«ابنى سقط فى امتحان كى جى» قصة أشعلت الفيسبوك أخيرا عندما روى أحد أولياء الأمور أن ابنه ذا الثلاث سنوات ونصف السنة تم رفض قبوله في رياض الأطفال بإحدى المدارس الخاصة لأن المعلمة لم يعجبها إجابة الولد عن سؤالها حول الفارق بين البالون والكرة .فقد قال الطفل «البالونة أنفخها والكرة أشوطها» ويبدو أن المربية الفاضلة كانت تريد منه أن يصف لها التكوين الفيزيائي للاثنتين. هذه القصة ليست إلا نموذجا لما أصبح يحدث في المقابلات الشخصية لقبول الأطفال في بعض المدارس الخاصة التي تتفنن في توجيه أسئلة صعبة وغريبة للطفل تتضمن معلومات باللغة الإنجليزية أو الفرنسية عن الحيوانات والنباتات، بعد أن يتم عزله عن والديه اللذين يتم خضوعهما لاختبارات من نوع آخر تبدأ من اختبار لغهتما الثانية وتصل لمعرفة أنواع سيارتهما وحجم أرصدتهما بالبنوك وماركات الملابس التى يرتدونها ونوع الفندق الذى تنزل به الأسرة، وآخر مصيف للعائلة . والسؤال الذي يفرض نفسه: كيف سيؤثر نوع سيارة ولى أمر الطالب على العملية التعليمية أو كيف سيؤثر رصيد ولى الأمر على مستوى الطالب الدراسى؟!
الواقع أن موضة «الإنترفيو» هى فى معظم الأحوال سبوبة جديدة تقوم من خلالها بعض المدارس بتحصيل الأموال، حيث تتراوح رسوم إجراء المقابلة بين 200 إلى 2000 جنيه، ولا تُسترد حتى إذا رفضت المدرسة الطفل و قد يصل المبلغ في بعض المناطق و المدارس الدولية إلى أكثر من ذلك.
ولم يقف الأمر على هذا الحد بل تحول الأمر إلى تجارة لها الكثير من الشركاء، فقبل فتح باب التقديم بالمدارس ينتعش «سوق» مراكز التأهيل لاجتياز امتحان القبول، ويجبر أولياء الأمور على الدفع بأبنائهم إلى تلك المراكز، فالطفل ذو الأربع سنوات أصبح مطلوبا منه أن يعرف اسمه وسنه وعمل والده ووالدته والتعبير عن أحوال الأسرة، بالإضافة لأسماء الحيوانات والأشكال والألوان، وتركيب البازل، والرسم والتلوين، والغناء أيضًا إذا كانت الدراسة باللغة العربية، ولكن المشكلة الحقيقة هى إذا كانت المدرسة لغات أو دولية، فيطالب «الطفل» المسكين بمعرفة كل ما سبق بلغة أجنبية واحدة على الأقل!
كما أن الأب والأم مطالبان بإجابات عن أدق تفاصيل حياتهما، بدءًا من دخلهما الشهرى، وساعات عملهما، وصولًا لطرق تعاملهما مع الطفل، والأماكن التى يقضون فيها عطلة نهاية الأسبوع! و بالطبع لكل هذا إجابات «نموذجية» يمليها عليهم أصحاب مراكز التأهيل.
ومن الناحية المعنوية أصبح «الإنترفيو» حالة تصيب الطفل بالتوتر، حيث لا يسمح بدخول والده أو والدته معه، فكيف يجبر طفل قد أكمل عامه الثالث حديثا على الحديث بمفرده إلى شخص غريب بطلاقة!
هذا ما يؤكده دكتور هاشم بحري أستاذ ورئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر، قائلا :إنه من المفترض أن يكون الهدف من تلك المقابلات هو تصنيف مستوى ذكاء وثقافة الطفل لوضع كل طفل في الفئة والفصل الخاص به، فمثلا لا يمكن وضع طفل متعثر أو يتحدث ببطء في فصل به أطفال يتحدثون بطلاقة و يريدون تعلم لغات أخرى . أما عن فصول الدمج – أي الفصول التي بها أطفال من فئات مختلفة - فهي تحتاج لمعلمين لهم مهارات خاصة لكي يستطيعوا التعامل مع كل الفئات بالقدر نفسه، لذا فالهدف من إجراء المقابلات واقعي و لو تحقق هذا الهدف فمن الممكن أن تكون أول خطوة فى إصلاح التعليم فى مصر.
وأضاف أن الطريقة التي يتم بها إجراء الاختبار غير صحيحة، حيث تشترط بعض المدارس أن يكون الطفل وحيدا مع شخص لا يعرفه – وهو المدرسة أو المدرس الذي يجرى المقابلة - و بعيدا عن أبويه اللذين لم يبتعد عنهما أبدا. ثم يتم توجيه أسئلة مباشرة للطفل ,حيث يتعرض لضغط شديد ويكون متوترا وخائفا. ولذلك لا أتعجب أبدا عندما أسمع أن بعض الأطفال لا يستطيعون حتى نطق أسمائهم بشكل صحيح، حتى لو كان فى الأحوال العادية يستطيع التحدث بشكل جيد.
