يعتمد البعض علي المياه المعبأة التي تشتهر خطأ باسم المياه المعدنية في حياتهم، لاعتقادهم بأن في ذلك نجاة لهم من الأمراض، خصوصا بعد ما حدث من كوارث بيئية بين الوقت والآخر مثال ما حدث في قرية “صنصفط" بمدينة المنوفية المصرية، وإصابة 4000 حالة بأعراض التسمم وما حدث في قرية “ميت سهيل" بالشرقية وإصابة 149 حالة بقيئ وإسهال وارتفاع في درجات الحرارة وآلام حادة في البطن، ولكن المفاجأة غير السارة هو أن الذي يعتمد علي تلك المياه المعبأة يشرب دون أن يدري أنها من بقايا الصرف الصحي والزراعي والصناعي “ القاتلة". ليس هذا كلامنا، وإنما هو نتيجة أبحاث وتحاليل قام بها الخبراء في هذا الشأن، وكانت النتيجة أن 40 % من المياه المعبأة ملوثة لأن المخزون الجوفي لتلك المياه قد اختلط بالملوثات السابقة الذكر. ويؤكد ذلك ما أعلنته وزارة الصحة رسميا في يونيو الماضي وبسببه أغلق آبار 7 شركات للمياه المعدنية، وسحب منتجاتها من الأسواق، وتحويل الموضوع إلي النيابة العامة، بعد أن أثبتت تحاليل العينات العشوائية المسحوبة منها وجود ملوثات بتلك الآبار منها “ البروتزوا الحية “ وخطورتها الداهمة علي صحة الإنسان، ولذلك أعلنت وزارة الصحة الأسماء التجارية لمنتجات هذه الشركات لتحذير المواطنين منها ، وهي “ ألفا الهدير سواي أكوادلتا طيبة أكوامينا أكواسوتير". والخطير في الأمر أيضا أن هذه الكارثة لا تقتصر علي صحتنا وأموالنا فقط، ولكنها أيضا تهدد الاقتصاد المصري، لأنها تضرب السياحة في مقتل هذا الموسم، سواء لتلوثها أم لعدم توافرها، خصوصا في المدن السياحية مثل الغردقة وشرم الشيخ التي يعتمد السياح فيها علي المياه المعدنية، وإذا أردنا مثالا صارخا للتلوث. وما حدث في المنوفية أوائل هذا العام، حيث قام المحافظ أشرف هلال بإغلاق بئر لإحدي شركات المياه المعبأة، وما يحدث في الغربية منذ 4 سنوات ، ليس إلا دليلا قاطعا علي الكارثة. لذلك فإن “الأهرام العربي" تدق ناقوس الخطر قبل أن تقع كارثة جديدة حيث نتناول بالشرح تفاصيل إغلاق بئر، ثم التحايل علي إعادة تشغيلها مرة أخري، فقد حاول المستشار محمد عبد القادر محافظ الغربية وضع نهاية لهذه الكارثة بإيقاف تشغيل بئر “ أكوا فينا “ التابعة لإحدي شركات المياه الغازية الشهيرة بمنطقة حبيش البحرية بطنطا لعدم مطابقتها للمواصفات، وذلك بناء علي نتيجة تحاليل العينة المأخوذة من هذه البئر في 20 - 9-2011 والتي تفيد عدم مطابقتها للمواصفات القياسية لمياه الشرب المعبأة. ولكن بمواجهة المسئول عن بئر أكوا فينا، خالد حسيب بهذا الأمر ، قال: إنه تم بالفعل إغلاق البئر ولكن لصيانتها، وليس لأن مياهها غير مطابقة للمواصفات كما يدعون ، وعندما انتهت الصيانة تمت إعادة تشغيل البئر مرة أخري. غير قابلة للمواصفات في الوقت الذي أكد فيه المستشار محمد عبد القادر محافظ الغربية أنه تم فعلا إيقاف تشغيل البئر بناء علي خطاب الإدارة العامة لصحة البيئة التابعة لوزارة الصحة، بأن مياه البئر غير مطابقة للمواصفات، لكن وبعد فترة أحضرت الشركة المسئولة عن البئر ما يفيد أن مياه البئر أصبحت مطابقة للمواصفات، وبالتالي تمت إعادة تشغيله. والسؤال الأن: أين الحقيقة؟ هل مياه البئر أصبحت صالحة أم لا؟! وبالطبع، لا يمكن أن يكون الجزاء الرادع في أي أمر متعلق بالصحة العامة ، هو قرار إيقاف تشغيل هذا البئر فقط، بل إن الأمر يستلزم محاسبة المسئولين عن استمرار تشغيل هذه البئر بما يحمله من خطورة داهمة علي صحة المواطنين طوال السنوات الماضية، خصوصا أنه تم إخطار جميع المسئولين بهذه الكارثة منذ عام 2008 من خلال البلاغات المتعددة التي تقدم بها الكيميائي محمد حافظ مدير إدارة صحة البيئة بمحافظة الغربية، والذي تعرض لكل أنواع الأذي والضرر بسبب موقفه علي حد قوله كما أكد معمل دمنهور البكترولوجي في 8 / 8 / 2011، أن مياه أكوا فينا غير مطابقة للقرار رقم 1589 لسنة 2007 لوجود مجموعة القولونية، وطلب التحقيق مع المسئول عن إنتاج وتعبئة هذا الصنف من المياه غير المطابقة. بداية الكارثة وقصة هذه الكارثة الخطيرة كما يقول الكيميائي محمد حافظ مدير إدارة صحة البيئة بالغربية سابقا ترجع إلي عام 2004 عندما قررت إحدي شركات المياه الغازية الكبري إنتاج مياه معبأة تحت اسم “ أكوا فينا “، حيث اتبعت هذه الشركة أساليب غير قانونية في ذلك، لأنه يوجد مدفن للنفايات المشعة داخل حرم البئر الذي تعبأ منه هذه المياه والذي يقع في منطقة حبيش طنطا بمحافظة الغربية. ويضيف حافظ: وطبقا للقانون فإنه عندما تتقدم أي شركة بطلب لتعبئة مياه معدنية تقوم « لجنة مسح « تابعة لمديرية الصحة لمعاينة ما يسمي بحرم البئر – أي المسافة حول البئر في دائرة قطرها 45 مترا – والمفروض أن تكون خالية من أي منشآت، وإذا تحقق هذا الشرط تأتي لجنة أخري لأخذ ثلاث عينات فقط لا غير من مياه البئر لتحليلها وأن تكون الفترة بين كل عينة وأخري 30 يوما وهذا ما ينص عليه القانون. وفعلا تقدمت الشركة بطلب لتعبئة المياه من بئر أكوا فينا وبناء علي طلبها ذهبت لجنة المسح لمعاينة حرم البئر وأكدت في تقريرها أن كل شىء علي ما يرام وبناء عليه تم إرسال اللجنة الأخري لأخذ عينات من مياه البئر والمفروض أن تتكون هذه اللجنة من ثلاث جهات حكومية وهي الإدارة العامة لصحة البيئة ومدير معامل وزارة الصحة بالقاهرة والمديرية التي تقع البئر في نطاقها، وطبعا ذهبت مع اللجنة وبداية فوجئت بوجود مدفن للنفايات المشعة داخل حرم البئر وهي كارثة ولا أعرف كيف جاء تقرير لجنة المسح بأن حرم البئر خال من أي منشآت، لذا فقد طالبت مدير الشركة فرع الغربية ومدير الإنتاج بالتوقيع علي تقرير يثبت وجود مدفن مواد مشعة داخل حرم البئر ، وعند عودتي للإدارة كتبت تقريري بأن ما يحدث مخالف للقانون لأنه من المفروض ألا نأخذ عينات من البئر أصلا طالما توجد منشآت في حرم البئر، وهي ليست منشآت عادية فهي مدفن نفايات مشعة تابع للشركة نفسها برغم علمها المسبق بعدم قانونيته، وطبعا لأنني ذكرت ذلك في تقريري كان المتوقع أن يتم التحقيق في الموضوع وإيقافه تماما، إلا أنني فوجئت بالإجراءات تسير بشكل عادي حتي إن اللجنة ذهبت مرة أخري لأخذ عينات جديدة من البئر وطبعا لم يطلبوني معهم سواء في ثاني عينة أم الثالثة، لكنني علمت أنهم