سعر الجنيه الإسترليني اليوم الجمعة 10 مايو 2024    محافظ أسيوط: مواصلة تركيب بلاط الانترلوك بالشوارع الضيقة بمدينة منفلوط    الجيش الإسرائيلي يعلن إصابة 12 جنديا هاجمتهم الدبابير في غزة    جامعة «أريزونا» تطرد أستاذا جامعيا بعد تعديه على امرأة مسلمة داعمة لفلسطين    الامين العام للأمم المتحدة يدعو قادة الاحتلال وحماس للتوصل إلى صفقة لوقف إراقة الدماء    موعد مباراة الخليج والوحدة اليوم في الدوري السعودي والقنوات الناقلة    الأهلي يهنئ نادي غزل المحلة بالعودة للدوري الممتاز    محافظ أسيوط: حملات مكثفة على الأسواق بالمراكز والأحياء    خلال 24 ساعة.. تحرير 16 ألف مخالفة مرورية متنوعة    «تالجو ومكيف وروسي»..تعرف على مواعيد القطارات خط «القاهرة/ الإسكندرية» والعكس    وزير السياحة يشارك في الاحتفال السنوي بيوم أوروبا    19 عرضا مسرحيا مجانيا لقصور الثقافة بأسيوط    قبل ساعات من عزاءها.. من هي سوسن المارديني والدة يسرا اللوزي؟ وتفاصيل عملها في «ديزني»    الملتقى الأول لشباب الباحثين العرب بكلية الآداب جامعة عين شمس    تشكيل هيئة مكتب نقابة أسنان القليوبية    الاتحاد الأوروبي يدين الهجوم على مباني الأونروا في القدس الشرقية    أوكرانيا: روسيا بدأت هجوماً برياً في منطقة خاركيف    نقيب الفلاحين يعلن دعمه لاتحاد القبائل العربية بقيادة العرجاني    إزالة حالة تعدي على أرض زراعية بقرية الفاوية في قنا    محلل أداء منتخب الشباب يكشف نقاط قوة الترجي قبل مواجهة الأهلي    بيرسي تاو يحصد جائزة أفضل لاعب في اتحاد دول جنوب إفريقيا    حملة بحي شرق القاهرة للتأكد من التزام المخابز بالأسعار الجديدة    «المشاط»: 117 مشروعًا لدفع مشاركة المرأة وتمكينها اقتصاديًا واجتماعيًا    وزيرة التخطيط: 7.7 مليار جنيه استثمارات عامة لمحافظة الأقصر خلال 23-2024    تشييع جثمان عقيد شرطة ضحية تصادم سيارة مع جمل ببني سويف    مشاجرة بين عائلتين بالأسلحة البيضاء وإصابة شخصين بالفيوم    حفاران حطما الجدران.. كيف ساهمت مياه الشرب في إخماد حريق الإسكندرية للأدوية؟- صور    وزيرة الهجرة تشهد احتفال «يوم أوروبا» وتؤكد: علاقات متميزة وتعاون وثيق بمختلف المجالات    محافظ بني سويف يوجه بمتابعة استمرار التسهيلات في تلقى طلبات التصالح بالقانون الجديد 187    إحتفاء بذكرى ميلاده..محافظ الشرقية يؤدى صلاة الجمعة بمسجد الدكتور عبدالحليم محمود في بلبيس    سنوات الجرى فى المكان: بين التلاشى وفن الوجود    خطيب الجمعة ب "الأزهر": الحضارة الإسلامية حوربت عبر تشكيك المسلمين في تراثهم    الأدلة 60 صفحة.. توضيح مهم لمفتي الجمهورية بشأن التعامل مع البنوك    الرعاية الصحية: تقديم 16 مليون خدمة طبية بالمستشفيات والوحدات التابعة    عادات يومية للتحكم في نسبة السكر بالدم.. آمنة على المرضى    وزير الري يلتقى المدير الإقليمي لمكتب اليونسكو بالقاهرة    الكشف الطبي بالمجان على 1282 مواطنًا في قافلة طبية بدمياط    دعاء الجمعة للمتوفي .. «اللهم أنزله منزلا مباركا وأنت خير المنزلين»    الجيش الإسرائيلي و"حزب الله" يتبادلان القصف    انطلاق فعاليات القوافل التعليمية لطلاب الثانوية العامة بالشرقية    في محكمة الأسرة.. حالات يجوز فيها رفع دعوى طلاق للضرر    الاستغفار والصدقة.. أفضل الأعمال المستحبة في الأشهر الحرم    رحلة مبابي في باريس تنهي بمكالمة الخليفي    هنا الزاهد وشقيقتها فرح يرقصان في حفل زفاف لينا الطهطاوي (صور وفيديو)    رد فعل محمد عادل إمام بعد قرار إعادة عرض فيلم "زهايمر" بالسعودية    تجنب 4 أطعمة لتقليل خطر الإصابة بالسرطان    الإسكان تناقش آليات التطوير المؤسسي وتنمية المواهب    463 ألف جنيه إيرادات فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة في يوم واحد بدور العرض    حماس: الكرة الآن في ملعب الاحتلال للتوصل لهدنة بغزة    فضل يوم الجمعة وأفضل الأعمال المستحبة فيه.. «الإفتاء» توضح    شخص يطلق النار على شرطيين اثنين بقسم شرطة في فرنسا    لمواليد 10 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    الناس بتضحك علينا.. تعليق قوي من شوبير علي أزمة الشيبي وحسين الشحات    3 فيروسات خطيرة تهدد العالم.. «الصحة العالمية» تحذر    مايا مرسي تشارك في اجتماع لجنة التضامن الاجتماعي بمجلس النواب لمناقشة الموازنة    رد فعل صادم من محامي الشحات بسبب بيان بيراميدز في قضية الشيبي    اللواء هشام الحلبي يكشف تأثير الحروب على المجتمعات وحياة المواطنين    نهائي الكونفدرالية.. تعرف على سلاح جوميز للفوز أمام نهضة بركان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكومة أردوغان .. ودبلوماسية كرة القدم بين أنقرة ويريفان
نشر في محيط يوم 03 - 05 - 2015

إذا أردنا الحديث عن سياسات الحكومة التركية الحالية ( أردوغان وحزب العدالة والتنمية ) تجاه القضية الأرمنية أو أحداث عام 1915م التي اصطلح إعلاميًا على تسميتها بالمذابح العثمانية ضد الأرمن ، فإننا ينبغي علينا عرضها من خلال دبلوماسية حكومة أنقرة تجاه جمهورية أرمينيا الجارة التاريخية اللدودة لتركيا .
بل لنذهب إلى أبعد من ذلك ، فنضع هذه السياسات في إطارها العام من الإستراتيجية السياسية التي ينتجها الحزب الحاكم في تركيا ، حزب العدالة والتنمية منذ توليه السلطة عام 2002م .
كان ذلك الحزب هو أخف الأحزاب التركية الإسلامية راديكالية وأنعمها في الوصول إلى السلطة بأغلبية مطلقة وتاريخية لم ينلها أي فصيل أيديولوجي تركي منذ قيام الجمهورية التركية سنة 1924م، هذه النعومة أو " القوة الناعمة " هي التي مكنت أردوغان وحزبه من الاستمرار في السلطة كل هذه الفترة دون منافسة قوية .
كما أن تلك الحكومة كانت تعرف طريقها ومستقبلها حتى قبل مجيئها للسلطة، فإن السياسة الخارجية التركية تتبع بشكل كبير كل ما جاء في كتاب مُنَظِّرها ووزير خارجيتها أحمد داود أوغلو ، أستاذ العلوم السياسية الذي اختاره أردوغان كبيرًا لمستشاريه ، أصدر أوغلو أحد كتبه عام 2001م، ويحمل عنوان : " عمق الإستراتيجية ... مكانة تركيا في السياسة الدولية "، والذي يعرض فيه لمعالم الإستراتيجية التي تلتزم بها أنقرة في سياستها الخارجية ، وهي تستند إلى ركائز خمسة أساسية هي :
1. دعم الحريات ، والعمل على استقرار الجبهة الداخلية ؛ لمواجهة الأخطار الأمنية التي تهدد البلاد عبر المصالحة الوطنية مع كافة الإثنيات والفصائل .
2. تصفير المشكلات ، بمعنى تفكيك هذه المشكلات وحلحلتها بما يضمن وصولها إلى درجة الصفر، وبذلك يتم نزع فتيل التوتر في العلاقات الدولية التركية إقليميًا ودوليًا .
3. إبعاد تركيا عن التصنيفات الدولية وتقسيماتها؛ أي إعلان استقلالية وتفرد السياسة التركية تجاه التحركات الاستقطابية الدولية، ونأيها بنفسها عن كل المحاور؛ سواء محور الخير أو محور الشر كما سماه بوش الابن ، والسعي للوقوف على مسافة واحدة من كل الأطراف ؛ ليمكنها ذلك من لعب دور الوسيط المحايد .
4. إنهاء مقولة أن تركيا جسر بين الشرق والغرب ، وتجاوز هذا الدول إلى دور القاطرة التي تجر ما حولها من الدول ، والبروز كلاعب رئيسي في المنطقة .
