قصيدة لماريو سُسْكو ماريو سُسْكو شاعرٌ من البوسنة ، شهدَ الحرب هناك، وعاد في العام 1993 إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث يقيم ، متقطِّعاً، في السنين الخمس والثلاثين الأخيرة، ويدَرِّس في الجامعات هناك. قصيدته هذه اخترتُها من ديوانه الأخير الصادر في العام 2008، Closing Time, Harbor Mountain Press, Brownsville, Vermont, 2008 * بعد رحيله بزمنٍ طويلٍ وجدتُ صندوقَ الكمانِ في مهجعه ، بالعِلِّيّة القُفلُ الصغير على مُشَبَّك البابِ استجابَ بلا مقاوَمة، الصندوقُ المفتوحُ في الركنِ البعيدِ المضاءِ بأشعةِ شمسٍ باهرةٍ تدفّقتْ من كوّةٍ في السقف كان مكسُوّاً، جزئيّاً ، بنسيج عنكبوتٍ يتلامَعُ المخمَلُ القرمزُ الذي يُبطِّنُهُ تكفّلَ بأي حشرةٍ مترنحة. كان عزَفَ للألمانِ، كي يعيش عزَفَ للروس، كي يعيش واستطاع أخيراً أن يهربَ إلى الجنوب مع أن أحداً لا يعرفُ كيف بلَغَ بلدتَنا حيث ظنَّ أنه سيعزفُ لنفسه. ولأنه غيرُ قادرٍ، أو غير راغبٍ ، لم يتعلّم اللغة. وانتهى إلى أن يكون قَيِّماً في مدرسة للموسيقى، عازفاً في عطلة الأسبوع ، في أعراس القرى. وحدَثَ، ليلةً، أنه سار إلى الجسر مع كمانه في يد والقوس في اليدِ الأخرى، وارتقى الدعامةَ الرئيسةَ وظلّ يعزفُ ، كما يقول الناسُ، حتى مطلعِ الفجر ثم ألقى بكمانه إلى الأمواج العكرة المتدافعةِ وقفزَ هو، أو أنه زلِقَ، كما يقول عمّالُ مناجمَ كانوا هناك في طريقهم إلى العمل ففقدَ توازنَه حين انزلقَ الكمانُ من يده. بعد أسبوعٍ وفي أصيلٍ شتويٍّ باردٍ متستِّراً بالغسقِ ، عائداً من المدرسةِ، صعدتُ إلى العِلِّيّةِ ، وأخذتُ الصندوقَ وخبّأتُه تحت الفراشِ، في غرفتي بالأسفل. ألحفْتُ على أمّي ، أيّاماً لتشتري لي كماناً، مع أني أعرفُ أن ليس لدينا من النقودِ ما يجلبُ هذا الترَف. أخيراً: نظّفْتُ الصندوقَ بل جرّبتُ بصبغ أحذيةٍ أن أُلَمِّعَ خشبه الماهوغاني، وتسلّلْتُ به، ذات مساءٍ، تحت معطفي العتيق إلى الجسر. دفعتُ به، عبر حاجز الحديد، المكسوّ بالصقيع وراقبتُ تابوتَ الطفل الصغير يترجَّحُ يساراً يترجَّحُ يميناً تحملُه الأمواجُ الكسلى التي أضاءَها القمرُ، حتى ابتلعَه الليل.