أخذوا عينة رابعة، وعندها توقعت أن العينة الأولي والتي ذهبت معهم لأخذها من البئر لم تأت مطابقة للمواصفات مما اضطرهم لأخذ عينة رابعة، خصوصا أنني لا أري نتائج التحاليل لأن كل شىء يتم في معامل القاهرة، لكن القانون لا يسمح بأخذ عينة رابعة وكان حاسما في تحديد ثلاث عينات فقط، كل هذا جعلني أتقدم ببلاغ للتحقيق في الموضوع علي مسئوليتي الشخصية حيث تقدمت ببلاغي للرقابة الإدارية. مصيبة كبري ويواصل الكيميائي محمد حافظ شهادته قائلا: المهم ظهرت نتيجة العينة الأولي وجاءت لتؤكد كلامي، حيث جاءت غير مطابقة كيميائيا وهو أمر قد يمكن علاجه، لكن أن تأتي غير مطابقة بيكترولوجيا فهذه هي المصيبة، لذا فقد استعانت الشركة بأستاذ جامعة يدعي “ بدر مبروك “ وهو دكتور مشهور وقام بعمل عملية كلورة للبئر لقتل البكتيريا حتي تأتي نتائج العينات مطابقة بكترولوجيا، وهو عمل غير قانوني لأن المواصفات القياسية التي حددها القانون للمياه المعبأة يؤكد في أحد بنوده علي حظر استخدام الكلور نهائيا سواء في المصدر البئر أو في أي مرحلة من مراحل الإنتاج، وقد استدعت الرقابة الإدارية هذا الدكتور وقامت بالتحقيق معه واعترف بجريمته وأصبح كل شىء مكشوفا أمام الجميع . التحقيق مع المقصرين وتوقعت أن يصدر قرار بإيقاف الشركة وتحويل مسئوليها للتحقيق لكن ما حدث جاء علي غير المتوقع لأنه برغم ذلك فوجئت بالشركة تقوم بتعبئة المياه وبيعها، لذا فأنا أقولها صريحة وعلي مسئوليتي الشخصية: لقد تمت تسوية الموضوع في الرقابة الإدارية بالاتفاق مع الشركة بعد أن وعدت الشركة بإحضار وحدات معالجة للمياه بملايين الجنيهات، وطبعا لم تتوان هذه الشركة عن إلحاق الأذي بي وبعائلتي، وبرغم ذلك لم أتوقف أو أتراجع عن موقفي، لأنه حتي في ظل وجود وحدات المعالجة جاءت 12 عينة غير مطابقة للمواصفات في الإسكندريةوالغربية في الوقت الذي لم تسقط فيه أي عينة في القاهرة لأن د. علاء شرف مندوب الشركة في الوزارة صاحب نفوذ قوي ولا يستطيع أحد هناك أن يسقط له عينة، وهو نفسه الذي سعي بكل قوة لتدميري بتحريض من الشركة طبعا، لكن الأكثر غرابة أن الشركة تقدمت لمعهد التغذية للحصول علي الرخصة ! وبالرغم من سقوط العينات فإن المعهد وافق علي إعطائهم الترخيص ، وأقولها علي مسئوليتي أيضا: إن الموضوع تمت تسويته هناك، بل وأعطوهم الترخيص علي أنها مياه طبيعية، وهي ليست كذلك فهي مياه شرب معالجة بدليل وجود وحدات معالجة للمياه والتي أحضرتها الشركة، حتي إن الترخيص نفسه جاء مضحكا فأول مرة كتبوا مياه شرب معبأة للتحايل بالكلام، ومرة مياه طبيعية معالجة، أو مياه معبأة، المهم ألا يكتبوا كلمة “مياه معالجة “لأن الناس لن تتقبلها، فكل شىء جاء مخالفا للقانون من بداية الموضوع وحتي نهايته، لأن المواصفات القياسية المصرية للمياه المعبأة أكدت ضرورة كتابة نوعية المياه وهذا حق المواطن في شراء مياه معالجة من عدمه، وعدم الالتزام بذلك يعرف بالغش التجاري وهي جريمة أخري. 40 ٪ لا تصلح! ويؤكد صحة هذا الكلام ما أشار إليه د. جميل مسعد - خبير أبحاث المياه الجوفية، من أن 40 % من المياه الطبيعية المعبأة