5. الانتشار الإقليمي عبر تنشيط المسارين العربي والإسلامي الذين يمثلان العمق التاريخي والجغرافي للوجود التركي والعثماني قبله .
وفي إطار هذه الركائز الخمسة – وغيرها – من النشاط الدبلوماسي التركي يمكننا تتبع وضعها وتنزيلها على أرض الواقع .
فقد بدأت تركيا بدول الجوار في عقد اتفاقيات تفاهم وتعاون معهم ، وإزالة للحواجز وإذابة للجليد .
ولعل أبرز ما يستلفت الأنظار هو الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس التركي عبد الله جول إلى أرمينيا في السادس من سبتمبر سنة 2008م، وذلك في إطار تلبيته لدعوة الرئيس الأرمني سيرج سركسيان لحضور مباراة في كرة القدم بين البلدين ضمن التصفيات المؤهلة للمشاركة في كأس العالم لسنة 2010م .
وقد أعلنت مؤسسة الرئاسة التركية حينها أن هذه الزيارة زيارة تاريخية؛ لأن جول هو أول رئيس تركي يقول بمثل هذه الزيارة التي تشكل أهمية كبرى في تطبيع العلاقات بين البلدين ، كما أنها – الرئاسة التركية – تعتبر المباراة إلغاء للعوائق التي تحول دون تقارب شعبين يتقاسمان تاريخًا مشتركًا، كما أنها سترسي أسسًا جديدة .
كما نشر الرئيس جول على موقعه الرسمي قبل الزيارة أنه يأمل في أن تتيح الزيارة فرصة للبلدين للتفاهم بشكل أفضل ، وخلق مناخ جديد من الصداقة في المنطقة .
والجدير بالذكر هنا أنه بعد لقاء الرئيسين وتناول إحدى أهم القضايا وهي أحداث عام 1915م، تم اقتراح عمل لجنة علمية دولية لبحث حقيقة هذه المذابح، وكان تعليق الرئيس الأرمني أنه " ربما تكون تلك بداية جديدة " .
هذا التعليق فتح آفاقًا جديدة للحلول الدبلوماسية ، ونقل حلبة الصراع من الساحات السياسية والدبلوماسية إلى الساحات البحثية والأكاديمية.
وفي العام التالي وتحديدًا في بداية شهر أكتوبر من سنة 2009م وجه الرئيس التركي دعوة رسمية إلى الرئيس الأرمني لحضور مباراة العودة بين البلدين، والتي ستقام في مدينة " بورصة " .
وكانت البلدين ( تركيا ، أرمينيا ) قبيل إقامة مباراة العودة قد وقعتا في زيورخ بسويسرا اتفاقات تاريخية تهدف إلى إقامة علاقات دبلوماسية وإعادة فتح الحدود . وقد روجت وسائل الإعلام أن هذا التوقيع جاء بعد وساطة سويسرية نشطة ودعم أمريكي قوي .
وقد انبثقت مجموعة " منسك " عن منظمة الأمن والتعاون الأوربي ، بزعامة رؤساء أمريكا وروسيا وفرنسا ، قامت هذه المجموعة برعاية الجهود الدبلوماسية ورسم خارطة الطريق لتطبيع العلاقات بين تركيا وأرمينيا، وكان ذلك في صيف 2007م .
لكن ثمة بعض العوائق التي تعترض التنفيذ الفعلي لما تم التوقيع عليه، فأردوغان يشترط إحراز تقدم في مسألة ناجورنو كاراباخ ، وهو الإقليم المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان الجار والحليف الرئيسي لتركيا .
وكان الرئيس الأرميني قد علق قبوله دعوة نظيره التركي لحضور المباراة بشرط فتح الحدود الدولية بين البلدين .
لكن تركيا فتحت بابًا آخر للأمل في مسيرة دبلوماسية متنامية بين القطرين ؛ إذ أعلن أردوغان أنه " صحيح أنه لدينا مشكلات لم تحل مع أرمينيا ، لكننا نعتقد أن هذه المشكلات يمكن معالجتها استنادًا إلى نية طيبة ". وتوقع أن بلاده ستواصل إجراء حوار مع أرمينيا " بهدف إرساء علاقات تليق بدولتين جارتين " .
لكنه أكد في الوقت ذاته أن التقارب بين بلاده وبين أرمينيا لن يؤثر في العلاقات الأخوية مع أذربيجان التي هي على خلاف مع يريفان ...
وأنه في إطار الآلية التي تنتهجها تركيا مع أرمينيا، فإن تركيا " تسعى جاهدة لصون مصالح الشعب الأذربيجاني الشقيق والصديق ؛ على غرار المصالح التركية " .
