بعد توقف المفاوضات حول الملف النووي الإيراني نحو تسعة أشهر، أي بعد فشل المحادثات بين إيران والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي بجنيف في ديسمبر الماضي وكذا فشل محادثات اسطنبول في يناير 2011 ، لاحت في الأفق بوادر انفراجة لتحريك هذا الملف المعقد بين الغرب وإيران على خلفية المقترح الروسي للحل. إذ شهدت كل من طهرانوموسكووواشنطن تحركات دبلوماسية مكثفة خلال الأسبوع المنصرم من أجل استئناف المفاوضات الخاصة بملف إيران النووي، وفي هذا السياق جاءت زيارة سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف لطهران يومي 15 و16 أغسطس الجاري ومناقشاته مع سعيد جليلي كبير المفاوضين الإيرانيين الذي أكد أن "المقترحات الروسية" يمكن أن تشكل "أساسا لبدء مفاوضات حول التعاون الإقليمي والدولي خصوصا بشأن النشاطات النووية السلمية". وجاءت زيارة المسئول الروسي لإيران ولقاؤه الرئيس محمود أحمدي نجاد، بعد إعلان إيران موافقتها على الاقتراح الروسي الذي يرمي إلى إجابة إيران عن أسئلة الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن برنامجها النووي، في مقابل رفع الحظر الاقتصادي عنها خطوة خطوة .. وتتركز هذه الأسئلة على اتهامات لإيران بالسعي إلى صنع رؤوس نووية. وفي المقابل .. جاءت زيارة وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي إلى موسكو لوضع اللمسات الأخيرة على الاقتراح مع نظيره الروسي سيرجي لافروف. وكانت أمريكا قد اقترحت لتنفيذ المشروع الروسي، وقف إيران نشاطات تخصيب اليورانيوم، وتحاول موسكو إقناع طهران بذلك، معتبرة أن الأمر مهم في التعاون بين البلدين، وقد اشترطت طهران أنها لا تمانع في الإجابة عن تلك الاتهامات، شرط أن تكون الأخيرة التي تطرحها عليها الدول الغربية، إذ كانت إيران أجابت عن أسئلة مشابهة نهاية العام 2008، من دون أن تنجح في إغلاق ملفها النووي في مجلس الأمن. وتكشف القراءة الأولية للتحركات الدبلوماسية على صعيد إيجاد مخرج لأزمة الملف النووي الإيراني، عن وجود مصالح روسية وإيرانية مشتركة نحو تحريك هذا الملف، إذ أن إيران تريد تهدئة المجتمع الدولي وامتصاص غضب الدول الأوروبية بدون فرض مزيد من العقوبات عليها، بعد إعلانها عن تركيب أجهزة طرد مركزي عالية السرعة في عدد من منشآتها النووية لتسريع وتيرة تخصيب اليورانيوم. وقد أثارت هذه الخطوة انتقادات حادة من جانب القوى الغربية التي ترى فيها دليلا إضافيا على عدم سلمية البرنامج النووي الإيراني . وخاصة فرنسا التي ترى في تركيب أجهزة الطرد الجديدة استفزازا للمجتمع الدولي. وكان رئيس الوكالة الذرية الإيرانية فريدون عباسي قد أعلن في الثامن من يوليو الماضي عن تركيب 164 جهازا جديدا للطرد المركزي، دون تقديم معلومات عن الأجهزة الجديدة، مؤكدا أن بلاده ستزيد إنتاجها من اليورانيوم المخصب محليا بنسبة 20% ، وأنها ستنقل عمليات الإنتاج من مركز ناتنز وسط البلاد إلى منشأة "فوردو" الأصغر حجما على مسافة 150 كيلومترا تقريبا جنوبي العاصمة طهران. فضلا عن ذلك فإن طهران تريد تعديل صفقة أنظمة صواريخ "إس-300" المضادة للطائرات، والتي ألغت موسكو تسليمها لطهران، بحجة التزامها العقوبات واستبدالها بنظام "إس-500" الذي من المقرر نشره العام 2015 لحماية العاصمة الروسية. ويمكن القول إن إيران قد نجحت دبلوماسيا في محاورة واشنطن من أجل كسب المزيد من الوقت لتحقيق طموحاتها النووية، ويعكس قبولها بالمقترح الروسي رغبتها في تحقيق خطوة تعد هى الأكبر في صراعها مع أمريكا. حيث من المقرر أن يتم تدشين محطة بوشهر النووية - بنهاية أغسطس الجاري - التي تعد تتويجا للتعاون بين طهرانوموسكو ضد الإدارة الأمريكية التي اعتقدت أنها من خلال أربع جولات من العقوبات استطاعت الحد من التقدم النووي الإيراني الذي طالما اعتقد الأمريكيون أنهم استطاعوا إرجاع البرنامج النووي الإيراني خطوة للخلف تقدم الإيرانيون خطوتين للأمام ومع كل حزمة عقوبات تخرج إيران بانتصار جديد بسبب تمسكها بحقها في استخدام الطاقة النووية كحق مشروع لها لا يمكن المساس به. وكان الملف النووي الإيراني قد شهد خلال عام 2010، مراحل متدرجة من التصعيد المتبادل بين الغرب وإيران، وسارت تطورات مواقف الطرفين الإيراني والدولي وفق مستويين، الأول ارتكز على العقوبات الدولية من قبل مجلس الأمن الدولي، وكذلك العقوبات الأمريكية والكندية والأوروبية والإسترالية واليابانية أحادية الجانب على إيران بسبب برنامجها النووي، والثاني ركز على فكرة الحوار بين إيران والغرب من أجل تقريب وجهة نظر الطرفين للخروج من النفق المظلم للمفاوضات. ففي مجال العقوبات الدولية المفروضة على إيران، كان مجلس الأمن الدولي قد أقر في 9 يونيو 2010 دفعة جديدة من العقوبات بتأييد 12 دولة، بما فيها الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، فيما رفضت تركيا والبرازيل القرار، وامتناع لبنان عن التصويت. ونص القرار الجديد الذي حمل رقم 1929 على فرض إجراءات ضد بنوك جديدة في إيران يشتبه في صلتها بالبرنامج النووي الإيراني أو برامج تطوير الصواريخ، ومنع المعاملات مع البنك المركزي الإيراني، كما تضمن القرار التوسع في حظر الأسلحة المفروض على إيران في القرارات الثلاثة السابقة، سواء العتاد العسكري التقليدي من دبابات وعربات مدرعة وطائرات هجومية ومدفعية متطورة، وكل ما يتصل ببرامج الصواريخ البالستية. ونص القرار كذلك على تفتيش السفن القادمة أو الخارجة من إيران في أعالي البحار أو في المياه الإقليمية للدول الأعضاء في الأممالمتحدة، في حال الاشتباه في حملها مواد يحظرها القرار، على غرار القرار الذي أقره مجلس الأمن بحق كوريا الشمالية، فضلا عن منع إيران من القيام بأي تعاملات تتصل بالتنقيب عن اليورانيوم في الخارج. وجاء توقيع هذه العقوبات على إيران، بعد رفض الدول الست الكبرى الاعتماد على الاتفاق الثلاثي المتعلق بمبادلة الوقود النووي الذي وقعته في 16 مايو 2010 كل من إيران وتركيا والبرازيل لإطلاق عملية تفاوض جديدة مع الإيرانيين، لوجود سلبيات في هذا الاتفاق، منها أن الاتفاق الثلاثي لم يعالج المخاوف الدولية والعربية المشروعة من النشاطات النووية الإيرانية ذات الطابع العسكري