نسب التصويت: المحافظات الريفية تتقدم على الحضرية فى نسب المشاركة.. المحافظات الحدودية هى الأعلى فى نسب التصويت تصورات مغلوطة: عزوف الشباب عن المشاركة واقتصار التصويت على كبار السن وعدد الأصوات الباطلة يعبر عن رفض البعض للعملية الانتخابية
برغم الحملات المضادة للانتخابات الرئاسية الشباب ليسوا فى خصومة مع الدولة!
تحركات مطلوبة: التعجيل بإجراء الانتخابات المحلية وتحقيق الأمن والأمان
تعطى قراءة الأرقام النهائية للانتخابات الرئاسية 2018، التي أعلنتها الهيئة الوطنية للانتخابات، عدة دلالات، لعل أهمها أن خروج المصريين إلى صناديق الاقتراع كان بمثابة التفاف شعبي حول الرئيس عبد الفتاح السيسي، وعبر عن رغبة منهم في استكماله لمسيرة التنمية التي بدأها، هذا بالإضافة إلى توصيل رسالة للعالم، أن مصر تقف حول رجل واحد وأنها تجاوزت مخاطر التهديدات الداخلية والخارجية التي كان للإرهاب بجميع أشكاله وبمختلف طرق تمويله دور كبير فيها.
كما أن وصول نسبة المشاركة فى هذه الانتخابات إلى 41.05 % من إجمالى من لهم حق التصويت فى مصر، وحصول الرئيس عبد الفتاح السيسى على نسبة 97.08 % من إجمالى عدد الأصوات، يدل على وعى الناخبين بحجم المخاطر الذى يحيط بالدولة المصرية، خصوصا أن هذه الانتخابات أجريت فى سياقات وظروف مختلفة عما سبقها من انتخابات منذ 25 يناير، توقع البعض أنها ستؤثر بالسلب على نسبة المشاركة، وستؤدى إلى تراجعها بدرجة كبيرة، ومن أهم هذه العوامل التى تخرجنا عن مقارنة تلك الانتخابات بغيرها، هى خروج مصر من الحالة الثورية إلى حالة الاستقرار، وتعرض الداخل لهجمة شرسة من فضائيات تمولها تنظيمات وجماعات إرهابية ودول للتشكيك فى كل ما يحدث على أرض مصر، هذا بالإضافة إلى قيام بعض رموز ما يعرف بالنخبة المصرية، باستخدام خطاب نضالى والتشكيك فى العملية الانتخابية وصوروا للشباب بأنهم فى معركة لا فى منافسة تستدعى المشاركة.
لتوضيح ما سبق، يمكن القول إن التدقيق فى نسب تصويت المحافظات، والتى احتلت محافظة الوادى الجديد أعلاها بنسبة 58.7%، بالإضافة إلى ارتفاع نسب التصويت محافظات ظلت ملعبا لجماعة الإخوان وساحة لعنفهم بعد خروجهم من السلطة، يشير إلى تحول إيجابى فى مزاج الناخب المصري. حيث بلغت نسب=ة التصويت فى محافظة بنى سويف 46.7 %، وهى المحافظة الأعلى فى محافظات الصعيد، وبلغت نسبة المشاركة فى محافظة الفيوم 44.3 %، واحتلت تلك المحافظة الترتيب رقم 14 فى نسبة الأصوات التى حصل عليها الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث بلغت 89.1 %.
انطلاقا من تصويت كلتا المحافظتين، نشير إلى أن ثبات معدل تصويت المصريين فى هذه الانتخابات، برغم أن غياب محركات ومحفزات المنافسة الحقيقية عنها نظراً لصعوبة المقارنة بين المتنافسين - يرجع فى المجمل إلى رغبة ودافع فى استكمال المرحلة الأولى لخطة التنمية التى بدأها الرئيس خلال دورته الأولى، التى تمثلت أهم ملامحها فى ارتفاع الاحتياطى النقدى إلى 37 مليار دولار، بعد أن كان 16 مليارا فى عام 2014، وانخفاض الميزان التجارى بمقدار 20 مليار دولار. هذا بالإضافة إلى انخفاض معدل البطالة من 13.4 % إلى 11.9 %، وانخفاض معدل التضخم من 35 % إلى 22 %. ومن الضرورى هنا أن نذكر بأن عددا كبيرا من الأصوات التى خرجت فى الانتخابات، خصوصا فى المناطق الريفية والعشوائية، كانت بمثابة ترجمة حقيقية لخطة الإسكان الاجتماعى التى نفذها الرئيس خلال فترته الأولى، والتى كان من أهم نتائجها القضاء على العشوائيات، وهو ما أدى إلى ارتفاع التصويت فى المناطق العشوائية والريف عن المدينة والحضر.