وعند عودتنا إلى مسألة الحدود التركية – الأرمينية ؛ نجد قرارًا تركيًا أصدره الرئيس سليمان ديميريل عام 1993م بغلق الحدود البرية بين تركيا وأرمينيا تضامنًا مع أذربيجان ؛ حيث قامت الميليشيات الأرمينية خلال الفترة من 1989 – 1993م بهجمات مسلحة ضد إقليم كارباخ واحتلاله ، وهو الذي يمثل نحو 20% من مساحة دولة أذربيجان .
لكن ثمة دواعي وتوازنات سياسية أخرى تؤثر في المشهد وتقوده، وليست هي على الإطلاق دواعي إنسانية أو حقوقية .
وهو ما يدركه ويروج له المحللون السياسيون في تركيا ، ففي مقال للدكتور ياسين أقطاي نشرته جريدة ( يني شفق ) بعد القرار الفرنسي في ديسمبر 2011م ، يقول مفتتحا مقاله:
( علينا أن ندرك أن القانون الذي صادق عليه البرلمان الفرنسي والذي يجرم إنكار الإبادة الجماعية للأرمن عام 1915 ليس له أي علاقة بالأرمن. بل أرادت الإدارة الفرنسية القيام بلفتة طيبة للأرمن الذين يعيشون بها حتى تتمكن من حصد أصواتهم في الانتخابات. ولم يكن قيامها بإصدار هذا القانون عملاً باسم الإنسانية.
وعلينا أن نعي أيضا أن مراجعة كتب التاريخ الآن والبحث عن ما حدث بالضبط لن يجدي نفعاً لتركيا ولا لمن يهتمون بالتاريخ بسبب تلك الأحداث. فهذا الحدث كما أنه ليس له علاقة بالأرمن ليس له أيضاً أي علاقة بالتاريخ. فالتاريخ والأرمن قد تم استغلالهم كأداة رخيصة للسياسة الفرنسية.
وفي سياق فهم اهتمام فرنسا التي مرت بموقف مشابه لهذا قبل ذلك في سبتمبر عام 2006 بالأرمن، فإن فرنسا كما ذكرنا من قبل لها تاريخ أكثر حدة مع الأرمن الذين يعيشون بها. لهذا يكفي إلقاء نظرة واحدة على ما مر به أوائل الأرمن الذين قدموا الى فرنسا.
هل تظنون أن الأرمن يحظون بقبول طيب في فرنسا؟ كلا، ففي حياة كل منهم يمكنكم قراءة العديد من قصص التفرقة بكل أنواعها والتي لا تقل أبداً عن ما تعرض له اليهود في ألمانيا قبيل الحرب.)
ثم ينقل الدكتور أقطاي المواجهة إلى مستوى آخر ، فلا يلجأ إلى الدفاع ، إنما يعمد إلى الهجوم قائلا :
( فقد حظيت الأجيال الأولى من الأرمن بنصيبهاً من السياسات العرقية والطبقية التي تنتهجها فرنسا-التي تبدو الآن وكأنها تبنت دور حماية الأرمن- اليوم تجاه مواطنيها ذوي الأصول المغربية والجزائرية. فما قامت به من تصرفات تجاه ذلك العرق والذي لا يختلف من الناحية العرقية عن الترك والعرب هي تصرفات وحشية تقشعر لها الأبدان. ففي الحرب العالمية الثانية تم وضعهم في مقدمة الصفوف الأمامية في الجبهة وأُبيدَ معظمهم ولم يستطع أحد حتى تسجيل هذه الإبادة الجماعية.
واليوم أيضاً وضعت فرنسا نفس الأرمن في المقدمة لإزالة الألغام بهم. ولا يهم هنا إذا كان شتات الأرمن في فرنسا برغبتهم أم لا.
في الحقيقة لا داعي لذكر تاريخ أي إبادة جماعية أخرى لفرنسا بمناسبة هذا الحدث. فالأمر ليس له أي علاقة لا بالتاريخ ولا بالأرمن. بل هو مرتبط تماماً بنظرة فرنسا اليوم تجاه تركيا. كل ما في الأمر أن فرنسا استغلت هذا الحدث لتعبر عن مشاعرها تجاه تركيا.)
ويواصل توجيه الضربات إلى فرنسا من نفس السلاح وبنفس المنطق الذي تحارب به :
( يبدو أن فرنسا التي حاولت جر تركيا الى موضوع الإبادة الجماعية لن تخرج بسلام من هذا الأمر. فقد أضرت بقيمها التي أرست هي مبادئها(دعك من الأخوة والمساواة) بل أضرت بحرية الفكر. ولعبت بذكريات مواطنيها من الأرمن, وأضرت بتاريخها هي وضحت بكل مكاسبها المحتملة من تحالفها الذي كان ممكناً مع تركيا.)
