من الظواهر الايجابية وسط هذا الزخم الانفعالي الزاعق, تلك اللقاءات الثقافية التي تضم في صفوفها صفوة من المفكرين والمثقفين يدور بينهم حوارهاديء سمته التقدير والاحترام بين المتحدث والمستمع, بعيدا عن الضخب الحواري. ثمة حراك مجتمعي لكنه يفضي الي لغو وسفسطة, ولا يقدم للمستمع أو الملتقي مايفيده أو يعصمه من مغبة الجهل بما يدور حوله ويوقعه في حيرة قد تسلمه الي حالة من يأس واستياء. كان هذا اللقاء الطيب حول المنتدي الثقافي بالقاهرة, وكان ضيف المنصه هو واحد من رموز الثقافة العربية الدكتور محمد العزيز بن عاشور مدير المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم( الألكسو) الذي قدم محاضرة ضافية تضمنت مفهوم الثقافة العربية وسط ما أحدثه الربيع العربي من متغيرات. ثم فقرة مداخلات السادة الحضور التي كانت مشاركتهم تمثل نموذجا للوحدة العربية, فمن سوريا الي اليمن وتونس ومكة المكرمة وليبيا. وقد أثارت هذه المداخلات موضوعات شتي ربما يكون أبرزها الثقافة العربية ومعطيات اللحظة الراهنة التي يمر بها كثير من بلدان الوطن العربي ثم الحديث عن اللغة العربية وما آلت إليه أحوالها من ضعف وترد وما تواجهه من صعوبات وتحديات, معظمها تجري علي أيدي أهلها والناطقين بها, وموضوع التعليم ومناهجه التي لا تواكب عصر التدفقات العلمية والمعرفية التي يموج بها العالم من حولنا والمطالبة بتوحيد هذه المناهج علي مستوي الوطن العربي. ولأن الثقافة أصل جوهري ومحور أساسي ترتكز عليه مختلف الفنون والآداب, وهي في مفهومها العام تعني جموع المعارف والمهارات واستيعاب معطياتها, والثقافة الفطرية التي تشتكلت منها أصل التقاليد والعادات. ويدخل في نطاق المفهوم العام للثقافة ما يعرف بالثقافة العلمية والتي يجب أن تمثل واحدا من أهم الملفات في دائرة اهتمام القيادة المصرية المقبلة, وان يكون لها أولوية خاصة من حيث الاعتمادات المالية والامكانات المادية, فعليها تقوم نهضة المجتمعات وتقدمها. وإذا كانت هذه الثقافة تحمل في ثناياها رؤية مختلفة للعلوم والمعارف فهي لا تخلو من أن تكون رؤية للمستقبل بل تكون فرعا أساسيا من فروع علوم مستقبلية يستشرف هذا المستقبل الذي لا ينبثق من فراغ وإنما هو يأتي تأسيسا علي ماهو قائم وذهابا الي أبعد ما يمكن أن يتصوره العقل الإنساني وما الحضارة الإنسانية المعاصرة إلا نبتة ذكية من نتاج الفكر القائم علي البحث العلمي وما يفرزه الخيال الإبداعي في مجال الثقافة العلمية والتي تعتبر الآن من أهم وسائط نقل الفكر العلمي الي الأجيال التي يحفزها من خلال توصيل المعلومة العلمية والتي تأتي بالنتائج الإيجابية التي نشهد علاماتها الجلية في المجتمعات الغربية بين جموع الشباب وهم يقبلون علي مختلف مجالات العلوم وبالأخص علم الكومبيوتر, وقد وقفنا علي قدرة هذا العلم في تفجير ثورة52 يناير عبر هذا الفضاء الافتراضي, الذي أنضوت تحت رايته أمة بأسرها. ولأن الثقافة العلمية ترتبط أرتباطا وثيقا بعوامل نمو الحضارة الإنسانية, فنشهد ما وصلت إليه في الدول المتقدمة وما حققته للإنسان من إنجازات حضارية وإختراعات علمية في مجالات مختلفة. ونلاحظ مدي تراجع الثقافة العلمية في الوطن العربي لأسباب كثيرة منها ارتفاع نسبة الأمية, مع وجود قصور شديد في مكونات المناهج التعليمية من حيث المادة العلمية, أيضا ما تواجهه عملية نشر الثقافة العلمية من قلة المجالات العلمية المتخصصة, مع قلة عدد الباحثين العرب الذين يكتبون في مجال الثقافة العلمية ولأن هذه الثقافة هي الوسيلة المثلي للمعرفة التي يحتاج لها الانسان لكي يفهم العالم من حوله فلابد أن يبدأ الاهتمام بها مع الطفل, مع تهيئة المناخ العلمي له حتي ينشأ محبا للموضوعات العلمية وقادرا علي ممارسة التفكير العلمي ومن ثم يستطيع مواجهة علم الغد دون أن يصاب بصدمة المستقبل. إن الامية العلمية تجعل الإنسان يشعر بالاغتراب والضعف عندما لايكون قادرا علي تفسير بعض الظواهر العلمية, ولأن المعني الحقيقي للثقافة العلمية يكمن في أن يفكر الناس في حياتهم اليومية تفكيرا علميا, فغياب هذا التفكير يعني كارثة محققة علي المستوي التعليمي والثقافي والاجتماعي, ولاسبيل الي إحياء هذه الثقافة إلا من خلال تعليم مؤسس علي فكر قومي هادف يدعم التفكير العلمي لدي الأطفال والشباب, وحركة ترجمة قوية من اللغات الأجنبية الي العربية في المجالات العلمية النظرية والتطبيقية فالثقافة العلمية هي إحدي الوسائل الرئيسية في مواجهة المستقبل.