شهدت الأزمة السورية علي مدار السنوات الست الأخيرة، العديد من التحولات في بيئة وبينة الأزمة بالانتقال من صراع سياسي بين القوي السياسية والمجتمعية المختلفة لاقتتال مسلح بين أطراف متصارعة، بعد أشهر من بدء الأزمة، وظهور لاعبين جدد علي الساحة السورية من تنظيمات وجماعات إرهابية، أخذت أنماطا متعددة (طائفية وعرقية ومذهبية)، مما أدي لتراجع في دور الدولة المركزية في السيطرة علي الأرض. في وقت تباينت وجهات النظر الإقليمية لبعض الفاعلين تجاه مسار الأزمة السورية، فما بين تيار إقليمي ودولي يسعي للإطاحة بالنظام السوري من جهة وتيار إقليمي يدعم ويرسخ استمرار نظام الرئيس بشار الأسد، جاء موقف القاهرة كمغاير لمسار كلا التيارين منذ اللحظة الأولي لبدء الأزمة، مما جعل من الأزمة السورية أحد ملفات الخلاف الرئيسية بين مصر وبعض الأطراف الإقليمية خلال السنوات الست الماضية من عمر الأزمة، فما بين رفض مصري إبان فترة حكم المجلس الأعلي للقوات المسلحة لمسار التدخل العسكري سواء بشكل مباشر من قبل دول أم بنمط الحرب بالوكالة عن طريق بعض الميليشيات والجماعات المسلحة المدعومة من قبل دول وأطراف إقليمية ودولية.
وهي نفس المنطلقات الحاكمة لرؤية نظام الحكم بعد 30 يونيو 2013، المسار اختلف جذريا بوصول جماعة الإخوان لحكم مصر، حيث أعلنت عن تأييدها للتدخل العسكري المصري في مواجهة النظام السوري، بل المطالبة من القوات المسلحة المصرية بدعم وتدريب بعض الميليشيات والجماعات المسلحة في سوريا، مما انعكس علي علاقة مصر مع بعض الأطراف الإقليمية والدولية (روسياوإيران نموذج) من جهة والعلاقة بين الجماعة وباقي المؤسسات الأمنية المصرية من جهة أخري، فشكل هذا المسار المتناقض مع الثوابت المصرية تجاه الأزمة السورية نقطة فاصلة في العلاقة بين الطرفين، خصوصا في أعقاب الخطاب لممثل الجماعة باستاد القاهرة في 15 يونيو 2013، الذي أعلن فيه قطع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، ولذلك يمكن اعتبار التوجه السياسي للجماعة تجاه الأزمة السورية محرك أساسي للقوات المسلحة، لحسم موقفها تجاه أطراف الصراع في مصر بين قوي المعارضة والسلطة الحاكمة، وخصوصا في حالة إضافة موقف الجماعة من الأزمة الليبية وقربها من «فجر ليبيا» والقوي السياسية في مصراتة، وبمعني أدق، السلطة السياسية المصرية علي مدار السنوات الأربع الأخيرة ترفض تكرار النموذج العراقي، بعد صدام حسين من حيث القضاء علي الجيوش الوطنية بجانب رفضها لسيناريو تقسيم الدول، باعتبار أن البديل الجاهز لملء الفراغ في هذه الحالة هي الميليشيات المسلحة التابعة لأطراف إقليمية ودولية، بجانب التنظيمات الجهادية المتطرفة.
هذا الأمر كان حاسما بالنسبة للدولة المصرية علي مدار السنوات الأخيرة، وبعيدا عن آليات ومراحل وأشكال التحرك المصري تجاه الأزمة السورية من الناحية السياسية وتأثيرها علي العلاقات الخارجية المصرية، هناك أبعاد أخري تحدد طبيعة التحرك المصري تجاه الأزمة السورية، ليست نابعة من الموقف المصري الرافض لإدارة الأزمة عسكريا من قبل أطراف إقليمية ولكن نابع من متطلبات الأمن القومي المصري.
خلال السنوات الأربع الماضية نجحت القاهرة في استقطاب المعارضة السورية المعتدلة، حيث عقدت القاهرة العديد من الاجتماعات مع جميع أطياف المعارضة بداية من هيئة التنسيق الوطني بزعامة المحامى حسن عبد العظيم، مرورا بأعضاء المجلس الوطني السوري، تلك التحركات تزامنت مع تحركات سياسية علي المستوي الإقليمي والدولي أظهرت القاهرة بموقف المحايد من مسار الأزمة، وهو ما جعل القاهرة خلال المرحلة الأخيرة نقطة تجميع للعديد من الأطياف السياسية الداخلية فى سوريا، بجانب قبول بعض اللاعبين الإقليميين بدور القاهرة كوسيط لحل بعض النقاط، خصوصا في عملية التهدئة علي الأرض بين الفصائل المتصارعة، فكانت نقطة الانطلاق الحقيقي بمسار الأزمة بتوقيع اتفاق (الغوطة الشرقية) بوساطة مصرية بين الفصائل السورية من ناحية والنظام السوري من ناحية أخري، هذا النجاح ساعد القاهرة علي الاستمرار كحالة وسيطة بين كل أطراف الأزمة، مما دفع النظام الروسي كحليف للنظام السوري لمطالبة القاهرة بالتوسط لتوقيع اتفاق هدنة جديد ( بريف حمص)، هذا الاتفاق الذي لاقي قبول العديد من الدول الخليجية بجانب إيرانوروسيا، ساعد القاهرة علي الاستمرار لتوسيع قاعدة التهدئة في بعض مناطق التوتر بالداخل السوري.
لعبا تركيا وقطر الدور الرئيسي في تحويل الأزمة السورية من المسار السياسي للمسار العسكري بدعم أطراف متعددة بالسلاح سواء كانت تلك الأطراف قوي مدنية أم دينية، ما جعل من الأزمة السورية أكثر أزمات المنطقة تعقيدا، فخلال السنوات الثلاث الأولي من عمر الأزمة، ومع وصول جماعة الإخوان للحكم في مصر وتونس والمغرب واتساع دائرة نفوذهم بالأردن والجزائر، تنامي دعم العناصر المتطرفة المسلحة بالداخل السوري، ومن ثم وصلت الأزمة السورية لمرحلة حرجة بحلول بداية عام 2014، حيث اقتربت العناصر المسلحة والجماعات المتطرفة المدعومة من الجانب التركي إلي أطراف دمشق العاصمة من سيطرة كاملة من قبل تلك العناصر والجماعات علي مجمل الأراضي السورية، من أدلب علي الحدود التركية لدير الزور علي الحدود العراقية لدرعا علي الحدود الأردنية، ما جعل مساحة السيطرة لتلك العناصر تقترب من ٪90 من مساحة الأرض السورية، هذا المشهد تحول بشكل جذري مع بداية سقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر وتقلص نفوذهم في العديد من دول المنطقة بجانب دخول الدور الروسي علي مسار الأزمة السورية، ومن ثم تقلصت نفوذ تلك العناصر والجماعات المسلحة علي الأرض حتي وصلت بداية العام الجاري 2017 في بعض التقديرات الدولية لأقل من ٪25 من مساحة سوريا، وهو ما أثر بشكل مباشر علي النفوذ التركي كلاعب رئيسي بمسار الأزمة السورية.