يشير المقال السابق إلى أحدث هذه القرارات الدولية المتخذة ضد تركيا هو القرار الفرنسي وهو تصويت مجلس النواب الفرنسي لصالح مشروع قانون يعاقب رافضي الاعتراف بأن قتل الأرمن عام 1915 على أيدي الأتراك العثمانيين يعد "إبادة جماعية"، بالسجن حتى سنة وغرامة مقدارها 45 ألف يورو، وهو القرار الذي أثار موجة عاصفة من التوتر في العلاقات القلقة أصلا بين أنقرة وباريس.
فرغم أن فرنسا كانت واحدة من مجموعات " منسك " التي رعت التطبيع بين تركيا وأرمينيا ؛ إلا أنها دائمًا ما تستخدم فزاعة " المذابح الأرمينية " في وجه الطموح التركي نحو الانضمام إلى الاتحاد الأوربي ؛ لكسب ود وأصوات عدد لا يستهان به من الأرمن الفرنسيين .
كما أن العداء الشخصي من لدن بعض الرؤساء الفرنسيين تجاه تركيا والأتراك المسلمين ؛ هو أحد محركات السياسة الفرنسية تجاه تركيا والمسألة الأرمينية ، وقد وصل هذا العداء إلى أن وصفه بعض المراقبين بأنه "عنصرية".
فقبل سنوات، أعلن الرئيس الفرنسي الأسبق فاليرى جيسكار ديستان، أن الاتحاد الأوروبي ناد مسيحي لا مكان لتركيا المسلمة فيه. ومؤخرا اقترح الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي بالتنسيق مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل خيار "الشراكة المميزة" بين تركيا والاتحاد الأوروبي باعتباره أفضل صيغة ممكنة للعلاقة بين الطرفين يمكن لأنقرة بلوغها كبديل عن منحها العضوية الكاملة في النادي الأوروبي.
وكان آخر نماذج هذه الحسابات الانتخابية موقف الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي ، الذي طرح مشروع قانون يتعلق بالاعتراف بالمذابح التركية ضد الأرمن ، ويدين بالسجن والغرامة من ينكرها ، وقد تمت الموافقة على مشروع القانون هذا في البرلمان الفرنسي ب 38 صوت من أصل 50 صوت ممن حضروا الجلسة؛ أي في غياب معظم النواب الذين يصل مجموعهم إلى 577 نائب ، كما أن الرئيس الفرنسي الحالي كان أحد أبرز وعوده الانتخابية هو الموافقة على ذلك القانون .
الرئيسان الفرنسيان كانا يغازلان أصوات حوالي نصف مليون ناخب أرمني في فرنسا .
الملف للانتباه أن هذه الخطوة الفرنسية الأخيرة حيال القضية الأرمنية قد قوبلت بالاستياء من جانب أوساط فكرية وعلمية فرنسية ترفض اضطلاع البرلمانات عموما- ومن بينها الفرنسي - بكتابة التاريخ أو تشريعه أو تقويمه وتوظيفه سياسيا ، مطالبين بترك الأمور التاريخية للبحث العلمي التاريخي الحر والموضوعي.
كما جوبهت التحركات الفرنسية بعدم ترحيب أوروبي، حيث انتقد مفوّض شؤون توسيع الاتحاد الأوروبي "ستيفان فويلي" مسودة القانون الفرنسي، لأن هناك أطرافا إقليمية ودولية تتحين الفرص لاستخدام هذا الملف للضغط على تركيا وابتزازها.
وليست المسألة بالسهولة التي تتبادر إلى الذهن أن المطلوب من حكومة تركيا هو مجرد الاعتراف بما ارتكبه أسلافهم العثمانيون وجمعية الاتحاد والترقي من أعمال ضد الأقلية الأرمينية إبان الحرب العالمية الأولى وتحديدًا في إبريل 1915م .
لكن الأرمن اليوم يطالبون بمطالب وأهداف أربعة تتلخص في النقاط التالية :
1. اعتراف الدول الكبرى والمنظمات الدولية ب " إبادة الأرمن " .
2. اعتراف تركيا بهذه الإبادة تحت ضغوط تلك المنظمات والدول وتحت شعار "مصالحة تركيا مع تاريخها".
3. إجبار تركيا على دفع تعويضات مادية إلى ضحايا " المذابح " .
4. ضم جزء من شرقي الأناضول إلى أرمينيا ، فيما يسمى بأرمينيا التركية .
