إعلان القائمة النهائية لمرشحي مجلس النواب الخميس المقبل، وانطلاق الدعاية الانتخابية رسميا    تفاصيل أولى جلسات مجلس إدارة الهيئة العامة للاستعلامات بعد تشكيله    أعترض على قرار رئيس الوزراء!!    قمة "ميد 9" تؤكد دعم السلام والاستقرار وتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    اتفاق أمريكي- أسترالي ب8.5 مليار دولار لتأمين المعادن النادرة    الأهلي السعودي يكتسح الغرافة برباعية ويتصدر دوري أبطال آسيا للنخبة    احتفالات لاعبى الأهلى بلقب البطولة الأفريقية الثامنة لكرة اليد للرجال.. صور    باع له تليفون الضحية.. استدعاء صاحب محل موبايلات بواقعة قتل تلميذ الإسماعيلية    إصابة 10أشخاص فى حادث تصادم سيارتين ميكروباص بالبحيرة    الموت يفجع الفنان حمدي الوزير.. اعرف التفاصيل    انطلاق ورشة الفنون التشكيلية بالمسرح القومى للأطفال برعاية وزير الثقافة فى نوفمبر    بحفل كامل العدد.. عمر خيرت يمتع جمهور مهرجان الموسيقى العربية بمقطوعاته الموسيقية    وزارة الصحة: إصابات الإنفلونزا تمثل خطرا على أصحاب الأمراض المزمنة    «رجال يد الأهلي» بطلًا لإفريقيا للمرة الثالثة على التوالي    أشرف عبد الباقي عن دوره في «السادة الافاضل»: ليس عادياً ومكتوب بشياكة    إطلاق فعاليات المبادرة القومية «أسرتي قوتي» بديوان عام محافظة الجيزة    أكتوبر والغناء للوطن    هل يشترط وجود النية في الطلاق؟.. أمين الفتوى يجيب    هل يجب القنوت في صلاة الوتر؟.. أمين الفتوى يجيب    هل تجوز الأضحية عن المتوفى؟.. أمين الفتوى يجيب    ميكا ريتشاردز يدعم قرار سلوت باستبدال محمد صلاح في مباراة ليفربول ومانشستر يونايتد: "لا أحد أكبر من الفريق"    الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يفتتح الملتقى الثاني لعُلماء باكستان "تنسيق المواقف ووحدة الكلمة"    وكيل تعليم الفيوم يشيد بتفعيل "منصة Quero" لدى طلاب الصف الأول الثانوي العام.. صور    يسرا تشعل الجونة برقصها على "جت الحرارة "وتتصدر التريند    هيئة السكة الحديد تعلن مواعيد قطارات المنيا – القاهرة اليوم    حقيقة مفاوضات حسام عبد المجيد مع بيراميدز    منتدى أسوان للسلام منصة إفريقية خالصة تعبّر عن أولويات شعوب القارة    نقابة الأشراف تعليقا على جدل مولد السيد البدوي: الاحتفال تعبير عن محبة المصريين لآل البيت    بريطانيا تتراجع 5 مراتب في تصنيف التنافسية الضريبية العالمي بعد زيادة الضرائب    محافظ أسوان يتفقد مركز الأورام ضمن منظومة التأمين الصحي الشامل    سيراميكا كليوباترا: الأهلي فاوض أحمد هاني.. ولا مانع لانتقال القندوسي إلى الزمالك    أمينة الفتوى: الزكاة ليست مجرد عبادة مالية بل مقياس لعلاقة الإنسان بربه    محمد الحمصانى: طرحنا أفكارا لإحياء وتطوير مسار العائلة المقدسة    نساء 6 أبراج تجلبن السعادة والطاقة الإيجابية لشركائهن    «القومي للبحوث» يناقش تطوير علم الجينوم بمشاركة خبراء من 13 دولة    نتنياهو: مصرون على تحقيق جميع أهداف الحرب في غزة ونزع سلاح حماس    هشام جمال يكشف تفاصيل لأول مرة عن زواجه من ليلى زاهر    مصدر من الأهلي ل في الجول: ننتظر حسم توروب لمقترح تواجد أمير عبد الحميد بالجهاز الفني    ليست الأولى.. تسلسل زمني ل محاولة اغتيال ترامب (لماذا تتكرر؟)    