«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ننفرد بنشر أخطر وثيقة قانونية ضد تعديلات قانون السلطة القضائية
نشر في الأهرام العربي يوم 10 - 04 - 2017

مفاجأة: رئيس الجمهورية فى الدستور الجديد لم يعد حكماً بين السلطات ولم يعد يترأس المجلس الأعلى للقضاء

مجلس النواب يطبق الدستور بمعيارين الأول فيما يخصه باختيار رئيسه والثانى إهداره عشرة نصوص دستورية عن استقلال القضاء

إذا كانت القاعدة لا يعذر أحد بجهله بالقانون فإنه بالنسبة للمشرعين لا يعذر بجهله بعلم القانون

فى قرابة 10 آلاف كلمة احتوتها 31 صفحة من القطع الكبير جاءت المذكرة القانونية للمستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة عضو الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا، لتحسم الجدل على كل المستويات بخصوص التعديلات الجديدة فى قانون السلطة القضائية، والتى تسببت فى حالة غضب بين القضاة خلال الساعات الماضية.
المذكرة التى سلمها الدكتور خفاجى يدا بيد لرئيس مجلس الدولة الدكتور المستشار محمد مسعود ظهر يوم السبت الماضى، وضعت النقاط على الحروف من حيث إن « استقلال القضاء مستمد من الدستور (عشرة نصوص دستورية ) لا من التشريع «، و»رئيس الجمهورية فى الدستور الجديد لم يعد حكماً بين السلطات ولم يعد يترأس المجلس الأعلى للقضاء، وذلك له دلالته الدستورية فكيف يختار رؤساءه؟ «، و»استقلال السلطة القضائية ضرورة دستورية كأساس لشرعية الحكم، ومجتمعية منذ دستور 1923 حتى الاَن « المذكرة التى تنفرد «الأهرام العربى» بنشرها كاملة اكتفى الدكتور خفاجى ب تصريح خاص ل «الأهرام العربى» قائلا «وقفة مع أهل التشريع فى مصر قبل ظلام الصدام».
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد وتقسيم:
أردت بهذا البحث العلمى أن يكون وقفة مع أهل التشريع فى مصر قبل ظلام الصدام، وفيه القول الفصل قضية القضايا المتمثلة فى كيفية اختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية، انتهجت فيه الموضوعية والتجرد والحياد التزاماً بالأصول والمعايير الدستورية العالمية حفاظاً لسمة القضاء المصرى فى إرساء العدل من ناحية، وصوناً لتشريع عصرى جديد من ناحية أخرى، ايماناً منى بإعلاء ساحة الحوار بين السلطتين، بدلاً من مستنقع الاحتراب بين السلطات .
والأصل فى سلطة المشرع فى موضوع تنظيم الحقوق جميعها أنها سلطة تقديرية، إلا أن هذه السلطة تجد حدها الطبيعى فى قواعد الدستور التى لا تجيز العدوان على الحقوق والحريات والمبادئ الدستورية التى استنها المشرع الدستورى، سواء من خلال هدم ذواتها أم الحد من نطاق الانتفاع بها، أم الانتقاص منها، بحسبان هذا الانتقاص عدوان على الحماية التى تصورها الدستور وكفلها لتلك الحقوق والحريات والمبادئ، ومن ثم يثور التساؤل فى هذا الصدد عن بيان مدى قدرة مجلس النواب على ممارسة اختصاصه المحجوز له دستورياً فى سن التشريع بالخروج على ما يخالف أو يمس أحد المبادئ الدستورية، ومنها بلا ريب مبدأ استقلال القضاء.
ويثور التساؤل كذلك، كيف سيتحقق استقلال السلطة القضائية فى ظل وجود نظام تقننه السلطة التشريعية بموجبه يتم اختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية بواسطة السلطة التنفيذية، وهل من المنطق أن يقبل رؤساء تلك الجهات والهيئات القضائية أن يكون أحدثهم رئيساً لأقدمهم؟ إن طريقة اختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية على هذا النحو الذى تضمنه مشروع هذا القانون يثير مدى صحة القول بتبعية السلطة القضائية للسلطة التنفيذية ومدى حقيقة الإخلال باستقلالها، وكذلك مدى تأثير ماتقدم على تقويض مبدأ الفصل بين السلطات اللصيق باستقلال القضاء.
وبناء على ذلك، نعرض فى هذا المبحث لأحد عشر مباحث متتالية على النحو التالى :
المبحث الأول: مفهوم استقلال السلطة القضائية مستمد من الدستور) لا من التشريع
استقلال السلطة القضائية له مفهوم وثيق الصلة بأحد الضمانات الأساسية فى المجتمع المتمثلة فى حماية حقوق المواطنين وحرياتهم، ذلك أن تنظيم العدالة وإدارتها إدارة فاعلة مسألة وثيقة الصلة بالحرية وصون الحقوق على اختلافها، واستقلال السلطة القضائية نصت عليه جميع الدساتير، وقد كفلت الدساتير المصرية المتعاقبة ومنها الدستور الحالى للسلطة القضائية استقلالها وجعل هذا الاستقلال عاصماً من التدخل فى أعمالها أو التأثير فى مجرياتها باعتبار أن القرار النهائى فى شأن حقوق الأفراد وواجباتهم وحرياتهم هو بيد أعضائها، وكان هذا الاستقلال يقوم فى مضمونه على أن تفصل السلطة القضائية فيما يعرض عليها من أقضية فى موضوعية كاملة، وعلى ضوء الوقائع المطروحة عليها، ووفقا ًللقواعد القانونية المعمول بها، ودون ما قيود تفرضها عليها أى جهة أو تدخل من جانبها فى شئون العدالة بما يؤثر فى متطلباتها، ليكون لقضاتها الكلمة النهائية فى كل مسألة من طبيعة قضائية، ولتصدر أحكامها وفقا لقواعد إجرائية تكون منصفة فى ذاتها وبما يكفل الحماية الكاملة لحقوق المتقاضين.