الأرقام ودلالاتها يعطى عدد الأصوات البالغ 24 مليونا و254 ألفا و152 ناخبا شاركوا بانتخابات الرئاسة، والأصوات التى حصل عليها الرئيس عبد الفتاح السيسي، والتى بلغت 21.835.387 صوتا - دلالة مهمة، هى أن نسبة المشاركة فى هذه الانتخابات تعد الأفضل بالمقارنة بانتخابات 2014، التى بلغت 47.45 %، وانتخابات 2012، التى بلغت 46.42 %. حيث إن البيئة المحيطة التى أجريت فيها انتخابات 2018، تختلف كثيرا عن واقع انتخابات 2012 و2014، من حيث شكل الكتل التصويتية وتوجهاتها التى تحركت للجان التصويت. ففى 2012 كان يغلب عليها الطابع الأيديولوجى فيما يتعلق بأصوات المرشحين من جماعة الإخوان المعزول محمد مرسى وعبدالمنعم أبوالفتوح، أو فيما يتعلق بالأصوات التى تحركت نحو منافسيهم من التيار المدني.
القراءة المتعمقة للتصويت تشير إلى أن المحافظات الثلاث، التى جاءت فى الترتيب الأول من حيث نسبة المشاركة لم تتمركز فى إقليم جغرافى واحد، بل توزعت بين الأقاليم الثلاثة الصعيد وسيناء الدلتا. حيث جاءت محافظة الوادى الجديد فى الترتيب الأول بنسبة 58.7 %، تلتها محافظة جنوبسيناء بنسبة 51.6 %، ثم محافظة الغربية بنسبة 50.8 %. وهذا يعنى أن دوافع المشاركة فى انتخابات 2018 لم تقتصر على عامل التنمية فقط، بل كانت وراءها عوامل متعددة، مرتبطة بجغرافيا السكان وحجم وشكل مهدداته، وهو ما تؤكده نسبة التصويت فى سيناء والوادى الجديد اللتين تعرضتا للعديد من العمليات الإرهابية بعد ثورة 30 يونيو. كما يظل دافع استكمال مسيرة التنمية عاملا مؤثراً فى نسبة المشاركة، وهو ما تؤكده نسبة التصويت فى محافظة بنى سويف التى بلغت 46.7 %، واحتلت المرتبة الأولى فى محافظات الصعيد، حيث إن محافظة بنى سويف كانت الأكثر حظا بين محافظات الصعيد فى عدد المشروعات القومية والتنموية خلال الفترة الأولى للرئيس السيسي.
ومن خلال مقارنة نسب المشاركة بنسب الأصوات التى حصل عليها الرئيس عبد الفتاح السيسى فى محافظات الصعيد، وخصوصا المحافظات الأربع الجنوبية، تبدوا لنا ملاحظة مهمة، وهى أنه برغم احتلال تلك المحافظات ترتيبا متأخرا بين محافظات الجمهورية فى نسبة المشاركة، حيث جاءت محافظة أسوان فى الترتيب الأخير بنسبة بلغت 29.7 %، وسبقتها محافظة قنا بنسبة 29.9 %، ثم محافظة سوهاج بنسبة 32.7 % وبترتيب 22 على مستوى محافظات الجمهورية، ثم محافظة الأقصر بنسبة بلغت 32.4 %، وهو ما جعلها تحتل المرتبة 23 من بين محافظة الجمهورية - فإن محافظاتجنوب الصعيد تقدمت واحتلت المراتب الأولى فى نسب التصويت للرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث تجاوزت جميعها نسبة ال 90 %، فقد احتلت محافظة الأقصر المرتبة الثانية بنسبة 39.6 %، وأسوان 91.2 %، وفى محافظة قنا بلغت النسبة 92.6 %، وفى سوهاج بلغت 91.7 %. وقد يكون السبب فى هذا التغير بين نسب المشاركة والتصويت للرئيس السيسي، هو رسالة من سكان الجنوب تعبر عن انتظار تلك المحافظات لقطار التنمية، الذى وعد بتسريعه الرئيس عبد الفتاح السيسى خلال فترته الرئاسية الثانية، هذا بالإضافة إلى انعكاس تأثير برنامج كرامة وتكامل على المستوى المعيشى لسكان تلك المحافظات من الصعيد، باعتباره من أهم أدوات الرعاية الاجتماعية التى أعلنها الرئيس فى المناطق الجنوبية الأكثر فقرا والأولى بالرعاية، والذى صدقت وزارة التضامن الاجتماعى فى تنفيذه.
