واللا: دعوة صريحة لتدمير إسرائيل.. ولا تغيير حقيقيا فى ثوابت الحركة يسرائيل هايوم: حماس ما تزال تتبع النهج الإرهابى ومصرة على دولة فلسطينية من النهر إلى البحر
ما بين عامى 1988 و 2017، جرت مياه كثيرة فى نهر مختلف الأزمات السياسية، فما بالنا بالقضية الفلسطينية برمتها التى تشهد المزيد من الأحداث اليومية المتلاحقة، التى تؤثر وتتأثر بالقضايا الإقليمية والدولية، وهو ما جرى لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) التى أصدرت وثيقتها الجديدة فى الأول من شهر مايو الجاري، فى حالة من المواءمة السياسية بعد أن خرجت حماس إلى النور مع بداية الانتفاضة الفلسطينية الأولى، نهاية العام 1987، ومطلع العام 1988. خرج علينا خالد مشعل، رئيس المكتب السياسى السابق لحماس من قطر، صباح الإثنين قبل الماضي، الأول من الشهر الجاري، معلنًا إصدار حركته لوثيقتها الجديدة، كما أعلن تباعًا نجاح إسماعيل هنية بالفوز بمنصب رئيس المكتب خلفًا له شخصيًا، فى السادس من الشهر نفسه، استكمالاً لسيولة ديمقراطية تعيشها الحركة الإسلامية منذ عدة سنوات، وفهمًا للأحداث الجارية فى حالة من القراءة الجيدة للمستقبل القريب، وهى الوثيقة التى نالت حظها من الاهتمام الفلسطينى والعربى والدولي، خاصة من وسائل الإعلام الصهيونية، المنشورة باللغة العبرية! سرت موجة "التماهى" لكثير من بنود الوثيقة الجديدة للحركة، برغم معرفة الجميع بثوابت الحركة الوطنية، التى تقوم على مقاومة الاحتلال الصهيونى بكل الصور والأشكال المقاومة، وعدم الاعتراف بدولة "إسرائيل"، مع وجوب إنشاء دولة فلسطينية من النهر إلى البحر، وهو ما عُرِّف عن الحركة مسبقًا؛ بيد أنها بدلت بعض البنود بما يتماشى ويتعاطى مع الأحداث الجارية، والضغوط الداخلية والخارجية التى تعرضت لها فى الآونة الأخيرة، فى وقت تحاول الحركة وضع نفسها بديلاً لحركة فتح المقبولة دوليًا وعربيًا، تحمل كثيراً من المراوغة السياسية، خاصة ما يتعلق ببندى ربطها بحركة الإخوان المسلمين وحدود الرابع من يونيو 1967. البندان الخاصان بحركة الإخوان المسلمين وحدود الرابع من يونيو نالا اهتمامًا كبيرًا من التجمع الصهيوني، مؤكدا أن الحركة الإسلامية ترغب فى المراوغة والخداع وكسب تعاطف العالم، حيث تحاول استدرار عطفه فى وثيقة وبنود جديدة تُحسن من شكلها وصورتها أمام المجتمع الدولى ككل، سواء فى الداخل الفلسطينى نفسه أو فى خارجه! الثابت أن بعض الحركات الفلسطينية الأخرى لم توافق على بنود الوثيقة المهمة، حيث رأت حركة الجهاد الإسلامي، من خلال نائب الأمين العام، أن بعض تلك البنود غير موفقة، خاصة ما يتعلق بمقولة " وجود صيغة توافقية وطنية مشتركة " حول القبول بحدود الرابع من يونيو 1967، حيث أعلنت الحركة علانية رفضها المطلق القبول بدولة فلسطينية فى حدود 67. على الجانب الآخر، فإن وسائل الإعلام الصهيونية وصمت هذه الوثيقة بالخداع، كونها تراوغ فى بنود تتناول مدى تدمير التجمع الصهيوني، وتبقى عليه، خصوصا أن الحركة لم تعترف علانية وصراحة ومباشرة بدولة "إسرائيل"، وهو ما تريده تل أبيب، لذلك سارع، طل شيلو، المحلل السياسى للموقع الإلكترونى الإخبارى "واللا" بالقول: "إن ما خرجت به الحركة من بنود يعنى تدمير إسرائيل، فهى دعوة صريحة لتدمير إسرائيل، فلم يجر أى تغيير حقيقى فى ثوابت الحركة منذ تكوينها فى العام 1988، مع استمرار حالة خداع المجتمع الدولي، وإن قطعت العلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين الأم". ركَّز الموقع الإخبارى على أن الحركة الإسلامية تعمد إلى خداع العالم ومراوغته عبر تقديم بنود ووثيقة تُحسن من صورتها أمام المجتمع الدولى دون تقديم أية تنازلات، وكأن الكاتب الصهيونى يرغب، قسرًا، فى إجبار الحركة على تقديم تنازلات كثيرة للكيان الصهيوني، حتى لا يصف الحركة ب "الإرهابية"، وهو ما لم يحدث، فالحركة حاولت قدر الإمكان الحفاظ على الثوابت الوطنية، دون الإشارة إلى تدمير إسرائيل، وإن ذكرت إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967، فى الوقت نفسه الذى كتبت أن حدود الدولة الفلسطينية من البحر إلى النهر وهو ما ينفى ما سبق، بمعنى أن ثمة مراوغة حقيقية قامت بها الحركة الإسلامية، ربما لضغوط داخلية وخارجية، وربما تفهمًا للأوضاع الإقليمية والدولية التى تُحتِم على حماس تقديم بعض التنازلات غير المباشرة، وهو ما يستحق التعليق! توقعت تل أبيب أن تقوم الحركة الإسلامية بتغيير ثوبها الوطنى والإسلامى وتقديم أثواب جديدة تتماشى مع معطيات المرحلة الراهنة، وهو ما لم يجر، لذلك كتب الموقع نفسه (واللا)، غير مرة، أن خالد مشعل ومن خلفه حركة حماس خدعا المجتمع الدولي، وأكدت الحركة نيتها المبيَّتة لتدمير إسرائيل، خاصة بعد أن ذكر على لسان مشعل بأن كتائب عز الدين القسام، الذراع العسكرية لحماس سيجلب الحرية للأسرى الفلسطينيين، وأن حركته تحترم حقوق الشعب الفلسطينى وتحاول الحفاظ عليها دون مساس بأى من الحقوق والثوابت الوطنية!
تغييرات شكلية اتفقت صحيفة " يسرائيل هايوم " العبرية، مع ما ذكره موقع " واللا " من أن وثيقة حماس مجرد خداع للتجمع الصهيوني؛ بدعوى أن الحركة الإسلامية ما تزال تتبع النهج الثقافى والسياسى الإرهابيين، حيث كتبت أن حماس خادعة ببنودها الجديدة خاصة دعوتها لتدمير إسرائيل وحالة التماهى حول حدود الرابع من يونيو 1967، مع الدعوة إلى الانفصال عن جماعة الإخوان المسلمين. فقد ذكر محللها السياسي، دانيال سيريوطي، أن وثيقة حماس الجديدة لم تقدم الجديد، وإنما أصرت على ما سبق ونشرته فى بيان تأسيسها بأنه ترغب فى إقامة دولة فلسطينية من البحر إلى النهر، وفكرها القائم على " الجهاد المقدس "! لم تختلف القناة العاشرة الإسرائيلية على موقعها الإلكتروني، عن " يسرائيل هايوم " أو "واللا"، فقد كتبت أن حركة حماس لم تعترف بالتجمع الصهيونى فى الوجود، وسادها حالة من التماهى حول حدود العام 1967، وإن لم ترغب فى تدمير إسرائيل لكنها فى الوقت نفسه لا تعترف بها، وهو ما يعنى تدميرها أصلا، مؤكدة أن خالد مشعل شدد على استعادة كافة الحقوق الفلسطينية، من خلال الحفاظ على الثوابت الوطنية الفلسطينية، وهو ما أشار إليه حزقاى سيمنطوف، المحلل السياسى للقناة من أن الحركة حاولت إجراء تغييرات شكلية، مثل التفرقة بين الصهاينة واليهود، وسيادة التماهى حول حدود 67، وهو تغيير شكلى