قرار وزارى بإعادة تنظيم التقويم التربوى لمرحلة الشهادة الإعدادية    الذكاء الاصطناعي أم الضمير.. من يحكم العالم؟    تشغيل 6 أتوبيسات جديدة غرب الإسكندرية لتيسير حركة المرور    مركزان ثقافيان وجامعة.. اتفاق مصري - كوري على تعزيز التعاون في التعليم العالي    «العمل»: التفتيش على 1730 منشأة بالمحافظات خلال 19 يومًا    مجلس إدارة راية لخدمات مراكز الاتصالات يرفض عرض استحواذ راية القابضة لتدني قيمته    لعظام أقوى.. تعرف على أهم الأطعمة والمشروبات التي تقيك من هشاشة العظام    وزير الصحة يطلق جائزة مصر للتميز الحكومي للقطاع الصحي    اتصالان هاتفيان لوزير الخارجية مع وزيري خارجية فرنسا والدنمارك    «نقابة العاملين»: المجلس القومي للأجور مطالب بمراجعة الحد الأدنى كل 6 أشهر    موانئ البحر الأحمر: تصدير 49 الف طن فوسفات عبر ميناء سفاجا    الرئيس السيسي يوجه بمواصلة جهود تحسين أحوال الأئمة والخطباء والدعاة    طالب يطعن زميله باله حادة فى أسيوط والمباحث تلقى القبض عليه    تأجيل محاكمة 3 متهمين بالتنظيم الثلاثي المسلح لسماع أقوال شاهد الإثبات الأول    التنظيم والإدارة يعلن عن مسابقة لشغل 330 وظيفة مهندس بوزارة الموارد المائية    حبس المتهم بانتحال صفة موظف بخدمة عملاء بنك للنصب على مواطنين بالمنيا    أسعار البقوليات اليوم الاثنين 20-10-2025 في أسواق ومحال محافظة قنا    تقارير: اتحاد جدة ينهي تجديد عقد نجم الفريق    وزارة الرياضة : ننسق مع اللجنة الأولمبية واتحاد تنس الطاولة لمتابعة تطورات وتحقيقات الأزمة بين لاعبين ببطولة أفريقيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زواج الأطفال وسبعة آلاف عار
نشر في الأهرام العربي يوم 03 - 12 - 2017

وأنا أتابع موضوع تزويج الأطفال في العراق ، بدأت أخوض تجربة استدعاء الشخصيات التاريخية ومحاورتها، استحضرت سميراميس و شبعاد و ملكات العراق بل و حتى جاراتنا من ملكات مصر و سوريا و اليمن و سألتهن عن رأيهن في هذه الكارثة .
إن الطفلة الأنثى التي لم تصبح امرأة ، و لكنها ستكبر يوما ما و تصبح امراة مسؤولة عن عائلة و اطفال بل مجتمع بأسره هي محور و نواة الوطن و البذرة التي نعتمد عليها لزرع سليم و ثمار زكية تسر قلب الوطن و تحي الامجاد القديمة و تصنع مجد جديد بشرط نشأتها في بيئة صالحة و رعاية شاملة من تعليم و صحة و تربية اخلاقيه بمعانيها السامية و الحفاظ على حقوقها بالامن و السلام النفسي و الجسدي بما تتطلبه كل مرحلة عمرية
و من واجب الجميع تأمين تلك الرعاية لكل طفل في الوطن و الدفاع عنه و عن حقوقه و التأكيد على ذلك في القانون و الدستور و كل مؤسسات الدولة ، وسؤالي للرجال في حكومتنا أين حمايتكم لبنات حواء من الاطفال و البالغين و كبار السن ، و أنتن ايتها الناشطات و النائبات يا من تمثلن المراة و الدفاع عن حقوقها في حكومة بلادكم كيف تتخلون عن اهم القضايا التي تمس بنات جنسكن و أنتن امهات و تعرفن معنى الأمومة و الطفولة
اما أنتن يا امهات الاطفال التي تباع باسم الدولار او اسم الدين او اسم العجز و البطاله ، كيف تسببون لفلذات أكبادكن بالقهر و الظلم و كأنكم تقتلونهن احياء .
