شهدت الفترة الاخيرة نشاطا دبلوماسيا مكثفا من جانب روسيا تجاه الملف النووي الايراني في محاولة لعودة ايران الي مائدة المفاوضات مع الدول الست الكبري, او فيما يعرف بمجموعة(5+1) اي الدول الخمس الاعضاء الدائمين في مجلس الامن بالاضافة الي المانيا بعد ان توقفت المفاوضات تماما منذ يناير الماضي في تركيا التي تريد لعب دور الوسيط, حيث تلقي ارتياحا من جانب طهران في ظل عدم الثقة في الغرب. ويعتبر الاقتراح الروسي خطوة- خطوة هو مثار الجدل حاليا او محور الاهتمام العالمي, ومن المعروف ان هذا الاقتراح ينص علي تخفيف العقوبات الاقتصادية علي طهران التي باتت تضر الشعب الايراني والدول الساعية الي التعامل اقتصاديا مع طهران مقابل كل خطوة ايجابية تبديها طهران حول برنامجها النووي, وكذلك الرد علي اسئلة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وهذا الاقتراح أظهر لنا عدم وجود رؤية واضحة ومستقبلية لتحالف الولاياتالمتحدة مع الغرب, فهناك تردد واضح من الجميع فالولاياتالمتحدة رحبت بالعرض ولكنها لم تبد موافقة او رفض والدول الغربية طالبت بعدم تقليل العقوبات بطريقة مبكرة وايران تري ان العرض فرصة يمكن ان تشكل اساسا لبدء المفاوضات حول التعاون الاقليمي والدولي. ورغم كل ذلك تتسارع الاحداث فرغم المؤشرات التي تري ان العرض الروسي فرصة جيدة لبداية جديدة في التعامل بين جميع الاطراف نري ايران تعلن عن نقل اجهزة الطرد المركزي الي مفاعل تحت الارض, وهي خطوة تنسف جميع الجهود المبذولة للعودة الي طاولة المفاوضات, حيث انتقدت الولاياتالمتحدة والدول الغربية هذه الخطوة وكذلك الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تري ان هذه الخطوة تمثل مزيدا من الخروج علي عدد من قرارات الاممالمتحدة التي تطالب ايران بتعليق جميع انشطة تخصيب اليورانيوم وما زاد علي ذلك انتاجها لألياف الكربون وهي مادة حساسة جدا ويمكن استخدامها في الصناعة النووية خصوصا لتشغيل اجهزة الطرد المركزي بهدف تخصيب اليورانيوم رغم ان العقوبات الدولية المفروضة علي طهران تحظر توريد ألياف الكربون الي إيران او تزويدها بالتكنولوجيا المطلوبة لتصنيعها وكأن ايران ترد علي التصريحات الامريكية بأن الولاياتالمتحدة تسير في خطين متوازيين هما الضغط بالعقوبات واحتمال اجراء محادثات, وكذلك ايران المضي قدما في برنامجها النووي واحتمال اجراء محادثات لذلك نجد الصورة ضبابية بعض الشئ. فلكل من روسياوايرانوالولاياتالمتحدة أهدافها ومكاسبها التي تريد ان تحققها من خلال المقترح الروسي, فبالنسبة الي روسيا فهي: صورة ارشيفية لنجاد مع ميديفيديف اولا: تريد ان تبني جسرا جديدا للثقة مع طهران بعد أحداث محطة بوشهر وكثرة تأجيل تشغيله, الامر الذي كان ينذر بحدوث توتر في العلاقات الروسية الايرانية وهو ما تنتظره الادارة الامريكية, حيث تري في توتر العلاقة بين ايران وأكبر حلفائها فرصة عظيمة لزيادة الضغط الدولي علي ايران وفرض المزيد من العقوبات الامر الذي ترفضه روسيا باستمرار. ثانيا: كثرة العقوبات الاقتصادية علي ايران تضر بالاستثمارات الروسية مع طهران, مع تخوف الكثير من الشركات العالمية من توقيع عقوبات عليها لتعاملها مع