ثورة 30 يونيو مثلت فى إحدى نتائجها بداية النهاية لجماعات الإسلام السياسى فى مصر، وكانت للثورة ارتدادتها العربية، فقد أسهمت فى وقف طوفان ما سمى بالربيع العربى الذى كان ضمن استهدافاته، تمكين جماعات الإسلام السياسى من اعتلاء حكم أقطارنا العربية، توطئة لبث الفوضى فى منطقتنا، تمهيدا لتنفيذ مخطط التقسيم على أسس عرقية ودينية ومذهبية . «الأهرام العربى» استطلعت آراء بعض من السياسيين والمفكرين العرب، وطرحت عليهم الأسئلة : كيف استقبلت إرهاصات ثورة 30 يونيو، وإلى أى حد توقعت نجاحها، وكيف ترى نتائجها على المشهد فى بلادك والأقطار العربية، وما مستقبل الإخوان المسلمين؟ فكان التحقيق التالى:
موفق محادين رئيس رابطة الكتاب الأردنيين السابق
ابتداء، فالمسألة أكبر وأهم من توصيف الحدث نفسه، سواء كان حدثا شعبيا صرفا، أم تحضيرا لحركة الجيش، فالثورات العربية المعاصرة ولدت من رحم الجيوش والعسكر، كما أن جماعات الإسلام السياسى ورعاتها الإمبرياليين، آخر من يحق لها الحديث عن العنف والدور السياسى للجيوش، ومنها انقلاب السودان الإخواني، والأعمال الإجرامية لهذه الجماعات فى سورياوسيناء وليبيا . بعد ذلك، ما من حراك شعبى كبير دون إرهاصات من الوزن نفسه، كما حدث فى أعقاب التحضيرات الأمريكية، المالية والإعلامية والسياسية، بدعم مشيخات الغاز، لدفع الإخوان إلى قمة السلطة فى مصر.
صحيح أن جماعة الإخوان حاضرة كغيرها فى المشهد المصرى منذ عقود، وهو مشهد متنوع ومركب، إلا أن الفسيفساء المصرية، الاجتماعية والثقافية والسياسية، فسيفساء وطنية فى محصلتها العامة ولا تسمح لتيار رجعى إقصائى من النمط الإخوانى القطبى أن يتسيد هذا المشهد ويقرر مصيره.
ولنا أن نقول إن الوطنية المصرية، هى التى تعبر عن هذه الإرهاصات وتكثفها إزاء جملة من التحديات التى استفزت هذه الوطنية فى أعماق أعماقها، وذلك إلى جانب التجربة السياسية الإخوانية فى الحكم وسياسات التكالب والهيمنة التى رافقت هذه التجربة.
لقد انتبهت الوطنية المصرية إلى خطورة مناخات (الربيع العربى) ودوره فى إطلاق فوضى هدامة، ليس لاستبدال الأنظمة الشمولية بأنظمة ديمقراطية، بل لتفكيك الدول برمتها فى إطار إستراتيجية أمريكية - صهيونية معلنة، كانت جماعات الإسلام السياسي، الناعمة والإرهابية، أخطر أدواتها .
وليس بلا معنى أن تبادر مطابخ الإستراتيجية المذكورة بالرد على سقوط الإسلام الإخوانى بتحريك الاحتياطى من إسلام الجماعات الإرهابيه فى سيناء وعموم مصر .
ويشار هنا إلى جملة من الوثائق والكتابات التى تخدم هذه الإستراتيجية:
الوثيقة المنشورة والمعدة من اليهودى الأمريكي، نوح فيلدمان، عام 2005 والمقره من مكتب الأمن القومى الأمريكى، وفيها يدعو نوح إلى اعتماد الإسلاميين كبديل للأنظمة المأزومة، مشيرا إلى استعدادات الإسلاميين بما فى ذلك أوساط من حماس، إلى توظيف وتأويل صلح الحديبية وصلح الرملة من أجل اعتراف غير مباشر بإسرائيل (تصريحات أحمد ياسين وخالد مشعل).
كتابات برجنسكي، مستشار الأمن الأسبق فى البيت الأبيض، التى تدعو إلى انبعاثات إسلامية فى كل مكان، تتخذ من تركيا الأردوغانية، مركزا لها لطويق روسيا الأوراسية بحزام أخضر إسلامي، ناعم وخشن، حسب الحاجة فى كل منطقة ومرحلة. كتابات الصحفى البريطاني، مارك كورتيس، التى فضح فيها التآمر البريطانى الأمريكى التاريخى مع الأصوليين، وإستراتيجية البافر ستيت، أى القواطع الطائفية المسلحة العازلة، فى البادية السورية العراقية وفى سيناء وصحراء ليبيا.