قبل ان أخوض في موضوعنا الأصلي أودّ ان استعرض في عام 2017 ما كانت عليه المراة قبل التاريخ لعلنا نخجل من حاضرنا و نعود للحضارة التي اتينا منها فكيف نترك الأصل و نتبع الدخائل و نحن اصل الحضارات حضارة بلاد الرافدين التي مرت عليها الشرائع و القوانين التي كانت تختص بالمرأة و كيف كانت مكانة المراة في الدولة السومرية بالاشارة الى إصلاحات اورو كاجينا و كيف كانت شريعة آور نمو مؤسس سلالة آور الثالة التي اهتمت بتشريع القوانين المختصه بالمرأة العازبة و المتزوجة و المطلقة و كيف كان حمورابي ايضا واعيا بتشريع قوانين تخص المراة و الاسرة حيث خصص ثلاثين مادة قانونية تعنى بالمرأة و الاسرة في شريعته حيث كانت المراة في تلك الحقبه تتمتع بحريتها و حقها و تشارك في إدارة الدولة و تقسيم الارزاق و الطب و الغناء و كانت كاهنه و ملكة و حاكمه و لها كلمة في بيتها و عند زوجها و ابنائها
رحم الله الملكة السومرية – بو – آبي ( شبعاد ) التي كانت شخصية عظيمة في مدينة أور خلال عصر الأسرة الأولى حوالي العام 2600 قبل الميلاد التي كانت معروفة بالأناقة و الجمال و الذوق الرفيع تلك العراقية السومرية التي يتحدث عنها العالم بعد كل تلك السنين
و رحم الله الملكة سميراميس اسمها الحقيقي سيمورامات ومعناه محبوبة الحمام الملكة الآشورية عام 800 ق.م أسطورة الجمال و الحكمة مما يدل على نظرة المجتمع للمرأة و تقيمهم لها من الواقع و الحقيقه و الأساطير
و رحم الله الكاهنه إنخيدوانا التي معنى اسمها زينة الكاهن الأعلى للإله آن وهو اسم يشير إلى الاله نانا (سين) إله القمر
الاميرة الأكدية ابنة الملك سرجون الأكدي
يعتبرها علماء الأدب والتاريخ أقدم امرأة كاتبة وشاعرة و صنفت هذه العراقية الجميلة اول شاعره في التاريخ تكتب قصائد للاله هانون
وصلت إنخيدوانا إلى أعلى رتبة كهنوتية في الألف الثالث قبل الميلاد، مُعينة من قبل والدها الملك سرجون الأكدي وكان لها دور بارز زمن حكم أبيها و أمها الملكة تاشلولتوم مما يدل على ايمان الرجل الاكدي القديم بقدرة المراة و امكانياتها و إيمانه بدورها مما أعطاها هذا الشأن العظيم بما تستحق
ورحم الله المطربة السومرية آور نانشي التي تعتبر اول مطربة او من اوائل من تحدث عنهم التاريخ في مجال الغناء في العالم القديم تجيد العزف على الآلة الموسقية، بدليل وجود تمثال لها وهي تعزف و هي اول من غنت اغنية عاطفية
عن الحب تدور حول عروس مبتهجة وملك اسمه (شو- سين ) في بلاد سومر قبل ( 4000عام ) وهو رابع ملوك السلالة الثالثة في اور.
ورحم الله الملكة ادد كوبي والدة العاهل البابلي التي عاشت نص سيرة الملكة الأم اداد-كوبي قد وجد محفورا على لوح حجري او بالاحرى في مسلة كانت قد وضعت في ارضية مدخل جامع مدينة حران. وقد اكتشفت صدفة حين جرى تعميره. وكانت اسس البناء في الاصل معبدا للاله الكبير سين(القمر) في مدينة حران (حاليا بلدة صغيرة في جنوب تركيا).توفيت ادد-كوبي عام 541و قد دونت سيرتها قبل وفاتها، وحفرت السيرة على مسلة رفعت امام قبرها، والتي كتب عليها سيرتها:
''انا اداد-كوبي ام نابونائيد ملك بابل، وخادمة الهي سين، وكذلك الآلهة نركال ونوسكو وسادارنونا؟ .
قمت بخدمة الالهة المقدسة منذ ان كنت شابة. ولدت حينما كان قد مضى عشرين سنة على حكم ابي الملك آشوربانيبال. وحتى السنة الواحدة والعشرين والثانية والعشرين من (الاله الشرير مردوخ!)، وطول هذه المدة اعتنيت بالاله العظيم سين: ملك الهة السماء والارض، واعتنيت بجميع معابد هذا الاله العظيم،وقد بلغ عمري 95 عاما، وفي عهد ابني نابونائيد الذي استطاع ان يفتح لمدينة القمر حقبة جديدة من الاشعاع الروحي. اذ ان الاله سين هو الذي رعاني، وجعلني اقوم باعمال طيبة، انجزتها بكل سرور. وكان الاله قد استجاب الى صلواتي وقبل رجائي، حينما دعا ابني الوحيد(نابونائيد ) الذي هو من نسلي،الى عرش الملوكية. وهو نفسه الذي اعطى الملوكية الى سومر واكد، كما وهبها الى كل الممالك حتى البحر الاعلى(المتوسط) وحدود مصر وحتى البحر الاسفل(الخليج ) وكل الارضين. وقد حلمت بالاله سين ملك الالهة،ووجدته يضع يديه علي قائلا:سأجلب الالهة الى موطنها في حران بمساعدة ابنك نابونائيد الذي سيجدد بناء المعبد في حران ويجعله اعظم من ذي قبل، ثم سيجلب الالهة ننكال ونوسكو وسادارنونا في موكب مهيب الى مستقرها في (اي-هول- هول) وكنت اصغي الى كلماته التي تحققت .”
