يتمتع أهل الجنة بمتع نفسية لا تقل عن متع الجسد ،وبهذا تكتمل لديهم دائرة النعيم .. ومن هذه المتع منع جميع المنغصات التى قد تؤذى النفوس أو تخدش صفوها ومن هذه المنغصات الممنوعة فى الجنة “ الغل”. فقال عز من قائل: {وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف:43] ورد للغل معان كثيرة فى معاجم اللغة ومن هذه المعاني: الحقد الكامن، والعداوة والضغينة، يقال:الغلّ والحسد يأكلان الحسنات، ويقال أيضا: غلّ فلان: أى خان فى المغنم أو مال الدولة وأخذ الأشياء فى خفاء. ولقد دعانا الله عز وجل فى كتابه الكريم ورسولنا الكريم فى سنته العطرة إلى التسامح وتنقية قلوبنا من الغل والحقد، ونحن نعلم أن التسامح وترك الغل من شيم الصالحين ودعواتهم، قال تعالى على لسان الصالحين من عباده: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلا للذين آمنوا}(الحشر:10) فسلامة الصدر من الغل طريق إلى الجنة، فقد وصف الله تعالى أهل الجنة وأصحاب النعيم المقيم فى الآخرة بأنهم مبرؤون من كل حقد وغل، وإذا حدث أن أصابهم شيء منها فى الدنيا فإنهم يطهرون منها عند دخولهم الجنة. وفى هذا يقول الدكتور محمد البهى من علماء الأزهر: إن الغِلَّ والحقد والحسد وما شابَهها من الصفات السوداء للنفس البشرية هى مصادر الشَّرِّ فى المجتمع الإنساني. وهى فى الوقت ذاته عوامل هدم وقضاء على الفرد والمجتمع معًا. فالفرد الحَقُود لا يعرف البناء بل طابَعه السلبيَّة ومحاولة تحطيم مَن هو أحسن منه وضعًا أو حالاً بعد أن يحطِّم نفسَه بالغل. ويحرص الإسلام على تأليف القلوب، وعلى إضفاء روح المحبة، وعلى التآخى والاجتماع، وعلى إصلاح ذات البين، كما حرص على حماية صرح الأخوّة، فورد عن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوان وبهذا نستحق جنة الخلد التى لا غل فيها ولا حسد ولا بغضاء.