واستقلال السلطة القضائية ليس تمييزاً لها، فهى سلطة أصيلة تقف على قدم المساواة مع السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتستمد وجودها وكيانها من الدستور ذاته لا من التشريع، وقد أناط بها الدستور وحدها أمر العدالة مستقلة عن باقى السلطات، ومن ثم فلا يجوز - عن طريق التشريع - إهدار ولاية تلك السلطة كليا أو جزئياًً أو المساس باستقلالها أو الانتقاص منه ولئن كان الدستور قد نص فى المادة(184) منه على أن يبين القانون صلاحيتها، فإن المقصود بذلك أن يتولى الشارع توزيع ولاية القضاء كاملة على السلطة القضائية على نحو يكفل استقلالها، فإن تجاوز القانون هذا القيد الدستورى وانتقص من استقلال القضاء ولو جزئياً كان مخالفاً للدستور.
وقد حرص المشرع الدستورى على تقرير مبدأ السلطة القضائية فى عشرة نصوص دستورية كل فى موضعها وتتكامل جميعها فى بوتقة مبدأ استقلال القضاء، ففى المادة (94) من الدستور ربط المشرع الدستورى استقلال القضاء بخضوع الدولة للقانون، وجعل سيادة القانون أساس الحكم فى الدولة وأخضع الدولة للقانون وجعل استقلال القضاء وحصانته وحيدته ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات، وهذه هى فلسفة استقلال القضاء كما يجب أن يعيها مجلس النواب
وفى المادة (184) من الدستور نص على أن السلطة القضائية مستقلة تتولاها المحاكم على اختلاف أونواعها ودرجاتها، وتعرضت تلك المادة لجريمة ذات شقين لكل منها نطاقاها ومداها، الأولى جريمة التدخل فى شئون العدالة، وقد حرص المشرع الدستورى أن يورد النص عاماً ليشمل كل صور التدخل – وعلى القمة منها إهدار مبدأ استقلالها – والثانية جريمة التدخل فى القضايا، وهنا يلزم التدخل بصدد قضية معينة، وجعل المشرع هذه أو تلك جريمة لا تسقط بالتقادم لعظم شأن العدالة .
وفى المادة (185) رسخ المشرع الدستورى لكل جهة أو هيئة قضائية مفهوم الاستقلال بأن جهل كل منها تقوم على شئونها ومنح لكل منها موازنة مستقلة تدرج بعد إقرارها فى الموازنة العامة للدولة رقماً واحداً، وألزم مجلس النواب بأخذ رأيها فى مشروعات القوانين المنظمة لشئونها، واستخدام المشرع للفظ « رأيها» لا يعنى إهداره والعمل على نقيضه وألا يكون النص عليه من قبيل العبث، كما أنه قد غاب عن مجلس النواب أن النصوص التى يضعها المشرع الدستورى تفترق عن النصوص يضعها المشرع العادى، وأخذ رأى تلك الجهات والهيئات له قيمة دستورية تعلو على ما أهدره المشرع العادى إذ جردها من كل قيمة .
وفى المادة (186) أضفى المشرع الدستورى مفهوماً آخر للاستقلال بأن أضفاه على القضاة أنفسهم وليس السلطة القضائية فقط، حينما نص على أن القضاة مستقلون غير قابلين للعزل، ولم يشأ أن يجعل عليهم سلطاناً فى عملهم إلا القانون، وجعلهم المشرع متساوين فى الحقوق والواجبات، وتلك المساواة تكون بين جميع الجهات والهيئات القضائية دون استثناء .
وفى المادة (190) نص المشرع الدستورى على استقلال مجلس الدولة كجهة قضائية، وجعله مختصاً دون غيره بالفصل فى المنازعات الإدارية ومنازعات التنفيذ بجميع أحكامه ومراجعة وصياغة مشروعات القوانين وغيرها
وفى المادة (191) نص المشرع الدستورى على استقلال المحكمة الدستورية العليا كجهة قضائية قائمة بذاتها وحدد اختصاصاتها، وأمعن المشرع الدستورى فى استقلالها فى المادة (193) واستحدث طريقة اختيار رئيسها بأن تختار الجمعية العامة رئيس المحكمة من بين ثلاثة نواب لرئيس المحكمة، ثم أضفى الاستقلال كذلك على أعضائها وفقاً للمادة (194) التى جعلت رئيس ونواب رئيس المحكمة الدستورية العليا ورئيس وأعضاء هيئة المفوضين بها مستقلون وغير قابلين للعزل ولا سلطان عليهم فى عملهم إلا للقانون .
وفى المادة (196) أضفى المشرع الدستورى على هيئة قضايا الدولة طابع الاستقلال بأن جعلها هيئة قضائية مستقلة، برغم أنها تنوب عن الدولة فيما يرفع منها أو عليها من دعاوى، وكذا بموجب المادة (197) أضفى الاستقلال على هيئة النيابة الإدارية بالنص على أنها هيئة قضائية مستقلة.

المبحث الثانى: استقلال السلطة القضائية ضرورة دستورية كأساس لشرعية الحكم
بالرجوع للجذور التاريخية ومما ورد فى المذكرة الإيضاحية لقانون استقلال القضاء رقم66 لسنة 1943 والتى جاء فيها أن «الدستور المصرى أبرز حقيقة استقلال القضاء ولم يخلقها، فمن طبيعة القضاء أن يكون مستقلاً والأصل فيه أن يكون كذلك، وكل مساس بهذا الأصل من شأنه أن يعبث بجلال القضاء، وكل تدخل فى عمل القضاء من جانب أية سلطة من السلطتين الأخريين يخل بميزان العدل، ويقوض دعائم الحكم، فالعدل كما قيل قديماً أساس الملك»، وأردفت المذكرة أن الضمانات التى كفلتها نصوص ذلك القانون لا تعدو أن تكون خطوة يجب أن تتبعها خطوات، ومن ثم أناطت بالقضاة أنفسهم واجب متابعة السعى دوما لاستكمال أسباب استقلالهم، وهو ما صارت على هديه المواثيق الدولية.
