما يخص العلاقات الاقتصادية الأرمينية المصرية، فهناك تطور كبير، وخصوصا بعد الزيارة الرسمية لوزيرة الاستثمار والتعاون الدولى السيدة سحر نصر ليريفان فى سبتمبر 2017 بمناسبة انعقاد اللجنة الحكومية الأرمينية المصرية المشتركة. وكشفت هذه الزيارة عن إمكانيات جديدة للاستثمار والتبادل التجارى وإنجاز مشاريع ثنائية فى مجالات مختلفة مثل النسيج والأدوية والسياحة والمجالات الأخرى.
ورحبت أرمينيا بصفتها عضوا فى الاتحاد الاقتصادى الأورو آسيوى بنية مصر فى التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الذى يعتبر سوقا ضخما لحوالى 170 مليون نسمة. ونعتقد أن هذا الأمر سيفتح آفاقاً جديدة لتعميق العلاقات الاقتصادية بين بلدينا الصديقين.
وإذا كان الإرهاب يعتبر واحدا من أكبر التحديات التى تواجهها البشرية هذه الأيام. فقد أعلنت أرمينيا مرات عديدة وعلى أعلى المستويات عن تدعيم مصر فى حربها ضد الإرهاب. كما تقدر أرمينيا دور مصر كقوة إقليمية مهمة فى تعزيز السلام والأمن فى الشرق الأوسط.