وحالة من الخداع العامة للمجتمع الدولي! مع ضرورة التشديد على استعادة حقوق اللاجئين الفلسطينيين، وعدم الفصل بين أجزاء 1948 والعام 1967، مؤكدة على لسان بنيامين نتانياهو، رئيس الوزراء الصهيونى أن حماس تخدع العالم ولا ترغب فى الاعتراف بها كدولة مستقلة! جاكى حوجي، المحلل السياسى لصحيفة " معاريف " العبرية، كتب أن ثنايا وثيقة حماس تثير الرعب والقلق لدى الكثيرين، فمن يقرأها يتفهم جيدًا مدى القوة التى تحاول الحركة تصديرها للداخل الصهيوني، فهى رغم كونها مباشرة فى كثير من بنودها، فإنها غير مباشرة فى قوتها وعنفوانها تجاه تل أبيب، فمضمونها القاسى يظهر بين السطور، لكنها ترغب بوجه عام التواجد فى الساحة السياسية الدولية. فى السياق نفسه، كتب الموقع الإلكترونى العبرى " واللا " فى موقع آخر، على لسان معلقه العسكري، آفى يسسخروف، أن ما قدمته الوثيقة الجديدة أو ما يمكن تسميته بالجديد فى وثيقة حماس هو إمكانية إنشاء دولة فلسطينية على حدود العام 1967، دون الاعتراف بحق إسرائيل فى الوجود، وهو ما يعنى الاستمرار فى نهج الحركة الداعى لتدمير إسرائيل – بحسب مزاعم الموقع الإخبارى العبرى فضلاً عن التغيير فى فك ارتباط الحركة عن جماعة الإخوان المسلمين. ومع ذلك فإن حديث الحركة الجديد عن حدود الرابع من يونيو هو اعتراف غير مباشر، بالتجمع الصهيونى نفسه، وإقرار بوجوده فى الأصل، رغم أن إسرائيل ليس لها وجود لا فى حدود الرابع من يونيو 1967، ولا فى حدود الخامس عشر من مايو 1948! وبالتالي، فإن الموقع "واللا" أو غيره من وسائل الإعلام العبرية تريد إعلان الحركة الاعتراف بدولة "إسرائيل"، والتنازل عن السلاح وفك الارتباط بسوريا وإيران وكل التيارات والحركات المقاومة، وإلغاء فكرة " الجهاد المقدس "، وتوقيع اتفاقات ثنائية مع الكيان الصهيوني، ما يعنى الرغبة فى تركيع الحركة! ما يؤكد هذه النظرية ما طرحه بنيامين نتانياهو، رئيس الوزراء الصهيوني، حينما علَّق على الوثيقة الحمساوية ب " إنها مجرد مسرحية كاذبة، وما زلنا نرى توجيه حماس لبوصلة الحرب نحو إسرائيل بل وتثقيف أبناء غزة لإبادة إسرائيل "، إذ ينادى بموافقة حماس على الوضع الراهن، وتركيعها وإجبارها على إثناء أطفالها عن فكرة " الجهاد المقدس "، قائلاً، فى السياق نفسه : " فى اليوم الذى تتوقف حماس عن حفر الأنفاق، وتوجيه مصادرها لبناء بنية تحتية مدنية، وتتوقف عن تثقيف أبناء قطاع غزة ضد إسرائيل وقتل الإسرائيليين فإننا نعتبر ذلك كله هو التغيير الجوهرى "! وهى الرؤية التى اتفق فيها أكثر من مسئول صهيوني، منها وزير الأمن الداخلى اليمينى المتطرف، جلعاد أردان، الذى يعد وثيقة حماس مجرد خدعة كبرى وعلاقات عامة فقط لتحسين صورتها أمام المجتمع الدولى لكسب الشرعية الدولية. من هنا، فإن وثيقة حماس الجديدة المكونة من 42 بند أو مادة هى خلاصة الفكر الحمساوى منذ تكوينها فى العام 1988، تأثرًا بالأوضاع الجارية وتفهمًا عميقًا لمجريات الأحداث، فى حالة من القراءة الجيدة للمستقبل القريب، رغم تشديدها على انطلاقها من منطلقات وطنية إسلامية هدفها تحرير التراب الفلسطينى من دنس الاحتلال الصهيوني، وهو ما يقلق التجمع الصهيونى فى آن!