يقول المفكر الانجليزي توماس كارليل عن الكتب: كل ما فعلته البشرية, أو فكرت فيه, أو ربحته أو كانته يرقد في بطون الكتب, يحافظ عليه كأنما بواسطة يد سحرية, كما نجد مواطنه المفكر الانجليزي فرنسيس بيكون يخص الكتب الممتازة قائلا: هناك كتب تستحق أن يذوقها القارئ. وكتب تستحق أن يلتهمها, وكتب تستحق أن تمضغ وتهضم, وكتاب من أوراق السادات للأستاذ أنيس منصور من نوع الكتب الممتازة التي تستحق القراءة والتذوق والمضغ والهضم لما فيه من الأحداث الجليلة, والمعلومات الجديدة, والأسلوب المبتكر في كتابة المذكرات التي يدور حولها هذا الكتاب بوجه خاص, وكتب الأستاذ أنيس منصور بوجه عام تلك التي بقدر ما يكون فيها بين الكاتب وقرائه من الاتصال, بقدر ما ينبغي أن يشعر كاتبها بمسئولية هذا الاتصال, ومشاركته لهم فيما يعرض لهم من مشكلات. وقد يتاح لكتاب من أوراق السادات النجاح والانتشار ما لم يتح لأي كتاب آخر عن الرئيس الراحل أنور السادات, وذلك لما تتضمنه صفحاته من الأحداث والمعلومات عن حياة الرئيس السادات قبل وبعد الثورة, بالطبع الي جانب حديثه بعد توليه مسئولية حكم مصر في فترة حاسمة من تاريخها هي فترة الحرب والسلام, وما يتعلق بهما, والمعاناة التي تكبدها الإنسان المصري بعد هزيمة يونيو1967 التي عشنا انكسارها في نفوسنا, ومرارتها في قلوبنا, ومأساتها في عقولنا, حتي كان انتصار اكتوبر1973, ومبادرة السلام مع إسرائيل, والإنجازان تما علي يدي الرئيس السادات, يضاعف من قيمة هذا الكتاب أنه نشر كمذكرات أسبوعية بمجلة أكتوبر وراجعها الرئيس السادات بنفسه وأجري بعض التعديلات كما يقول الأستاذ أنيس في مقدمته, ولم يكن عليها أية مآخذ أو انتقادات, وهي بهذا المعني تعتبر وثيقة تاريخية صادقة ومهمة, تدحض وترد علي ما عداها من كتابات مغرضة.. فتكرم صاحبها حيث تكون له وليست عليه, كما ترد علي هذا السيل الجارف من الادعاءات والافتراءات, الأكاذيب والأباطيل التي استهدفته حيا وميتا ولم تترك نقيصة إلا ونسبتها إليه حتي الفقر الذي لا يعيبه, ولون البشرة الذي لا دخل له فيه يعيرونه بهما. وغاب عن أصحاب هذه الأساليب أن مجرد الإشارة الي حالة الفقر ولون البشرة فعل طائش مبالغ فيه ولا قيمة له, لكن ما العمل وقد تولي كبر ذلك نفر تتهافت كتاباتهم أمام أي حالة من التفكير العقلي العادي, وليس باستخدام المنهج العلمي مستحدمين في ذلك سلاح الأرشيف الذي سرعان ما يرتد اليهم حين يستخدم ضدهم.. وهكذا لقي الرئيس السادات ما لقي, ونسب إليه ما يقطع المرء بأنه بريء منه, حيث لم يرد لوطنه ولعروبته إلا الخير في ساعة عظيمة من حياة الأمم, فصنع إنجازات تحتاج الي جيل آخر يكون انفذ بصيره وأشد عدلا للحكم له أو عليه, ولعل ما سجله الأستاذ أنيس منصور يؤكد هذه النظرة. والحق أن هذا الكتاب يحتاج الي صفحات طوال لتقويمه وتحليل مادته المهمة ومقارنتها بغيرها من مواد كتب أخري عن السادات, حسبنا أن نشير من بعيد الي مضمون صفحاته في سطور, فهذه الصفحات تشتمل علي أحداث مهمة ومتداخلة منها لقاء السادات بمرشد الاخوان المسلمين حسن البنا, وقيام الثورة وتنازل الملك فاروق ونهاية الملكية, وبداية النظام الجمهوري, بتولي قائد الثورة محمد نجيب الرئاسة ثم تنحيته واستبعاده, وتولي الزعيم عبدالناصر مسئولية الحكم, وبداية العلاقات مع الغرب والخلاف معه, وخاصة القوتين العظميين السوفيت والأمريكان, مع السوفييت بدأ الخلاف بسبب تقاعسهم عن إرسال الأسلحة, ومع الأمريكان الذين يتحيزون علانية لإسرائيل, ثم العدوان الثلاثي علي مصر والوحدة مع سوريا والانفصال, وهزيمة يونيو1967, واحتلال إسرائيل لسيناء وحرب الاستنزاف, ومبادرة روجرز, ورحيل الزعيم عبدالناصر, وتولي نائبه الرئيس السادات حكم مصر واستمرار التجهيز للحرب, والخلاف مع السوفيت وطرد خبرائهم مما جعلهم يؤلبون بعض الدول العربية ضد مصر, وانتصارنا في1973, وبروز مواقف جليلة لكل من الملك فيصل والرئيس الجزائري بومدين والرئيس اليوجوسلافي تيتو, والتقارب الأمريكي وظهوركيسنجر ووقف اطلاق النار, ومفاوضات الكيلو101, إلي آخر ما يتصل بالحرب والسلام في هذه المذكرات التي لا غني عنها.