والخلاصة أن استقلال القضاء ضرورة دستورية كأساس لشرعية الحكم، وضرورة مجتمعية كذلك لتحقيق العدالة فى المجتمع وترسيخ مفاهيمها وأواصرها وضبط مسارها، والضمان الفاعل لاحترام مبدأ المشروعية وارتقاء مكانته وتحقيق سيادة القانون وعلو كلمته، وهو أيضاً ضمان جوهرى لا غنى عنه لكفالة حقوق المواطنين وصون حرماتهم وحماية حرياتهم، وهو قبل كل ذلك أمر تفرضه طبيعة القضاء ويمليه سمو رسالته، وإذا كان العدل أساس الملك فإن استقلال القضاء هو أساس العدل، وبغير العدل تضطرب الدولة وتتنكب الحكم الرشيد الصالح .
إن استقلال القضاء فى المفهوم الحديث لا يعنى الانفصال عن السلطات الأخرى فى الدولة فمثل ذلك الانفصال لا وجود له داخل الدولة الواحدة . وإنما يعنى استقلال القضاء أنه هو وحده الذى « يستقل « بشئونه كافة، الإدارية والقضائية وبالفصل فى المنازعات وبالحكم بالعقوبات هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى فإن استقلال القضاء يعنى أن القضاة وهم يؤدون أعمالهم لا يخضعون فى ذلك إلا للقانون وحده، ولا يتلقون فى هذا الشأن توجيهات من أحد كائناً من كان ولا يخضعون لسلطان أى جهة فى قضائهم، فلا قيد على القاضى إلا رقابة الله ثم سلطان الضمير ونزاهة تطبيق العدالة ضماناً للحقوق والحريات .

المبحث الثالث: مشروع البرلمان بالانتقاص من استقلال القضاء انتهاك لحرمة الدستور ومخالفة جسيمة له
غنى عن البيان، إن مبدأ استقلال السلطة القضائية أصبح أهم مظهر من مظاهر النهج الديمقراطى فى أى نظام سياسى فى العالم، لأنه يشكل كما ذكرنا - الضمانة الحقيقية لحماية حقوق المواطنين وحرياتهم لتحقيق العدالة وضمان حقوق الإنسان، فإن جميع الدساتير تحرص فى صلب دساتيرها على مبدأ استقلال السلطة القضائية، على أن العبرة دائماً كما يقول رجال الفكر والفقه الدستورى ليست بالنصوص الدستورية فى ذاتها وإنما بتطبيقاتها فى الحياة العملية .
من الجدير بالذكر أن المشرع فى حدود الدستور له سلطة التشريع ما لم يقيده الدستور بقيود معينة أن السلطة التشريعية قد تستتر وراء أحد الاختصاصات المنصوص عليها فى الدستور لتمارس نشاطاً اَخر يمنعه الدستور صراحة أو ضمناً ومثالها أن تصدر تشريعاً كمشروع القانون – محل البحث – يستر عدواناً على مبدأ استقلال القضاء وهو من المبادئ الدستورية، ويتعين سد هذا التحايل لأنه يفتح باباً خطيراً للمشرع للعدوان على القضاء .
ومن المعلوم أن عيب الانحراف بالسلطة عيب احتياطى حيث لا يتعرض له القاضى إلا إذا انعدمت العيوب الأخرى، وعيب الانحراف بالسلطة هنا لا يتحدد بمعيار ذاتى، وإنما على ضوء معيار موضوعى، فإذا كانت قرينة الدستورية تفترض تطابق النص التشريعى مع أحكام الدستور فإن عملية إقرار القوانين تسبقها وتعاصرها مراحل قد يصعب معها القطع بحقيقة النوايا الذاتية التى تؤثم تشريعاً بذاته، واسباب التشريع تكشف عادة عن الغاية التى قصد المشرع إلى تحقيقها ونلتمس تلك الأسباب فى نصوص التشريع بذاته عندما نمحصها نصاً لنتبين من خلالها، وفى تضاعيف العبارات والأساليب الغاية من التشريع، ونلتمسها كذلك فى ديباجة التشريع إذا كان له ديباجة، ففيها يذكر المشرع الأسباب التى حملته على إصدار التشريع والغاية التى يهدف إلى تحقيقها، وكذا فى الأعمال التحضيرية نبحث عنها فى المذكرة الإيضاحية وتقارير اللجان البرلمانية ومناقشات الأعضاء .
وبالرجوع إلى مشروع النص المعد من مجلس النواب وعلى ما سوف نرى يبين منه حثيث غاية المشرع فى تتبع عدة فروض بطريقة التلاحق لا بطريقة التنظيم، فتارة أولى أوجب مشروع النص أن يعين رئيس مجلس الدولة بقرار من رئيس الجمهورية من بين 3 من نوابه، ترشحهم الجمعية العمومية الخاصة بمجلس الدولة، من بين أقدم سبعة من نواب رئيس المجلس، وذلك لمدة أربع سنوات أو المدة الباقية حتى بلوغه سن التقاعد أيهما أقرب ولمرة واحدة طوال مدة عمله، وإبلاغ رئيس الجمهورية بأسماء المرشحين قبل نهاية مدة رئيس المجلس بستين يوما على الأقل، وتارة ثانية أوجب مشروع القانون فى حالة عدم تسمية المرشحين قبل انتهاء الأجل المذكور فى الفقرة السابقة، وتارة ثالثة أو ترشيح عدد يقل عن ثلاثة وتارة رابعة أو ترشح من لا تنطبق عليه الضوابط المذكورة فى الفقرة الأولى يعين رئيس الجمهورية من بين أقدم سبعة من نواب رئيس الجمهورية. ويمكن القول هنا إن المشرع خلط الأغراض المخالفة للدستور – المتمثلة فى مبدأ استقلال القضاء – بأغراض ظاهرها الصحة ليحقق خفيةً بمشروع هذه النصوص ما عجز علانية عن إنفاذه بما جعلها خارجة من رحمها موصومة بها فى كل حلقاتها .كما تتحقق مخالفة مشروع تلك النصوص للدستور ولو كان خطأ مجلس النواب يرجع إلى عدم فهمه لنصوص الدستور على صحيح وجهها والذى اكده المشرع الدستورى عشر مرات فى الدستور بتكرار النص فى أكثر من مناسبة عن استقلال القضاء . وهذا الاستقلال لا يخل بيد سلطة المشرع بالتنظيم بتوفير مزيد من الضمانات للمبدأ ذاته لا الانتقاص منه وإهداره مما تكون معه المخالفة الدستورية جسيمة لمساسها بأساس شرعية الحكم فى الدولة وثيق الصلة باستقلال القضاء .