وهذا ما يمكن استخلاصه من نصوص القرارات والتصريحات الدولية ، أو بمعنى آخر الإدانات التي سعت الأقليات الأرمينية في المهاجر " اللوبي الأرمني " إلى استصدارها من البرلمانات والهيئات التشريعية والمنظمات الدولية.
وفيما يتعلق بالمطالب الأخطر – الرابع – ففي وجهة النظر الأرمينية :
تشكل أرمينية التركية حاليًا المقاطعات الشرقية لتركيا، وبشكل أساسي مقاطعات : قارص ، أغرى ، آرضروم ، أرزنجان، بتليس ، موش ، فان . ووفق وجهة النظر الأرمينية أيضًا : يمكن إدراج الأسس القانونية لمطالبة الأرمن بالمناطق المعروفة بأرمينيا التركية على النحو التالي :
1. حق الملكية التاريخية .
2. مبدأ تقرير المصير .
3. معاهدة سيفر ( 10 آب 1920 ).
وفيما يتعلق بالمطلب الثالث – التعويضات – يرى الأرمن أنه : في ضوء القانون القياسي والآراء المشار إليها –في بعض القضايا ذات الطابع الدولي– وفي ضوء الوقائع التاريخية يتضح أن تركيا تواصل الشخصية القانونية للإمبراطورية العثمانية السابقة، وتتحمل أمام القانون الدولي المسئولية الدولية الناجمة عن الأخطاء والأعمال التي ارتكبتها الإمبراطورية مع الالتزام بالتعويض عن الأملاك وإعادتها( ).
والمطلب الثاني – اعتراف تركيا – يتعلق وفق النظرة الأرمينية بكون تركيا وريثة الدولة العثمانية إذ أن الإمبراطورية العثمانية هي التي كانت قد خططت ونفذت جريمة إبادة الأجناس، فإن تركيا الحالية تعتبر وريثة وخليفة للإمبراطورية العثمانية بموجب القانون الدولي( )، وهي بذلك تكتسب جميع الحقوق ، ويترتب عليها جميع التزامات الإمبراطورية.
إن مجازر الأرمن على يد الحكومة التركية تشكل جريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي العرفي( ).
ونأتي أخيرًا إلى المطلب الأول – الاعتراف الدولي – للأرمن الذين يرون أن مسؤولية الدول الكبر تجاه القضية الأرمينية الناجمة عن الإخلال بالتزاماتها تجاه الأرمن تستند على : ‌
أ. المسئولية المترتبة بموجب معاهدة برلين عام 1878. ‌
ب. المسئولية المترتبة عن التصريحات المعلنة خلال الحرب العالمية الأولى. وإذا ما دققنا بعناية في بعض هذه التصريحات فإنه سيتبين أنها ليست مجرد تصريحات عن النوايا فحسب، بل وعودًا رسمية تصبح التزامات تعاقدية من خلال قبول ضمني، وخاصة عندما يقطع هذه الوعود أشخاص يتمتعون بسلطات تلزم دولهم. ‌
ج. المسئولية المترتبة بموجب معاهدة سيفر عام 1920 . ‌
د. المسئولية المترتبة بموجب معاهدة لوزان عام 1923( ).
إلا أننا يمكننا أن نلمس بوضوح مطلب خامس ملح ، وهو دعوة هذه التصريحات إلى معاملة الأقلية الأرمينية في تركيا المعاصرة معاملة عادلة ، ومنحها حرياتها الدينية والثقافية والسياسية وغيرها .
وهو ما يذكرنا بالبدايات الأولى للمسألة الأرمينية التي بدأت بالتدخل في الشئون العثمانية لصالح إصلاحات الأقلية الأرمينية من وجهة نظر إنسانية ، وما لبث أن تطور الأمر إلى تدويل المشكلة ، واتخاذها ذريعة قوية لتتدخل في الشئون العثمانية، وإحدى ورقات الضغط على هذه الدولة، بل وجعلها ثقلاً مميزًا في مسألة توازن القوى على الصعيد الأوربي والدولي عامة .
والسيناريو نفسه يتكرر من جديد ، مع تعديلاته المعاصرة المناسبة للظروف الراهنة، إذ صارت المشكلة الأرمينية هي " الفزاعة " السياسية التي تضعها الدول الكبرى في الحقل السياسي لعرقلة مسيرة تركيا الساعية إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوربي .
والنقطة الأبرز في ذلك هو هذا الدعم القوي الذي يتلقاه الأرمن من الدول الكبرى – خاصة أمريكا وفرنسا – كذريعة لاختلاق منفذ وموضع قدم جديد في الشرق الأوسط والقوقاز بعد الخليج والعراق، وكذلك اكتساب دولة " صديقة " في المنطقة مثل إسرائيل.