فى ضوء انتفاضة الكرامة الشعبية المصرية ضد التدخلات الأجنبية للأمريكان ومشيخة الغاز فى الدوحة التى لعبت وتلعب دور الممول والمحرض الإعلامى لهذه التدخلات، من الطبيعى رؤية الثلاثين من يونيو 2013 وحركة الجيش المرافقة، كتصحيح ضرورى وحتمى للحراك الشعبى الكبير فى مصر .
والأهم من ذلك كله دور انتفاضة الكرامة الشعبية فى وقف وردع إستراتيجية الفوضى الهدامة التى هددت الأمن القومى لمصر ومستقبلها، وكان من الممكن أن تأخذها إلى مصائر مروعة تخرجها من التاريخ .
قد لا تكون الحال الاجتماعية والاقتصادية فى مصر قد تحسنت بعد هذه الانتفاضة وقد لا يتحسن سريعا، ولكن أهمية ما حصل أكبر من هذه الحسبة، وهى الحفاظ على مصر بحد ذاتها ومنع الفوضى الهدامة من تدميرها كدولة ومجتمع.
وبوسع المصريين بعد ذلك أن ينطلقوا من هذا الإنجاز بالحفاظ على الأمن القومى للشعب، لإطلاق عملية إصلاح وتغيير شامل.
أسامة شعث الكاتب والمحلل السياسى الفلسطيني
توقعت مبكرا فشل الإخوان فى إدارة مقاليد الحكم فى مصر قبل ثورة 30يونيو .. ذكرت قبلها أن الإخوان قادمون، وإذا استأثروا بالحكم فإن الشعوب تعلمت الدرس ولن تنتظر طويلا كما فى السابق.. فالوطن يتسع للجميع وليس ملكا لأحد .
فى الواقع نجاح كان مؤكدا ليس أمنية، وإنما لأن النظام حينها أغلق جميع الأبواب والمنافذ.. لذلك خسر جميع القوى الأخرى .. حتى تفاقمت الأوضاع أكثر فأكثر.. وكانت الثورة نتيجة ذلك.
نظرا لمكانة مصر المحورية ودورها فى القضية الفلسطينية، تابع الشعب بكل مكوناته الشعبية والسياسية وأولهم الرئيس أبومازن، الذى تابع شخصيا الأحداث فى مصر باهتمام بالغ - نظرا لإدراكنا بأن ما يجرى فى مصر سيغير وجه المنطقة .. وأن نجاح الثورة فى مصر يعنى فشل جميع المؤامرات الخارجية التى استهدفت المنطقة وأقصد مشروع الشرق الأوسط الجديد.
كما تعلم أن مصر كانت مهد الإخوان منذ 1928م وإسقاط رأس الحكم الإخوانى فيها، سيؤثر بالتأكيد على مكانة ومستقبل التنظيم الدولى للإخوان فى المنطقة والعالم .
ولا يخفى عليك حجم الضغوط الكبيرة والمقاطعة الدولية التى قادها التنظيم الدولى ضد إرادة الشعب المصرى بعد ثورة 30 يونيو.
لذلك كان سقوط نظام الإخوان فى مصر أشبه بالمعجزة بحسب وصف الرئيس أبومازن لها فى حينه..
عبد الستار الجميلي الأمين العام للحزب الطليعى الاشتراكى الناصرى فى العراق
الواقع أننا كعرب كنا نعيش حالة من القلق والخوف على مستقبل مصر والوطن العربى فى ظلّ استيلاء جماعة الإخوان المسلمين ذات المنحى التكفيرى والإرهابى والشعوبى المعادى للعرب والعروبة، على السلطة فى مصر، فى إطار ظرف سياسى واجتماعى ونفسى استثنائى وعصيب ومخترق اجتاح الشارع المصرى والعربي، ومن خلال شكل انتخابى ديمقراطى مزيف أقيم على التزوير والتهديد والرشاوى وفتاوى الترهيب والترغيب والدعم الإعلامى العربى الناطق لفظا باللغة العربية والأمريكى والصهيونى والغربى بشكل عام.. لذلك ما إن بدأت بوادر “حركة تمرد” الشعبية، والرفض الشعبى والرسمى والمؤسسى الشامل من قبل منظومات: القضاء والإعلام والمحاماة والعمال والمفكرين والمثقفين والفنانين والأدباء والشباب والنساء والمدارس والجامعات والأزهر والوسطية الإسلامية والمسيحية المتمثلة بالأزهر والكنيسة القبطية والجيش والشرطة والمؤسسات الأمنية، وغيرها الكثير من قطاعات الشعب المصرى الرسمية والشعبية، ما إن بدأ ذلك كلّه حتى بدأ الاستبشار العربى الشامل بإرهاصات خلاص مصر والوطن العربى من هذا التيار التكفير الشعوبى الخطير، وعمّت حالة من الفرح والترقب مع نزول أكثر من ثلاثين مليون مواطن مصرى فى العاصمة والمدن والقرى مطالبة بإسقاط حكم هذه الجماعة وآثارها المدمّرة، ومع بيان مهلة ال(48) ساعة الذى ألقاه الرئيس عبد الفتاح السيسى بصفته وزيرا للدفاع وقتها، ثمّ ما لبثت هذه الحالة أن تحولت إلى حالة من الهيجان والفرح العارم الذى عمّ الوطن العربى كلّه، مع بيان 3 يوليو بإعلان سقوط حكم الإخوان ونجاح ثورة 30 يونيو الشعبية، واستعادة مصر لوجهها الوطنى والعربى الذى حاولت هذه الجماعة إلغاءه من الجغرافيا والتاريخ.