وأشار بحرى إلى أن المقابلات الشخصية روتينية، ولا تظهر إمكانيات الأطفال ونوعية الأسئلة إما أن تكون ساذجة جدا أو أصعب من أن يجيب عنها طفل، ولكن الأسئلة عن عمل الآباء واللغات التي يتحدثونها، لا قيمة لها ولا تفيد العميلة التعليمة بأى شىء، بل يجب أن يتم إضافة أسئلة عن علاقات الأسرة ببعضها البعض وعلاقة الأب والأم بالطفل وعلاقة الطفل بإخوته، لأن هذا أكثر ما يؤثر على مستوى الطفل ونفسيته ومستوى تحصيله الدراسي أكثر من رصيد والده بالبنك و نوع سيارته.
اختبارات طبقية
بينما رأت هالة منصور أستاذ علم الاجتماع بجامعة بنها، أن المقابلات الشخصية والأسئلة السخيفة التى يتم توجيهها لا تقيس أى شىء لدى الطالب وليس لها أى دور فى العملية التعليمية, و لكنها شكليات تمارسها بعض المدارس لاختيار الطلاب الجدد بناء على الطبقة الاجتماعية. وبعض المدارس تقوم باختبارعدد كبير من الطلاب يفوق طاقتها الاستيعابية، وتضعهم على قوائم الانتظار وذلك للحصول على رسوم الاستمارات ليس إلا.
وأشارت إلى أنه لا يجوز علميا وضع طفل صغير السن تحت هذا الضغط النفسي الشديد وبعيدا عن أبويه أيضا و توجيه أسئلة قد تكون صعبة بالنسبة له مثل عدد اللغات التى يتحدثها.
جهل بنفسية الطفل
وقالت رحاب العوضى أستاذ مساعد علم النفس السلوكي للأطفال والمراهقين، إن أساس إجراء المقابلات هو التأكد من كون الطفل معافى صحيا ونفسيا وأنه جاهز لتلقى طرق التدريس العادية والطبيعية، وهل هو من ذوى الاحتياجات الخاصة أم يعانى من صعوبة التعلم أو التوحد أو التخلف العقلي، ولكن أصبحت المقابلات الآن نوعا من أنواع الموضة و الحصول على نقود من أولياء الأمور، حيث تتراوح أسعار تلك المقابلات من 1000 ل 2000 جنيه بالرغم من أن أغلب الأطفال يتم رفضهم لأن المدرسة لديها قائمة انتظار طويلة ولا يسترد أولياء الأمور النقود مرة أخرى حتى إذا لم يتم قبول الطفل بالمدرسة.
وأما عن الأسئلة التى يتوجب طرحها على الطفل فرأت العوضى أنه يجب أن تكون الأسئلة سهلة وبسيطة وعن حياة الطفل مثل اسمه وأسماء والديه وعدد إخواته وماذا يعمل والده وهل يذهب إلى الجامع أم الكنيسة، ماذا يحب أن يأكل وأى كارتون يفضل مشاهدته، لأن الغرض من المقابلة هو قياس درجة انتباه الطفل وهل حركته طبيعية أم لا، لأن الطفل ملول بطبعه فإذا لاحظت المعلمة التى تجرى المقابلة أنه لم يتحرك طوال فتره إجراء المقابلة فهذا يعنى أنه يوجد به شىء ما، وأيضا من الطبيعى جدا أن يكون الطفل خائفا لأنه مع أشخاص لا يعرفهم و لكن للأسف معظم العاملين فى المدارس وأولياء الأمور لا يفهمون نفسية الطفل و يعتقدون أنه لا يجيب عن الأسئلة لأنه «متدلع زيادة « وهذا نتيجة الجهل بنفسية الأطفال.
وأعربت العوضي عن غضبها من بعض الأسئلة التى يتم توجيهها أثناء تلك المقابلات ومنها أن يتم سؤال الطفل عن الفرق بين البالون والكرة، فهذا السؤال لا يقيس أى شىء لدى الطفل وكان من الأفضل إعطاء الطفل بعض الأشكال وسؤاله عنها هل هي مربعة أم دائرية وهكذا، فمن المفترض أن تكون المقابلة خارجة عن أى معلومة عامة أو علمية، وأن تكون الأسئلة عن حياة الطفل وأساس أسرته، أما الأسئلة التي يتم سؤالها للطفل الآن فهى ناتجة عن الجهل وعدم وجود دراية ولا منهج تشرف عليه وزارة التربية والتعليم لعمل تلك المقابلات.