ولكن أخطر ما في المسألة هو التلاعب بمشكلات الأقليات وإثارة النعرات الطائفية في العالم بصفة عامة، ومنطقة الشرق الأوسط ودول العالم الإسلامي بصفة خاصة ، والتي تثير مشكلات أيديولوجية سرعان ما تتجذر وتتفرع ويصعب اجتثاثها أو علاجها، فيما يسمى بنظرية "الفوضى الخلاقة"، هذه الفوضى التي تضرب الأنظمة وتفكك التكتلات ، ولا تخدم إلا مصالح الدول الكبرى، وتصبح في النهاية الدول " الصديقة "، مثل بيادق اللعب التي تتحرك وفق مصالح "اللاعبين الكبار" دون أي اعتبار للمصالح و"المكاسب المؤقتة" التي ربما يصادفها بيادق اللعب والفزاعات في الحقل السياسي.
وهو ما يجرنا إلى الإشارة إلى الموقف المصري الأخير ، حيث هددت جهات حقوقية بملاحقة الحكومة التركية قضائيا لتحمل مسئولياتها تجاه " المذابح ضد الأقلية الأرمنية " وذلك ردا على الموقف التركي المنحاز ضد الحكومة الانقلابية في مصر كما يسميها أردوغان .
والحق أن هذا الموقف المصري المبالغ فيه ليس له أي مبرر سياسي ولا إنساني ، ولا حتى مسوغ قانوني ؛ فالقضية ليس للحكومة المصرية فيها ناقة ولا جمل ، وهي من قبيل قضايا الحسبة التي ألغاها التشريع المصري ، حيث أن طلب التوكيلات من الأرمن في القضية والادعاء جاء لاحقا بعد الإعلان عنها ، كما أن الجهات التشريعية المصرية المنوط بها اتخاذ مثل هذه القرارات غير موجودة فعليا على أرض الواقع أو القانون ، فقد ألغت السلطات العسكرية المجالس التشريعية بغرفتيها الشعب والشورى كما أوقفت العمل بالدستور وأعلنت قانون الطوارئ ، وهو ما يسلبها أي قواعد قانونية أو دستورية تستند إليها ، كما يضعها في موقف مضحك من جراء تناقضها الواضح ، حيث تعيش في ظل قانون طوارئ ثم هي تعمل لحماية ما تسميه حقوق الأقليات .
والموقف المصري لا يدل إلا على اندفاع متهور غير محسوب من الآلة الإعلامية المصرية ، مما جر كوارث على الاقتصاد المصري الذي يعالج سكرات الموت منذ فترة ، بل هو ملكي أكثر من الملك نفسه ، فإن الأقلية الأرمنية في مصر - والتي تقدرها بطريركية الأمن بنحو عشرة آلاف نسمة - لم تتحرك في هذا الشأن إلا في مناسبات وطنية وبشكل مراسمي وليس بشكل قضائي .
أما عن الموقف الإسرائيلي - وإسرائيل هي الحليف العسكري والاستراتيجي القوي لتركيا منذ عهد الحكم العسكري التركي - فهو لا يختلف عن بقية الدول التي تتخذ من الملف الأرمني ورقة للضغط على تركيا لتحقيق مصالحها فقط ؛ فبعد أيام قلائل على موقف البرلمان الفرنسي، ومن إلغاء إسرائيل لصفقة عسكرية مع تركيا، شرعت الدولة العبرية- التي كانت تعرقل إثارة هذا الملف ليس في برلمانها فحسب بل في برلمانات الولايات المتحدة الأمريكية وبعض البلدان الأوروبية- في المزايدة توخيا للضغط على أنقرة وحملها على إعادة العلاقات المتوترة معها إلى سابق عهدها، حيث ناقشت لجنة التربية والتعليم والثقافة في الكنيست الإسرائيلي اقتراحين حول الاعتراف بالمذبحة التركية ضد أرمن الأناضول عام 1915، وإحياء الذكرى الخاصة بها في 24 من أبريل من كل عام، غير أنها أنهت جلستها دون أن تتوصل إلى قرار حاسم بهذا الخصوص.
الكيان العبري وآلته الإعلامية العالمية التأثير لا تريد من أية قضية إنسانية أخرى أن تخطف الأضواء من قضية المحارق النازية المزعومة ضد اليهود ، لا سيما أن العقوبة التي فرضها التشريع الفرنسي الأخير هي العقوبة نفسها المفروضة علي منكري المحرقة اليهودية بموجب قانون مماثل أصدره البرلمان الفرنسي عام 1990، ثم إعلان مجلس الشيوخ أنه سيناقش مشروع القانون الخاص بالأرمن خلال هذا العام 2012م .