في مصر غير صالحة للاستهلاك الآدمي . ويقول: أولا لا يوجد شىء اسمه مياه معدنية، وإنما مياه طبيعية معبأة، لذا يجب أن نعرف خزانات المياه الجوفية الموجودة في مصر وهي أولا “خزان الحقب الرباعي" وهو خزان النيل الأساسي وهو من أعظم الخزانات في العالم، لكن ومع الأسف الشديد فكل القري تقريبا تصرف الصرف الصحي داخله والأسوأ من ذلك أن صرف المصانع يصب هو أيضا في الخزان، وهو ما أبلغت بشأنه وزارة البيئة منذ خمس سنوات وأصدرت تنبيهها لكل المصانع والشركات بعدم الصرف في النيل، ويضيف: أن شركات المياه المعبأة تركز نشاطها علي المناطق المحيطة بالخزان الرباعي مثل وسط الدلتا والخطاطبة وغرب الدلتا وذلك لسهولة الحصول علي عمالة رخيصة والقدرة علي توزيع الإنتاج في نفس المنطقة بسهولة، لذا فالشركات تقوم بحفر بئر عمقها أقل من 200 متر لتعبئة المياه في حين أن أول 60 مترا من الطبقات الأولي القريبة من سطح الأرض تكون مليئة بالميكروبات والمواد الثقيلة السامة وللأسف هو لا يستطيع عزلها بالشكل المناسب, وحتي إن عزلها فإنه ومع كثرة الاستخدام للبئر فإن المياه الملوثة في الطبقات العليا تهبط لأسفل، مما أوجد بالمياه نسبا عالية من الحديد والمنجنيز أعلي من المسموح بها عالميا ، لذا فهذه المياه لا تصلح للاستخدام الآدمي، حيث تتسبب في الإصابة بالعديد من الأمراض الخطيرة وإنما يمكن الاستفادة منها في مجالات أخري مثل الزراعة والصناعة. ويشير د. مسعد قائلا: هناك نوعان من الحلول للمشكلة القائمة حاليا وهما حل سريع عن طريق عمل التحليلات اللازمة لكل المياه سواء القادمة من النيل أم المياه الجوفية وعمل عقاب رادع للمخالف وفورا، خصوصا في المصانع، حيث يجب أخذ عينات وتحليلها في مركزين مختلفين للمقارنة بين النتائج . أما الحل علي المدي البعيد: فيأتي عن طريق استخدام العلم قبل حفر البئر عن طريق عمل مسح جيولوجي ودراسات جيولوجية وجيوفيزيائية لتحديد عمق البئر وسمك الخزان وأماكن تغذيته، وهو ما أكده المهندس أحمد عواد استشاري مياه جوفية ووكيل وزارة الري سابقا قائلا: للأسف معظم المياه المعدنية المعبأة داخل مصر غير صالحة للاستهلاك الآدمي بسبب دخول مياه الصرف الصحي والزراعي والصناعي علي المياه الجوفية، فهي مياه ملوثة بيولوجيا وبيكترولوجيا وكيماويا ،مما تسبب في إصابة العديد بالأمراض الخطيرة والقاتلة. الحبشية المصيبة الأكبر مضيفا: والمصيبة الأكبر هي لجوء الناس لأساليب بدائية مثل الطلمبات الحبشية لسحب المياه خصوصا في منطقة الدلتا والهرم والمنوفية، فكلها تعتمد علي آبار جوفية لا يتعدي عمق البئر فيها 60 متر ا، مما يعني أننا نسحب المياه من طبقات مليئة بالصرف الصحي ولقلة خبرة الناس فهم يعتقدونها نقية ويتناولونها مما تسبب في إصابة العديد بأمراض الفشل الكلوي والكبد الوبائي. لذا فأنا أنصح المصريين بالاستفادة من المياه المستخرجة من واحة سيوة فهي مياه عذبة نقية تكفي احتياج مصر كلها وهي مياه الأمطار الغزيرة الآتية من شمال تشاد مع حدود ليبيا والتي تغذي الخزان وتصب في حوض الكفرة والتي سعي القذافي لاستغلالها وبدأ مشروع النهر العظيم.