لقد حان الوقت أن يستعيد الأزهر الشريف دوره في العالم وأن يكون المركز والمنارة المشعة والمشرقة للعالم الاسلامي. لن يتأتي ذلك إلا بالانطلاق في هذه اللحظة الفارقة في تاريخ مصر, التي تتطلب أن تستعيد مؤسساتها كل أدوارها ومكانتها في العالم وفي مقدمتها الأزهر الشريف بعد ثورة 25يناير. ولعل من المناسب هنا ان نشير الي واحد من قياداته الذين احتفظوا للأزهر الشريف بمكانته واستقلاليته رغم العواصف الشديدة في ذلك الوقت. هو الإمام الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق. وقد خلف لنا الراحل( مايو1910 أكتوبر1978) زادا كبيرا من المعرفة التي تمثل إضافة ثرية للمكتبة العربية والاسلامية بأمهات الكتب بين تحقيق وتأليف ودراسات وأبحاث وترجمة أسهمت في نشر قيم التسامح والتدين الناضج الذي يؤكد تقدم الأمة ونهضتها. وكما يضع النقاط علي الحروف في كثير من القضايا واحتفظ للأزهر باستقلاليته ولرجال الأزهر بمكانتهم. ولم يرض أن يكون تابعا لحاكم أو سلطان وتمسك بأن يقول الحق وحده مهما كلفه ذلك فأختار لنفسه المصداقية وللأزهر الاستقلالية ووضعه في نفوس المسلمين في كل مكان كمرجع ومنارة للفكر المستنير. والمتتبع لحياة وأعمال الإمام يجد أمامه فيضا من العلم والتقوي ومايطلق عليها التجليات في اتصاله بالقرآن والسنة ومسائل العقيدة والتفسير والحديث والفقه, وفي علاقة التزام قوي الغرس بالتطبيق. وهو الأصل في الأمور الدينية أي علاقة الحب والعبودية. ولعل دراسة متأنية لحياة الإمام في رحاب الأزهر الشريف منذ بواكير عمره تكشف لنا الكثيرعن تكوينه اللاحق بعد ذلك كعالم محقق يطابق قوله فعله وهو مع كوكبة من المفكرين يمثلون شموعا مضيئة في الفكر الاسلامي في العصر الحديث ومنهم الشيخ محمد مصطفي المراغي والشيخ الزنكلوني والشيخ محمود شلتوت وغيرهم كثير من فضلاء العلماء, وكان لهم إسهاماتهم في تكوينه المعرفي جنبا الي جنب مع القراءات الموسعة في إطار المذهب السلفي علي وجه التحديد وحضوره وندوات الشبان المسلمين وجمعية الهداية, ومجالس الأستاذ محمد فريد وجدي. وندوات الأحزاب السياسية, ومشايخ التصوف ولا يمكن الحديث عن الامام الراحل دون التطرق الي المحطة المهمة في تاريخ تكوينه وهي سفره لباريس بعد حصوله علي العالمية ودراسته للمناهج العقلية والحديثة, وقيام عنصر المقارنة في نفسه بينها وبين طريق النص. واختياره للطريق الثالث وهو منهج العبودية أو الاتباع الذي كان حصيلة دراسته للدكتوراة في التصوف عن الحارث بن أسد المحاسبي. ويبقي التساؤل ماالذي قدمه الإمام الراحل من أعمال وسيرة وممارسة تميزه وتضعه في مصاف الكبار, وعلي الفور يأتي الي الذهن صموده في وجه الظلم والطغيان ورفضه بيع الضمير حيث ثبت علي عقيدته وإيمانه كالجبل الرأسي وقام بإعادة اعتبار الأزهر ومكانته الي النفوس, وإزالة العوائق والعراقيل التي وضعت في طريقه. وفتح بابه علي مصراعيه للوافدين من طلاب العلم والدين.