بعد تشكيل الدولة العراقية الحديثة حيث بدأت المرأة تشارك في الحياة السياسية في مطلع الأربعينات من خلال اللجنة النسائية لمكافحة الفاشية ثم تخرجت نخبة من النساء من كلية القانون وعملن في سلك المحامات، كما كان لها الدور البارز في وثبة يناير عام 1948 ميلادية لإسقاط معاهدة بورتسموث، وشاركت في انتفاضة أكتوبر عام 1952 حيث تعرضت 150 امرأة للاعتقال
و مر على تاريخ العراق سفيرات ووزيرات و كاتبات و مهندسات و ناهضات نسوية و شاعرات و رائدات في كافة المجالات أمثال نازك الملائكة و نزيهه الدليمي و امينة بغداد سعاد العمري و اسيا توفيق وهبي و حفصه خان النقيب و مارجريت بشير سرسم و ماهرة النقشبندي و وداد الاورفلي و اديبه طه الشبلي و بولينا حسون و غيرهن كثيرات لا يسعني ان اذكرهن جميعا
بعد هذه المقدمة الطويلة للتمهيد لموضوع معاصر رأيت أن مقارنته بتصور سابقه سيرثنا الخجل و الشعور بالغثيان من تردي حالنا من أبناء حضارات عظيمه كانت قدوة و منارة بل ام الحضارات التي تبعتها و لحقتها الى عصرنا الحالي و لا اقصد فقط موضوع المقال لزواج القاصرات و الأطفال و إنما لمواضيع كثيرة أخرى
و بالعودة لموضوعنا
بالرغم مما حققه وطني العراقي الغالي من انتصار عسكري مشهود له اقليميا وعالميا على داعش وما يعنيه ذلك من استعادة العراق لاستقراره الأمني والسياسي، غير انه لم يحقق حتى الآن سلاما اجتماعيا يحفظ للكائنات الضعيفة والمهمشة حقها الانساني في الاختيار والكرامة وعلى رأسها المرأة والطفل.
وللأسف، فانه حتى الآن، لم ينجح العراق بعد في معركة الانتصار لحقوق الطفولة والمرأة ولم يقضي على الرواسب العطنة لفكر داعش خاصة فيما يتصل بالمرأة ونظرته الدونية كسبية او جارية تباع في أسواق النخاسة، ولعله من أكبر البراهين على ذلك محاولات تمرير قانون زواج القاصرات بمجلس النواب والموافقة المبدئية عليه وسط غضب جم من الشارع العراقي اليقظ لمخاطر هذه الجريمة التي تعيد المرأة لعصر الاسترقاق والعبودية مجددا بعد ان تحررت منه.
فلا يتصور أي عقل ان يوافق مجلس النواب على قانون الأحوال الشخصية الجعفري الذي يتيح الفرصة لتزويج الطفلة الأنثى عند عمر لا يتجاوز التسع سنوات مبرئا ذمته امام الله بالزعم بموافقة ولي الأمر، في انتهاك صارخ لحقوق الطفولة، وكأن من وضع مثل هذا التشريع يتفق اتفاقا فكريا وفقهيا مع فكر الدواعش الذي ينال من حقوق الطفولة البريئة والمرأة في الذود عن حقها الاساسي الذي كفتله الشريعة الاسلامية باختيار الزوج.
فمشروع هذا القانون في اجازته تزويج الطفلة بعمر 9 سنوات يمثل انتهاك صارخ للدستور العراقي نفسه، الذي يحفظ كرامة المرأة وحقوقها الانسانية وهويتها، كما أنه يتناقض مع قرارات الأمم المتحدة التي تحث على حقوق المرأة وكرامتها، وهو بالنهاية في تقديري الشخصي نوع من الاتجار بالبشر تحت غطاء قانوني.