تصورات مغلوطة المسح الشامل لخريطة التصويت فى انتخابات 2018 على مستوى جميع محافظات جمهورية مصر العربية، قد يكشف عن تصورات مغلوطة روجها البعض، يتعلق أولها بعزوف الشباب عن المشاركة فى تلك الانتخابات، واقتصار التصويت على كبار السن. وثانيها أن تجاوز عدد الأصوات الباطلة لمليون صوت، يعبر فى وجهة نظرهم عن رفض البعض للعملية الانتخابية، على الرغم من أن هذا التصور فى حالة مقارنة الأصوات الباطلة فى جميع الانتخابات التى تلت 25 يناير، يبدو خاطئا وقائما على قياس غير دقيق.
وإذا كان 56 % من شباب مصر الذى تبلغ نسبته 37.6% من إجمالى عدد السكان، يقطنون المناطق الريفية، فلماذا الجزم أيضا بعزوف الشباب عن المشاركة فى انتخابات 2018، وتعميم انخفاض نسبة مشاركة الشباب فى جميع المحافظات، على الرغم من أن المحافظات الريفية التى يزيد عدد شبابها على 55 % تفوقت تصويتا عن المحافظات الحضرية، التى بدت فيها نسب المشاركة أقل فى حالة مقارنتها بمحافظات الدلتا وشمال الصعيد والمحافظات الصحراوية الحدودية، بالإضافة إلى محافظاتالقناة. وبمقارنة نسب المشاركة فى المحافظات الأكثر مدنية مثل القاهرةوالإسكندريةوالجيزة، ببعض المحافظات الريفية، يبدو لنا تراجع معدل التصويت فى جميع الفئات العمرية وليس الشباب فقط، وهذه
سمة ثابتة فى المحافظات الحضرية منذ 25 يناير. فقد بلغت نسبة التصويت فى محافظة الجيزة، التى احتلت الترتيب 25 بين المحافظات 30.3%، واحتلت محافظة القاهرة الترتيب 21 من بين محافظات الجمهورية بنسبة بلغت 34.8 %، بينما احتلت الإسكندرية المحافظة الحضرية الثالثة الترتيب 20 بنسبة بلغت 37.6 %. وبمقارنة هذه النسب، بنسب المشاركة فى المحافظات الأكثر ريفية، مثل بعض محافظات الدلتا أو بعض المحافظات الحدودية أو محافظات شمال الصعيد، قد يتأكد لنا أن نسب تصويت الشباب تفاوتت من محافظة لأخري، بالتالى يصبح تعميم جدلية عزوف الشباب عن المشهد الانتخابي، وتعميمها قياسا خاطئا ومغلوطا، حيث إن المحافظات الريفية التى تزداد فيها نسب الشباب، تفوقت فى نسبة المشاركة على المحافظات الحضرية، وذلك بالقياس على محافظات الوادى الجديد التى تجاوزت فيها المشاركة نسبة 55 %، ومحافظة جنوبسيناء التى تجاوزت 50 %، ومحافظة الغربية التى 50.8 %، والشرقية التى بلغت نسبة المشاركة فيها 47.5 %، والمنوفية 47.1 % وهذه المحافظات أغلب مناطقها ريفية، ويقطنها عدد كبير من الشباب دون ال 40 عاما.