المبحث الرابع : سلب القضاة إرادتهم فى اختيار رؤسائهم جريمة
ذكر مجلس النواب تعقيباً على مشروع قانونه أنه غير ملزم دستورياً بما ينتهى إليه رأى الجهات والهيئات القضائية دون إلزامه بالموافقة عليها، وأن مطالبة القضاة بمعيار الأقدمية على خلاف مشروع القانون هو إهدار بمبدأ الفصل بين السلطات وتدخل فى صميم عمل البرلمان وهو ما يحتاج إلى وضع هذا القول فى الميزان الدستورى ؟ ليبين مدى رجحانه أو إخفاقه، وهل ثقلت موازينه فينعم رجال العدل بعيشة راضية أم خفت موازينه فيلقى بالعدالة فى الهاوية، وما أدراك ما هية فى طريق الصراط نار حامية .
وما يجهله مجلس النواب أنه فى ظل النظام القضائى لا يجوز أن يكون المرؤوس رئيساً لرئيسه، فهذه النصوص انهدام لعراقة القضاء وتجريده من أقدميته وهى عزته وشرفه وسمعته التى عاش بها جيلاً بعد جيل تحاكى بهم مصر من بين الأمم، ومن ثم ولئن جاز القول بأن تحديد مضمون تلك الإرادة وقوفاً على ماهيتها، لازال أمراً عسراً، إلا أن معناها - وبوصفها الركن الركين لشرعية نظام الحكم يجب أن تنبع من ارادتهم المستقلة التى حرص الدستور على حمايتها والتصون لها، ويكون مشروع القانون فى هذا الصدد، إذ يسلب القضاة إرادتهم فى الاختيار جريمة قوامها التدخل فى شئون العدالة للانتقاص من إرادتهم – يدور رحاها وفقاً لتلك النصوص بوجه عام حول النوازع المدبرة malice aforethought أو تلك التى يكون الخداع قوامها fraudulent intent أو التى تتمحض عن علم بالتأثيم فى صيغة التنظيم، - بالنظر إلى أن التدخل فى شئون العدالة جريمة - مقترناً بقصد اقتحام حدود إرادة القضاة، لتدل جميعها على إرادة إتيان فعل بغياً ولا يتصور بالتالى وفقاً لأحكام الدستور انتزاع استقلالهم عدواناً .

المبحث الخامس :رئيس الجمهورية فى الدستور الجديد لم يعد حكماً بين السلطات .
تضمن دستور 1971 نصاً فى المادة (73) منه بأن رئيس الجمهورية يرعى الحدود بين السلطات لضمان تأدية دورها فى العمل الوطنى، ولم يعد ذلك النص قائماً فى دستور 2014 أى لم يعد رئيس الجمهورية الحكم بين السلطات الثلاث بعد أن حدد لكل سلطة حدودها وأُطرها واختصاصاتها، وبذلك لم يعد هناك فى مصر دستورياً من له سلطة حل الخلافات التى قد تنشب بين « سلطات الدولة « سوى القضاء ذاته الضمان الوحيد للعدل والإنصاف بالقسط، كما أن دستور 1971 قد نص فى مادته (173) على أن تقوم كل هيئة قضائية على شئونها ويشكل مجلس يضم رؤساء الهيئات القضائية يرأسه رئيس الجمهورية ويرعى شئونها المشتركة، ويبين القانون تشكيله واختصاصاته وقواعد سير العمل به، وهذا النص بدوره ألغاه دستور 2014 إذ جاءت المادة (188) منه خالية من رئاسة المجلس الأعلى للقضاء من رئيس الجمهورية وهذا أمر له دلالته الدستورية فى عميق الفكر الدستورى بغل يد الرئيس عن التدخل فى شئون العدالة بمعناها الواسع وليس بصدد قضايا معينة وكلتاهما باتت جريمة بنص المادة (184) من الدستور الحالى لا تسقط بالتقادم وما يسرى على الرئيس كسلطة تنفيذية بشأن هذين الجريمتين يسرى من باب أولى على السلطة التشريعية حينما تقدم على تشريع ينال أو ينتقص من شئون العدالة .