ايران وان هذه العقوبات لا تضر سوي الشعب الايراني. ثالثا: الاخذ في الاعتبار ما تتعرض له سوريا الحليف الاهم لإيران في المنطقة العربية من ضغوط امريكية لاسيما تحويل ملفها النووي الي مجلس الامن كورقة ضغط علي ايران, وبذلك تخفف الضغط علي سوريا الحليف المشترك لايرانوروسيا. رابعا: تريد روسيا لعب دور أكبر علي صعيد المجتمع الدولي بدلا من الاقتصار علي دور المتفرج, وفي نفس الوقت عدم الصدام مع الولاياتالمتحدة حتي لا تحدث خلافات مع الادارة الامريكية ليس هذا هو الوقت المناسب لحدوثها, كما ان روسيا ومن خلال ما حدث في منطقة شمال افريقيا والثورات العربية وجدت ان مصالحها ليست مع الغرب الذي يسير خلف الولاياتالمتحدة. اما بالنسبة لإيران فهي لم ترفض المقترح الروسي وفي نفس الوقت لم تقبله بل تتبع سياسة المراوغة, فهي في البداية رحبت به وأشاد به المسئولون الايرانيون علي جميع الاصعدة ووصفوه بانه من الممكن ان يكون تحريكا للمياه الراكدة بين جميع الاطراف وفرصة للعودة الي طاولة المفاوضات, الي اخر هذه العبارات الا انها لم تبدي الموافقة عليه وكانت الحجج والاعذار موجودة من عدم اكتمال الصورة النهائية للعرض الروسي وبعض التفاصيل التي تحتاج الي مراجعة ثم دراسة العرض قبل الموافقة عليه والغرض من كل ذلك هو إظهار النية في العودة الي المفاوضات وتهدئه الاجواء مع الادارة الامريكية بعد الانتهاء من محطة بوشهر وقرب تشغيلها خلال الفترة القليلة القادمة بعد التأكيدات التي حصلت عليها من الجانب الروسي بتشغيل المحطة في القريب العاجل, في محاولة روسية لمحو الصورة السيئة للخبرة الروسية في الطاقة النووية وكذلك إقدامها علي نقل أجهزة الطرد المركزي الي مفاعل تحت الارض مع الاستمرار في تخصيب اليورانيوم, الخطوة التي انتقدتها الولاياتالمتحدة بشدة لأنها تري ان البرنامج النووي الايراني لا يقدم اي تبرير مقبول لتخصيب اليوارنيوم بنسبة20% ولا زيادة انتاجه او نقل اجهزة طرد مركزي تحت الارض ولكن ايران قامت بهذه الخطوة كخطوة استباقية من اي هجمات قد تشنها اسرائيل او الولاياتالمتحدة اللتان لم تستبعدا توجيه ضربة وقائية لمنعها من امتلاك اسلحة نووية, علي الرغم من تأكيدات جميع الخبراء والسياسيين أن خطر حصول إيران علي القنبلة النووية أكبر من الخطر الناتج من مهاجمة منشآتها النووية, واذا أضفنا الي ذلك نجاحها في تجربة توربين مفاعل محطة بوشهر الكهروذرية نجد ان كل ذلك دفعها في النهاية الي بعض التلميحات التي أرسلتها الي الجانب الروسي باستعدادها للعودة الي طاولة المفاوضات في ضوء المبادرة الروسية, كما ان ايران علي الرغم من تأثير العقوبات الاقتصادية عليها الا انها تواصل العمل في البرنامج النووي اي انها تريد توصيل رسالة الي الادارة الامريكية مفادها ان سياسة العقوبات لن تجدي نفعا في كبح جماحها نحو استخدام الطاقة النووية, وان الحل الوحيد هو العودة الي طاولة المفاوضات من خلال سياسة التعاون والحوار وليس سياسة التهديد التي تنتهجها الادارة الامريكية ضد طهران طيلة الوقت لأن الواقع يظهر للجميع ان العقوبات لم تجعل إيران أكثر عزلة علي المستوي السياسي, ولم تضعف من نفوذها السياسي الإقليمي الذي