أما المغالطة الثانية، والتى تكشف سوء نية المروجين لها، هى القول إن ارتفاع نسبة الأصوات الباطلة فى هذه الانتخابات، التى تجاوزت المليون ونصف المليون صوت، يرجع إلى رفض هؤلاء الناخبين للعملية الانتخابية. لكن القراءة المتعمقة لنسب التصويت فى المحافظات ومقارنتها بنسبة التصويت التى حصل عليها الرئيس عبد الفتاح السيسي، قد تكشف عن غير ذلك، وقد تقودنا إلى حقيقة وواقع مطمئن تماما. فمن الأرجح أن تكون أغلب الأصوات الباطلة نتيجة تصرفات خاطئة من المواطنين أثناء عملية التصويت، فربما حاول بعض المواطنين أن يعبروا عن حبهم وشكرهم للرئيس السيسى عما تحقق فى محافظاتهم من تنمية وأمن بكتابة عبارات شكر وحب على بطاقة الاقتراع، بدلا من وضع العلامة المطلوبة فى الخانة المحددة انتخابيا. ويمكن أن ندلل على ذلك من خلال أن أعلى نسب الأصوات الباطلة جاءت فى المحافظات التى تغنت قبل الانتخابات بعملية التنمية فيها، بل شهدت أكبر عدد من المؤتمرات الانتخابية، والتى تعبر عن حالة رضا وليس حالة رفض. فقد بلغت النسبة الأكبر من الأصوات الباطلة فى محافظة بورسعيد.
تحركات ضرورية ما كشفته انتخابات 2018 الرئاسية من ارتفاع فى نسبة المشاركة برغم الحملات المضادة داخلياً من بعض أصحاب الخطابات النضالية، والتى صورت لبعض الشباب بأنهم فى معركة خصوم مع الدولة، وليس فى منافسة تستدعى المشاركة. والحملات المضادة من الخارج عبر فضائيات كانت تبث سموم خلال الشهور الثلاثة التى سبقت الانتخابات - يتطلب من الأجهزة التنفيذية الاستفادة قدر الإمكان بما حدث على أرض الواقع، وتنشيط عملية المشاركة السياسية من خلال الدفع بغير المشاركين فى الانتخابات الرئاسية للتغلغل فى العملية السياسية، من خلال التحرك على عدة مستويات من أهمها:
التعجيل بإجراء الانتخابات المحلية، وتحفيز الشباب على المشاركة كناخبين ومنتخبين فيها، بالإضافة إلى محاولة ترجمة الضمانات الدستورية للشباب، والتى أكدها الرئيس عبد الفتاح السيسي. حيث وجه نداء أكثر من مرة للشباب بالتكاتف فى الانتخابات المحلية، والاستفادة من المخصصات الدستورية لهم (المادة 180) من الدستور، والتى تضمن ربع عدد المقاعد لهم، ومراقبة الأجهزة التنفيذية واستخدام جميع الأدوات الرقابية من استجواب وسؤال وطلب إحاطة، حتى حجب الثقة عن رؤساء الوحدات المحلية.
تحقيق الأمان مع الأمن، وهنا أنطلق من تعليق الرئيس عبد الفتاح السيسى على ردود فعل المواطنين أثناء مشاهدته لتقرير المخرجة ساندرا نشأت فى حوارها معه. حيث قال الرئيس إنه «من المفروض ميكونش فى مشكلة فى الكلام، طالما لايؤذي»، وهنا أشير إلى أن الرئيس قال صراحة إنه سيعمل على تحقيق الأمان مع الأمن خلال فترته الثانية. ومن السابق، يمكن القول إن طمأنة الشباب خلال الفترة المقبلة، وفقا لما أكده الرئيس السيسي، سيدعم المشاركة ويوسع من ممارستها خلال الانتخابات المحلية المقبلة، خصوصا أن الشباب من عمر 18 - 35 عاما، لديه القدرة على الاستعداد والتغيير، كما أن لديه درجة عالية من التذبذب والتردد. بالتالى من الضرورى مساعدة الأجهزة التنفيذية للرئيس السيسى على تحقيق الأمان، خصوصا أنه من المحتمل أن يظهر تيار يحاول ترويج مقولة خاطئة، وهى أن الدولة خصم للشباب.
ضرورة الاستفادة من نسب التصويت فى المحافظة التى حصلت على المعدل الأكبر من مشروعات التنمية خلال الفترة الأولى للرئيس، وتوسيع مستويات التمكين الاقتصادى للشباب، حتى ينعكس ذلك على معدل مشاركتهم السياسية فى الانتخابات المقبلة. فلابد من خلق مصلحة لجميع الشباب حتى يكونوا معنيين أكثر بالمشاركة السياسية، ومن خلال توسيع منظم وممنهج لفكرة التمكين الاقتصادى فى المشروعات الصغيرة والمتوسطة.