عمنا وأستاذنا وأديبنا الكبير نجيب محفوظ أختص الأديبة الكبيرة سناء البيسى بمقالات من نوع جديد سماها "أحلام فترة النقاهة" وهي عبارة عن قصص قصيرة جدا يعتمد فيها الكاتب الكبير علي الرموز في التعبير نشرتها سناء البيسى في مجلة نصف الدنيا في نهاية القرن الماضى. وكان محفوظ قد بدأ في كتابه أحلامه بعد حادثة الاعتداء عليه عام 1994، وأصابته بضعف في الحركة والسمع. وقد قالت سناء البيسي عن الأحلام " شباب قلمك يذهلنا جملتك اللغوية تراكيبها نجيب محفوظية بالعناية السامقة، طاوعتك الرواية فأجلستك على عرشها راضية مرضية، وها أنت في حلمك تشرخ في الأرض البكر تقبلها وتنقيها، تذريها تخصبها، تولدها تحصدها لتغدو آمرها وناهيها ومالكها المتحكم في هكتاراتها وفدادينها وغاباتها وحواريها وأزقتها" . ولكنني عندما قرأت بعض من هذه الأحلام لم أفهم ماذا يقصد بها أديب نوبل فسألت الأستاذة سناء البيسى فأجابتني : انها قصص تعبر عن مصر حاليا أو توقع ما سيحدث لها في المستقبل ولكن في صورة رمزية . وتمر السنون وشاهدت أحد أحلام نجيب محفوظ يتحقق في محاكمة مبارك وأعوانه من خلال شاشات التليفزيون . يقول هذا الحلم : "هذه محكمة وهذه منضدة يجلس عليها قاض واحد وهذا موضع الاتهام يجلس فيه نفر من الزعماء وهذه قاعة الجلسة، حيث جلست أنا متشوقاً لمعرفة المسئول عما حاق بنا، ولكني أحبطت عندما دار الحديث بين القاضي والزعماء بلغة لم أسمعها من قبل، حتى اعتدل القاضي في جلسته استعداداً لإعلان الحكم باللغة العربية، فاسترددت للأمام، ولكن القاضي أشار إلىّ أنا ونطق بحكم الإعدام، فصرخت منبها إياه بأنني خارج القضية وإني جئت بمحض اختياري لأكون مجرد متفرج، ولكن لم يعبأ أحد بصراخي" . توقع نجيب محفوظ محاكمة مبارك والنظام السابق منذ عدة سنوات فمن كان يتوقع أن يكون الزعماء موضع الاتهام ويتم محاسبتهم عما حاق بنا والشعب والذي يرمز له نجيب محفوظ بشخصه خارج القفص ينتظر الحساب والعقاب لهؤلاء الزعماء .. ولكن تبقى النهاية فالظروف التي كتب فيها الأستاذ نجيب محفوظ كان دائما النصر للزعماء ضد الشعب ولكن بعد هذه الثورة أصبح النصر للشعب وحكم القضاء سيكون عقابا لهؤلاء الزعماء وليس ضد الشعب ، ولو عاش أديبنا العالمي لهذه الفترة لتغيرت النهاية علي يديه فالمحكوم"الشعب" أصبح حاكما والحاكم"مبارك" أصبح في قفص الاتهام وقضاء مصر العادل النزيه سيقول كلمة الحق في النهاية الجديدة لحلم نجيب محفوظ . المزيد من مقالات عادل صبري