فكيف يمكن للمجتمع العراقي ان يعيد بناء طاقته الروحية والحضارية وهو ينتهك بالقانون روح الطفولة البريئة؟ ! فمثل هذا القانون اللاإنساني يعيدنا الى أزمان الجاهلية حيث وأد البنات، ولكنه وأد هذه المرة مشرع قانونيا، وكأن العراق بمثل هذا المشروع المشئوم يعود للخلف حيث التخلف والرجعية وانعدام الاخلاق والرحمة الانسانية بدلا من أن يخطو خطوات للأمام في سياق النهوض بأفراده صغار وكبارا نحو مزيد من التطور الحضاري الذي صنعته الأجيال السابقة.
تاريخ .. وأزمة حاضر
فقد صدر أول قانون للأحوال الشخصية المدني في العراق العام 1959 مستندا الى أحكام مأخوذة من تشريعات دينية وقوانين مدنية، ومازجا بين المذاهب والأديان دون تحيز. فالقانون الساري المفعول منذ زمن الرئيس عبد الكريم قاسم، يمنع تعدد الزوجات وزواج القاصرات إلا بشروط معينة، ويمنح الأم الحق في حضانة صغارها، ويعطي الحق للزوجة بأخذ إرث زوجها في حال الوفاة على خلاف بعض الآراء الفقهية الدينية اليوم التي لا تورث الزوجة في العقارات والأراضي وتميل إلى منح الحضانة للأب.
وبعد سقوط الرئيس صدام حسين و دخول القوات الأميركية البلاد، ألغى الحاكم هذا القانون وأصدر القرار رقم (137) ليعيد العمل بالقضاء المذهبي، إلا أن القرار ألغي بعد صدوره بفترة وجيزة في عام 2004 بعد تظاهرات حاشدة شعبية وضغوط مدنية طالبت بإلغائه.
ولكن كما يبدو أن الاحزاب الاسلامية الشيعية والسنية قد نجحت هذه المرة في اعادة العمل بالقضاء المذهبي عبر تمريره بموافقة مبدئية داخل أروقة مجلس النواب، ولكن في المقابل،
وكما يقول القانونيون فان تعديل القانون حسب رغبة الاحزاب الاسلامية يتضمن مخالفات دستورية وقانونية خطيرة، اذ ان تعديل قانون الأحوال الشخصية الوارد في الدستور هو ضمن البنود التي اتفقت الكتل السياسية عليها منذ سنوات، وينبغي حسم التعديلات قبل تشريع القانون الجديد.
حيث تنص المادة (41) من الدستور على ان “العراقيين احرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية، حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم، وينظم ذلك بقانون.
ويوضح القانونيون مأزقا أخر في مشروع التعديلات الأخيرة ، وهو ان القانون المقترح يحيل قضايا الزواج والطلاق والحضانة والميراث الى هيئة الاوقاف الدينية التابعة الى الحكومة وليس الى المحاكم المدنية التابعة الى القضاء، وذلك يعني حقيقة تعارضه مع مبدأ الفصل بين السلطات، بجانب اشكالية مبادئ حقوق الانسان والقوانين الدولية المعنية بحماية حقوق المرأة، حيث أن تنظيم مثل هذه القضايا يجب ان يكون من صلاحية المحاكم وليس السلطة التنفيذية عبر دوائر الاوقاف الدينية السنية والشيعية وباقي الأديان.
أسباب ولكن ...
لاشك ان الحروب الطاحنة التي شهدها العراق وفقدان الكثير من الأسر لعائلها وانتشار الفقر في أوساط العراقيين، وعدم توافر فرص العمل للمرأة التي فقدت عائلها قد دفع بعض الأمهات الى تزويج أطفالهن للتخلص من أعبائهن الاقتصادية، بينما وقف المجتمع العراقي وهو مسئول عن هذه الجريمة النكراء دون ان يحرك ساكنا او يبحث عن فرص عمل لهؤلاء النسوة اللواتي فقدن مصدر للرزق وعجزن عن توفير المأكل والملبس لصغارهن، ولم يجدن أية رعاية اجتماعية من الحكومة او حتى بعض المؤسسات المدنية والدينية.
والنتيجة المؤسفة أن ظاهرة تزويج الصغيرات قبل سن ال 18 عاما قد أخذت في النمو والتزايد المضطرد ، وبدلا من أن تسهم الحكومة في ايجاد حل يقتلع ظاهرة تزويج القاصرات، سارعت الى تشريع قانوني يمثل كابوسا لأوضاع الطفلة والمرأة اليوم وغدا.
