عنوان فارق شرط أن يتلقاه الجميع بحقيقة معناه ، فلا يظن البعض أن استخدامه جاء للكناية عن صعوبة التحديات التى نواجه أو أنه تعبير بلاغى يشي بمدى جدية الصراع الذى نعيشه. لا يا سادة مصر بالفعل فى حالة حرب بكل معنى الكلمة والجملة، وهى حرب شرسة وليس اشتراك الصراعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية فيها خصما من ضراوتها العسكرية بل إضافة عليها، والحرب لها قوانينها الخاصة ولها ترتيباتها الدقيقة والماسة ، ولها مناخها النفسي الحار بل المشتعل، وتقتضى المسئولية الوطنية فيها حالة تأهب اجتماعية دائمة، ولعل أهم ما ينبغى أن يستدعى نفسه وأدواته وأسلحته كاملة لهذا التأهب أو لتلك الحرب وهذه المعركة هو (الإعلام الوطنى ) وأضع تحت هذا المصطلح خطوطا فوق خطوط يدفعنى إلى ذلك دفعا تفريط متراكم فى دلالات المصطلح مما جعل مهامه (مهام الإعلام الوطنى) تلتبس على الناس وقد كان من الجائز أن نتفهم هذا الالتباس فى غير ظروف الحرب، أما وقد أصبح ذلك الالتباس حاضرا رغم ضراوتها، فهذا ما ينبغى التوقف عنده لشرح المصطلح وفك كل الاشتباكات بينه وبين مصطلحات أخرى استخدمت فى غير موضعها وتمت المبالغة فى تصوير نزاهتها وإخلاصها بينما أثبتت التجارب أنها أبدا لم تكن منزهة عن الأغراض ولا بريئة من الخطط والأهداف غير الوطنية. وطبيعى بل وبديهى أن يكون ماسبيرو أول ضالع فى التعبير عن مصطلح (الإعلام الوطنى) دون كلفة أو صنعة أو احتراز، فلا هو إعلام رجال أعمال يشكل لهم سيفا سياسيا ودرعا اقتصادية، ولا هو إعلام مستعمر دأب على محاولة احتلال الأراضى والشعوب فلما استعصى عليه ترويضها بالسلاح قرر احتلال عقولها ومفاهيمها عبر الشاشات ، ولا هو إعلام نظام يدافع عن سلطة زائلة أو عن حكومة لاشك مغادرة ، ولا هو إعلام شعوب يلبى لهم الرغبات ليدفعهم دفعا إلى الهاوية الاستهلاكية والأخلاقية وإنما يلبى لهم الاحتياجات التى تعلم وتعالج وتبنى ، إنه هو إعلام الدولة بكل معنى كلمة الدولة حيث تستوى وتساوى الكلمة حينها (مصر) تماما ، كما وكيفا ، وحسابا ونوعا، إعلام دولة يأخذ على عاتقه تنفيذ كل المهام العاجلة والآجلة فهو يهدى إلى رشد الأمة وإلى صواب المجتمعات ولا يلبى رغبات الشعوب إلا حينما تتفق ولا تتعارض مع صميم الاحتياجات ، ويؤمن بالرقابة على أى صورة من الصور الحديثة حماية للضمير المشترك الذى تشكل بالسنن الآلهية عبر التاريخ الطويل ، ولا يؤمن بها أبدا تقييدا لحريات شعوبها ، ولا يفتح كل النوافذ طوال الوقت طالما لا يملك قدرة فرز الهواء الداخل منها حتى لا تتسلل الميكروبات الثقافية والمؤامرات الدولية مع ذلك الهواء الداخل من تلك النوافذ المفتوحة على مصراعيها دون وعى أو مسئولية ، وقد يقول قائل متعالم : هذا كلام قديم لا يتفق والتطورات التقنية الحديثة التى حتمت انفتاح هذه النوافذ وحطمت كل الدروع والحواجز ، فنقول له: بالضرورة والبديهة ندرك ذلك ونعيه لكننا نؤمن إيمانا راسخا أن الصمت عليه مباركة وأن الإعلام الوطنى لا ينبغى أن يعطى بالصمت وعدم المواجهة شرعية لكل هذه الظواهر السلبية الخطيرة لأن الشرعية هى التى تجرد الشعوب المتحدة من دروعها الحامية وتجعلها فريسة سهلة للمؤامرات التى تحاك والحروب الحديثة التى تدبر بكل الوسائل والوسائط ، تماما كما يسكت الأب والأم عن كل أمر أو نهى لأبنائهم وبناتهم مما يعنى الموافقة والمباركة لكل السلبيات والخطايا ، ولكنه يقرر المواجهة والمجابهة بالصراخ تارة وبالغناء تارات والأخير للتذكرة أما الصراخ فللإفاقة لمن تولتهم غيبوبة العولمة المزعومة أو الفوضى الخلاقة المشئومة. ونحن الآن فى ماسبيرو على وجه العموم وفى القناة التليفزيونية الأولى على وجه الخصوص نؤمن غاية الإيمان وندرك كل الإدراك ونعى بكل شواهد الوعى بأن الإعلام الوطنى على المعنى السالف الذى أوضحنا ينبغى إيقاظه من سبات ، وحضوره من غياب على نحو لا يخطأه متأمل وبثورة لا يتوه عنها إلا غائب عن الحدث أو متعامٍ عن رؤية شمسه أو متصام عن سماع ندائه أو متغابٍ عن استيعاب معناه ، والإعلام الوطنى حينما يدرك ويستوعب هذه الأدوار فإنه يؤديها بروح القائد الذى يخطوه بثقة إلى الأمام لا يبالى بسهام الخائنين لأنه فى سعيه يردها إلى نحورهم ولا يهتم بتثبيط الكسالى والمغيبين التائهين لأنه بحسمه وعزمه المفرط يطردهم خارج المشهد ولا يقبلهم طرفا فى صورة الكفاح ، وإعلام الدولة ينبه كل الأمة قيادة وشعبا لأن الجميع يوقن بشراكته الأصيلة المخلصة فى الوسائل والمصائر، فهو أبدا ليس صدى صوت لحكومات بل إنه ضوء يخالط حقيقة النور بالبهاء ويكشف عار الخطايا بالضياء فلا يترك الخطأ دون إنذار لكنه لا يشعل معه النار ، وفى المقابل فإنه يحيي على الفلاح ويغنى للتفوق والنجاح. لم يكن ما عرضت سالفا إطالة وإن أطلت ، لأنه الإلحاح المبرر والتكرار المطلوب بل وترديد المعانى على نحو ما يصنع المنشد أملا فى تطريب المستمعين حتى تصبح الأنشودة حية فى ضمائرهم وإن فارقت مسامعهم وهذا ما أردت ترسيخه من معان حتى يكون إسقاطها فى صور وتطبيقات واضحا سهلا مفهوما ومقبولا لكل عقل يعقل ولكل قلب يشعر.