ومع الموقف الشعبى العربى العام الرافض لهذه الجماعة ومثيلاتها فى كلّ ساحات الوطن العربي، كان توقع نجاح ثورة 30 يونيو الشعبية مؤكدا، بعد أن تأكّدت وتبلورت مصادر قوتها وشرعيتها الشعبية والثورية وبعدها العربى والإقليمى والدولي.. خصوصا أنّ التخريب الذى مارسه الإخوان على الصعد كافة، السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعربية والإقليمية والدولية، وارتباطهم فكرا وسلوكا وأهدافا وأشخاصا بالإرهاب والتكفير، وبالأخص محاولة دفع الجيش العربى المصرى الثانى والثالث لمحاربة الجيش العربى السورى الأول، من منطلق طائفى وشعوبى مقيت.
لكى ندرك ونعى نتائج ثورة (30) يونيو الشعبية المجيدة على المشهدين العراقى والعربي، علينا أولا أن نذّكر بالمشروع الذى جاء الإخوان لتنفيذه فى مصر والوطن العربي. فقد جاء الإخوان فى إطار ترتيبات أمريكية وصهيونية وغربية وإقليمية لتنفيذ مشروع تفتيت مصر والوطن العربى إلى محميات للطوائف والإثنيات والملل والنحل تحت غطاء “الربيع العربي” المغدور، خصوصا أنّ هذه الجماعة بنيت على الولاء لجماعتها السرّية المغلقة وتسفيه فكرة الوطن والوطنية والأمة والقومية، والعداء الشعوبى للعرب والعروبة، متخذة من الدين ستارا ومن الإرهاب وسيلة للانتقام من العرب وإلغائهم من الجغرافيا والتاريخ.
حسن شعبان الكاتب والمفكر اللبناني
لم يكن طبيعيا ما آلت إليه الأوضاع فى مصر منذ الإعلان عن فوز محمد مرسى بالانتخابات الرئاسية، حيث ظهر للمراقب الخارجى أن نكسة كبرى قد ألمت بالدولة المصرية, وليس الحديث هنا عن الحكم أو الحكومة إنما عن الدولة ككيان ومفهوم.
وبعد أن تولى السلطة محمد مرسى وبدأت تطفو على السطح آليات الإدارة ومنهجيات التفكير والوسائل المتبعة للتنفيذ، بات بحكم المحتوم أن مصر الدولة ومصر الدور قد بدأت تضمحل وتتراجع فى ظل وضع إقليمى ودولى شديد الحساسية والتعقيد وبالتزامن مع انهيار الحاضرات العربية المركزية المتممة والمكملة للدور المصرى أعنى سورياوالعراق.
ومما زاد من قتامة المشهد فكرة أن من تولى الحكم هم جماعة الإخوان المسلمين, وهى الجماعة المعروفة بعدائها التاريخى لمفهومى الدولة والمواطنة، وميلها العنيف نحو الفئوية والاستئثار وتباعا ظهرت مواقف الجماعة كسلسلة من القرارات الهادفة لفك الدولة وفصم عراها, فى ظل هذه الأوضاع اتجهت الأنظار نحو من هو القادر على إنهاء هذا الانهيار وكان من غير المتوقع أن يتمكن الشعب المصرى من الانقضاض على حكم الجماعة بنفس القوة والكفاءة التى تحرك فيها أيام 25 يناير.
ومع بداية ارتفاع الصوت الشعبى وجمع التفويضات والتوقيعات المطالبة بعزل مرسى وتفويض المؤسسة العسكرية، ارتفعت الآمال بحذر وانشدت الأبصار نحو حراك الشعب المصرى.
