شهدت الساحة الدولية احتدام الخلاف بين تركيا من جهة، ودولة أرمينيا من جهة أخرى، فيما يعرف بقضية إبادة الأرمن، إبان الحرب العالمية الأولى فى 24 أبريل عام 1915، ومقتل مليون ونصف المليون مواطن من الأرمن على يد الإمبراطورية العثمانية، ما اعتبرته الأخيرة معركة حربية عادية. تتأرجح العلاقات الدولية فى موازين القوى العالمية، بين مؤيد ومعارض للقضية حسب المصالح الاقتصادية والسياسية التى تجمع أطراف الاشتباك، الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، والرئيس الأمريكى باراك أوباما، والبرلمان الأوروبى، والمحكمة الدولية، والبابا فرانسيس أيضًا، وحول الهستريا التى يسببها الاعتراف ب «الإبادة الجماعية» والمكاسب التى تجنيها أرمينيا، تتحدث السطور التالية.الضغوط الدولية على تركيا بعد أن نظرت المحكمة الأوروبية، فى نهاية يناير الماضى دعوى الأرمن ضد تركيا، والتي اتهمت الأخيرة بارتكاب مذابح دموية عنيفة ضد الأولى عام 1915 تتزايد، فهذه القضية والتى تتولى المحامية والحقوقية أمل علم الدين، زوجة النجم الأمريكي جورج كلوني، ملفها الدولى حاول من خلالها الأرمن إثبات ما تعرضوا لها من مذابح على أيدي الأتراك. وفى الوقت الذى اجتمع فيه العشرات من مؤيدي الأرمن أمام مقر المحكمة فى ستراسبورج للمطالبة بالاعتراف بمذبحة الأرمن، يتظاهر فى المقابل المئات من الأتراك خارج المحكمة للتعبير عن ثقتهم فيما ستسفر عنه الجلسة، ويقينهم من إنصاف المحكمة الأوروبية لهم. استياء تركى تركيا تعرب بشدة، عن استيائها لدعوة البرلمان الأوروبى، منتصف مارس الماضى، للدول الأعضاء به للاعتراف بإبادة الأرمن. واعتبرت أن البرلمان الأوروبى انتهج نهجًا أحادي الجانب، حيث إن التقرير يزعم مطالب غير منطقية ولا تمت للقانون بصلة، واستنكرت ما ورد فى تقرير حقوق الإنسان والديمقراطية فى العالم فى 2013، الذى تحدث فى موضوع أحداث 1915، وترى أن هذه العبارات بها إشكالية كبيرة جدًا. وازدادت الأحداث سخونة بعدما وصف البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، ما وقع من أحداث للأرمن فى 1915 ب «الإبادة الجماعية الأولى فى القرن ال20»، أثناء إلقائه خطبة فى كنيسة بطرسبرج، الأمر الذى أثار غضب تركيا ودفعها لاستدعاء سفيرها إلى الفاتيكان فورًا للتشاور فى أنقرة. كلام فارغ واتهم الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، بابا الفاتيكان فرنسيس، بالتحدث ب «كلام فارغ» وحذره من تكرار الملاحظات عن أن الأرمن كانوا ضحايا ل «إبادة جماعية»، قائلا «البابا المبجل لن يرتكب هذا الخطأ مرة أخرى»، مضيفا أنه «يحذر» الزعيم الكاثوليكى، مضيفًا «عندما يتولى السياسيون ورجال الدين عمل المؤرخين، فهم لا يقولون الحقيقة، ولكنهم بدلا من ذلك، يقولون كلام فارغ». وأكد رئيس أرمينيا، سيرج سركيسيان، أنه دعا رئيس تركيا رجب طيب أردوغان ليشارك العالم فى الاحتفالات الرسمية التي أقيمت يوم الجمعة الماضى فى «يريفان»، ولكن الحكومة التركية قررت الاحتفال هذا اليوم بمعركة وقعت خلال الحرب العالمية الأولى بهدف تشتيت انتباه المجتمع الدولى. وأضاف «سركيسيان» أن بلاده تنظم هذا العام فعاليات يشارك فيها المجتمع الدولي بهدف جذب الانتباه لجرائم الإبادة الجماعية التى ارتكبتها الإمبراطورية العثمانية ونتج عنها مقتل 1.5 مليون شخص ومئات الآلاف من اللاجئين، فضلاً عن تأثيرها السياسي والاقتصادى والاجتماعى واللغوى والنفسى على الأرمن. وأشار إلى أن تركيا مازالت تتبنى سياسية الإنكار بالرغم من وقوع جرائم إبادة بشرية مثل الهولوكست وعمليات الإبادة فى روندا، وأخيرًا ما يقوم به تنظيم «داعش» فى العراق وسوريا. وأوضح أن بلاده نجحت فى الدورة 22 من مجلس حقوق الإنسان الدولي فى تبني قرار بإدانة جرائم الإبادة الجماعية، معربًا عن تقديره الكبير للدول التى استضافت مئات الآلاف الفارين من هذه المذابح والعمل على الحفاظ على هويتهم الثقافية. وأشار إلى أرمينيا طورت علاقات التعاون مع الولاياتالمتحدة فى مجالات الأمن والاقتصاد والتي سوف تشهد المزيد من التقدم فى المستقبل، لافتا إلي تقاسم أرمينيا وفرنسا نفس القيم، وأن باريس قدمت المساعدات لأرمينيا فضلا عن موقفها من الإبادة الجماعية. دعوة أمريكية وعلى صعيد آخر، دعت الولاياتالمتحدةتركيا، إلى اعتراف كامل وصريح بالوقائع المرتبطة بالمجازر التى تعرض لها الأرمن، ورغم عدم استخدام كلمة إبادة كما فعل البابا فرنسيس إلا أن هذه التصريحات اعتبرت بمثابة دعوة رسمية لتركيا للاعتراف بالوقائع التاريخية وعدم إنكارها. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ماري هارف، إن «الرئيس أوباما ومسئولين آخرين كباراً فى الإدارة أقروا غالباً بأن ذبح مليون ونصف مليون أرمنى أو اقتيادهم إلى الموت مع نهاية السلطنة العثمانية هو واقعة تاريخية وأعربوا عن أسفهم لذلك». اعتذر رسمى الدكتور عبد الله خليل، استشارى القانون الدولى وحقوق الإنسان، يرى أنه فى حال اعتراف تركيا بارتكاب الإبادة الجماعية فى حق الأرمن، يترتب عليه عدة حقوق فى مقدمتها تقديم اعتذار رسمى باسم الدولة التركية، عما ارتكبته «الديكتاتورية العثمانية»، أى يتحول مسمى «الدولة العثمانية»، وإدانة كاملة لتاريخ العثمانيين بمن فيهم العثمانيون الجدد وممثلهم الرئيس التركى الحالى رجب طيب أردوغان. وأضاف خليل، أن الاعتذار ينتج عنه رد كل الحقوق المالية الأرمينية، الناتجة عن سلب ممتلكات الأرمن – وأيضًا النفسية الناتجة عن تهجير الملايين منهم، وعودة الأقاليم الواقعة تحت الحكم التركى الحالى. فى حالة اتفاق الدولتين – التركية والأرمينية – على رد تعويضات، فإن محكمة العدل الدولية هى المنوط بها تقدير التعويضات اللازمة، وتقع المسئولية على الدول وليس الحكومات، وعلى الدولة الأرمينية استلام التعويضات المالية وتوزيعها على أهالى الضحايا من الأحفاد الموجودين حاليًا، والوصول إلى صيغة تضمن عودة الأراضى الأرمينية الواقعة تحت الحكم التركي فى حالة وقوع خلاف بين الدولتين، فإن، من حق الدولة الأرمينية إحالة النزاع إلى المحمكة الجنائية الدولية، على أن يصدر أمر الإحالة من الجمعية العامة للأمم المتحدة. الأرمن فى مصر ويقول الدكتور أرمن مظلوميان، عضو لجنة إحياء ذكرى إبادة الأرمن، إن قرابة 8 آلاف أرمنى يعيشون حالياً فى مصر، بعد أن كان العدد 60 ألفا فى الخمسينيات، وهاجر عدد كبير منهم إلى دول أخرى، ولهم أربع كنائس فى مصر، تأسست بعد ما نزحوا إلى مصر بعد المذابح الشهيرة التى وقعت على يد الجيش العثمانى، وهذه الكنائس هى: بطريركية الأرمن الكاثوليك، وكنيسة القديس جريجورى المنور الرسولية، وكنيسة سوربكريكور لوسافوريتش الرسولية، وكنيسة القديسة تريزا الكاثوليكية. تاريخ دموى ومن جانبه قال الدكتور محمد رفعت الإمام،رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب- جامعة دمنهور: «المذبحة الأولى بدأت فى 1894 حتى 1896 وراح ضحيتها 300 ألف أرمنى، وهاجر بسببها عدد كبير من الأرمن للدول المجاورة، وفى إبريل 1909 وقعت مذبحة فى منطقة أضنة على يد النظام الحاكم التركى الجديد، وهو الاتحاد والترقى، وراح ضحيتها 30 ألف أرمنى، وفى الحرب العالمية الأولى، وقعت الإبادة الكبرى وراح ضحيتها مليون ونصف المليون أرمنى، وتعرضوا لمذابح بشعة». وأضاف أن تركيا ترفض الاعتراف بالمذبحة، وتقابل كل من يعترف بها ب«رد فعل هستيرى»، معتبراً أن تركيا تشعر بما سماه «الكارثة الكبيرة التى ارتكبتها تركيا العثمانية، وأنهم كورثة لهذه الدولة يقع على عاتقهم عبء ثقيل تاريخياً». وتوقع الإمام أن تماطل تركيا فى الاعتراف بالواقعة، رغم مرور 100 سنة على الحادثة، معتبراً أن اعتراف الاتحاد الأوروبى «صفعة لتركيا»، وبمثابة رسالة بأن تركيا «ملفوظة» فى العالم الأوروبى. وأضاف: «لا أتوقع عقوبات دولية، لأن التوقيت صعب، خاصة أن القضية الأرمينية قضية تاريخية، رغم أنها مستمرة، والمصالح الأمريكية التركية على مستوى عال، وتسعى للتحالف مع السعودية وإيران، وبالتالى الحصار الدولى مستبعد حالياً».