ولا مرية أن إلغاء دور رئيس الجمهورية فى هذين النصين الدستوريين وعدم اعتراف المشرع الدستورى بهما بخلو الدستور القائم منهما، لم تكن سدى، وإنما جاءت تعبيراً عن إرادة الشعب المصرى بعد ثورتيه فى 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 عانى منها الشعب من اعتداء السلطة التنفيذية على السلطة القضائية فى عهود زمنية مضت، فجاء الدستور الجديد ليضع حداً لتغول السلطتين التنفيذية والتشريعية على مبدأ استقلال القضاء التى أرستها كل الدساتير ومنها الدستور الحالى، فإذا ما أُضيف إلى ذلك أن المشرع الدستورى الحالى استخدم كلمة استقلال بشأن السلطة القضائية بجهاتها وهيئاتها المتباينة عشر مرات فى المواد (94، 184، 185، 186، 190، 191، 193، 194، 196، 197، ) فقد دل ذلك عن هاجس دستورى حرص المشرع على تكراره للسلطة القضائية ككل، ولكل جهة وهيئة تتبعها لحرصه الشديد على مفهوم استقلال القضاء، ولا يستقيم مع هذا التكوين الدستورى الجديد أن تتدخل إرادة رئيس الجمهورية فى اختيار رؤسائها، ولا يستقيم لنواب الشعب - باعتبارهم وكلاء عنه لما عهده إليهم صاحب السلطة الاصيل وهو الشعب الذين يمارسون السلطة نيابة عنه – أن يصدر منهم تشريع يمثل انتقاصاً من تلك المقاصد الدستورية وإلا عد منهم ذلك مخالفاً للدستور مخالفة جسيمة فى الدرك الأسفل منه، لمساسه بأصل شرعية الحكم فى الدولة .

المبحث السادس: مجلس النواب يطبق الدستور بمعيارين
الحق أن مجلس النواب يطبق الدستور بمعيارين، الأول فيما يخصه باختيار رئيسه والثانى إهداره عشرة نصوص دستورية عن استقلال القضاء فى اختيار رؤسائه . فمجلس النواب قنن لنفسه اختيار رئيسه دون تدخل من رئيس الجمهورية، وجعل علم الأخير بمجرد الإخطارتطبيقاً للدستور ويريد تشريعاً يتدخل فيه رئيس الجمهورية فى اختيار رؤساء السلطة القضائية بما يمس استقلالهم مخالفاً عشرة نصوص دستورية.
وإذا كان مجلس النواب يتشدق بالتمسك بأنه من اختصاصه الدستورى إصدار قانون يبين طريقة اختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية على النحو الذى يخضع لهم دون الاعتداد باعتراض تلك الجهات تأسيساً على « أن البرلمان عندما يباشر سلطة التشريع، فهو بذلك ينفذ التزاماً باختصاص أصيل احتجزه الدستور له بغير تعقيد أو منازعة من غير سلطة أخرى بالدولة وهو لا يتصور - من وجهة نظره – أن تكون تلك الممارسة محل جدل أو أن تكون عنواناً لتغول سلطة أخرى « ومطالبة القضاة بغل يد مجلس النواب فى مما رسة اختصاصه الدستورى فى سن التشريع اهدار لمبدأ الفصل بين السلطات على حد قوله، والحق أن هذا ما أعلنه مجلس النواب هو الذى ينال من مبدأ الفصل بين السلطات ويخل بالتوازن والتعادل بينها، ويقوض دعائم شرعية الحكم فى البلاد، فمن بين مفاهيم مبدأ الفصل بين السلطات حقيقة لا شعاراً ألا تطغى سلطة على أخرى أثناء ممارسة اختصاصاتها الدستورية، كما أن العصر الحديث انتهى إلى أن الفصل
بين السلطات يجب أن يكون فصلاً مرناً بالتعاون فيما بينها وليس فصلاً جامداً، وهذا التعاون يكون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، لأن السلطة القضائية بطبيعتها مستقلة، ويجب ألا تكون فى ميدان التعاون بحكم ولايتها، وإنما تكون على القمة فى التوازن مع باقى السلطات، فكيف يشرع مجلس النواب لاستقلاله هو ثم يمس استقلال السلطة القضائية!.
إن مبدأ الفصل بين السلطات برئ مما يسنون غدراً فى سحب استقلال القضاء الذى هو عماده وكرامته، مبدأ الفصل بين السلطات قد خجل مما تقولون، وفى الميزان الدستورى أنتم الخاسرون، وتفسير ذلك وآيته، أنه وفقاً لنص المادة (12) من القانون رقم (1) لسنة 2016 بإصدار اللائحة الداخلية لمجلس النواب ينتخب المجلس من بين أعضائه فى أول اجتماع لدور الانعقاد السنوى العادى الأول الرئيس والوكيلين لمدة الفصل التشريعي، وذلك بالأغلبية المطلقة لعدد الأصوات الصحيحة التى أعطيت--.» أى أن مجلس النواب قنن لنفسه اختيار رئيسه دون تدخل من رئيس الجمهورية، ويريد تشريعاً يتدخل فيه رئيس الجمهورية فى اختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية بما يمس استقلالهم، فإذا قيل إن هذا التقنين جاء تطبيقاً لنص المادة (117) من الدستور الحالى الذى نص أن ينتخب مجلس النواب رئيسه، فلماذا يطبق مجلس النواب النص الدستورى الخاص بانتخاب رئيسهم ثم يهدرون الدستور فى عشرة نصوص دستورية تتعلق باستقلال القضاء هى المواد(197، 196، 194، 193، 191، 190، 186، 185، 184، 94) فهل تجدون الفكر الدستورى مما يجيز لكم التشريع خارج حدود الدستور، ففى علم القانون أفلا تستحون ولا تخشون !
والأسوأ مما تقدم، أن مجلس النواب قنن لنفسه أيضاً أنه يحقق علم رئيس الجمهورية باختيار رئيسه بمجرد الاخطار فقد تنصت المادة (13) على إنه : «يخطر رئيس المجلس رئيس الجمهورية بتشكيل مكتب المجلس، فور إعلان انتخابه» وذلك فى الوقت الذى يقنن مجلس النواب لرئيس الجمهورية سلطة اختيار رؤساء السلطة القضائية، فأين أنتم من توازن السلطات ؟ وأين لديكم تعادل السلطات، وقد أهدرتم مبدأ الفصل بين السلطات فى معاناه وأدميتموه فى فحواه بمشروع ينزف دماً فى مغزاه، وخالفتم ما هو مستقر عليه فى كل دساتير العالم، وتجاهلتم عشرة نصوص دستورية مصرية، وغم عليكم ادراك الفقه والفكر الدستورى المقارن فى أقل الدول ديمقراطية وفهماً للفصل بين السلطات .