ومن جانب آخر ، فقد سعت الجماعات المسلحة الأرمينية ؛ سواء التي واصلت مسيرتها بعد الحرب العالمية الأولى، أو تلك التي تلتها في التكوين والعمل إلى مواصلة أنشطة لفت نظر العالم وتذكيره بالمشكلة الأرمينية عبر حوادث الاغتيالات والتفجيرات ضد أهداف تركية، لإجبار الأخيرة على الاعتراف بإبادة الأرمن إبان الحرب العالمية ، والانتقام لضحايا هذه الإبادة ، وإيقاظ الشعب الأرمني نفسه الذي تغافل عن حقه وماضيه .
أما بقية التصريحات والقرارات الدولية بشأن المشكلة الأرمنية فيمكننا أن نورد هنا بعضا منها، وهي( ) :
(1) الأرجنتين : المجلس الوطني للأعيان - 19 حزيران 1985 - بيان رسمي .
(2) الأرجنتين : المجلس الوطني للنواب- 17 نيسان 1985- بيان المجلس الوطني للنواب .
(3) الأورجواي : قانون 26 آذار 2004- يوم الاعتراف بالشهداء الأرمن- قانون رقم:17 . 752
(4) الاورجواي : مجلس الأعيان والنواب – 20 نيسان 1965 - قانون رقم: 13. 326
(5) التشيلي : قرار مجلس الشيوخ بخصوص الاعتراف بالإبادة الأرمنية ، أقر في 5 حزيران 2007 .
(6) السويد : البرلمان 29 آذار 2000
(7) الفاتيكان : بيان مشترك - 27 أيلول 2001
(8) اليونان : البرلمان - قرار البرلمان اليوناني 2397 / 1996
(9) ايطاليا : مجلس النواب - 16 تشرين الثاني 2000 -
(10) بلجيكا : مجلس الشيوخ 26 آذار1998 ، قرار رقم : 1-736/3 بخصوص إبادة الأرمن الذين عاشوا في تركيا عام 1915 .
(11) بلغاريا : 20 نيسان 1995 - الجلسة الثانية والأربعون - صوفيا.
(12) روسيا الاتحادية : مجلس النواب الدوما الحكومي للمجلس الفيدرالي - 14 نيسان 1995
(13) سلوفاكيا : البرلمان - 30 تشرين الثاني 2004 قرار البرلمان السلوفاكي رقم : 1341.
(14) سويسرا : المجلس الوطني - 16 كانون الأول 2003 - الاعتراف بالإبادة الأرمنية لعام 1915 .
(15) فرنسا : الجمعية الوطنية - 29 آيار 1998 .
(16) فرنسا : قانون وقعه الرئيس جاك شيراك في 29 كانون الثاني 2001 بخصوص الاعتراف بالإبادة الأرمنية لعام 1915.
(17) فرنسا : مجلس الأعيان - 7 تشرين الثاني 2000 بخصوص الاعتراف بالإبادة الأرمنية لعام 1915.
(18) قبرص : مجلس النواب - 29 نيسان 1982
(19) كندا : مجلس العموم – 21 نيسان 2004
(20) كندا : مجلس الشيوخ – 13 حزيران 2002 - الجلسة الأولى، البرلمان 37 ،
(21) لبنان : مجلس النواب - 11 أيار 2000
(22) هولندا : مجلس النواب - 21 كانون الأول 2004
(23) البرلمان الأوربي
(24) الكونجرس الأمريكي : في 11 أكتوبر 2007 صوتت لجنة الشؤون الخارجية في الكونجرس الأمريكي على مشروع قرار يعتبر ما تعرض له الشعب الأرمني من مجازر خلال الحرب العالمية الأولى عام 1915 على يد الأتراك العثمانيين إبادة جماعية.
أما عن العبارات والمصطلحات التي استخدمتها هذه الدول في قراراتها وتشريعاتها وبياناتها الرسمية فهي تتشابه إلى حد كبير ، وتستخدم الكلمات نفسها وكأنها ( سكريبت ) لبرنامج تليفزيوني تم توزيعه على كل ( القنوات ) ، ونستعرض هنا نماذج من هذه الكلمات :
إبادة جماعية - المجازر المعلومة وغوائل أخرى أصابت الشعب الأرمني - ضحايا الإبادة - أعمال القتل - يدين الإبادة - حملة إهلاك الأرمن - واحدة من أشنع المجازر في هذا القرن - بالإبادة الهمجية - الإبادة الوحشية - الإمبراطورية العثمانية اقترفت إبادة وحشية في أرمينيا - الذبح المخطط والمنظم تجاه الأرمن - الإبادة البربرية - جريمة ضد الإنسانية - إفناء الأرمن -
.... وغيرها من التعبيرات .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.