شهد تحديدا خلال تلك المدة صعودا كبيرا ولا خففت من ازدياد التشدد الإيراني, كما لم تغير شيئا في السياسة الخارجية الإيرانية, والأهم من هذا كله, أن هذه العقوبات لم تثمر وقفا إيرانيا لتخصيب اليورانيوم أو وقف السعي المحموم لإيران للانضمام إلي نادي الدول النووية, ووضع الولاياتالمتحدة والغرب أمام واقع لا يمكنهم التهرب من مواجهته, بحيث يجد الغرب نفسه مكرها علي القبول بإيران النووية. واذا نظرنا الي ما يمكن ان تحققه الولاياتالمتحدة من مكاسب من خلال المقترح الروسي نجد ان الولاياتالمتحدة هي اقل الاطراف استفادة بل نستطيع ان نقول انه لا يحقق اي استفادة للادارة الامريكية وأنها تنظر بحذر بالغ للعرض الروسي ولن يؤثر عليها ما يجري علي ارض الواقع من تحرك ايراني ضد روسيا بإتخاذ اجراء قانوني ضدها علي خلفية رفض موسكو تسليم صفقة صواريخ اس-300 الي طهران العام الماضي بموجب عقوبات الاممالمتحدة ضد ايران بسبب برنامجها النووي بل يمكن اعتبار المقترح الروسي اختبار لمصداقية الادارة الامريكية امام المجتمع الدولي وان وافقت عليه ستكون مرغمه علي ذلك فهي تثق تمام الثقة ان تعاون ايران مع الوكالة لن يكون ذا قيمة او أهمية كبيرة, فإيران تتعاون مع الوكالة بالفعل منذ فترة طويلة أخرها زيارة هيرمان ناكارتس رئيس قسم الضمانات في الوكالة الدولية للطاقة الذرية الي طهران تفقد فيها جميع المواقع النووية الرئيسية في ايران, كما أن الوفد الذي رافقه زار محطة بوشهر النووية ومنشآت التخصيب في نطنز وفوردو ومواقع نووية في أصفهان وكذلك مفاعل اراك الذي يعمل بالماء الثقيل اي ان ايران ليس لديها من جديد تستطيع تقديمه للوكالة, وموافقة الولاياتالمتحدة علي هذه المقترح تعني تقليل العقوبات الاقتصادية التي تري الادارة الامريكية انها من الممكن ان تؤثر علي متخذي القرار في طهران من خلال الضغوط التي قد تسببها المعارضة والشعب الايراني نتيجة تدهور الاقتصاد الايراني من جراء العقوبات أضف الي ذلك ان الاقتراح الروسي لا يضمن للولايات المتحدة وقف ايران تخصيبها اليورانيوم بل علي العكس ستواصل عمليات التخصيب وقد تكون بوتيرة أسرع مع تقليل العقوبات الاقتصادية وزيادة الاستثمارات في مجال الطاقة, وهو الامر الذي تخشي منه الولاياتالمتحدة. فالصراع بين الولاياتالمتحدةوايران ليس صراعا نووي بل هو صراع نفوذ في المنطقة, فالولاياتالمتحدة كانت حتي القريب العاجل تهيمن علي المنطقة ولكن بعد التحولات الكثيرة التي حدثت وبداية الربيع العربي والثورات التي تشهدها المنطقة العربية وحالة الحرية التي تنادي بها الشعوب والتحرر من الهيمنة الامريكية يقلل من إحكام قبضتها علي زمام الامور واذا أضفنا الي ذلك سعي ايران الي التطلع للعب دور الريادة وزيادة دورها الاقليمي في المنطقة مع تركيا والعودة المحتملة للقاهرة لتصدر المشهد العربي فكل ذلك يهدد المصالح الامريكية في المنطقة حتي بعد سقوط نظام الرئيس معمر القذافي في ليبيا ومحاولة الولاياتالمتحدة في المستقبل لعب دور أكبر في ليبيا, وجميعنا يعرف ان النفط الليبي كان مقصد الولاياتالمتحدة منذ البداية مثلما حدث مع النفط العراقي' وتلك الايام نداولها بين الناس لعلهم يتفكرون'