المبحث السابع : طريقة وضع نص اختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية
فقد تبين انها ترجع إلى سنة 1728 قبل الميلاد على غرار قانون حمورابى لأنه قام على الأسلوب الافتراضى المتلاحق ونسى فرضاً بإحالة الجميع للمعاش، وبالرجوع إلى النصوص المعدلة لطريقة اختيار الجهات والهيئات القضائية تبين الاَتى:
جاء التعديل الأول أن يستبدل بنص المادة 35 من قانون هيئة النيابة الإدارية، بأن يعين رئيس هيئة النيابة الإدارية بقرار من رئيس الجمهورية من بين ثلاثة من نوابه، يرشحهم المجلس الأعلى للهيئة من بين أقدم سبعة نواب رئيس الهيئة، وذلك لمدة 4 سنوات أو المدة الباقية، حتى بلوغه سن التقاعد أيهما أقرب ولمرة واحدة طوال مدة عمله.ويجب إبلاغ رئيس الجمهورية بأسماء المرشحين قبل نهاية مدة رئيس الهيئة بستين يوما على الأقل، وفى حالة عدم تسمية المرشحين قبل انتهاء الأجل المذكور فى الفقرة السابقة، أو ترشيح عدد يقل عن ثلاثة، أو ترشيح من لا تنطبق عليه الضوابط المذكورة فى الفقرة الأولى يعين رئيس الجمهورية، رئيس الهيئة من بين أقدم سبعة من نواب رئيس الهيئة.
وجاء نص التعديل الثانى فى أن يستبدل بنص الفقرة الثانية من المادة 16 من قانون هيئة قضايا الدولة، أن يعين رئيس الهيئة بقرار من رئيس الجمهورية من بين ثلاثه من نوابه يرشحهم المجلس الأعلى للهيئة من بين أقدم سبعة من نواب رئيس الهيئة، وذلك لمدة 4 سنوات أو المدة الباقية حتى بلوغه سن التقاعد أيهما أقرب ولمرة واحدة طوال مدة عمله، ويجب إبلاغ رئيس الجمهورية بأسماء المرشحين قبل نهاية مدة رئيس الهيئة بستين يوما على الأقل. وفى حالة عدم تسمية المرشحين قبل انتهاء الأجل المذكور فى الفقرة السابقة، أو ترشح عدد يقل عن ثلاثة، أو ترشيح من لا تنطبق عليه الضوابط المذكورة فى الفقرة الثانية، يعين رئيس الجمهورية رئيس الهيئة من بين أقدم سبعة من نواب رئيس الهيئة.
وجاء التعديل الثالث أن يستبدل بنص الفقرة الثانية من المادة 44 من قانون السلطة القضائية بأن يعين رئيس محكمة النقض بقرار من رئيس الجمهورية من بين 3 من نوابه يرشحهم مجلس القضاء الأعلى، من بين أقدم سبعة من نواب رئيس المحكمة، وذلك لمدة 4 سنوات أو المدة الباقية حتى بلوغه سن التقاعد أيهما أقرب ولمرة واحدة طوال مدة عمله، ويجب إبلاغ رئيس الجمهورية بأسماء المرشحين قبل نهاية مدة رئيس المحكمة بستين يوما على الأٌقل، وفى حالة عدم
تسمية المرشحين قبل انتهاء الأجل المذكور فى الفقرة السابق، أو ترشيح عدد يقل عن ثلاثة أو ترشح من لا تنطبق عليه الضوابط المذكورة فى الفقرة الثانية، يعين رئيس الجمهورية رئيس المحكمة من بين أقدم سبعة من نواب رئيس المحكمة
وجاء التعديل الرابع أن يتم استبدال نص الفقرة الأولى من المادة 83 من قانون مجلس الدولة فى أن « يعين رئيس مجلس الدولة بقرار من رئيس الجمهورية من بين 3 من نوابه، ترشحهم الجمعية العمومية الخاصة بمجلس الدولة، من بين أقدم سبعة من نواب رئيس المجلس، وذلك لمدة أربع سنوات أو المدة الباقية حتى بلوغه سن التقاعد أيهما أقرب ولمرة واحدة طوال مدة عمله، ويجب إبلاغ رئيس الجمهورية بأسماء المرشحين قبل نهاية مدة رئيس المجلس بستين يوما على الأقل.وفى حالة عدم تسمية المرشحين قبل انتهاء الأجل المذكور فى الفقرة السابقة، أو ترشيح عدد يقل عن ثلاثة أو ترشح من لا تنطبق عليه الضوابط المذكورة فى الفقرة الأولى يعين رئيس الجمهورية من بين أقدم سبعة من نواب رئيس الجمهورية.

المبحث الثامن : طوق النجاة
التماثل فى المراكز القانونية فى طريقة اختيار رئيس المحكمة الدستورية تستوجب وحدة القاعدة القانونية التى ينبغى أن تنتظم سائر رؤساء الجهات والهيئات القضائية، حيث تضمنت المادة (193) من الدستور الحالى – خلافاً للدساتير المصرية السابقة - طريقة اختيار رئيس المحكمة الدستورية العليا بأن تختار الجمعية العامة رئيس المحكمة من بين أقدم ثلاثة نواب لرئيس المحكمة كما تختار نواب الرئيس، وكان هذا النص لسببين: الأول يرجع إلى حكم ما قبل ثورة 25 يناير من سد الطريق على اختيار رئيس لها من خارج قضاتها، والثانى يرجع إلى ما قبل ثورة 30 يونيه 2013 مما تعرضت له تلك المحكمة من تهديد وعدوان غاشم من الفاشية الدينية، فأراد المشرع الدستورى أن يضمن طريقة اختيار رئيسها، ولا يتصور أن يكون مقصود المشرع الدستورى ذاته من تحديد طريقة اختيار رئيس المحكمة الدستورية أن يتضمن تمييزاً لها عن جهات القضاء وهيئاته، وإذ جاز القول بذلك التمييز المنهى عنه دستورياً بإجماع دساتير العالم لتناقض المشرع الدستورى مع نفسه وخالف هو ما يسنه للمشرع العادى من إعمال مبدأ المساواة للأقران، وذوى المراكز المتماثلة .