فقد انتشرت عقود زواج القاصرات بمكتب السيد، وقضاياها تحتل ساحات محاكم القضاء العراقي، وسط صمت الجهات المسئولة وعجز الحكومة والبرلمان والمؤسسات القانونية والقضائية عن تعديل قانون الأحوال الشخصية بما يمنع من زواج القاصرات.
و ظاهرة تزويج القاصرات في كوردستان ايضا تحت مزاعم موافقة ولي الأمر تشكل كارثة انسانية بكل المقاييس، خاصة وانه لم تفلح جهود النشطاء والحقوقيين في مكافحتها وتعريتها والضغط على الحكومة لمنعها بوصفها جريمة اتجار بالبشر.
وللأسف فان الكتاب والمثقفين ومؤسسات المجتمع المدني لم يدشنوا حملات التوعية والتثقيف والتجمعات والتظاهرات لوقف هذه المهزلة الانسانية بحق الطفولة البريئة، بينما المؤسسات الدينية لم تمانعها بل اطلقت بها مشروع هذا القانون الكارثي لتزويج القاصرات دون النظر الي حقوقهن الانسانية.
جريمة اغتصاب
كما هو واضح للعيان، فان تزويج القاصرات في سن التاسعة يمثل جريمة اغتصاب مكتملة الاركان، وهذا القانون يخالف اتفاقية سيداو الخاصة بحقوق المرأة، عندما اجاز القانون زواج القاصرات في سن التاسعة هو بذلك مخالف للمادة 14 من الدستور العراقي التي ساوت بين العراقيين من حيث الدين والمعتقد والمذهب، كما أن القانون منع خروج المرأة الا مع محرم وهو يخالف حقوق الحرية الفردية.
وفي تقديري، ايضا ان هذا القانون " العار" سيشجع اكثر الاسر الفقيرة من المذاهب الاسلامية الأخرى على تزويج اطفالهن الصغار بما يؤدي الى انتشار الطلاق و الموت و الأمراض لهذه الأطفال مما يشل حركة المجتمع في الانضباط أو تحقيق أي سلام اجتماعي.
خط أحمر
ومما يثير الدهشة، الاستعجال بتمرير القانون بالنواب دون محاولة سماع رأي المجتمع المدني بشأنه، ولكن رفض أصحاب الضمائر الحية في بلادنا لمشروع هذا القانون قد أزاح بعض الهم من قلبي، اذ انه قد يفتح الباب امام جهود الغاء هذا القانون الداعشي من وجهة نظري، بل اني أشد على أيدي الناشطين في مجال حقوق الانسان والمدافعين عن المرأة والطفل في بلادنا لمواصلة الجهود من أجل عدم تمريره بمجلس النواب.
ولعل النجاح السابق الذي حققته جهود المجتمع المدني في مواجهة القضاء المذهبي والغائه عام 2004 ، يحفزنا نحن العراقيين لإعادة هذه التجربة الناجحة بشن حملات توعية في الاعلام والمراكز الرياضية ضد مشروع تزويج القاصرات، وعلى كل كاتب ومبدع عراقي ان يسهم بما يستطيع لانجاح هذه الحملة.
أما مؤسسات المجتمع المدني بكل اطيافها وشبكاتها الحقوقية مطالبة بالضغط علي الحكومة والبرلمان بكل السبل لإلغاء التصويت على هذا القانون العار علي جبين العراق الحضارة والانسانية، وابراز الحقيقة المؤلمة والمفزعة بإن مشروع قانون تعديل الاحوال الشخصية يعد احد اساليب العنف والتمييز ضد المرأة .
ولابد ان تحتشد كل جهود المجتمع المدني واصحاب الضمائر الحية في بلادنا لإعلان حملة "القاصرات خط أحمر" نوضج فيها بكل السبل الجريمة التي ترتكب بحق هذه الطفلة البريئة التي تسحق براءاتها عند تزويجها بكهل من اجل المال في جريمة استغلال جسدي تخالف المواثيق الدولية، وابراز المخاطر الصحية التي تتعرض لها اذا ما تعرضت للحمل في السن الصغيرة واحتمال تعرضها للوفاة المبكرة.
والدعوة الجادة لوضع تشريعات قانونية تجرم اجراء الزواج بعيدا عن المحاكم الشرعية، والعمل على اغلاق المكاتب الشرعية التي تتخذ من هذا العمل تجارة رائجة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.