ومع انطلاق الحشود المليونية فى الأيام الأخيرة لشهر يونيو، بدأت بوادر الانفراج الكبير تلوح فى الأفق ومن خلال متابعتى، لاحظت أن معظم الذين كانوا قد توجسوا وأنا منهم من انتشار الجماعة على مساحة الوطن العربى على حساب المشروعين الوطنى والقومى قد بدأت آمالهم بالانتعاش فى عودة الأمور إلى نصابها, وهو ما حدث بالفعل أيام القرارات التاريخية لعزل مرسى وتولى القيادات الوطنية لزمام الأمور.
على المستوى الشخصى وبرغم إدراكى لدقة الأوضاع، فإننى كنت أشعر بثقة كبرى بنجاح الحركة الثورية فى 30 يونيو لأسباب كثيرة ليس أقلها أهمية إدراكى لما يتمتع به الشعب المصرى من ذكاء وقدرة وإرادة، وأيضا لما للمؤسسة العسكرية المصرية من تاريخ مشرف يجعلها قادرة وبسهولة على إدراك حدود الخطر ومستويات الحماية المطلوبة للأمن القومى المصرى وأيضا الأمن القومى العربي.
إن الانعكاس الأبرز لحركة 30 يونيو تمثل فى الإجهاض النهائى لحلم الدولة الإخوانية من تركيا إلى السودان وتونس فى مصر، انتهى حلم الرهان على الإخوان المسلمين كبديل للدولة القومية القائمة على المواطنة والمتجهة أساسا نحو مركزية الانتماء بدلا من أفكار المذهبية والطائفية البغيضة التى لا تخدم إلا مشروع الاحتلال الصهيونى لفلسطين، واستباحة العراقوسوريا أمام القوى الدولية الكبرى للعبث بهما.
محمود البوسيفى نقيب الصحفيين الليبيين السابق ونائب رئيس اتحاد الصحفيين العرب
كنت مسكونا بالقلق العميق. وأعترف هنا بأنى كنت أُعد نفسى للمغادرة إلى مكان آخر غير مصر، بعد أن أصبح الأُكسجين بمذاق الغياب. ولا بد أيضا من القول إن الثقة فى فاعلية ما أتابعه من حركة فى أوساط الشرائح الاجتماعية جميعا كانت تساعدنى فى تحصين يقينى بقدرات الشعب العربى المصرى العظيم فى مقاومة ذلك الغياب القسرى والسعى الجاد لاستعادة الأكسجين. كنت أنحاز بفعل ذلك اليقين إلى خنادق الأمل الذى بدأت أشهده عند عفوية (تمرد) وحيوية المثقفين.. أصبحت مطمئنا وأنا أشهد رحيل الغيبوبة نهائيا.. كنت مطمئنا وأنا أعيش تدريجيا تنامى الحس الثورى وتعاظم الروح الوطنية، وصرت أترقب ساعة الصفر لمحاصرة اللصوص والإجهاز على المؤامرة.. كانت الإرهاصات بمثابة البشارة.
كنت مؤمنا بنجاحها فى واقع الأمر. كنت أتابع التخبط فى إدارة جماعة الإخوان للأمور. وكذا حالة السخط والتذمر على نطاق واسع.. كانت حركة الجموع فى مواجهة ذلك التخبط تؤكد أن النجاح سيكون حليفها دون ريب.
كانت ليبيا فى ذلك الوقت فى قبضة الإسلام السياسى بالكامل (جماعة الإخوان والجماعات المتشددة المتحالفة معها) وهى دعوة أممية ولا تؤمن كما هو معروف بالدولة الوطنية ..مما أكد أن سقوطها فى مصر سوف ينعكس بالضرورة على الجماعة فى ليبيا وتونس.. وهذا ما تحقق بالفعل تدربجيا..بعد تخلص مصر من آثار السنة القبيحة التى لوثث عظمة الثورة. انتصار ثورة 30 يونيو شكل الرافعة الواثقة لخلخلة شراسة التموضع الإخوانى فى ليبيا وتفكك مفاصله.
نجاح 30 يونيو يتأكد ويتعزز يوميا على أرض الواقع . وانحسار قدرة الجماعة على الفعل أصبح لا يحتاج إلى دليل. التغيير على الصعيدين الإقليمى والدولى أجبر الجماعة للجؤ إلى تنظيمها الدولى المحمول على أوهام تتعشش فى دهاليز العقلية العثمانية، وتلك الطفولة المخلبية الواهمة فى الدوحة.. 30 يونيو أرسلت الجماعة إلى المتاحف وكتب التاريخ. وليس لها إذا شاءت العودة للحياة من بُد التخلص من أوهام السلطة والتسلط وتفكيك التمدد الأممى والانتقال إلى مجرد جماعة دعوية ظاهرة غير مستترة.واضحة غير غامضة..يعرف الناس والحكومات مصادر تمويلها ومناحى إنفاقها..تدعو للإسلام الوسطى التنويري.