وقد أفرد المشرع الدستورى للسلطة القضائية فصلاً كاملاً هو الفصل الثالث منظماً لجهتى القضاء العادى والإدارى متضمناً ثلاثة فروع : الأول منها للأحكام العامة والثانى للقضاء والنيابة العامة والثالث لقضاء مجلس الدولة، ثم أفرد الفصل الرابع لجهة القضاء الدستورى المحكمة الدستورية العليا، ثم تناول فى الفصل الخامس الهيئات القضائية المتمثلتين فى هيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية، وبعد أن عرض المشرع الدستورى للجهات والهيئات القضائية أفرد نصاً خاصاً للمحكمة الدستورية العليا فى المادة (193) من الدستور بطريقة اختيار رئيس المحكمة وعهد للجمعية العامة اختياره من بين أقدم ثلاثة نواب لرئيس المحكمة، كما عهد إليها اختيار نواب الرئيس وأعضاء هيئة المفوضين ويتوج هذا الاختيار بتصديق رئيس الجمهورية لإرادة الجمعية العامة للمحكمة بأن يصدر بتعيينه وتعيين المذكورين قرار من رئيس الجمهورية .
ومما تجدر الإشارة إليه، إن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون رددته الدساتير المصرية جميعها، بحسبانه ركيزة أساسية للحقوق والحريات على اختلافها، وأساساً للعدل والسلام الاجتماعى، غايته صون الحقوق والحريات فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها، أو تقيد ممارستها، وباعتباره وسيلة لتقرير الحماية المتكافئة للحقوق جميعها؛ إلا أن مجال إعماله لا يقتصر على ما كفله الدستور من حريات وحقوق وواجبات، بل يمتد- فوق ذلك- إلى تلك التى يقررها التشريع. ولا يتصور أن يكون مقصود المشرع الدستورى ذاته من تحديد طريقة اختيار رئيس المحكمة الدستورية أن يتضمن تمييزاً لها عن جهات القضاء وهيئاته، وإذ جاز القول بذلك التمييز المنهى عنه دستورياً بإجماع دساتير العالم لتناقض المشرع الدستورى مع نفسه، وخالف هو ما يسنه للمشرع العادى من إعمال مبدأ المساواة للأقران، وهذا ما يتنزه عنه المشرع الدستورى إذا قيل بذلك التفسير بالتمايز، أتشرعون للناس بالمساواة وتميزون الدستورية دون السلطة القضائية وتخالفون وحدة تنظيم الأقران، أفلا تقارنون !
ولا يغير من ذلك المماحكة من مجلس النواب من أن طريقة اختيار رئيس المحكمة الدستورية منصوص عليها فى الدستور وغيرهم من القضاة غير منصوص عليه، لأنه من المقرر فى قضاء المحكمة الدستورية ذاتها، أن مناط دستورية أى تنظيم تشريعى ألا تنفصل نصوصه أو تتخلف عن أهدافها – كما ذكرنا - ومن ثم فإذا قام التماثل فى المراكز القانونية التى تنتظم البعض، وتساووا بالتالى فى العناصر التى تكونها، استوجب ذلك وحدة القاعدة القانونية التى ينبغى أن تنتظمهم جميعاً، وتلك المماحكة من شأنها الفُرقة بين قضاة مصر وشق صفهم بالتمايز فيما بينهم، للعودة لعهود
الظلام الاستبداد التى ثار الشعب فيها فى ثورتين متلاحقتين زمنياً 2011و2013 كان القاسم المشترك فيهما العدوان على السلطة القضائية .

المبحث التاسع :استقلال القضاء وفقاً للمعايير الدولية وموقع مشروع مجلس النواب منه
ونعرض لاستقلال القضاء وفقاً للمعايير الدولية وموقع مشروع مجلس النواب منه فى فرعين على النحو التالى :
الفرع الأول : مشروع قانون مجلس النواب بالمساس باستقلال القضاء يخالف المعايير الدولية
فمن الأمور البديهية أنه من المناسب، بناء على ذلك، أن تكون الأولوية والاعتبار أولاً لدور القضاة فيما يتعلق بنظام القضاء ولأهمية اختيارهم، فإنه ينبغى للحكومات أن تراعى وتحترم، فى إطار تشريعاتها وممارساتها الوطنية، المبادئ الأساسية التالية التى وضعت لمساعدة الدول الأعضاء فى مهمتها المتعلقة بضمان استقلال السلطة القضائية وتعزيزه، وأن تعرض هذه المبادئ على القضاة والمحامين وأعضاء السلطتين التنفيذية والتشريعية والجمهور بوجه عام - وهو ما يشكل ما يسمى بالرأى العام – ومن بين هذه المبادئ وأغلاها مبدأ استقلال السلطة القضائية ومن بين تلك النصوص ما يلى :
«ا-تكفل الدولة استقلال السلطة القضائية وينص عليه دستور البلد أو قوانينه. ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات احترام ومراعاة استقلال السلطة القضائية.2

3 -تكون للسلطة القضائية الولاية على جميع المسائل ذات الطابع القضائى كما تنفرد بسلطة البت فيما إذا كانت أية مسألة معروضة عليها للفصل فيها تدخل فى نطاق اختصاصها حسب التعريف الوارد فى القانون.
-4-لا يجوز أن تحدث أية تدخلات غير لائقة، أو لا مبرر لها، فى الإجراءات القضائية ولا تخضع الأحكام القضائية التى تصدرها المحاكم لإعادة النظر. ولا يخل هذا المبدأ بإعادة النظر القضائية أو بقيام السلطات المختصة، وفقا للقانون، بتخفيف أو تعديل الأحكام التى تصدرها السلطة القضائي 5----- 6------- 7---- من واجب كل دولة عضو أن توفر الموارد الكافية لتمكين السلطة القضائية من أداء مهامها بطريقة سليمة.»
وبناء على هذه المبادئ الدولية يمكن القول مشروع القانون الذى أعده مجلس النواب المصرى على صورته الراهنة يمثل مخالفة للمعايير الدولية التى أعلت من شأن استقلال القضاء فى كل دولة وانصرف الخطاب فيها للمجتمع الدولى، وكفلت عدم اعتداء السلطتين التشريعية والتنفيذية عليه، فضلاً عما فى هذا المشروع من امتهان للسلطة القضائية وإمعان فى تحقيرها وتدخلاً فى شئونها بتغيير آلية اختيار رؤسائها على خلاف المعيار المنضبط منذ إنشائها المتمثل فى الأقدمية .
الفرع الثانى: استقلال القضاء فى دساتير العالم
على المستوى الغربى، فإن النص على مبدأ استقلال القضاء قد ورد فى عدد من النظم الأساسية الأخرى، فموجب الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لكل فرد لدى الفصل فى حقوقه والتزاماته المدنية حق فى محاكمة عادلة من قبل محكمة مستقلة ومحايدة تقرر حقوق الفرد وواجباته وتفصل فى أية تهمة توجه إليه، كما نص على هذا المبدأ الاتفاقية الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية فى المادة 2/3 .
والخلاصة أنه وفقاً للمعايير الدولية لا يجوز أن تدخل السلطة التشريعية فى تنظيم القضاء أو اعادة تنظيمه بما يمس استقلاله أو ينتقص منه على أى وجه من الوجوه، وإلا عد ذلك عدواناً غير مبرر على استقلال القضاء، فالدستور وهو الأداة الأسمى فى الدولة – والمنبثق عن المواثيق الدولية على نحو ما سلف فى إجماع المجتمع الدولى على جعل السلطة القضائية مستقلة - عندما يقرر مبدأ استقلال القضاء كسلطة من سلطات الدولة فهو يوجه حظراً يمنع أى سلطة أخرى من أن تنال من هذا الاستقلال مهما كانت الأداة التى يتم بها هذا التدخل حتى لو كانت هذه الأداة تمثلت فى مجلس النواب ذاته، لأن الدستور يعلو عليه وعلى ما يصدره من تشريعات، وبهذه المثابة يكون مشروع قانونه فى هذا الصدد مخالفاً للمعايير الدولية .

المبحث العاشر : استقلال السلطة القضائية أصبح جزءاً من الضمير العالمى والوجدان الإنساني
إن الأسس الجوهرية لاستقلال السلطة القضائية تعنى التزام المشرع العادى بصياغة مبدأ استقلال السلطة القضائية فى نصوص تحميها من الاعتداء والإنكار، وينبغى أن يعى مجلس النواب المصرى أن مبدأ استقلال السلطة القضائية لم تكن فكرة وليدة اليوم، أو تقررت فى عمر وجيز، بل جاء هذا المبدأ نتاجاً لتجارب واقعية عاشتها الشعوب وتبلورت عبر
التاريخ، ثم توصل – من بعدها - الفكر القانونى إلى أنه لا يمكن حماية حقوق المواطنين وحرياتهم إلا من خلال قضاء مستقل فى مواجهة السلطتين التشريعية والتنفيذية، إن أهم غاية لاستقلال السلطة القضائية حمايتها من الاعتداء الذى قد يقع من قبل السلطة التشريعية أو التنفيذية، فلا يجوز لمجلس النواب أن يأتى اليوم ليقرر إهداره بين عشية وضحاها.
إن ضرورة المحافظة على استقلال السلطة القضائية يقتضى بالضرورة توفير الضمانات اللازمة للحيلولة دون الانتقاص من هيبته، وأول هذه القرارات التدخل من جانب السلطة التشريعية لتعهد لرئيس السلطة التنفيذية طريقة اختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية، فيضحى العدوان مزدوجاً لهاتين السلطتين على سلطة القضاء، ومؤدى ذلك إنهاء مبدأ استقلال القضاء وإرساء سلطان الحكم المطلق لإخضاع القضاء وإذلاله، فضلاَ عما يؤدى إليه من إهدار لكرامته .
ولما كان العدل يعد من أقدس التزامات الدولة لمواطنيها وهو أهم ركائز الحكم الرشيد الصالح، والقضاء هو الحصن المنيع الذى يلوذ به أصحاب الحقوق لاسترداد حقوقهم ويهرع إلى محرابه وساحته من أصابهم الحيف والجور ليدفع عنهم ما لحق بهم من ظلم وعدوان، وهم واثقون بأمانة القائمين عليه، ومطمئنين إلى قدراتهم على تمييز الحق من الباطل.
المبحث الحادى عشر :خاتمة لصالح الوطن
إن الإنسان أيام إذا مرت الأيام انقضى بعض الإنسان، وإذ صبر شيوخ القضاة بصوت العقل على مشروع قانون يهدر استقلالهم دون أن يعبأ مجلس النواب بخطورة هذا المشروع الجائر، فإن سجل التاريخ لن يستطع معهم صبراً وأن مجلس النواب، وهو على قمة مسئولية التشريع فى مصر، يجب ألا يرهق القضاة من أمرهم عسراً، بعد أن حط باستقلال القضاء شيئا نكراً، وأضحى فى ميزان الحق يقيناً خُسراً، وكان يجب أن يثاب القضاة بمزيد من الضمانات .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.